جاء الحصار الاقتصادي على سوريا قلب العروبة النابض ليستكمل الارهاب العسكري والسياسي والامني والاعلامي التي تعرضت له سوريا المجتمع والدولة، الشعب والجيش، البنى التحتية والموارد الاقتصادية. هذا الحصار هو محاولة لضرب هذا البلد العظيم دوراً وموقفاً وموقعاً ولتعطيل كل ذلك في صراع الامة مع اعدائها الطامعين في الهيمنة عليها واملاء سياستهم عليها وعلى شعبها.
لقد قال بن غوريون منذ اكثر من ستين سنة موجهاً كلامه للصهاينة: "ان عظمة اسرائيل لا تكمن في قنبلتها النووية وانما تكمن في انهيار ثلاث دول عربية مصر والعراق وسوريا". فالصهاينة وحلفائهم وفي المقدمة منهم الادارة الاميركية عملوا ويعملون ليل نهار ليحققوا ذلك غير انهم فاشلون الى يوم القيامة. ويعني ما تقدم ان هناك سياسة استعمارية صهيونية تسعى لاحكام الحصار على كل شعب يأبى الرضوخ لها ودول مصر والعراق وسوريا تقف صامدة محاربة لهذه السياسة.
ان هذا الامر يلزمنا اليوم بضرورة تحمل المسؤولية تجاه شعب سوريا البطل في مواجهة الحصار الاقتصادي المفروض عليه، ولا يتحقق ذلك الا بتنظيم حراك شعبي عربي ودولي فهو الطريق الانجح لاسقاط هذا الحصار ومفاعيله وتداعياته. ان ما نص عليه ميثاق الامم المتحدة في المادة (41) من الباب السابع تفرض عقوبة الحصار الاقتصادي حفاظاً على السلم غير ان هذا النص لا يعفي مجلس الامن من التقيد بقانون حقوق الانسان والقانون الدولي الانساني عندما يفرض هذه العقوبة على دولة من الدول.
والحصار سواءً أكان جماعياً او فردياً ينبغي ان لا ينزل من مستوى معيشة السكان الى ما دون مستوى الكفاية، ولا يجوز ان يحرمهم من الحقوق الانسانية الاساسية في الحياة والبقاء، التي نصت عليها المواثيق والمعاهدات الدولية واعلان حقوق الانسان خاصة ما يتعلق منها ايضاً بالصحة والمعيشة والملبس والسكن والرعاية الطبية والتحرر من الجوع والتعليم وسوى ذلك.
وعلينا ان نسجل مدى التأثير والمعاناة على الشعب المحاصر وتأثير العقوبات على مدى النسيج الاجتماعي والبنية التحتية للمجتمع والتي تؤدي حتماً الى الارهاب والفقر والمرض والجوع، وهذا ما يحصل لشعب سوريا اليوم، بل اقصى من ذلك حيث ان العقوبات الاقتصادية هي احادية ومفروضة في الادارة الاميركية وادارات دول الاتحاد الاوروبي واستراليا وكندا، لكن شعوبها لا تمكن ان تجاري اداراتها السياسية في ذلك، هذا وان عدم صدور قرار عن مجلس الامن هو مخالفة للشرعية الدولية وهو قرار غير اخلاقي وغير انساني مما يقتضي وقوف كل احرار العالم ضده.
والجدير بالذكر ان هذا الحصار على سوريا أثّر تأثيراً مباشراً على الشعب بكل فئاته العمرية، كما أثّر ايضاً على الصحة والغذاء والدواء والتعليم، كما أثّر ايضاً بأضرارٍ كبيرة على الادارة والمباني والمؤسسات الرسمية، واصبح اليوم يستهدف بشكل مقصود وعن سوء نية مبيتة بتأخير كل ما يتعلق بالإعمار.
ان الرد على العقوبات يكون ببناء اقتصاد وطني ذاتي، وحلول ابتكارية، ووضع الاولويات، والتعاطي مع المواطنين كرعايا اصحاب الوطن وهذا ما عملت وتعمل له الدولة السورية، ولا ريب فإن الصمود الشعبي والعسكري ساعدا الادارة بأن تدير الازمة بنجاح.
ان هذا الملتقى الرائع لاصدقاء سوريا، والمحبين للسلام، والعاملين لحقوق الانسان والمتضامنين مع عمالها، يوجب علينا العمل على ثلاث جبهات، قانونية وسياسية وثقافية مواكبة للاعلام وموجهة له، وادواتها لجان على المستوى الوطني والقومي والاممي لا بد من تشكيلها في هذا الملتقى ليضاف اليها لاحقاً من يرغب في الدعم والمواجهة عربياً ودولياً.
وهذه اللجان يجب ان يتوفر لها سبل النجاح وخاصة في المتابعة حتى فك الحصار الاقتصادي وذلك من كل نقابات المهن الحرة وسواها من الجمعيات والمنظمات والاحزاب والهيئات العاملة لحقوق الانسان السورية والعربية لتتابع القضية مع مثيلاتها في العالم وذلك لتحريك مجتمعاتها وسياسيها واعلامها خدمة لفك الحصار عن ابناء شعبنا العربي السوري (الاطفال والكهول والشباب والنساء)، واحد اشكاله تنظيم وقفات احتجاجية تحت شعار "اوقفوا العقوبات والحصار عن الشعب السوري".
كما من الضروري جداً قيام كل من اتحاد المحامين العرب واتحاد الحقوقيين العرب والاتحاد الدولي للمحامين والاتحاد الدولي لنقابات المحامين ومنظمة العمل العربية والمنظمة العربية لحقوق الانسان لعقد منتدى عالمي قانوني، او على الاقل اللقاء فيما بينهم لوضع كل الامكانيات الحقوقية لدراسة مواجهة قانونية اممية بالخصوص ضد الدول صاحبة القرار اللانساني والارهابي، لان هذا القرار يشكل جريمة ضد الانسانية، هذا ولا بد ايضاً من ان نخاطب البرلمانات العربية والاجنبية للتحرك للعمل على رفع الحصار بشتى الطرق المتاحة، كما ايضاً غرف التجارة والصناعة والزراعة العربية وغيرها بهدف فتح اسواق التصدير والاستيراد والترويج للبضائع والمنتجات السورية ووضع سياسات ضرائبية تفيدها.
ونرى ان للجاليات العربية في المغتربات دورٌ اساسيٌ وفاعلٌ في تبيان آثار وتداعيات الحصار على الشعب السوري وفي تأخير الإعمار، حيث ان الهجمة البربرية المنظمة والتي وصلت لتصبح كونية في تجنيد الارهابيين وارسالهم الى سوريا وما فعله الارهابيون من قتل للبشر وهدم للحجر بحاجة لسرعة في الإعمار منعاً لخلق بيئة مناسبة للفقر والتطرف والعنف والارهاب.
ونرى ايضاً انه لا بد من دعم سوريا لاستعادة مناطق إدلب حتى الحدود التركية وهي التي تشكل خزان الاقتصاد السوري، والعمل على إلغاء كل الاجراءات العقابية المتخذة بحق وسائل الاعلام السورية وهذا يتطلب تحركاً منظماً من اتحاد الصحفيين العرب وتنشيط علاقاته مع الاتحادات الاعلامية في العالم.
وفي الختام، نحي مبادرة المؤتمر القومي العربي، والمركز العربي الدولي للتواصل والتضامن لعقدهما منتدىً تحضيرياً بالخصوص في بيروت بتاريخ 1/6/2019 وندعو الى تحريك كل الجهات العربية والاقليمية والدولية فوراً والانتقال من التنظير الى التنفيذ، ولتشهد الساحات العربية قبل الاقليمية والدولية بمواقف حاسمة من كل القوى الحية في امتنا كالتي حصلت يوم كانت الباخرة المصرية كليوباتره قد دخلت مرفأ نيويورك لإفراغ حمولتها، كما هي العادة وجوبهت من ادارة مرفأ نيويورك وعماله برفض إفراغ حمولتها، وتعرضت لاعتداء فما كان من الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب الا ان اجتمع واتخذ قراراً فورياً بالرد على هذا الاجراء الاميركي فحواه مقاطعة جميع البواخر الاميركية التي تدخل الموانئ العربية ومنعها من تفريغ حمولتها حتى يتم تفريغ حمولة الباخرة كليوباترة في مرفأ نيويورك واطلاقها، وقد رضخت اميركا بحينه لقرار الاتحاد وانتصرنا.
المطلوب الآن من الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب والاتحاد العام لنقابات العمال في الجمهورية العربية السورية وكل الاتحادات العربية ان يبادروا فوراً الى اتخاذ مثل هذا القرار في كل الاتجاهات والنشاطات ضد ادارات الدول مع اميركا والاتحاد الاوروبي واستراليا وكندا تأكيداً لصمودنا وارادتنا ووحدتنا العمالية والشعبية ضد كل من يتعدى علينا.
نثمّن عالياً الدعوة لهذا الملتقى النابع من حس وطني صادق وتضامن قومي متين. ونحيي الامين العام للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب المناضل غسان غصن، كما نحي رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال في الجمهورية العربية السورية المقاوم جمال القادري.
نحن اقوياء بوحدتنا، نحن اقوياء بإراتنا، نحن اقوياء بمقاومتنا، علينا ان نأخذ المبادرة مهما كلفنا ذلك من تضحيات،
عاشت سوريا حرة منتصرة دائماً،
عاشت هذه النخبة الانسانية العالمية المشاركة في هذا الملتقى،
عاش العمال العرب.
المحامي عمر زين، الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب.
القيت هذه الكلمة في "الملتقى النقابي الدولي الثالث للتضامن مع عمال وشعب سوريا لكسر الحصار الاقتصادي ورفض التدخلات الامبريالية والارهاب"، الذي انعقد في دمشق، يومي 8 ـ 9 ايلول / سبتمبر، 2019.