لا تهدئ الحكومة بال المواطنين. من يومين، ثلاثة، يكرر وزراء ونواب ومسؤولين الدعوة إلى الخصخصة. يشيرون إلى قطاع الكهرباء والإتصالات والنفط والنقل ومصالح عامة أخرى، ويقترحون "استثمار" وبيع أملاك الدولة، ورفع أسعار البنزين. يمهد هؤلاء، علانية، لموجة نهب جديدة للأصول العامة للدولة، التي هي ملك عامة اللبنانيين. موجة النهب القديمة حققتها "الطبقة السياسية" مع برامج الخصخصة في أول التسعينيات. منذ ذلك الحين، أصبح السياسيون يملكون خدمات بريد وإنترنت ومحطات تلفزة، وتحويل النقود، وامتلكوا شركات معاينة الميكانيك، والسوق الحرة، ومدارس وجامعات، كما صاروا أصحاب شركات مستشفيات ومواقف سيارات، وجمع ونقل وفرز وطمر النفايات، وشواطئ ومصارف، وتأمين، وأراضٍ مشاع، ومحميات غابية، ومغاور سياحية وينابيع مياه، وصولاً إلى بيع الكهرباء والماء للمنازل. ناهيك عن أن أقطاب هذه "الطبقة" تقاسموا وضع اليد على مؤسسات أو هيئات حكومية ذات موازنات مالية "حرزانة". في الموجة السابقة ذهب الجوعان. في الموجة الجديدة يأتي الفجعان. هذا ليس فساداً. المواطنون ـ الناخبون سمحوا بذلك. مع الأسف. تركوا "الطبقة السياسية" تستولي على الثروة العامة من دون اي "حساب ديموقراطي".
اللواء
شهيّة التفاح تفتح باب الخلافات حول مصير الحكومة وكبت الحريَّات!
عون: كلنا في مركب واحد.. والحريري ضد السجن ودعوة جنبلاطية لعدم التعرُّض للرئيس
نقطة محورية حاسمة في نقاشات البحث عن قواسم مشتركة لإدارة المخاطر الاقتصادية المحدقة بالبلاد، هي التمسك بحكومة سعد الحريري، التي هي حلقة من حلقات التسوية الرئاسية التي تدخل عامها الرابع في أسابيع قليلة..
وهذه المسألة، شدّد عليها الرئيس سعد الحريري، في دردشة مع الصحفيين في السراي الكبير، عندما نفى أي خلاف مع الرئيس ميشال عون، وأن لا أزمة ثقة بين الرجلين، ولا حتى خلاف. ويغادر الرئيس الحريري بعد ظهر الأحد إلى أبو ظبي على رأس وفد يضم سبعة وزراء، منهم وزراء المال والداخلية والاقتصاد والتكنولوجيا، للمشاركة في مؤتمر الاستثمار اللبناني – الاماراتي الثاني.
الحريري
وما بين مجلس الوزراء، الذي كان ميداناً لنقاشات ساخنة بين الوزراء حول الحريات والإعلام والقوانين، من دون ان تتحوّل إلى مواجهات، واجتماع اللجنة الوزارية للاصلاحات الاقتصادية والمالية التي تابعت درس الأوراق الإصلاحية للكتل والأحزاب المنضوية في الحكومة، نفى الرئيس سعد الحريري ان تكون هناك أي مشكلة بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون، مؤكداً أن «لا أزمة ثقة بينهما»، وانه «يعرف علاقته به جيداً، واننا نحترم بعضنا البعض».
وجاء هذا النفي على خلفية تأزم العلاقة بين تيّار «المستقبل» و«التيار الوطني الحر»، بالتزامن مع انتقادات تردّد ان الرئيس عون وجهها إلى الحكومة، بالتقصير عن مواجهة الأزمة التي تعرّضت لها الأسواق المالية، خلال وجوده في نيويورك، لكن الرئيسين عون والحريري يبدو انهما حريصان على تبديد الشائعات حول علاقتهما، في حين أكّد عضو المكتب السياسي لتيار «المستقبل» النائب السابق مصطفى علوش لـ«اللواء» ان التسوية الرئاسية وقفت عند أعتاب الأمانة العامة والمكتب السياسي للتيار، في إشارة إلى ان ما جرى بالنسبة لملابسات إلغاء اللقاء الذي كان مقرراً اجراءه مع الوزير جبران باسيل في مقر الأمانة العامة للتيار، لن يؤثر على العلاقة بين رئيسي الجمهورية والحكومة، على اعتبار ان العلاقة بين التيارين لم تكن يوماً سمناً على عسل، لان التفاهم الرئاسي بقي محصورا بين الرئيسين، وبالطبع مع الوزير باسيل، ولم يصل إلى حدود الأمانة العامة أو المكتب السياسي، اللذين بقيا خارج الموضوع.
مجلس الوزراء
واستناداً إلى تأكيد علوش بأن ما حصل لن يؤثر سلباً على التفاهم الرئاسي الذي ما يزال قائماً على المستوى الرئاسي، يُمكن القول ان مجلس الوزراء استعاد زمام الأمور نوعاً ما لجهة عرض ما يجب عرضه من مواقف، وبرزت فيها لاءات رئاسية: لا مهاجمة لليرة، ولا إطلاق للشائعات بحق المصارف، ولا لأعمال الشغب، فيما النقاش الذي اتسم بالسخونة لم يصل الى حدّ التشنج ولا المواجهات، وان كان الوزراء انقسموا في مواقفهم حيال معركة الحريات بين الحريص عليها وبين الدعوة إلى وضع ضوابط.
غير ان اللافت في هذه المناقشات ان حصة الموازنة كانت متواضعة، الا ان البارز فيها تمثل في تناغم وجهتي نظر «القوات اللبنانية» و«التيار الحر» من موضوع وجوب ربط الموازنة بالاصلاحات. وهو ما أكّد عليه الوزير باسيل الذي أبدى عدم رضاه عن مسار الإصلاحات التي تمّ الاتفاق عليها قبل أسبوعين. وقال انه مع إقرار الموازنة في موعدها وهذا يستوجب الإسراع في درسها، ولكن لن نوافق على أي موازنة من دون إقرار الإصلاحات، وبالتالي لا موازنة من دون تنفيذ خطة الكهرباء، كما انه لا زيادة على تعرفة الكهرباء إذا لم يتأمن التيار 24 على 24.
وهذا الموقف الذي حظي بتأييد قواتي، ردّ عليه الرئيس الحريري مساء، مؤكداً خلال إطلاق «التنمية المستدامة 2030» في السراي، ان الإصلاحات والموازنة تسيران بالتوازي، فنحن لدينا مهلة دستورية تنتهي في 15 تشرين، ونعمل على إنهاء الموازنة ضمن هذه المهلة، وستكون هناك إجراءات ضمن الموازنة، لافتا إلى ان اجتماعات مجلس الوزراء ستشهد إقرار بعض الإجراءات التي لا تحتاج إلى قانون بل إلى مراسيم، كما ندرس مشاريع قوانين أخرى، سواء بالنسبة إلى الجمارك أو الالتزام الضريبي، وكل الفكرة انه حتى نهاية هذا العام يجب ان تصدر كل هذه القوانين عن مجلس الوزراء وتحال إلى مجلس النواب.
ونفى الحريري ما نسبته بعض الصحف إلى وصف الرئيس عون له «بالكسول»، وقال: «صدر نفي لهذا الموضوع من بعبدا، وأنا اعرف رئيس الجمهورية، ولا اظن ان الرئيس عون يفكر على هذا النحو». وأوضح ان بعض الإعلام سرب حديثاً مختلقاً له في مجلس الوزراء حول موضوع حرية الصحافة، وانه كان هجومياً، مشيرا إلى ان كل ما دعا إليه هو فرض غرامات وليس السجن.
محضر الجلسة
وفي المعلومات عن مسار مجلس الوزراء ان الرئيس عون افتتح الجلسة بالتأكيد على ان لكل مواطن الحق في التظاهر لأي سبب يريده، لكن حق التظاهر لا يعني حق الشتيمة وحرية الإعلام لا تعني حرية إطلاق الشائعات المغرضة والمؤذية للوطن، مشدداً على ان الوقت ليس للمزايدة، بل لحل المشاكل وخصوصاً الاقتصادية منها واولها اكمال الموازنة.
وقال موجهاً حديثه إلى الوزراء: «أنا رئيس الدولة وأمثل كرامة اللبنانيين وهيبة الدولة، ونحن جميعاً نمثل السلطة الاجرائية، واي فشل لنا هو فشل لكل السلطة، ولذلك ممنوع ان نفشل ولن نفشل»، مشدداً على وجوب وضع قانون ينظم وسائل التواصل الاجتماعي، مثلما يحصل في أوروبا، معتبراً ان «مهمتنا تعزيز ثقة الشعب بدولته وليس اضعافها».
ثم سأل أين أصبح عمل ديوان المحاسبة للتدقيق بقطوعات الحساب، فأبلغه وزير المال علي حسن خليل ان موازنة 2020 سمحت لديوان المحاسبة ملء الشواغر والاستعانة بشركات دولية للتدقيق. كذلك طلب عون من وزيرة الداخلية ريّا الحسن ان تقدّم تقريراً عن عمليات الشغب التي حصلت الأحد، لافتاً إلى انه كان على الأجهزة الأمنية ان تبلغه بتقارير حول ما يحصل من تطورات، حتى ولو كان خارج لبنان.
ومن جهته، رأى الرئيس الحريري ان الوضع الإعلامي بحاجة إلى معالجة، كما ان قانون المطبوعات في حاجة إلى تطوير، مقترحاً تشديد الغرامات المالية لدى وقوع أي مخالفة قانونية، مستشهداً بالدعوى التي اقامتها الفنانة «مادونا» ضد صحيفة بريطانية أقفلت لاحقاً بسبب ضخامة مبلغ الغرامة. وفتحت هاتين المداخلتين النقاش واسعاً أمام الوزراء الذين انقسموا تقريباً إلى جبهتين: جبهة ترفض المس بالحريات والإعلام وجبهة تؤيد فرض تدابير معينة للحد من الحريات.
فأكدت الوزيرة مي شدياق تمسكها بقانون المطبوعات الذي يحمي الإعلام، لكنها رفضت المس بهيبة الدولة وبرئيس الدولة، فيما لفت وزير الإعلام جمال الجراح إلى ان هناك مشروع قانون في لجنة الإدارة والعدل حول الإعلام لم يتم إنجازه بعد، في حين شدّد الوزير سليم جريصاتي على أهمية التضامن الوزاري مطالباً الإعلام بأن يراعي الأصول والقواعد وعدم نشر اخبار كاذبة، بينما أكّد الوزير ريشار قيومجيان حرص الجميع على هيبة الرئاسة وعلى ضمان حق التظاهر ضمن القوانين المرعية.
اما وزير الاتصالات محمّد شقير فشكا من الطلبات المتتالية للجنة الاتصالات النيابية بارسال مستندات ومعلومات تخص وزارته، وسأل: إلى متى ستستمر هذه الطريقة في التعاطي مع هذه الوزارة؟ واعتبر وزير المال علي حسن خليل ان موضوع الإعلام يجب ان يدرس بهدوء وبموضوعية رافضاً التعرّض للمقامات. وقال: «اننا جميعاً منخرطون في معركة واحدة عهداً وحكماً وحكومة لمواجهة التحديات، فيما أكّد الوزير جبران باسيل ان لا مساس في حرية الإعلام، لكنه انتقد الشائعات التي اثيرت بشكل سلبي على الاستقرار المالي والنقدي، مشدداً على أهمية الإصلاحات في الموازنة، وتناغم معه في هذا الموقف الوزير كميل أبو سليمان الذي دعا إلى إقرار الموازنة بعد تضمينها البنود الإصلاحية، لكنه فضل إبقاء قانون المطبوعات كما هو الا إذا كانت هناك حاجة لتعديله.
ودعت الوزيرة ريّا الحسن إلى وضع معايير لما يمكن اعتباره نقداً من جهة ومعارضة من جهة ثانية، وما هو تجريح، وتوقفت عند إطلاق بعض المحلليين الاقتصاديين مواقف لا يمكن ان يفهم منها: هل هي للاشاعة أم للتضليل أم للتحرك؟ اما الوزير محمد فنيش فشدد على تطبيق القوانين، لافتاً إلى وجود ثغرات يجب معالجتها، منتقداً الفلتان الحاصل على مواقع التواصل الاجتماعي، وداعياً إلى وجود ضوابط مع التمسك بحرية التعبير المصانة في الدستور.
وهنا لفت الرئيس الحريري النظر إلى ان هناك بعض التصريحات لنواب وسياسيين تضر بالوضع الاقتصادي والمالي وعلينا التنبه إلى هذه الأمور. ثم ناقش مجلس الوزراء جدول أعماله المؤلف من 28 بنداً وأقر معظمه باستثناء البند المتعلق باقتراح قانون السلطة القضائية، باعتبار ان وزير العدل مكلف بوضع مشروع قانون في الإطار نفسه، كذلك ارجئ بند رفع الحد الأدنى للرواتب في المركز التربوي للبحوث والإنماء، واعترض وزراء «القوات» و«المردة» على بند طلب وزارة الطاقة والمياه الموافقة على معالجة أوضاع بعض الاشتراكات بمياه الري في المناطق الواقعة ضمن نطاق استثمار مؤسسة مياه لبنان الشمالي.
ولدى مناقشة بند نفقات السفر، اثار الوزير محمود قماطي الوفود الفضفاضة التي ترافق الوزراء في اسفارهم، فأوضح الوزير إلياس بو صعب ان زياراته إلى أرمينيا وقبرص كانت على نفقته الخاصة. وأفيد ان آلية السفر التي تمّ التوافق عليها بين المديرية العامة لرئاسة الجمهورية ستوزع الأسبوع المقبل، وكان تحدث عنها الوزير باسيل الذي لفت إلى أن طلبات السفر سترد إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وهي تحولها إلى وزارة الخارجية للموافقة عليها. وعلم انه بسبب انشغال وزير المال بملف الموازنة، اعتذر عن مشاركته في اجتماعات البنك الدولي، وسيترأس وزير الاقتصاد منصور بطيش وفد لبنان إليها، في حين انتدبت الوزيرة الحسن المستشار ادغار شهاب للمشاركة في اجتماعات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.
لجنة الإصلاحات
في هذا الوقت، تابعت اللجنة الوزارية المكلفة دراسة الإصلاحات المالية الاقتصادية اجتماعاتها، للخروج بإجراءات يُمكن ربطها بمشروع موازنة 2020 أو بشكل منفصل.
واجمع الوزراء اعضاء اللجنة ان النقاش تركز على الورقة الاصلاحية المقدمة من «حزب القوات اللبنانية»، في حين رأت مصادر وزارية ان جميع الاوراق التي تدرس والاقتراحات والافكار مشابهة لبعضها بنسبة 80% وهي تصب في نفس الهدف الاصلاحي، واشارت الى ان اللجنة وصلت امس الى البند المتعلق بملف الاتصالات، ولفتت الى ان هناك اجماع من اعضاء اللجنة ان يقدم الوزير محمد شقير تقريرا مفصلا عن هذا القطاع، املة ان يتم ذلك في جلسة اليوم التي قد تطول لثلاث ساعات او اكثر لا سيما ان وزير المال سيقدم تقريرا حول المناقصات العمومية. واشارت المصادر الى ان الهيئة الناظمة للكهرباء تحتاج الى تعديل قانون وحين يتم الموافقة على دفاتر الشروط ويتم التلزيم يجب ان يشكل مجلس الادارة فورا.
وأوضح الوزير الجراح ان اللجنة قررت ان تضع على جدول أعمال مجلس الوزراء مشروع القانون المتعلق بالمناقصات لمناقشته واقراره، وانه تمّ الطلب من وزيرة الطاقة رفع تقرير حول تطوّر العمل في خطة الكهرباء، وقال ان اللجنة بصدد استكمال درس مشروع قانون الجمارك واحالته إلى مجلس الوزراء. كما تمّ إقرار اجراء مناقصات لآلات السكانر لوضعها على الحدود بهدف ضبط التهريب الجمركي إلى جانب إجراءات أخرى ستقر اليوم، مؤكداً ان العملية الإصلاحية هي عملية مستمرة.
سلامة
في غضون ذلك، أعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في كلمته امام المنتدى السنوي التاسع للمسؤولية الإجتماعية للشركات»، انه «مؤتمن على سعر صرف الليرة، وان الفرق الذي يتم تناوله حول الدولار والليرة، لطالما كان قائما، واحيانا كان سعر الدولار اقل او اكثر لدى الصيارفة من المصارف، ومنذ حزيران زاد طلب الصيارفة على الأوراق النقدية ما أدى الى ارتفاع سعر الصرف». وقال «وافقنا ان تعتمد المصارف السحب بالدولار حين يكون حساب العميل بالدولار، ويكون بالليرة اللبنانية حين يكون الحساب بالليرة. اما التحويل، اي السحب بالدولار حين يكون الحساب بالليرة فقد تركنا للمصارف الحرية في ذلك».
وأوضح «ان أسواق الصرافين والاوراق النقدية بالدولار هي اسواق لا يتدخل بها مصرف لبنان الا من ناحية التنظيم». وأمل أن «تعطي الموازنة اشارة ايجابية للاسواق، لجهة العجز والاستحقاقات التي تقوم بها الدولة اللبنانية تحضرنا لها وسندفعها بالدولار»، مضيفا «نذكر الجميع ان الليرة هي عملة البلد ومستمرون بتأمين استقرار سعر صرفها». واكد ان «مصرف لبنان مستمر بتشجيعه للقطاعات المنتجة والقطاعات الاقتصادية عموما وتأمين استقرار سعر صرف الليرة».
وليلاً، اصدر امين السر العام في الحزب التقدمي الاشتراكي ظافر ناصر تعميما الى اعضاء الحزب دعاهم فيه الى الحيطة والحذر في تناول رئيس الجمهورية والمقامات السياسية «لأن النيابات العامة تتجه للتشدد في ملاحقة الاشخاص الذين يتعرضون لرئيس الجمهورية والمقامات السياسية على مواقع التواصل الاجتماعي». وطالب التعميم بإبقاء الانتقادات ضمن القواعد والاصول تفاديا لأي اجراءات يفضل تجنبها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البناء
إحباط محاولة خليجيّة «إسرائيليّة» لاغتيال الجنرال سليماني… والعراق أمام خطر الفوضى الأهليّة
اجتماع بعبدا الحكوميّ ينشط التسوية… وبطيش يخوض معركة تسعير الخلوي بالليرة
جريصاتي: للجمع بين التوافق والإنجاز… وسعد: للاستثمار في العلاقة مع سورية ومعابرها
يبدو محور تل أبيب الرياض انتحارياً في اللعب بالنار، مع تفجير الوضع في العراق عبر التلاعب بالغضب الشعبي تجاه تردي الخدمات وتفشي الفساد والسعي لتحويله إلى كرة نار مذهبيّة تهدّد استقرار العراق وأمنه بعدما بلغت الأحداث الأمنية المرافقة للتظاهرات الهادفة لاقتحام المؤسسات الحكومية والمرافق العامة وآخرها مطار بغداد، بهدف تخريبها وإحراقها، بينما كانت ذروة انكشاف محاولات العبث الأمني، ما أوردته الاستخبارات الإيرانية من معلومات حول إحباط مخطط عربي عبري لاغتيال قائد فيلق القدس في حرس الثورة الإيرانية، الجنرال قاسم سليماني، داخل إيران وعبر ترتيب تفجير مجلس عزاء حسيني يحضره سليماني في عاشوراء.
الفوضى والتخريب والتصعيد ستعقّد مشهد التهدئة الذي تعمل عليه قوى دولية كبرى، على رأسها روسيا وفرنسا، وانكشاف هذه المخططات يظهر ما كان يراهن عليه السعوديون والإسرائيليون في مواجهة محور المقاومة، وينتظرون النجاح فيه أملاً بتغيير قواعد وتوازنات القوة بإلحاق إصابات يعتقدونها قاتلة بقوى المقاومة، كالنجاح في التخلص من الرمز الأول لقوى المقاومة وقيادتها العسكرية المتنقلة من العراق إلى سورية ولبنان والمتابعة لقوى المقاومة في فلسطين واليمن، وبالتوازي إشعال فتن مذهبية في إيران والعراق، ووضع لبنان تحت منظار التصويب عبر الفوضى الاجتماعية بضغط أزمات مبرمجة في أسواق الصرف والمحروقات وسواها.
في لبنان نجاح نسبي، لم يكتمل في احتواء مظاهر الأزمة الأخيرة، ولا تزال قوى اقتصادية تبدو ذات مظلة سياسية فاعلة تعرقل الحلول، التي يمكن أن تجلب التهدئة إلى الأسواق، خصوصاً ما أظهرته شركات استيراد المحروقات من محاولة لإفراغ تعميم مصرف لبنان من محتواه، والإصرار على الفوترة بالدولار الأميركيّ، ما يعني عودة محطات التوزيع للإضراب وعودة الأزمة، بينما حاولت شركات الخلوي المملوكة من الدولة، معاندة الدعوات لإصدار فواتيرها بالليرة اللبنانية، منعاً لتشكل سوق موازية يومية للضغط على الدولار، تشكل أكثر من نصف مليار دولار شهرياً في سوق المحروقات والخلوي والمولدات. وقد أقدم وزير الاقتصاد منصور بطيش أمس، على الخطوة الأولى باتجاه فرض الفوترة بالليرة اللبنانية، عبر مخاطبة وزارة الاتصالات للطلب إلى شركات الخلوي بيع بطاقاتها وإصدار فواتيرها بالليرة اللبنانية. وهو ما دعت إليه البناء أمس، في كتاب مفتوح موجّه لوزير الاقتصاد الذي اتصل بـ البناء مؤكداً المضي بملاحقة الأمر عبر اللجنة الوزارية المختصة، كاشفاً عن تقدّم نسبي يحتاج للملاحقة حتى يكتمل.
الاجتماع الحكومي في بعبدا أعاد التسوية الرئاسية إلى نصابها بتظهير العلاقة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، والتأكيد على التوافق على السير بالخطوات اللازمة لمعالجة المشاكل النقدية، والسير بسرعة بالإصلاحات المالية والاقتصادية، التي تم الاتفاق عليها في لقاء بعبدا الاقتصادي.
وزير البيئة فادي جريصاتي الذي حلّ ضيفاً على البناء ، تحدّث عن التسوية الرئاسية كسقف ضروريّ لصناعة التوافق الذي يصعب بدونه حل مشاكل الاقتصاد، خصوصاً مشاكل البيئة، حيث يمكن لمجموعة ناشطين محليين إفشال مخطط توجيهي للمقالع والكسارات أو خطة شاملة لحل قضية النفايات. وقال جريصاتي، إن المطلوب هو الجمع بين التوافق والقدرة على الإنجاز، لأن التمسك بالتوافق وحده يجعلنا متأخرين دائماً عن استحقاقاتنا، وهي داهمة على كل الأصعدة، لكنها داهمة أكثر في الملف البيئي وخصوصاً بجناحيه الأخطر، الكسارات والنفايات، حيث نعاني كارثتين بيئيتين متلازمتين، وليس أمامنا خيار سوى التصدّي لهما بكل قوة، كارثة النفايات المتراكمة وسط رفض شعبي لاستضافة المطامر، وعجز سياسي عن تحمّل مسؤولية المواجهة، حيث يخضع اختيار المطامر للفيتو الطائفي المتبادل، وكارثة المقالع التي تشكل بالعكس محور طلب طائفي وسياسي، في قطاع يزيد حجمه عن ربع مليار دولار ويفتح الشهية لوجوده خارج نطاق رقابة الدولة المالية، يبدو النجاح محفوفاً بمخاطر غياب التوافق، أو الوقوع بخطر المحاصصة، ولبنان لم يعد يحتمل مزيداً من التفريط بثرواته البيئية ورؤيتها خراباً، وقال جريصاتي إن استرضاء الناخبين يبعد المطامر، والاستجابة للدعوات الطائفية ينشرها فوق كل لبنان وبيئته وتخريبها، وحسابات المحاصصة السياسية ترفع كلفتها، بينما استرضاء السياسيين في ملف المطامر لضمان النجاح يعني إبعاد المطامر عن مناطقهم الانتخابية، فيما استرضاؤهم ونيل مباركتهم في ملف الكسارات والمقالع، يستدعي المساومة على المعايير البيئية وعلى المخطط التوجيهي بما يضمن عودة فوضى الكسارات والمقالع.
رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي فارس سعد، تحدّث في اجتماعات حزبية عن فتح معبر البوكمال – القائم وأهمية الانتصارات التي يحقهها الجيش السوري مدعوماً من روسيا وقوى المقاومة، داعياً لاستثمار اللبنانيين في الإنجاز السوري بالتعاون مع الحكومة السورية، خصوصاً بعدما وفرت المعابر التي تفتح حدود سورية نحو العراق والخليج فرصاً اقتصادية للبنان لا يجب أن يغيب عنها.
أكد رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي فارس سعد، خلال استقباله أعضاء هيئات المخيمات المركزية في الشام، أن إعادة فتح معبر القائم انتصار كبير، داعياً الحكومة اللبنانية للاستثمار في هذا الانتصار السوري، والمسارعة إلى التنسيق رسمياً مع الحكومة السورية، لاتخاذ كل التدابير والإجراءات الكفيلة بعبور الصادرات اللبنانية إلى الأسواق العربية عبر البوابة الدمشقية. وقال مطلوب اليوم قبل الغد، حتى يتمكّن لبنان من تعديل الميزان التجاري مع بعض الدول، خصوصاً في ظل الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها لبنان والتي تحتم اتخاذ خطوات مسؤولة وجدية، إن على الصعيد التجاري والاقتصادي، أو على صعيد حل ملف النازحين السوريين، الذي لا يزال محل استثمار لا إنساني من قبل الولايات المتحدة الأميركية والمؤسسات التي تنفذ الإملاءات الأميركية.
الى ذلك، حضرت على طاولة مجلس الوزراء الذي التأم في قصر بعبدا امس، التطورات المالية والتحركات الشعبية وما رافقها من حملة شُنت على العهد. وفيما استحوذ بند حرية الإعلام على نحو ساعة من الوقت، قبل الانصراف الى دراسة بنود جدول الأعمال، أكد الوزير سليم جريصاتي بحسب ما علمت البناء ضرورة التضامن الوزاري ان الحرية ليست حكراً على احد اذ انها حرية دستورية ميثاقية من مرتكزات نظامنا السياسي، «وأنه لا يجب ان يعيّرنا احد في موضوع الحريات الاعلامية، خصوصاً اننا نكاد نكون الدولة الوحيدة في محيطنا التي تتميز بهذه الخصوصية».
بينما شدّد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على ضرورة البحث في مسألة التعامل بالليرة اللبنانية وفق ما تنص عليه القوانين والأنظمة المرعية الإجراء. ولفت وزير الاقتصاد والتجارة منصور بطيش إلى أن النصوص القانونية تلزم بالتداول بالعملة اللبنانية وأن المادة 192 من قانون النقد والتسليف تنصّ على فرض عقوبات على من يمتنع عن قبول العملة اللبنانية وكذلك قانون العقوبات. وتحدّث عن مراسلته وزارة الاتصالات حول أن قانون حماية المستهلك رقم 659/2005 لا سيما المادتين الخامسة والخامسة والعشرين منه يؤكد وجوب اعتماد الليرة اللبنانية في اعلان اسعار السلع والخدمات وفي تسديد الفواتير، مضيفاً: ما أدى الى بلبلة في الاسواق هو ان شركتي alfa وtouch تصدران فواتيرهما بالدولار الأمر الذي دفع بمحلات الخلوي والاتصالات إلى الفرض على المواطن تسديد فواتيره وثمن البطاقات المسبقة الدفع بالدولار.
وتحدّث الوزير جبران باسيل، بحسب ما علمت «البناء» عن «عدم رضى عن مسار الإصلاحات التي تم الاتفاق عليها قبل أسبوعين، خصوصاً أن التكتل تقدّم بملاحظاته مع انطلاق دراسة الموازنة ومناقشتها داخل الحكومة». مشدداً على انه «لن تتم الموافقة على أي موازنة من دون إقرار إصلاحات وبالتالي لا موازنة من دون تنفيذ خطة الكهرباء، ولا زيادة على تعرفة الكهرباء إذا لم يتأمن التيار 24 على 24». كما شدّد باسيل خلال الجلسة، على عدم القبول بفرض أي ضرائب جديدة، وقال: إن الالتزام بتنفيذ الإصلاحات يستوجب اتخاذ قرار سياسي كبير من جانب كل القوى المعنية. فإذا لم يحصل ذلك فإن اعتراض الناس محقّ وسنكون إلى جانبهم لا بل سنكون في مقدّمة المعترضين .
وقال الوزير علي حسن خليل تعليقاً إن العمل يجب أن ينكبّ على ضرورة إقرار الموازنة في الوقت الدستوريّ، لما لذلك من انعكاس إيجابي على لبنان، فإقرار الموازنة في الوقت المحدد يمثل نقطة قوة للاقتصاد وخطوة مهمة في إصلاح المالية العامة، مشدداً على ضرورة التضامن الوزاري.
وفي ختام الجلسة طرح الوزير محمود قماطي مسألة سفر الوزراء والوفود المرافقة، خاصة أننا نعيش وضعاً اقتصادياً، يفرض علينا التقشف، والشعب يصرخ موجوعاً. وقال هناك وزراء يسافرون من دون قرار من مجلس الوزراء. الأمر الذي يستوجب وضع آلية تتصل بالسفر وحجم الوفد، متطرقاً الى دول كبرى يكون ممثلوها في المؤتمرات التي يشارك فيها وزراء من لبنان بأعداد قليلة، على عكس الوفد الوزاري اللبناني. وفي هذا السياق، أعلن وزير الدفاع الياس بو صعب أنه دائماً يسافر مع الوفد المرافق له على نفقته الخاصة ولا يكلف خزينة الدولة ليرة واحدة. فحيّاه قماطي ودعا الوزراء للاقتداء به.
إلى ذلك تواصل لجنة الإصلاحات اجتماعاتها حيث تعقد جلسة في الرابعة من بعد ظهر اليوم في السراي الحكومي، بعدما اجتمعت أمس برئاسة الرئيس سعد الحريري وناقشت الورقة الإصلاحية للقوات اللبنانية ووافقت على بعض ما ورد فيها في حين أن بنوداً أخرى أرجأتها للمزيد من النقاش.
في غضون ذلك، أعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في كلمته أمام «المنتدى السنوي التاسع للمسؤولية الاجتماعية للشركات»، أننا «مؤتمنون على سعر صرف الليرة»، وقال «وافقنا أن تعتمد المصارف السحب بالدولار حين يكون حساب العميل بالدولار، ويكون بالليرة اللبنانية حين يكون الحساب بالليرة. أما التحويل، أي السحب بالدولار حين يكون الحساب بالليرة فقد تركنا للمصارف الحرية في ذلك». وأوضح «أن أسواق الصرافين والأوراق النقدية بالدولار هي أسواق لا يتدخل بها مصرف لبنان الا من ناحية التنظيم». وقال: «نأمل بموازنة تعطي اشارة إيجابية للأسواق. لجهة العجز والاستحقاقات التي تقوم بها الدولة تحضرنا لها وسندفعها بالدولار».
وأكدت نقابة الصرافين من جانبها «ان عمليات بيع وشراء العملات الأجنبية النقدية حصراً، مقابل الليرة اللبنانية التي ينفذها الصرافون تتم بالاستناد إلى قانون تنظيم مهنة الصرافة، الذي منحها هذا الحق وإلى عمليات العرض والطلب التي تجري في السوق ونتيجة لها، وتخضع لرقابة مصرف لبنان الذي له وحده حق الرقابة على نشاطها استناداً إلى القوانين والتعاميم المرعية الإجراء». وأكدت أن «نقابة الصرّافين ترفض جملة وتفصيلاً تحميل الصرافين نتيجة هبوط سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي والعملات الأجنبية النقدية».
وتعقد نقابة أصحاب محطات المحروقات جمعية عمومية استثنائية اليوم عند الساعة الثانية عشرة في الحازمية للبحث بعدم التزام باقي الأطراف بالتفاهم وبما هدف إليه مصرف لبنان في تعميمه، علماً أن المناقشات قد تصل إلى إعلان الإضراب المفتوح ما لم يعلن شيء نهائي قبل ذلك الموعد. وعلم أن شركات استيراد المحروقات طلبت إلى وزارة النفط تعديل جدول تركيب أسعار المحروقات الذي يصدر أسبوعياً من دون أن تلقى الموافقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأخبار
القضاء يستدعي 3 وزراء اتصالات
السلطة وسلامة في وادي التخلّي: أزمة سعر الصرف مسؤولية مَن؟
علمت «الأخبار» أن المدّعي العام المالي القاضي علي إبراهيم استدعى وزير الاتصالات محمد شقير، وسلفَيه جمال الجراح وبطرس حرب، للاستماع إليهم بناءً على المعلومات التي زوّدته بها لجنة الإعلام والاتصالات النيابية، على مدى سنتين، إضافة إلى معطيات سبق أن قدّمها له النائب ياسين جابر، فضلاً عما أثير لاحقاً في اللجنة، وخاصة لجهة طلب إنشاء لجنة تحقيق نيابية في قطاع الخلوي. كذلك علمت «الأخبار» أن رئيس الحكومة سعد الحريري ممتعض من عدم شمول الاستدعاء الوزير السابق نقولا صحناوي الذي نُقِل في عهده القرار المالي في قطاع الخلوي من الشركتين اللتين تديران القطاع إلى وزير الاتصالات. ويرى الحريري أن اقتصار الاستدعاء على 3 وزراء مقربين منه هو استهداف سياسي له. ولم يُعرف ما إذا كان الوزراء الثلاثة سيلبّون دعوة القاضي إبراهيم، علماً بأنه لم يطلب الاستماع إليهم بصفتهم مشتبهاً فيهم. وسبق للوزير الجراح أن امتنع عن تلبية استدعاء سابق لإبراهيم. يُذكر أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قال قبل يومين إن عمل لجنة الاتصالات النيابية أدى إلى الاشتباه في ضلوع 3 وزراء على الأقل في فضائح، «وخلال أسبوع، سنسمع كلاماً مهماً في هذا الصدد» (راجع «الأخبار»، عدد أول من أمس).
وكان الوزير محمد شقير قد حاول أمس تغطية تمرّده على الدور الرقابي لمجلس النواب، بموقف من مجلس الوزراء. فالوزير الذي يرفض، خلافاً للقانون والدستور ولكل مبادئ فصل السلطات، حضور جلسات لجنة الاتصالات النيابية، اقترح أمس في مجلس الوزراء أن تُمنع اللجنة من متابعة ملفات وزارته، «لأنها مسرحية، وتستدعي موظفين لـ«بهدلتهم»، وتبحث في قضايا ليست من اختصاصها كملفات الترددات وغيرها». فردّ عون على شقير بالقول إن هذا الأمر ليس من صلاحيات مجلس الوزراء، مذكّراً بوجوب احترام الدور الرقابي لمجلس النواب.
الدولة تقبض على «المجرم»
على صعيد آخر، وضعت السلطة يدها على المجرم المتسبب بالأزمات النقدية والمالية والاقتصادية. تبيّن لها أن الإعلام اللبناني هو المسؤول الأول والأخير عن الأزمة التي «افتُعلت» في الأيام الماضية. ليست سياسات الحكومات المتعاقبة هي التي أوصلت الوضع إلى حافة الهاوية، بل هو الشعب، ومن خلفه الإعلام. ولذلك وجب ضبطهما عن القول أو التعبير. فالمصلحة العليا لا تحتمل تهوراً من هذا النوع، والأولى أن يعمّ الصمت، كما هو حاصل في الحكومة.
الليرة بخير، والوضع الاقتصادي بخير، والبطالة في أدنى معدّلاتها، والسلطة تعي أن أي حديث آخر هو كذب وافتراء وجب محاسبة من يقف خلفه. إنها المؤامرة بعينها. ليس هذا فحسب، الإعلام نفسه، و«الأخبار» خصوصاً، تفتن بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، فيما العلاقة بينهما سمن على عسل. ولذلك تصبح إشارتها إلى أن عون وصف الحريري بالكسول كذب، أما الصدق فأن يقول الحريري: «أنا لا أظن أبداً أن الرئيس يفكّر على هذا النحو».
وكان عون قد شدّد، في افتتاح جلسة مجلس الوزراء أمس، على أن «حق التظاهر لا يعني حق الشتيمة، وحرية الإعلام لا تعني حرية إطلاق الشائعات المغرضة والمؤذية للوطن»، داعياً الوزراء إلى «تحمّل مسؤولياتكم والدفاع عن الحكومة وشرح ما تقومون به للمواطنين ليكونوا على بيّنة ولا يستمعون للشائعات التي تُطلق من هنا وهناك».
وإذا كان رئيس الجمهورية قد كشف الداء، فإن رئيس الحكومة لم يتأخر ليصف الدواء، بكثير من الرأفة. لا يؤيد الحريري فرض عقوبة السجن «على الناس الذين يطلقون أخباراً كاذبة تدخلنا في كثير من الأماكن بفوضى وعدم استقرار في البلد». هو يدعو إلى «مقارنة القانون الموجود لدينا بما هو مطبق في الخارج، وحسب الإمكانات المالية لوسائل الإعلام لدينا، تفرض غرامات على هذا الأساس. ليس طبيعياً، بحسب رئيس الحكومة، «أن يكون هناك أشخاص يعتبرون أنفسهم إعلاميين، يطلقون كلاماً من هنا أو هناك». لا يقف الحريري عند الهجوم الذي يتعرض له، لكن «إن كان هناك من ضرر على المال العام أو على الدولة، وحتى الهجوم على رئيس الجمهورية يرتّب عقوبات بحسب القانون، فلتكن هذه العقوبات مالية، وعندها من يريد أن يشتم ولديه بعض المال، فإن خزينة الدولة ستكون هي المستفيدة». اقتراح إضافي لتحسين الإيرادات، فات الحريري أن يضيفه إلى ورقته الإصلاحية.
على المنوال نفسه، سار وزير الإعلام جمال الجراح الذي أفتى بأن الإعلاميّين ليسوا خبراء اقتصاديين أو ماليين، وبعض هؤلاء يجتهد في تحليل الوضع الاقتصادي والمالي بما يؤثر سلباً على الوضع العام. كما يكتبون أموراً من شأنها إلحاق الضرر بالوضع النقدي والاقتصادي للبلد، إضافة إلى شتم المسؤولين: من فخامة الرئيس أو دولة الرئيس وغيرهما. هذا أمر غير مقبول، وهناك علاقة تكاملية، ومهمة الإعلامي إيصال الواقع الحقيقي للناس».
تلك حملة بدأت تؤتي ثمارها سريعاً. أول الغيث تعميم داخلي صادر عن أمين سر الحزب الاشتراكي ظافر ناصر، يطلب فيه «أخذ الحيطة وإبقاء أي انتقاد ضمن القواعد والأصول تفادياً لأي إجراءات يُفضّل تجنّبها»!
السلطة وسلامة في وادي التخلّي: أزمة سعر الصرف مسؤولية مَن؟
تعيش السلطة السياسية في عالم من التخلّي وتقاذف المسؤوليات، فيما تواصل الأزمة اشتدادها. كان يُفترض أن يترك التعميم الصادر عن مصرف لبنان لتمويل استيراد المشتقّات النفطية والدواء والقمح أثراً إيجابياً، إلا أن السوق تعاملت معه على أنه اعتراف بوجود سعرين لليرة: واحد للسلع المموّلة من مصرف لبنان والثاني لباقي السلع. هذا الأمر خلق بلبلة وهلعاً أدّيا إلى زيادة الطلب على الدولار وانخفاض قيمة الليرة مقابل الدولار في السوق الموازية، ما يهدّد باندلاع موجة تضخّم أسعار قد تدفع في اتجاه تسارع وتيرة إغلاق المؤسّسات وصرف الموظفين (تقرير محمد وهبة).
تتعامل السلطة السياسية باستخفاف شديد مع اعتراف مصرف لبنان بوجود سعرين لصرف الليرة مقابل الدولار. وبدلاً من تخصيص جلسة لمجلس الوزراء لهذه الأزمة لدرس السيناريوهات والخيارات المتاحة، طرح رئيس الجمهورية ميشال عون هذه المسألة في نهاية جلسة أمس وتفاعل معها وزير الاقتصاد منصور بطيش انطلاقاً من التذكير بنصوص قانونية، تفرض عقوبات على من يمتنع عن قبول العملة اللبنانية. بدا من كلام بطيش أن المشكلة بسيطة وتقتصر على بضعة مخالفين يجب زجّهم في السجن. كذلك بدا الأمر من خلال كلام حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في كلمته أمس أمام المنتدى السنوي التاسع للمسؤولية الاجتماعية للشركات، مشيراً إلى أن ”أسواق الصرّافين والأوراق النقدية بالدولار هي أسواق لا يتدخل فيها مصرف لبنان إلا من ناحية التنظيم».
تصريح سلامة ومداولات الوزراء في الجلسة أمس، أوحيا بأن السلطة السياسية تدفع في اتجاه تقنين توافر السلع ورفع أسعارها سواء أكانت غذائية أم غيرها من السلع غير المشمولة بتعميم مصرف لبنان، الذي خصّص مستوردي المشتقّات النفطية وتجار الدواء والقمح بتمويل الدولارات اللازمة للاستيراد. المشكلة أن توافر النقد الأجنبي في سوق تعتمد بشكل أساسي وبقيمة 20 مليار دولار على استيراد السلع المستهلكة محلياً، لا يمكن مناقشتها بشكل هامشي واندفاع سلامة إلى التخلّي عن مسؤوليته المحدّدة في المادة 70 من قانون النقد والتسليف التي تنصّ على أن مَهمّة مصرف لبنان هي ”المحافظة على النقد لتأمين أساس نموّ اقتصادي واجتماعي دائم، وتتضمن بشكل خاص: المحافظة على سلامة النقد اللبناني، المحافظة على الاستقرار الاقتصادي، المحافظة على سلامة أوضاع النظام المصرفي وتطوير السوق النقدية والمالية».
إذاً، الحفاظ على سلامة النقد اللبناني أول مَهمة لدى مصرف لبنان، وهي المَهمة التي يتخلّى عنها سلامة اليوم في ظل ازدواجية سوق سعر الصرف أحدهما بين مصرف لبنان والمصارف، والثاني بين الصرّافين والشركات والأفراد.
هذا الأمر ليس حدثاً عابراً في النموذج الاقتصادي اللبناني، بل هو حدث كبير وخطير جداً. فالمؤشرات السوقية التي يعبّر عنها من خلال ارتفاع سعر فائدة الانتربنك، وارتفاع سعر الصرف لدى الصرّافين إلى 1600 ليرة مقابل الدولار، تأتي بعد بضعة أيام على صدور تعميم من مصرف لبنان ينظّم فيه عمليات تمويل استيراد المشتقات النفطية والدواء والقمح بالدولارات، ما يعني أن التعميم لم تكن له مفاعيل إيجابية على الأسواق، بل على العكس ولّد ارتدادات متباينة في السوق انطلاقاً من تفسير واحد لمضمون التعميم الذي ”يقرّ ضمنياً بوجود سوقين لسعر الصرف» وفق الوزير السابق شربل نحاس. لذا، فإنه من الطبيعي أن يكون هناك مستفيدون من التعميم، أي المشمولون فيه من مستوردي المازوت والغاز والبنزين والدواء والقمح، وأن يكون هناك استياء عند غير المشمولين فيه من مستوردي السلع والتجار المرتبطين بهم محلياً، سواء تجار نصف الجملة وباعة التجزئة، كما أنه في حال استوعب عامة الناس المضمون الفعلي للتعميم، فإنهم سيقدّرون بأن هذا الإجراء الكبير والخطير لا يؤخذ في حالات الاستقرار، ما يولّد لديهم شعوراً بانعدام الأمان ويلجأون إلى أدوات دفاعية من أبرزها تحويل مدّخراتهم لدى المصارف، متى استحقّت، من الليرة إلى الدولار.
المشكلة التي ستظهر مع مرور الوقت وارتفاع أسعار الصرف في السوق الموازية، أي لدى الصرّافين، هي أسعار السلع غير المشمولة بالتعميم. وعلى افتراض أن التعميم نال رضى مستوردي المشتقات النفطية والدواء والقمح، إلا أنه لا يشمل مستوردي السلع الغذائية الأخرى ومستوردي المواد الأوّلية الخاصة بالصناعة المحلية، ولا يشمل مستوردي الخضار والفاكهة ومئات السلع الأخرى المستوردة من الخارج. ”إذا كان الصناعي أو أي تاجر آخر، مضطراً أن يشتري الدولارات اللازمة لتسديد ثمن مستورداته من الصرّافين بالسعر المتداول، فإن جزءاً من كلفته ارتفع، وبالتالي فهو سيعمد إلى رفع أسعار السلعة التي ينتجها أو يبيعها»، يقول أحد الصناعيين. وهذا الأمر كان قد أشار إليه بشكل واضح رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميل الذي لفت إلى أن ”بعض المصانع تبيع إنتاجها بالليرة اللبنانية وهي تستورد موادّها الأوّلية بالعملات الصعبة، وبالتالي هي بحاجة إلى أن تتأمّن لها الدولارات، وإلا ستضطر إلى شراء العملة من الصرّافين بأسعار مرتفعة ما سيزيد من كلفة إنتاجها».
وما يعزّز مسار ارتفاع السلع أن باقي حلقات سلاسل البيع متخوّفة من حصول هذا الأمر في ظل وجود سعرين لليرة في لبنان. فبحسب رئيس نقابة أصحاب السوبرماركت نبيل فهد ”إن المورّدين يُصدرون فواتير السلع المبيعة للسوبرماركت بالدولار فيما نحن نبيع بالليرة، وهم حتى الآن، يوافقون على تسديد الفواتير بالليرة على أساس سعر صرف يصل إلى 1518 ليرة مقابل الدولار، إلا أنه في حال توقفت المصارف عن تمويل المورّدين بالدولارات بالسعر المحدّد من مصرف لبنان واضطررنا أن نشتري الدولار من السوق غير النظامية بالأسعار المتداولة، فإن أسعار السلع سترتفع بشكل أكيد، وخصوصاً أن إيرادات البيع بالدولار كانت تشكّل 40% من مجمل المبيعات، إلا أنها انخفضت إلى 3% كحدّ أقصى اليوم».
ارتدادات وجود سوقين لسعر الصرف تمتدّ نحو قدرة الشركات على الاستمرار. فإلى جانب ارتفاع كلفة الإنتاج، يبدو أن الأعباء ستزداد على الشركات التي تضطر أن تشتري الدولارات من السوق الموازية، ما يعني أنها ستعمد إلى إجراءات تخفّف من أكلافها التي ارتفعت أيضاً في ظل ضعف الطلب الاستهلاكي والأجواء السلبية فوق لبنان. من أبرز الإجراءات التي يلجأ إليها أصحاب العمل عادة، هي تقليص فاتورة الأجور والرواتب مروراً بالصرف النهائي للعاملين ووصولاً إلى الإغلاق الكامل. هذا يعني أن الشركات والمؤسّسات التي عمد عدد كبير منها إلى تقليص رواتب العاملين لديه أو صرف قسم منهم بسبب انكماش النشاط الاقتصادي في لبنان، سيلجأ إلى الإقفال نهائياً في حال ازدادت الأعباء عليه سواء بسبب اضطراره شراء الدولارات من السوق الموازية أم لأسباب مماثلة.
في النتيجة، سيتحول الأمر تدريجياً إلى كارثة اجتماعية – اقتصادية، فتزداد معدّلات البطالة، وتنخفض القدرة الشرائية وتأكل المدّخرات المتواضعة للطبقة العاملة وسترتفع كلفة الاستشفاء… هذا أحد السيناريوهات المتوقّعة في حال استمرّ وجود سوقين لسعر الصرف.
نقابة الصرّافين: لسنا سبب شحّ الدولارات
أصدرت نقابة الصرّافين بياناً أمس تشير فيه إلى أنه منذ بداية أزمة شحّ الدولار في السوق اللبنانية ”دأبت بعض الجهات على تحميل الصرّافين نتيجة الفروقات التي تم تداولها في سعر الصرف، كما استدعاء عدد من الصرّافين للتحقيق معهم، ما يوحي بأن هؤلاء الصرّافين هم سبب الأزمة، علماً بأن قانون النقد والتسليف يولي السلطات النقدية مَهمة المحافظة على سلامة النقد الوطني، والتي لها وحدها إمكانية تحديد سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل العملات الأجنبية وتثبيت هذا السعر عن طريق إيجاد التوازن بين العرض والطلب». وأشارت النقابة إلى أنها ترفض ”جملة وتفصيلاً تحميل الصرّافين نتيجة هبوط سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي والعملات الاجنبية النقدية، إذ ليست لهم القدرة والإمكانية للتأثير على الأسعار، ومصدرهم الوحيد لشراء الدولار الأميركي والعملات الأجنبية النقدية مقابل الليرة، هو المواطنون أنفسهم. أما مسؤولية تأمين احتياجات كل القطاعات الاقتصادية فتقع على عاتق المصارف المحلية التي اعتادت على أداء هذا الواجب، فمن أولويات مَهامها إيجاد التوازن بين العرض والطلب… هل استطاع الصرّافون زيادة أسعار العملات الأجنبية قرشاً واحداً طيلة عشرين عاماً من ثبات السعر، حين كانت المصارف تؤمّن احتياجات كل القطاعات الاقتصادية من دون استثناء؟».