مضى اليوم الأول من التمرد الشعبي. تمرين سياسي جيد. التظاهرات والتجمعات وقطع الطرق والكر والفر مع القوى الأمنية، كشف عن حيوية نضالية ضد حكم الأوليغارشيه. المتظاهرون عبروا عن معاناة شخصية واجتماعية من حكم القلة الإجتماعية واستبدادها السياسي. ولكن ماذا يريد التمرد. هذا السؤال السياسي، بقي جوابه معلقاً. رفعت شعارات ثورية في وسط العاصمة. مثل "الشعب يريد إسقاط النظام"، أو "ثورة، ثورة، ثورة …". في ظروف لبنان السياسية، أي في مواجهة هذه "الطبقة السياسية" المستحكمة بالنظام والدولة، هذه أهداف غاضبة، غامضة. شعارات عامة. بينما يفترض أن تكون الأهداف السياسية للتمرد واضحة وقابلة للتنفيذ. السؤال الثاني، لماذا فشلت "قيادة التمرد" في إثبات حضورها السياسي ـ الإعلامي، كقيادة. إثبات الحضور، يعني طرح شروط سياسية ومطالب محددة. أولاً، لزيادة التعبئة الشعبية حول هذا التمرد، ولاجتذاب كتل إضافية من المواطنين، لكي يشاركوا به. ثانياً، لكي يعرف المواطنون ماهية السقف السياسي الفعلي للتمرد، ليس الذي يتمنون بلوغه، بل الذي يمكنهم تحقيقه. الإشتباكات العنيفة مع القوى الأمنية، والقمع الشديد الذي واجهتهم به، في نهاية اليوم الأول، تبين أن المكاسب السياسية التي حققها المتظاهرون محدودة. اليوم الثاني بدأ. قٌطعت طرقات في أحياء العاصمة فجراً. هذا ليس تقييماً. هذه ملاحظات أولية، بانتظار نتائج الأيام التالية.
هيئة تحرير موقع الحقول
السبت 19 تشرين الأول، 2019
الصورة لمتظاهرين أوقفتهم القوى الأمنية في ساحة رياض الصلح (تصوير محمود يوسف)
البناء
جنبلاط وجعجع يشجّعان على استقالة الحكومة… ويحوّلان الأزمة للهجوم على حزب الله
الحريري في حال إنكار ويُمهل الشركاء 72 ساعة… وفضّ الاعتصام بالقوة
أمل وباسيل للإيجابيّة بحذر… ونصرالله يطلّ اليوم… و القومي : لا للضرائب
مع القرار الذي بدأ الجيش والقوى الأمنية بتنفيذه من العاشرة ليل أمس، بدعم القوى الأمنية لفضّ الاعتصام الرئيسي الذي نظّمه المنتفضون في ساحتي رياض الصلح والشهداء، بعدما نجحت أعمال التكسير والحرق واقتحام مصارف ومحال تجارية بتقديم الذريعة للتحرّك الأمني، دخل لبنان مرحلة طي صفحة الانتفاضة التي بدأت بمشهد شعبي ناصع صارخ، سواء لجهة التعدّد العابر للطوائف والأحزاب والمناطق، أو لجهة الحشود الضخمة التي شاركت في التوافد إلى ساحات الحضور الشعبي التي زادت عن المئة نقطة على مساحة لبنان شمالاً وجنوباً وجبلاً وعاصمة، خصوصاً بعدما ظهرت الجماعات التي دخلت على خط الانتفاضة سواء للتخريب، أو للاستغلال عبر ما تناقلته بعض المجموعات على الواتساب عن معلومات من ظهور مجموعات على الدراجات النارية تنقل المواطنين عبر الطرق المقطوعة مقابل بدلات مالية وضعت لها تعرفة على طريق المطار بخمسين دولاراً مثلاً.
توزّعت الصورة السلبيّة على كل ضفاف المشهد، انتفاضة بيضاء يركب موجتها التخريب والابتزاز ومحاولة تحويرها نحو بعض الاستثمار السياسي، ورئيس حكومة يتقدّم بخطاب للرأي العام لا يرى من خلاله أنه مسؤول ولو جزئياً عن تفجير هذه الانتفاضة الغاضبة، التي فجّرها قرار تبرّع وزيره للاتصالات محمد شقير بتسويقه حتى منتصف ليل أول أمس عبر شاشات التلفزة، بل أكد أن وصفته للحل صحيحة، وقرار الوزير بعض يسير منها، ووفقاً لرسالة رئيس الحكومة المشكلة بعدم وجود دعم كافٍ لقراراته من شركاء الحكم، الذي يلومهم الناس على صمتهم يوم موقعة الواتساب التي مرّت بسلام لو لم ينتفض الناس. فكيف برفع الضريبة على القيمة المضافة إلى 15 . ومن جهة موازية الصورة السلبية التي تجسّدت بالذي تعرّض له الناس في الساحات من قسوة واعتقالات وملاحقة، وما بدا من فراغ في الساحة السياسية لحلول ورؤى تضمن ملاقاة الشارع، ومخاطبته بلغة مسؤولة.
في المواقف السياسية للأطراف المعنية، حركة أمل التي توقفت عند الانتفاضة كتعبير مشروع عن الغضب، لفتها الذي تعرّضت له من محاولات لحرفها نحو استهداف الحركة ومكاتب نوابها، بينما التيار الوطني الحر على لسان رئيسه وزير الخارجية جبران باسيل، بدا في موقف مشابه أدلى به من القصر الجمهوري بعد لقاء مع رئيس الجمهورية ضمّه مع وزراء ونواب تكتل لبنان القوي، فيما كان ثنائي القوات والاشتراكي على لسان رئيسيهما النائب السابق وليد جنبلاط وسمير جعجع يحوّلان الانتفاضة لمنصّة هجوم على حزب الله. وهما يشجّعان الرئيس الحريري على الاستقالة، بِرهان ترك رئيس الجمهورية تحت ضغط مطالبة مشابهة بالاستقالة، وتحميل حزب الله مسؤولية التعاطي مع الوضعين المالي والاقتصادي، في ظل الهجمة التي يتعرّض لها دولياً. وهذا البعد الذي سيحضر في إطلالة منتظرة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله اليوم، كان حاضراً في قراءة الحزب السوري القومي الاجتماعي عبر مواقف أدلى بها رئيس الحزب فارس سعد تعليقاً على ما شهده لبنان، معتبراً أن الغضب المشروع تعبير عن عقم وإفلاس السياسات الخاطئة، مؤكداً رفضه للضرائب التي تطال المواطنين خصوصاً الطبقات الأشدّ ضعفاً، ودعوته للانفتاح على المحيط القومي، خصوصاً في ظلّ الفرص الهامة التي يوفرها للاقتصاد التعاون مع سورية والعراق.
أشار رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي فارس سعد الى أن «لبنان يمرّ بمرحلة دقيقة جداً، وهناك عقوبات أميركية تستهدف البلد كله، وبدلاً من أن تتحمّل الحكومة مسؤولياتها لمواجهة هذه العقوبات من خلال فتح نوافذ اقتصادية، لجأت الى فرض ضرائب جديدة، في وقت الناس لم تعد قادرة على تحمّل أيّ نوع من أنواع الضرائب، ونحن حذّرنا منذ البداية من اللجوء إلى تحميل المواطن وزر فشل الحكومة في اجتراح الحلول للمشكلات والأزمات الاقتصادية والمعيشية».
وشدّد في سلسلة مواقف لوسائل الإعلام على ضرورة أن تتحمّل الدولة مسؤولياتها وأن تأخذ مطالب الناس بعين الاعتبار، وتبحث عن حلول مجدية، لا عن مسكنات، وأن تبادر سريعاً وبصورة جدّية الى فتح ممرات سياسية واقتصادية مع المحيط القومي وخصوصاً مع سورية والعراق، لما في ذلك مصلحة لبنان واللبنانيين. وكلّ ما سبق تضمّنته الورقة الاقتصادية التي تقدّمنا بها، وهذا هو موقفنا وننتظر خطوات جدية تنقذ البلد من الأزمات وتضعه على سكة الخلاص.
وأكد أن موقف الحزب واضح وقاطع برفض خصخصة قطاعات الدولة اللبنانية المنتجة ورفض أية ضرائب تفرض على المواطنين، لافتاً إلى أنّ هذا الموقف ثابت وقد أكدنا عليه في اللقاء الاقتصادي الاستثنائي الذي انعقد في القصر الجمهوري مؤخراً.
وسُجّلت ليل أمس، مواجهات عنيفة بين المتظاهرين الذي رابطوا في ساحتي رياض الصلح والشهداء وبين القوى الأمنية ما أدى الى سقوط جرحى من الطرفين، وتوجه حشد من المعتصمين الى محيط القصر الجمهوري ووقعت مواجهات مع القوى الأمنية لمنعهم من الدخول باحة القصر.
وتظهّرت خيوط الاستثمار السياسي الخارجي بمواقف كل من حزبي القوات و الاشتراكي إن بدعوتهما للمشاركة في التظاهرات وإن بالتصويب على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وعهده الرئاسي ودعوة رئيس الحكومة سعد الحريري للاستقالة، رغم أنهما مشاركان في الحكومة والسلطة! ورغم أن جنبلاط بحسب مصادر سياسية لــ البناء هو جزء أساسي من السلطة طيلة الحكومات السابقة وأحد المسؤولين عما آلت اليه الاوضاع المالية والاقتصادية وشريك في الصفقات والسمسرات منذ اتفاق الطائف حتى الآن . ودعا رئيس حزب القوات سمير جعجع الحريري الى تقديم استقالة الحكومة تمهيداً لتشكيل حكومة أخرى مختلفة تماماً وجديدة تماماً تستطيع قيادة عملية النهوض الاقتصادي المطلوبة في البلد ، ما أعاد الى الأذهان موقف جعجع أبان أزمة احتجاز الحريري في السعودية حيث أيّد جعجع آنذاك استقالة الحريري.
وحمل جنبلاط بشدّة على الرئيس عون والوزير جبران باسيل، وقال عبر تويتر : يحاول العهد من خلال رجله القويّ أن يرمي المسؤولية على الغير وهو الذي عطل كل المبادرات الإصلاحية الممكنة وحرّض عليها مستخدماً كل الوسائل . ودعا مناصريه الى التحرّك الهادئ السلمي ضد هذا العهد الذي خرّب كل شيء واستأثر بكل شيء .
وكان لافتاً بيان سفارتي السعودية والإمارات دعوة مواطنيهم الى مغادرة لبنان فيما اقتصر طلب سائر السفارات من رعاياها في بيروت على أخذ الحيطة والحذر.
وفضح الحريري في كلمة وجهها الى اللبنانيين مضمون التسوية الحكومية لتمرير سلة الضرائب والإصلاحات الجديدة في موازنة 2020 موجهاً كلامه إلى باسيل من دون أن يسمّيه مانحاً مهلة 72 ساعة للاتفاق والا سيكون له كلام آخر ما فسّرته مصادر على أنه استقالة مؤجلة ومعلقة على موافقة مكوّنات الحكومة وتحديداً التيار الوطني الحر على مشروع الموازنة، كما يريده الحريري للحصول على الدعم الدولي وأموال سيدر، وقال: اتفقنا مع كل الشركاء في الوطن على الإصلاحات التي لا حل من دونها وأخذت هذا الاتفاق الى أشقائنا وأصدقائنا في المجتمع الدولي . واعتبر أنه ربما هناك جهات في الداخل فرحت بما يجري وقامت بقبة باط للنزول الى الشارع وربما البعض يعتبر أن هناك موازين قوى اقليمية انقلبت، ولكن هذا لا يلغي ان هناك وجعاً حقيقياً انفجر امس. فالناس أعطتنا اكثر من فرصة خلال 3 سنوات . وقال: كثر ينتظرون يبلّوا ايدن بسعد الحريري ، ويرمون زعرانهم علينا. وهذا قادرون على مواجهته .
وختم الحريري: أعطي نفسي وقتاً قصيراً جداً وهي مهلة 72 ساعة، فإما شركاؤنا في الوطن والتسوية يعطوننا جواباً مقنعاً أو سيكون لي كلام آخر .
ورأت أوساط مراقبة لـ البناء الى أن الحريري كان يخاطب باسيل بكلامه رابطة مهلة الـ 72 ساعة بالمهلة الدستورية لإقرار الموازنة في الحكومة وإحالتها الى المجلس النيابي، مع إصرار باسيل على إدخال الإصلاحات ضمن الموازنة. إلا أن الأوساط لفتت الى أن كلام الحريري هروب من الواقع وتنصّل من المسؤولية ورميها على شركائه في الحكومة. فالحراك الشعبي لا يستهدف الثلاث سنوات الماضية فقط من عمر العهد بل الثلاثين سنة من السياسات المالية الاقتصادية الحريرية التي أوصلتنا الى ما نحن عليه .
وعن وصف الحريري للبعض بـ الزعران استبعدت المصادر أن يكون حزب الله أو أمل المقصود، بل اللواء أشرف ريفي في الشمال.
وكان اجتماع مجلس الوزراء المقرّر في بعبدا أرجئ الى وقت لاحق بعد اتصال أجراه الحريري بالرئيس عون طلب فيه تأجيل الجلسة.
بدوره، حذّر باسيل بخطاب من بعبدا في أعقاب اجتماع مطوّل مع الرئيس عون وتكتل لبنان القوي من طابور خامس بين المتظاهرين وحذر مَن لم ينتظروا قراراً من التيار ونزلوا للانتفاضة الى الشارع وهو ركن أساسي فيها من مدسوسين قد يأخذون البلد الى المجهول ونصح اللبنانيين بتخيّل هذا السيناريو إن لم يكن هناك حكومة. وقال: الآتي اعظم اذا لم يتم الاستدراك . ورأى أن ما يحصل فرصة لإنقاذ لبنان من الفساد والسياسات الخاطئة او يتحول الى كارثة ويدخل لبنان في الفوضى والفتنة والانهيار الكبير او الانقاذ الجريء ، واعتبر أن ما يحصل يجب أن يقوّي موقف الرئيس وموقفنا ويضعف موقف معارضي الإصلاح ويمنعوننا من تحقيقه بوجودهم في الحكومة او استغلال الشارع .
وحذر باسيل من أن البديل عن الحكومة الحالية ضبابي وأسوأ من الوضع الحالي بخاصة عدم وجود حكومة والخيار الآخر الفوضى في الشارع وصولاً للفتنة وتذكروا الطابور الخامس بين الناس وهو معروف مجهول. وألمح الى عقد جلسات متتالية لمجلس الوزراء طالباً إعطاء فرصة للحكومة لوضع الإصلاحات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأخبار
السلطة إلى القمع المفرط… بعد المسّ بمصرف!
هل يكون زجاج واجهتَي مصرفين في وسط بيروت أمس كـ«بلاطة» حائط فندق «لوغراي» في المنطقة عينها عام 2015؟ حينذاك، كان سقوط «البلاطة» الشرارة التي أطفأت التحرّكات التي انطلقت إثر أزمة النفايات. الأجهزة الأمنية التي تعاملت مع المتظاهرين أول من أمس بمستوى منخفض نسبياً من القمع، لجأت أمس إلى العنف المفرط، في مواجهة من تسمّيهم «المشاغبين» الذين كسروا زجاج واجهتَي مصرفين، ما يُنذر بإمكان اللجوء إلى القمع في وجه التحركات! قبل ذلك، كانت القوى المكوّنة للحكومة تتقاذف مسؤولية الأزمة التي فجّرت الغضب الشعبي، بصورة كرّرت فيها ما تُجيده: المزيد من الكذب.
لم تعُد البلاد مُستعصية على الثورات. انتفاضة شعبية يشهدها لبنان من أقصاه إلى أقصاه، فجّرتها الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية السيئة، بفعل تمادي السلطة في سياسة التجويع وفرض إجراءات ضريبية، لا هدف لها سوى تركيز الثروة في يد القلة من اللبنانيين. للمرة الأولى منذ التسعينيات، لم يعُد الشارع فسيفساء من الانتماءات الطائفية المُتناحرة. خرج منذ يومين بهوية وطنية جامعة لا ولاء فيها للطوائف، ليقول للطبقة الحاكمة «كفى»، ولا يزال مستمراً في تحركه، فاتحاً الباب على مصراعيه أمام الأحزاب والتيارات السياسية التي أثبتت يومَ أمس أنها تغرق في حالة من الإنكار التام. فأمام زخم الغضب الشعبي والغليان الذي قُطع معه عدد كبير من الطرق التي تربط المناطق في مختلف المحافظات، واصل المسؤولون تقاذف مسؤولية الفشل والإخفاق والوعود الكاذبة، كما لو أنهم أمام أزمة سياسية عادية كتلكَ التي تُحلّ على طريقة «تبويس اللحى». وليلاً، لجأت السلطة إلى العنف المفرط، لتفريق المتظاهرين، بذريعة ملاحقة «المشاغبين الذين اعتدوا على الأملاك الخاصة والعامة». صدف أن استخدام قدر كبير من العنف، من قبل الجيش وقوى الأمن الداخلي، بدأ بعد تكسير واجهتي مصرفين في وسط بيروت.
وحتى يوم أمس، لم يكُن أهل السلطة قد استوعبوا بعد أن القصة ليسَت قصّة رغيف ولا زيادة أسعار المحروقات والدخان وأزمة دولار، ولا حتى فرض رسوم على تطبيق «واتسآب»، بل قصة كيل طفح بمكيال الكذب والإفقار والظلم وحجم البطالة والركود الاقتصادي ونظام المُحاصصة. إذ حاولت أغلبية القوى المشاركة في الحكومة ركوب موجة التحركات الشعبية، وخلق شارع مقابِل شارع عبر تبادل الاتهامات، لكنها فشلت في ذلك. الكل بدأ يتحدث كما لو أنه في موقع المعارضة ولا علاقة له بكل الإجراءات التي اتُّخذت في المرحلة السابقة.
هذه اللعبة بدأها النائب السابِق وليد جنبلاط من خلال تحريك شارعه للتصويب على «العهد» في محاولة لتمييز نفسه. ولحق به رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع الذي جاءت مواقفه وجنبلاط مشجّعة لاستقالة رئيس الحكومة سعد الحريري ورمي كرة النار بين يدي رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر وحزب الله. الأمر الذي دفع برؤساء الحكومات السابقين للتضامن مع الحريري ورفضهم الاستفراد به. فيما كان لافتاً وواضحاً ارتباك كل من حركة أمل وصمت حزب الله. أما التيار الوطني الحرّ فقد حاول رئيسه الوزير جبران باسيل الاستثمار في غضب الناس لصالحه. الأخير خرج بعدَ لقاء مع رئيس الجمهورية ميشال عون وعدد من وزراء التيار ليخاطب الناس. وقف على منبر قصر الرئاسة في بعبدا، ليلقي كلمة موجهة إلى اللبنانيين، كما لو أنه متحدث باسم الرئاسة. قال بأنه «يتفهّم» غضب الشارع، معتبراً أن «ما يحصل هو لصالحنا وليسَ ضدنا»، مكرراً معزوفة الإصلاحات التي يريد العهد تطبيقها، لكنّ أطرافاً أخرى تمنعه من ذلك. علماً أن هذه الإصلاحات التي يتحدّث عنها باسيل وغيره ممن هم في الحكومة، من المستقبل الى القوات الى الاشتراكي ليست ذات منفعة، بل هي إجراءات ستزيد من حجم المشكلة وتأخذ البلاد نحو الانهيار. وراح باسيل يرمي الوعود كعادته من نوع تأمين الكهرباء، قائلاً إنه ضدّ الضرائب، مع أنه هو نفسه الذي شارك في اقتراحها وفي إقرارها.
وفيما كان الرصد طوال يوم أمس لإطلالة الحريري، طُرح سؤال حول إمكانية إسقاط حكومة الأخير في الشارع، استناداً إلى المشهد الراهن الذي أعاد لبنان إلى ما سبقَ واختبره في أيار عام 1992، حين أدّت التظاهرات إلى إسقاط حكومة الرئيس الراحل عمر كرامي. غيرَ أن الرئيس الحريري لعب الدور نفسه الذي سبقه إليه كل من باسيل وجعجع وجنبلاط، محاولاً إظهار نفسه بمظهر الضحية. رئيس الحكومة، رأس السلطة التنفيذية، حاول تبرئة نفسه، بتحميل شركائه فيها مسؤولية الانقلاب على الإصلاحات والاتفاق، معطياً مهلة 72 ساعة وإلا «سيكون هناك كلام آخر».
أراد الحريري ابتزاز شركائه في الحكم، عبر القول: إما أن تنفّذوا شروط مؤتمر «سيدر»، أو أستقيل. يبدو رئيس الحكومة غير مدرك لكون الناس نزلوا إلى الشارع، مع هذا القدر الهائل من الغضب، بسبب نتائج سياسات «سيدر وأخواته».
وفيما كان جنبلاط وجعجع ينتظران من الحريري استقالة فورية، خاب ظنهما. ردّ الأول على رئيس الحكومة بالقول «إننا لا نستطيع الاستمرار في الحكم والحكم ليس في يدنا، ونعيش 7 أيّار اقتصادياً ونحن أردنا المشاركة ولكن غير مرغوب فينا من بعض الناس»، معلناً بأنه سينتقل إلى موقع المعارضة «الهادئة والموضوعية». أما رئيس القوات فقال: «لا نجد أنفسنا في هذه الحكومة والاتصالات مستمرّة مع المستقبل والاشتراكي من أجل تنسيق الموقف، الرئيس الحريري يريد أن يستمهل قليلاً ولا مشكلة في الأمر، إلا أن المغزى أننا لا نرى فائدة من هذه الحكومة». وفي اتصال مع قناة «العربية» اعتبر أن «ما يحصل هو ثورة شعبية حقيقية»، معتبراً أن «حزب الله متخوف جداً وقسم من قاعدته خرج عليه»، محملاً إياه مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في البلاد. بينما تقصّد وزير الخارجية بعد كلام رئيس الحكومة تسريب معلومات عبرَ مصادره تقول بأنه «أجرى اتصالاً بالحريري وأكد له بأن أن لا حاجة للانتظار 72 ساعة فلنبدأ فوراً بالحلول».
وعلى إثر الأحداث المتصاعدة، كانت التركيبة السياسية قد بدأت تنفجر من الداخل، قبلَ أن تظهر بوادر تدخّل من قبلها ليلَ أمس انعكست أعمال شغب ومواجهات مع القوى الأمنية أدت إلى تراجع أعداد المتظاهرين في عدد من المناطق، لا سيما في الساحة المركزية في رياض الصلح. وباتت هناك خشية من أن يكون مصير التحرك الحالي شبيهاً بمصير سابقه الذي اندلع عام 2015، والذي أطلق شرارته ملف النفايات، بعد أن حركت السلطة جماهيرها في مواجهته. فيما ينتظر الجميع الكلمة التي يلقيها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في ختام «مسيرة الأربعين» اليوم، ليتحدث عن مجمل التطورات السياسية، وبصورة خاصة الأوضاع الداخلية في لبنان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللواء
إنتفاضة الیوم الثاني تواجه محاولة تعویم الحكومة .. والتسویة!
توترات لیلیة قرب قصر بعبدا.. وإعتقالات في ریاض الصلح.. وأوامر بانھاء التحرّك بالقوة
انتفاضة 18 ت1، آخذة في الإتساع، على الرغم من غموض مساراتها البعيدة. ولم تفلح لليوم الثاني على التوالي، تعهدات الرئيس سعد الحريري، ضمن مهلة 72 ساعة بإقرار موازنة مع إدخال إصلاحات، تساهم في إطفاء الدين العام، والاستفادة من شروط الوصول إلى موازنة تعيد العافية إلى النمو والاقتصاد.
على ان الأخطر في انتفاضة اليوم الثاني، هو رفض المتظاهرين، المهلة التي منحها الرئيس سعد الحريري، وهي 72 ساعة، وإلا سيكون له كلام آخر، فضلاً عن رفض المدخل الانقاذي الجريء لباسيل، وذلك، بالرغم من بقاء المتظاهرين في الساحات، وطالب بـ «إقرار قانون استعادة الأموال المنهوبة، ورفع السرية المصرفية عن المسؤولين».
اضاف: فإذا لم تستطع إقرار الموازنة قبل الـ31 من الشهر الحالي عليها الاستقالة، لكن الموقف تبدل ليلاً، بعدما تحوّلت ساحة رياض الصلح إلى ساحة مواجهة بين المتظاهرين والعناصر الأمنية والعناصر العسكرية التي استقدمت لهذا الغرض، وجرى توقيف عشرات الأشخاص الناشطين في التحركات الشعبية.
مهلة 72 ساعة
وإذا كانت المحصلة الأخيرة لليوم الثاني والطويل من الاحتجاجات الشعبية، قد انتهت بتحديد الرئيس سعد الحريري لنفسه مهلة 72 ساعة لأن يعطيه شركاؤه في التسوية وفي الحكومة جواباً واضحاً وحاسماً ونهائياً يقنعه بأن هناك قراراً من الجميع بالاصلاح ووقف الهدر والفساد، والا سيكون له كلام آخر، فإن ما قد لا يعرفه المتظاهرون الذين ملأوا الشوارع في مختلف المناطق اللبنانية، ان الحريري قبل إعلان موقفه أو خياره، كان قد أمضى يوماً طويلاً من الاتصالات والمشاورات، سبقه إعلان الأمانة العامة لمجلس الوزراء إلغاء جلسة الحكومة التي كانت مقررة بعد الظهر في بعبدا، بعد اتصال جرى بين الرئيسين ميشال عون والحريري، كما اتصال آخر مماثل بين الأخير ووزير الخارجية جبران باسيل،
ولا يخفى ان الحريري واجه أمس 3 احتمالات احلاها مر، ناقشها بتأن مع حلقته الضيقة والمقربين:
1- استقالة فورية تجاوباً تلقائياً مع خطاب الشارع، لكن تداعياتها قد لا تحصى، بدءاً من انعكاسها على حياته السياسية، وليس انتهاء بالفوضى التي ستخلفها تلك الخطوة على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، إلى جانب انها ستعد تنصلاً من مسؤولياته الوطنية.
2- احداث صدمة فورية من الدرجة الثانية، تقضي باقالة وزير الاتصالات مطلق شرارة الأزمة، في مسعى للمحاسبة من جهة ولاستيعاب الشارع من جهة ثانية، لكن تبين ان هذه الخطوة لن تكون كافية في ضوء تصاعد التحركات الاحتجاجية في الشارع، وقد يستدل منها ضعف سياسي.
3- الرجوع خطوة إلى الوراء تمهيداً لوضع كل القوى امام مسؤولياتها، عبر مخاطبة الرأي العام، بالتوازي مع إعطاء مهلة أيام قليلة بما يتيح للحكومة تحقيق ما تعذر لجهة إقرار الموازنة والإصلاحات ومتطلبات الخروج من الأزمة واستطراداً تليين موقف الشارع وتحقيق جزء أساسي من المطالب، لكن يتطلب إنجاح هذه الفكرة خطاب وجداني يُحاكي الشارع على ان يكون حازماً في الوقت عينه.
واستناداً إلى الخيارات الثلاثة، اعتمد الرئيس الحريري الاحتمال الثالث، أي الاستقالة المستحيلة أو المرجأة، مع علمه ان المشاورات التي أجراها أظهرت له ان الخطوة التي اتخذها قد لا تكون كافية لتحقيق اختراق جدي، خصوصاً إذا تبين ان ما من شيء سيتغير خلال مهلة الـ72 ساعة، وقد يزداد الضغط الشعبي، وان الذي شكى منه الحريري بالتعطيل والفركشة ما زال ينتظره على «ضفة النهر».
وحرص الرئيس الحريري في الرسالة التي وجهها إلى اللبنانيين مساء أمس، على مخاطبتهم مباشرة، معتبراً ان وجعهم حقيقي، وانه مع كل تحرك سلمي للتعبير عنه، لكن المهم هو كيف سنعالجه ونقدم له حلولاً، لافتاً نظرهم إلى انه منذ أكثر من ثلاث سنوات كان يقول لشركائه في الوطن انه لم يعد في مقدورنا ان نستمر على هذا النحو، الكهرباء تكلف الدولة ملياري دولار، وسلسلة الرتب والرواتب تبين ان كلفتها فاقت التوقعات أي حوالى ملياري دولار ما يتسبب بعجز إضافي في السنة.
وقال انه اتفق مع كل شركائه في الوطن على إصلاحات لا حل من دونها، موضحاً ان الإصلاحات لا تعني الضرائب، بل تعني ان نغير الطريقة التي يعمل بها لبنان، وانه بناء على هذه الإصلاحات وافق المجتمع الدولي على ضخ أموال جديدة بالاقتصاد اللبناني، لكن الشركاء، أضاف الحريري، لم تبق هناك مماطلة ولم تبق هناك «فركوشة» الا ووضعوها في وجهه، بدءاً من تشكيل الحكومة إلى إصلاح الكهرباء وإلى خفض النفقات ومعالجة العجز والاصلاحات، وكانت دائماً النتيجة ان ما في شيء يمشي، معتبرا ان «اي شعب يواجه أداء سياسياً على صورة ما حصل خلال السنين الماضية تكون ردة فعله الغضب، وهذا الغضب هو بالتأكيد نتيجة أوضاع معيشية، لكن أساسه مستوى السلوك السياسي في البلد.
وإذ ألمح الحريري إلى ان هناك جهات في الداخل سعيدة بما حصل وعملت «قبة باط» لمجموعات نزلت إلى الشارع، وان هناك مخططاً خارجياً لتخريب الوضع، طالما ان هناك متغيرات في الأقاليم وموازين قوى انقلبت، وانه إذا كان الوضع يتجه نحو الهدوء في سوريا فلتخرب في لبنان، فإنه اعتبر ان هذا كلّه لا يلغي ان هناك وجعاً حقيقياً تفجر أمس الأوّل، لافتا إلى انه قرّر التحدث مع النّاس من دون قفازات، معيداً إلى الأذهان انه ذهب إلى التسوية السياسية لكي لا يذهب البلد إلى صراع اهلي جديد، وانه قرّر قلب الطاولة على نفسه لكي لا تنقلب على البلد، وانه من أربع سنوات وأكثر يدور الزوايا.
وأضاف انه بعدما حصل بالأمس بدأ يرى الأمور بعيون أخرى، ليست عيون الندم على التسوية، بل لأنه لم يعد بمقدورنا ان ننتظر.
وفي تقدير مصادر سياسية، ان جزءاً كبيراً من رسالة الحريري كانت موجهة إلى شركائه في التسوية وفي الحكم، ولا سيما لرئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» الشريك الثالث الخفي في التسوية السياسية.
جلسة للحكومة اليوم
وعلمت «اللواء» من مصادر القصر الجمهوري ان الرئيس عون استمع الى كلمة الحريري، وهو سيتابع اتصالاته للوصول الى حلول سريعة للأزمة ووضع الاصلاحات المطلوبة من خلال ما ورد في ورقة بعبدا الاقتصادية – المالية التي اتفقت عليها كل الاطراف السياسية، وان هذه الاتصالات تركزت على عقد جلسة سريعة لمجلس الوزراء اليوم في قصر بعبدا، مع ضمان خروجها بقرارات.
وتلقى الرئيس الحريري اتصالاً أيضاً من الرئيس نبيه برّي ومن حزب الله تمنيا عليه عدم الاستقالة.
وذكرت المصادر ان الرئيس عون كان اول من دعا الى الاصلاحات ووضع لها برنامجا، ومعظمها من ضمن ما يطالب به المحتجون الان في الشارع. لكن توجيه المسؤولية الى عهده وحده امر ليس في مكانه، بل هو استهداف سياسي معروف ويحصل من قبل اندلاع الاحتجاجات.
كما علمت «اللواء» ان الوزير باسيل اتصل بالرئيس الحريري بعد توجيه كلمته مساء، وقال له: لماذا ننتظر 73 ساعة؟ فلنبدأ فوراً البحث بكل الحلول والاصلاحات ونتفق عليها.
باسيل: طابور خامس
وكان الوزير باسيل استبق إطلالة الرئيس الحريري، بزيارة للرئيس ميشال عون في قصر بعبدا مع وفد من نواب ووزراء تكتل «لبنان القوي» مستأذناً التحدث من منبر بعبدا، للادلاء ببيان، محاولاً الالتفاف على مطالب المتظاهرين، عن طريق الاعتراف بأنه «حابل مثلهم» من تراكم الأزمات والاخفاقات مما أدى إلى عدم قدرة النّاس على التحمل.
وإذ أكّد ان ما حصل كان «متوقعاً»، وان «الآتي أعظم ان لم يتم استدراكه»، لفت إلى ان «هناك من يشن من الداخل الحرب الاقتصادية على لبنان ويدعو إلى إسقاط العهد، وهو يركب اليوم موجة شعبية صادمة لحرفها عن مسارها المحق من أجل تحقيق غاياته السياسية المعلنة بإسقاط رئيس الجمهورية والحكومة ومجلس النواب المنتخب حديثاً ولاول مرّة بشكل عادل».
وقال ان «ما نشهده حالياً يمكن ان يُشكّل فرصة لإنقاذ لبنان واقتصاده من الفساد والسياسات المالية والاقتصادية الخاطئة، كما يمكن ان يتحوّل أيضاً إلى كارثة كبيرة اقتصادية ومالية واجتماعية وأمنية، ويدخل لبنان في الفوضى والفتنة»، مشدداً على «اننا امام خيارين متناقضين: الانهيار الكبير أو الانقاذ الجريء»، مشيراً إلى انه «بالامكان القيام بالاصلاحات وإقرار الموازنة في أيام معدودة، لا ان نعطي النّاس وعوداً للخروج من الشارع بل ان نجتمع ونعمل فيما النّاس لا يزالون في الشارع».
وإذ اعتبر ان «ما يحصل ليس موجهاً ضد العهد أو ضد التيار، كشف ان بعض مؤيدي التيار يشاركون في التظاهرات، لكنه نبههم بوجوب عدم الانجرار وراء أي قرار خاطئ، ولفت الىان هناك سلّة إصلاحات طرحها الرئيس عون في ورقة بعبدا، ووافقت عليها نظرياً كل القوى المجتمعة، إنما يجب تنفيذها، وان التكتل وضع ورقة في السياق تشمل الكهرباء والهدر في الدولة والفوائد العالية في خدمة الدين والنازحين وقوانين الفساد والاقتصاد والاستفادة من ثروات لبنان والاملاك البحرية والنهرية والجوية والعقارية والمائية والنفطية والبشرية تحت عنوان «لبنان غني إنما منهوب».
جنبلاط
واثارت أطلالة باسيل، قبل ظهور الرئيس الحريري ردود فعل سلبية، من حزب «القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الاشتراكي، اللذين وجدا فيها نوعاً من الغطرسة والاستمرار في الاسطوانة، فيما لاحظ رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط ان باسيل ظهر وكأنه رئيس، مشيراً إلى ان الرئيس الحريري توجه خلال كلمته إلى «حزب الله» وإلى سائر الفرقاء، مبدياً اعتقاده ان كلامه يعني انه يجب تعديل التسوية القائمة، لأن الظروف السياسية تغيرت، معتبرا ان مهلة الـ72 ساعة التي اعطاها الحريري قد لا تغير أي شيء، وقد تزيد الضغط الشعبي، معلناً انه يتجه للخروج من الحكم والبقاء في المعارضة الهادئة والموضوعية، لأن هذا الحكم ليس لنا.
وكشف جنبلاط ان رئيس حزب «القوات» سمير جعجع اتصل به وانه قال له: «اننا ركبنا السفينة مع الحريري سوياً ولن نتركها الا سوياً، وانه علينا ان نتضامن سوياً»، مؤكداً ان المطالب الشعبية محقة جداً والمعادلة تتطلب تعديلاً حكومياً، وقال انه «لا يريد ان يكون شاهد زور في الحكم».
وشدّد على ان أهم شيء هو ان تبقى التظاهرات سلمية وان لا تخرج عن السيطرة، لافتاً إلى ان الطبقة السياسية تغيرت كثيراً وتتغير، واننا لا نسيطر على أهلنا الا بالتراضي، مؤكدا انه يفضل ان يبقى الحريري في الحكم مع تحديد شروطه مع الاقوياء.
اما جعجع، فقد خالف بالنسبة لبقاء الحريري في الحكومة، قال انه «يتفق معه في توصيف الواقع المأزوم، ولكن يجب الاستفادة من الزخم الشعبي بنقلة نوعية عبر تشكيل حكومة جديدة بعيدة عن الطقم السياسي الحالي».
وكان رؤساء الحكومة السابقين: نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام قد اعلنوا تضامنهم مع الرئيس الحريري، مؤكدين رفضهم أي محاولة لاستفراد الحريري أو تحميله مسؤولية الأزمات من خلال التنصل من المسؤوليات والنهج المتكرر لفرض تجاوزات دستورية تستهدف بالدرجة الأولى مقام رئاسة الحكومة ودور رئيس الحكومة ومجلس الوزراء مجتمعاً.
الانتفاضة الشعبية
ميدانياً، سجلت دوائر الرصد السياسي مجموعة ملاحظات على التحركات الاحتجاجية التي تواصلت أمس لليوم الثاني على التوالي لعل أبرزها ان الانتفاضة الشعبية تكاد تكون الأولى من نوعها لناحية غياب قيادتها على مدى 24 ساعة، وتحرك البحر الشعبي الذي ملأ ساحة رياض الصلح طوال نهار تحت راية العلم اللبناني لا غير، على الرغم من مشاركة حزبيين كثيرين من أحزاب مختلفة.
كما سجلت الدوائر مسارعة عدّة سفارات عربية وأجنبية إلى دعوة مواطنيها إلى اتخاذ الحيطة والحذر في تنقلاتهم، باستثناء السفارة السعودية التي دعت مواطنيها إلى مغادرة لبنان وخصصت فندقاً في منطقة الروشة كنقطة تجمع تمهيداً للانتقال إلى المطار.
لكن اللافت، ان المتظاهرين استهدفوا طريق المطار باهتمام لافت، حيث بقيت مقطوعة طيلة النهار، وحتى المساء، رغم المحاولات التي قامت به قوى الأمن والجيش لفتحها وإزالة الاطارات المشتعلة والعوائق دون جدوى.
وتردد ان المتظاهرين عمدوا على قطع الطريق لقطع الطريق امام الرئيس السنيورة من مغادرة بيروت وكذلك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، من دون ان يعلموا ان السنيورة موجود في المغرب وسلامة موجود في واشنطن.
وكان المحتجون قبعوا في الشوارع منذ ليل امس الاول قبل ان تنضم اليهم مجموعات واسعة امس، واضرموا النار بالإطارات قاطعين الطرق في مختلف المناطق ومرددين هتافات لم تستثن احدا من اهل السلطة في حين تواصل الإعتصام في ساحة رياض الصلح وتوجه المعتصمون إلى شوارع بيروت وهم يحملون الأعلام اللبنانية ويهتفون «الشعب يريد اسقاط النظام». كما توجّه عدد من المتظاهرين إلى مصرف لبنان في الحمرا. وافادت المعلومات عن سقوط عدد من الجرحى بينهم جريح أصيب في صدره اثر تعرضهم لإطلاق نار تردد انه من موكب النائب السابق مصباح الأحدب في طرابلس.
واللافت في حركة الانتفاضة الشعبية أمس، انها ركزت اهتمامها على محورين: الأوّل ساحة رياض الصلح في مواجهة السراي الحكومي، والتي احتشدت بالالوف، وبقيت هادئة نسبياً باستثناء بضع مناوشات حصلت بين المتظاهرين والقوى الأمنية، عمد خلالها المتظاهرون إلى إلقاء زجاجات مولوتوف على القوى الأمنية، اعقبها ليلاً تحطيم الواجهات الزجاجية في وسط بيروت، لبعض المصارف والمحلات التجارية، اعقبها توقيف عدد كبير من المتظاهرين الذين تبين انهم اندسوا إلى المعتصمين في الساحة.
والمحور الثاني، كان في اتجاه قصر بعبدا، حيث لوحظ ان مجموعات من المتظاهرين قدموا من ساحة رياض الصلح على متن دراجات نارية وتجمعوا علىبعد 1400 متر من القصر الجمهوري، وتقدم هؤلاء الناشط رامي عليق الذي خاطب المتظاهرين عبر مكبر للصوت داعياً اياهم لاقتحام الباحة الداخلية للقصر، واعقب ذلك سلسلة محاولات لكسر الطوق الأمني الذي ضربته القوى الأمنية ولواء الحرس الجمهوري، الذي اقترح على المتظاهرين تشكيل وفد لمقابلة الرئيس عون فوافق عليق ودخل القصر حيث استقبله الرئيس عون مع الوفد المرافق.
وذكرت معلومات رسمية ان الرئيس عون خاطب الوفد قائلاً: «وجعكم هو وجعي واشعر معكم وسوف اعمل جهدي من أجل التخفيف من معاناتكم. لقد بدأنا سلسلة إجراءات للحد مما تشكون منه، وسنواصل العمل في هذا الاتجاه، مع ضرورة الأخذ في الاعتبار التركيبة اللبنانية وقواعد النظام اللبناني وخصوصيته».
وأكّد الرئيس عون للوفد انه سيواصل جهوده في اتجاه المعالجة.
الى ذلك ذكرت مصادر «التيار الوطني الحر» ان مسؤولي التيار وجهوا تعليمات الى المحازبين والانصار «بعدم الرد على اي استفزازات يتعرضون لها في الشارع لإفتعال مشكلات امنية معهم، واكدوا الاستمرار في العمل لتحقيق الاصلاحات البنيوية في الاقتصاد والمالية العامة.
واشارت مصادر في التيار الى ان «دعوة جنبلاط وجعجع الى المشاركة في التحركات المطلبية تقع من ضمن محاولات الضغط على العهد والتيار من اجل تحقيق اهداف سياسية تخصهما، وليس من اجل تصحيح الوضع القائم».
الى ذلك، رصدت الكاميرات خلال التظاهرات المسائية شباناً ملثمين يحملون صناديق وينقلونها الى الشارع، وبدأوا فتحها وتوزيعها على بعض الشبان، ليظهر انها عبارة عن مفرقعات كبيرة الحجم تم القاؤها على القوى الامنية في ساحة رياض الصلح. وهو الامر الذي أدى إلى توتر وتشابك بين الطرفين. وكالعادة بدأت اعمال الشغب مساء وجرى تحطيم بعض واجهات المصارف والمؤسسات التجارية والاملاك العامة، ما دفع بالقوى الامنية الى تفريقهم بإلقاء القنابل الدخانية فتراجعوا باتجاه اماكن اخرى في الوسط التجاري وبدأوا اعمال الشغب والحرق في اسواق بيروت.
وأعلنت المديرية العامة لقوى الامن الداخلي عن سقوط 17 جريحاً من عناصر قوى الامن الداخلي في ساحة رياض الصلح، و7 آخرين في باقي المناطق أثناء قيامهم بمهمة حفظ الامن والنظام.