بعد اثني عشر يوماً من انطلاق الحراك الشعبي قدم الرئيس سعد الحريري استقالة الحكومة. بدأنا بالحراك الشعبي المطلبي والمعيشي مساء الخميس 17 تشرين الأول الجاري. وها نحن وصلنا إلى أزمة حكومية ـ سياسية مفتوحة. أسقط الحريري الحكومة من دون أي تنسيق للخطوات التالية، لا مع رئيس الجمهورية ولا مع رئيس البرلمان. رجع إلى منزله من غير اتفاق على الخطوات السياسية ـ الدستورية التي تضمن الخروج الآمن للبلاد والعباد من هذه الأزمة. أسقط "التسوية السياسية" وفضَّلَ الخروج الآمن لنفسه، وحده، أو هكذا زُيِّن له. ليس صحيحاً أن استقالة الحكومة تحقق أحد مطالب الحراك الشعبي. كلا. خرج الحريري وترك الحراك معلقاً مع كل مطالبه. لو كان خروجه إلى البيت من ضمن اتفاق سياسي بين الحكم والحراك، لكانت الإستقالة استجابة لإرادة المحتجين والمتظاهرين. لو أنه استقال بعد وضع "تسوية بديلة" ترسم المسار الإصلاحي الدستوري ـ السياسي الجديد، لدخلت الديموقراطية في لبنان طوراً جديداً يخفف من طابعها الطائفي المرير. الإستقالة مع التسوية الإصلاحية تعني أن النظام رضخ، تنازل أمام إرادة الشعب. كان الحريري ليعزز باستقالته الأسس المدنية للوحدة الوطنية. لكن الحريري اختار ترك الحراك الشعبي معلقاً. فرَّ من المسؤولية الوطنية ولبنان في شلل شبه تام. بعض الصحف تحدثت عن خداع سياسي مارسه الحريري وحلفائه منذ مهلة الـ 72 ساعة يوم السبت 19 تشرين الأول الجاري، وحتى مساء أول أمس، حينما ابلغ القوى السياسية بعزمه على الإستقالة. إلى أين من هنا. الإجابة تحتاج منا، أولاً، أن نعود إلى الأيام الماضية لنرى كيف بدأ الحراك الشعبي، وكيف بدأ الحراك السياسي من فوقه حتى أغرقه فيما نحن فيه الآن. إلى اين من هنا، الإجابة تحتاج منَّا، ثانياً، أن نعود إلى باراديغم التحليل الأساسي لـ"الثورة اللبنانية". يجب أن نفهم لماذا يتكاثر "القرضايات" في لبنان، يريدون "الثورة" الآن. "القرضايات" مفردها "قرضاي". وهو الأميركي من أصول محلية الذي تستخدمه الولايات المتحدة لتمويه وتشريع تدخلها السياسي والعسكري في وطن آبائه وأجداداه. ثم تنصبه حاكماً عليه. وقد بدأت بـ"قرضنة" تدخلها بالأميركي من أصل أفغاني حامد قرضاي، عام 2001، الذي صار مضرب مثل. برز لدينا، قبل اسبوع، نموذج فضلو خوري كأحد هؤلاء "القرضايات". استقالة الحريري تسهل أو تبرر "القرضنة". الإستقالة رسالة تهديد بتحويل الحراك المطلبي إلى نزاع طايفي داخلي في الدولة والمجتمع. هذا ليس هدف الحريري وحده. هذا هو هدف كل الأوليغارشيه. هذا هو سلوكها في لحظات الشدة التي تعصف بالوطن.
البناء
فوضى أمنية وفلتان أسعار وشح في السيولة النقدية… والطريق مسدود أمام المخارج السريعة
ربط الوضع المصرفي بحكومة معدّلة برئاسة الحريري… ووعود بقبول الحراك
المصارف تدعم إقفال الطرقات… ومشروع صفقة لفتحها مقابل شروط سياسيّة
بقي التحرك النيابي الذي بشّر به رئيس مجلس النواب نبيه بري، وافتتحه بلقاء مع وفد من تكتل لبنان القوي لتفعيل السير باقتراحات قوانين تتصل بمكافحة الفساد، هو الإشارة الوحيدة لحضور مؤسسات الدولة، التي يبدو أغلبها مستنكفاً عن القيام بمسؤولياته في لحظات دقيقة ومصيرية، حيث الفلتان الأمني يحكم الشارع والناس باتت تخاف مغادرة منازلها ولا تعرف ما ينتظرها في الشارع، لأنّ عصابات السرقة وفرض الخوات أول المستفيدين من إخلاء الأجهزة الأمنية للشارع تحت شعار تفادي التصادم مع المتظاهرين الذين يقطعون الطرق، وفلتان الأسعار بات شرعة السوق مع تسعير الدولار على 1800 ليرة وقياس الأسعار بالليرة اللبنانية على هذا الأساس، عدا الاستغلال للفوضى السياسية والأمنية، الذي يتذرّع بدفع تكاليف إضافية لإيصال المواد الاستهلاكية لمجموعات تملك نفوذاً على الذين يتولون إغلاق الطرقات، بحيث سجلت زيادة بنسبة 50 في الأسعار، مع غياب أي شكل من المتابعة الرسمية الفعلية.
بالتوازي، بقيت الصورة السياسية رمادية، حيث قيادة الحراك الشعبي غير المعلنة تتمسك بثنائية قطع الطرقات وربطها باستقالة الحكومة وتشكيل حكومة تكنوقراط. وبالمقابل صدرت مواقف من حاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف تربط فتح المصارف بحل سياسي، بما يمنح المعلومات التي تناقلتها مصادر متابعة عن تشجيع المصارف لقطع الطرقات كورقة ضاغطة لما تسمّيه المصادر المصرفية بالحل السياسي. والمقصود هنا كما توضح المصادر المتابعة هو تسوية عمادها صفقة تقوم على مقايضة حكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري، تضم وزراء غير حزبيين، عبر استقالة الحكومة الحالية وإعادة تسمية الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة، بموافقة الحراك الضمنيّة، الذي ضمنت موافقته قوى حزبية محلية ومراجع دبلوماسية ذات نفوذ على الحراك، خصوصاً عبر إمساكها بالتأثير على توجيه وسائل الإعلام الكبرى التي تعتمد على التمويل الخارجي، وتعيش تحت ضغوط تسهيلات مصرفية واسعة، والضمانة بفتح الطرقات مع هذه الحكومة تداولته أوساط على صلة بمناخ ساحات الحراك تراهن على استثمار التعب والشعور بالتأفّف الشعبي من قطع الطرقات، لاستثناء الرئيس الحريري من شعار كلن يعني كلن ، وحصر التغيير بالقوى السياسية، التي يشكّل إخراج وزراء التيار الوطني الحر وحركة أمل وحزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي من الحكومة ترجمتها العملية، وفيما لا يمانع الاشتراكي وأمل من تسمية تكنوقراط يمثلانهما، يصير إخراج الوزير جبران باسيل من الحكومة إنجاز يقطفه خصومه وليس الشارع الذي يكون تنازل عن شعار التغيير الشامل. والأهم أن حكومة بدون حزب الله ستصدر في عناوين الصحافة الغربية بتقديم الحراك الشعبي أداة لتعديل الموازين اللبنانية.
هذه التعقيدات جعلت مشروع الصفقة يتعقّد، رغم ثقة أصحابها بقدرتهم على ضمان فتح الطرقات وتعديل سقوف الحراك، بسبب ما تكشفه من صحة المخاوف التي أعلن عنها الأمين العام لحزب الله من تحويل الحراك إلى أداة لاستهداف معنويات المقاومة وحضورها، بدلاً من بقاء الساحات ورقة ضاغطة لضمان صدور الموازنة بدون ضرائب، وبدء ضخ الأموال للقروض السكنية، وسواها من مضمون الورقة الإصلاحية، وبالتوازي السير بفتح ملفات الفساد، وصولاً لفتح باب قانون الانتخابات النيابية مع شكوك حزب الله بجدية وصدقية الحديث عن فرصة لقانون يستند على النسبية ولبنان دائرة واحدة وخارج القيد الطائفي، كما يبشر بعض نشطاء الحراك.
مصادر على صلة بالمشاورات السياسية الدائرة أبدت خيبتها من مستوى البحث الدائر حول تسوية تضمنها دوائر خارجية وأحزاب تحاول السيطرة على الحراك، وأبدت الخشية من بقاء الاستعصاء حتى يصير قطع الطرقات مصدراً لغضب معاكس ينعكس على حجم المشاركة في الساحات، ويؤدي إلى إجبار الجيش والقوى الأمنية على فتح الطرقات في ظل ضمور الساحات، وفقدان فرصة تمثيلها أداة ضغط مطلوبة على الحكومة التي لم تمتثل إلا تحت الضغط وتتبنّى بعضاً مما كان عليها السير به منذ زمن طويل.
سجلت حشود المتظاهرين تراجعاً ملحوظاً في الساحات لاسيما رياض الصلح والشهداء وطرابلس، فيما اقتصر الحضور في الجنوب على أعداد متواضعة، بينما واصل حزب القوات حشد مناصريه بهدف الإبقاء على الطرقات مقطوعة رغم المناشدات السياسية الرسمية والكنسية بفتحها. وقد أفادت قناة الـ»ام تي في» أن «مجموعة من المتظاهرين من جل الديب والزوق وغزير زارت بكركي للقاء البطريرك مار بشارة بطرس الراعي بطلب منه، وهو ذكّرهم ببيان بكركي وجدد مطلبه بضرورة فتح الطرقات إلا انهم أكدوا أن الطرقات لن تفتح إلا بعد إسقاط الحكومة».
في المقابل، خرجت مسيرة مؤيدة لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون في جونية وسط إجراءات أمنية للجيش اللبناني. وحذرت أوساط تكتل لبنان القوي من أن «ما يجري في الشارع من ممارسات ومواقف لبعض الأحزاب السياسية، لا سيما القوات، مؤامرة على العهد بسبب مواقفه الوطنية والخارجية الداعمة للحقوق الوطنية والسيادية من سلاح المقاومة والثروة النفطية والغازية والانفتاح على سورية وإعادة النازحين السوريين»، مشيرة لـ»البناء» الى أن «الحراك تحوّل من مطلبي الى سياسي».
وعن مطلب القوات تأليف حكومة «تكنوقراط» قالت المصادر: «هل تملك القوات أكثرية لهذه الحكومة؟ وأدانت تصرفات القوات الميليشياوية في الشوارع، حيث تقطع جميع المعابر الممتدة من جل الديب الى البترون ما يؤدي الى تعطيل حركة المواطنين داعية الجيش الى التدخل لفتحها وحماية المواطنين من الاعتداءات المتكرّرة لمناصري القوات».
ولم يتضح بعد مشهد التعديل الحكومي، وبحسب المعلومات فإن خيار استقالة الحكومة استُبعد لصعوبة الاتفاق على البديل، وعلمت «البناء» أن رئيس الجمهورية والرئيس نبيه بري وحزب الله ووزير الخارجية جبران باسيل يعتبرون أن إقالة الحكومة هدف سياسي ليس مطلباً شعبياً. وتحاول احزاب سياسية تغليف هذا الهدف بالعنوان المطلبي، وبالتالي من الصعب تحقيق هذا الخيار. وأشارت المعلومات إلى أن لا بديل حتى الآن سوى تفعيل العمل الحكومي وإمكانية عقد جلسة لمجلس الوزراء هذا الأسبوع وتفعيل عمل المجلس النيابي لإقرار القوانين كقانون استعادة الأموال المنهوبة».
وكان نواب التيار الوطني الحر عقدوا اجتماعاً أمس، ووقعوا كتباً لرفض السرية المصرفية عن حساباتهم المالية. كما زار وفد من التيار برئاسة النائب إبراهيم كنعان الرئيس بري وتداولوا معه بالتطوّرات وسبل تفعيل عمل المجلس النيابي لإقرار القوانين المدرجة في الورقة الاقتصادية التي أقرتها الحكومة.
على صعيد آخر، لليوم الثالث عشر على التوالي يستمر إقفال الطرقات في أكثر من منطقة وإقفال للمصارف والمدارس والجامعات ما يعرقل حركة المواطنين ويزيد صعوبة حصولهم على الخدمات والمواد الأساسية، فقد أكدت مصادر مصرفية أن «جمعية المصارف ستعقد اجتماعاً موسعاً اليوم للبحث في الأوضاع المصرفية مع وجود اتجاه لاستمرار الاقفال طالما أن قطع الطرقات والتظاهرات مستمران». وفي اطار الشائعات التي نقلت أن البلد امام انهيار وشيك، أوضح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أننا «لسنا بصدد انهيار خلال أيام بل ما قلته هو أننا نحتاج حلاً فورياً خلال أيام». وقال سلامة لوكالة عالمية: «سنحافظ على ربط العملة المحلية بالدولار، ولدينا الوسائل لذلك وهدفنا حماية أموال المودعين». وأشار إلى أن «المصارف ستفتح أبوابها مجدداً بمجرد أن يهدأ الوضع ولم نطالبهم بالإغلاق». وأضاف: «عندما تفتح المصارف أبوابها لن تكون هناك قيود على حركة الأموال ولا خفض لقيمة الديون». ولفت سلامة إلى أن «عنوان «سي ان ان» «لبنان على بعد أيام من الانهيار الاقتصادي» لا يتماشى مع ما قلته في مقابلة معهم».
إلا أن القلق يكمن في نفاد بعض المواد الاساسية من بعض المناطق، كما هو حاصل في الضنية بعد نفاد البنزين نتيجة قطع الطرقات. فيما أقفلت بعض محطات الوقود في صيدا أبوابها بسبب نفاد الكميات الموجودة لديها من المحروقات.
وهذا الواقع أدى الى ارتفاع في أسعار السلع، وأعلن نقيب أصحاب السوبرماركت نبيل فهد أنه «إذا رفع أحد المحال أسعار بعض الأصناف، فهذا لا يعني أن كلّ المحال رفعت الأسعار». وأشار فهد إلى أن «هناك أصنافاً تغيّرت أسعارها لأنها نفدت نتيجة ارتفاع سعر الدولار ومنذ بدء الاعتصامات لم نقم بأي مراقبة على الأسعار في السوبرماركات».
من جهته، أكدت مصادر وزير الاقتصاد منصور بطيش للـ»او تي في» أن لا صحة لما يتم التداول به على مواقع التواصل عن قرار رسمي برفع الأسعار.
ولفتت المصادر إلى أن «قطع الطرق أعاق تحرك مراقبي مديرية حماية المستهلك في الأيام الأخيرة».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأخبار
هل أطاح الحريري التسوية الرئاسية وانضم الى المعارضة؟
دخلَ لبنان مرحلة شديدة الخطورة مع إعلان سعد الحريري استقالته. أزمة سياسية ومالية غير مسبوقة تواجهها البلاد بعد انصياع رئيس الحكومة للضغوطات الخارجية والمشاركة في الإنقلاب على العهد في ظل ضبابية المشهد في الشارع
هل أطاح سعد الحريري بالتسوية السياسية الناظمة لاداء فريق السلطة منذ العام 2016؟ استقال هذه المرة من بيته وأرضه، لكن البعض تذكر معالم وجهه التي ظهرت عليه يومَ أُجبِر في الرياض على التنحي. خطوته ذكرت بخطوة الرئيس الراحل عمر كرامي حين استقال في أصعب أزمة سياسية ومالية مرت بها البلاد عام 2005. خطوة فاجأت وأربكت شركه في التسوية الرئيس ميشال عون (والوزير جبران باسيل ضمناً). اما حزب الله، فعلم بقرار الاستقالة، من الحريري، في الليلة السابقة لإعلانها. وأبلغ الحزب الرئيس نبيه بري بقرار الحريري، قبل أن يبلغ رئيس الحكومة رئيس المجلس بنيته الاستقالة أمس. أما حليفا الحريري، أي «القوات اللبنانية» والحزب الإشتراكي، فتصرفا على ان الاستقالة تصب في مصلحة مشروعهما السياسي.
منذُ ساعات الصباح الأولى ليوم أمس، كانت بيروت على وقع سجال بين مؤيد ومعارض لاستمرار قطع الطرقات، وسط انكفاء الجيش والقوى الامنية عن القيام بدورها، لكن النقاش السياسي كان يجري في وقت سابق، قبل ان تنتشر المعلومات عن نية الحريري بالاستقالة. ولم يتأخر الوقت حتى اعلن الحريري نفسه الإستقالة عصراً، ومن ثم سلّمها خطياً إلى عون في لقاء بينهما لم يستمرّ أكثر من عشر دقائق، خرج بعده الحريري والتوتر واضحاً عليه.
المحتجون الذين كانت قلة منهم لا تزال متواجدة في الساحات تصرفوا انهم امام انتصار. لكن الرعب ظل مخيما على الجميع، إذ لا احد يملك الجواب عن مآلات الايام المقبلة، في ظل استمرار صراعات اهل الحكم على كيفية التعامل مع الوضع، وتعثّر تشكيل حكومة جديدة.
وبحسب معلومات مصادر معنية، فإن ملف التغيير الحكومي صار بحكم الامر الواقع، مع خطاب الرئيس عون الخميس الماضي. وهو قرار تم التفاهم عليه بين القوى الرئيسية. وكان النقاش حول الشكل والتوقيت والاهم حول المضمون. وبقي الخلاف قائما حول حصول تعديل وزاري كبير او تغيير شامل للحكومة. وتفاوتت الطروحات بين خروج الممثلين السياسيين للقوى من الحكومة واستبدالهم بشخصيات اقرب الى التكنوقراط، مع اضافة وجوه يعتقد انها تلقى قبول الناس، وبين تغيير شامل يخرج الممثلين المباشرين للقوى السياسية من الحكومة التي يفترض ان تكون مصغرة. وكان الحريري يضغط مع الوقت لانجاز الامر. لكن الوزير جبران باسيل رفض الخروج من الحكومة، وهو الموقف الذي غطاه الرئيس عون ولم يعترض عليه حزب الله.
رئيس الحكومة لم يكُن يعمل على خط واحد، بل اعتمد سياسة اللعب على الحبال. ففي وقت واصلَ فيه عقد لجان وزارية، رافضاً كل تمنيات القوى السياسية عقد جلسة للحكومة، أقله لإظهار جدية في تنفيذ بنود الورقة المالية – «الإصلاحية» بهدف تنفيس الإحتقان في الشارع، كانَ يعقُد اجتماعات سرّية يومية مع مجموعات في الحراك للبحث في خيار حكومة التكنوقراط والطلب اليها وضع أسماء مقبولة في الشارع. ويتهم خصوم الحريري رئيس الحكومة بأنه كان يسعى الى مد جسور مع الناشطين على الارض، بقصد الظهور انه الى جانبهم وانه يؤيّد مطالبهم تمهيداً لاستقالة تجعله خارج شعار «كلن يعني كلن». لكن الاخطر، اعتبار قوى التسوية ان الحريري عمل على تلبية رغبة خارجية باستكمال الإنقلاب الهادف الى تغيير موازين القوى في السلطة.
وقالت أوساط بارزة في 8 آذار إن «الحريري كان يتذاكى في موضوع الورقة الإصلاحية التي وقعها كل أهل السلطة على بياض، فيما كان هو يستثمر في الحراك مانعاً التعرض للمتظاهرين وفتح الطرقات، كما اصر على استبعاد باسيل واخراجه من الحكومة». وهو اكد أمام المعنيين أنه «لم يعُد قادراً على تحمّل باسيل والتعايش معه وأن شرطه الوحيد للبقاء داخل الحكومة إجراء تعديل يطال بالدرجة الأولى وزير الخارجية قبلَ أي وزير آخر».
وفيما كان النائب السابق وليد جنبلاط موافقاً على طرح الحريري، وويؤيده الرئيس نبيه بري في حال ساعد حصراً على تهدئة الشارع، كان موقف حزب الله واضحاً وجازماً أن «لا تعديل ولا تغيير الا ضمن سلة شاملة وضمن ظروف خاصة»، وهاجس الحزب، هنا، ليس منع كسر باسيل او التيار الوطني الحر، بل منع الخصوم المحليين والخارجيين من الفوز ولو بنقطة، لان الحزب عبر عن خشيته من ان طلب الاستقالة يهدف الى التمهيد لجولة ضغوط اضافية تكون على شكل مطالبات باستقالة الرئيس عون ثم حل المجلس النيابي وترك البلاد امام الفراغ.
وحين حاول الحريري ابتزاز القوى السياسية بالإستقالة سمع كلاماً واضحاً «بأنك حين كنت مع باسيل على انسجام تام في إدارة أمور البلاد كانت الأمور ماشية، والآن حين لم تعُد راضياً عنه تريد خراب البلد. هذه الإستقالة تعني الدخول في الفراغ المجهول، وانت بذلك تخرب كل شيء». وعلمت «الأخبار» أن لقاءً عُقِد ليل أول من أمس بين الحريري (في منزله) والمعاون السياسي للامين العام لحزب الله، الحاج حسين الخليل، الذي تمنى على رئيس الحكومة عدم الإستقالة منعاً للفراغ. لكن الحريري أصر على تعديل وزاري يُخرج باسيل ووزراء آخرين من الحكومة، أو الاستقالة. وبعد طرح عدة خيارات، أكّد الحريري لضيفه انه سيستقيل. كذلك حاول الرئيس بري أكثر من مرة ثني الحريري عن قراره، لكن رئيس الحكومة «بقي مُصراً على إصراره» كما قال بري أمام زواره أمس معتبراً أن «المرحلة حساسة جداً وتتطلب تعقلاً وحواراً بين جميع المعنيين للخروج من الأزمة».
وتنظر الأوساط السياسية الى خطوة الحريري بوصفها «انقلاباً وتماهياً مع الضغوطات الخارجية التي تعرض لها»، وأكدت الأوساط أن «الاستقالة جاءت بعد ضغوطات أميركية وفرنسية عليه، علماً أن المسؤولين الفرنسيين الذي تواصلوا مع عدد من الشخصيات اللبنانية أكدوا أنهم نصحوه بعدم الإستقالة». وأضافت الأوساط أنه منذ اليوم الأول للتحركات الشعبية كان الحريري يلتزم بكل ما هو مطلوب منه حرفياً، إن على صعيد منع انعقاد جلسة للحكومة، أو في الشارع بعدم اتخاذ اي قرار يلزم الجيش والقوى الأمنية بفتح الطرقات ومحاسبة الذين يسبّبون الفوضى بحجة عدم وضع الجيش في مواجهة المتظاهرين». واعتبرت أن «الحريري كان يلعب من تحت الطاولة من تحديد مهلة 72 ساعة لشركائه في الحكومة، ثم اصرار مقربين منه على إعطاء ثمن سياسي للمتظاهرين، وصولا الى سعيه الى تغيير حكومي وفق تصوره، بالاضافة الى أوامر عمليات كانت تأتي للأجهزة الأمنية بعدم فتح الطرقات أو الضغط على المُحتجين».
بقي ان النتيجة الاولى لهذه الخطوة، طرح السؤال في وجه الجميع: ماذا سيحدث في الشارع، وهل ستذهب البلاد الى مواجهة كبرى، وهل هناك إمكانية لتشكيل حكومة جديدة؟ وزاد من القلق انضمام مجموعات من انصار المستقبل الى التحركات في الشارع والاقدام على قطع طرقات في بيروت لساعات بعد إصدار تيار المستقبل بياناً يطلب فيه الحريري من مناصريه الخروج من الشارع. وتقول المصادر أن «خطأ الحريري هو اقتناعه بأن لا بديل عنه، وأن من سمّوه سابقاً سيكلفونه من جديد، علماً أنه لم يأخذ أي ضمانة في هذا الصدد، وهو خير العارفين بأن موقف أركان التسوية منه قبل الإستقالة هو غيره ما بعدها. مع ذلك ظلّ يكابر وعلى قناعة هو والقوات اللبنانية وبعض التيارات والاحزاب التي ركبت موجة الحراك بأن الإستقالة ستفتح باباً للحلّ والحوار».
الحريري قال في خطابه «إنني وصلتُ إلى طريق مسدود»، مناشداً «اللبنانيين تقديم مصلحة لبنان وحماية السلم الأهلي». لكن كلامه عن أن «مسؤوليتنا اليوم كيف ننهض بالاقتصاد، وتوجد فرصة جدية لا يجب أن تضيع»، لا يتناسب مع يومياته بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية، التي لم تتغير حسب عارفيه، إذ إنه لم يتصرف كما لو انه على راس ورشة عمل لوضع الورقة الاصلاحية موضع التنفيذ.
اليوم تدخل البلاد في باب الخطوات الدستورية التي ستلي الإستقالة ومنها تحديد موعد الإستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية لتكليف رئيس جديد للحكومة. وقد انعقدت ليل امس، سلسلة اجتماعات لحزب الله وحركة امل والتيار الوطني الحر، وبقيت القنوات ناشطة بين الرئيسين عون وبري والسيد حسن نصرالله والوزير السابق سليمان فرنجية من اجل الاتفاق على تصور للمرحلة المقبلة.
جنبلاط وجعجع يرحّبان
سارع النائب السابق وليد جنبلاط إلى الترحيب بالاستقالة، مغرّداً «منذ اللحظة الأولى دعوت إلى الحوار وعندما رفضتُ الاستقالة (وزراءه) سادَ موقف من التململ والانزعاج في صفوف الحزب الاشتراكي. وتحمّلتُ الكثير. لكن في هذه اللحظة المصيرية وبعد إعلان الشيخ سعد الحريري استقالة الحكومة بعدما حاول جاهداً الوصول الى تسوية وحاولنا معه، فإنني أدعو مجدداً إلى الحوار والهدوء».
أما رئيس حزب القوات سمير جعجع، فعلّق بالقول: «حسناً فعل الرئيس سعد الحريري بتقديم استقالته واستقالة الحكومة تجاوباً مع المطلب الشعبي العارم بذلك».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللواء
«صدمة الإستقالة» تطوي صفحة التسویة السوداء.. ومخاوف دولیة على الإستقرار!
إنفراجات في الشارع: ضیَاع في بعبدا وسلام الأوفر حظا
عشية دخول انتفاضة الشعب اللبناني اسبوعها الثالث، تبدّل المشهد: عنف مستهجن عند جسر الرينغ، استقالة مدوّية للرئيس سعد الحريري، من دون سابق تفاهم أو تُصوّر مع الرئيس ميشال عون، الذي تسلم النص، وسط ذهول في بعبدا.
إذ اعتبر مصدر وزاري في «تكتل لبنان القوي: اننا دخلنا إلى التسوية الكبرى معاً، فخرج وحيداً، وفي اصعب الأوقات..»، من دون ان يتوقف المصدر عند ملابسات الخطوة، التي اعرب الرئيس الحريري عن «ارتياحه لكون خطوة الاستقالة جاءت استجابة لما يريده الشعب»، واعرب المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان انها تشكّل «صدمة إيجابية لكل المسؤولين واللبنانيين من أجل التفاهم على حلول إنقاذية تخرج البلاد من المأزق والأزمات التي يُعاني منها المواطنون».
الخطوة تمت ضمن سياق دستوري من دون تنسيق مسبق مع بعبدا، ومن دون الإدلاء بأي تصريح للصحافيين، في قصر بعبدا، وجاء فيها:
بعد التحية،
عملا بالأصول الدستورية ونظرا للتحديات الداخلية التي تواجه البلاد ولقناعتي بضرورة إحداث صدمة إيجابية وتأليف حكومة جديدة تكون قادرة على مواجهة التحديات والدفاع عن المصالح العليا للبنانيين، أتقدم باستقالة حكومتي متمنيا لفخامتكم التوفيق.
وتفضلوا، فخامة الرئيس، بقبول فائق الاحترام.
ولاحظ الرؤساء: نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام، بعد اجتماع في منزل السنيورة في بلس ان الرئيس الحريري تحلى «عندما قدم استقالته بإرث والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري وبحكمته، وبشجاعته، وكذلك بحكم مسؤولياته الوطنية».
وربطت وزيرة الداخلية في الحكومة المستقيلة ريّا الحسن بين ما حصل على «جسر الرينغ» من تضارب بين مجموعات ارادت فتح الطريق ومجموعات محتجة طالبت بالاستمرار بقطعها.. فغردت «الاستقالة كانت ضرورية لمنع الانزلاق نحو الاقتتال الأهلي الذي شهدنا خطره اليوم في وسط بيروت».
وخلافاً، لما تحدث عنه فريق بعبدا عبر نوابه أو «مصادره» من ان الرئيس الحريري لم ينسق الخطوة معهم، علمت «اللواء» ان الاجتماعات لم تتوقف بين رئيس الحريري وفريق القصر، إضافة إلى الوزير علي حسن خليل، والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين خليل، والتي كان آخرها الليلة الماضية أو ما قبل الماضية، والتي ترتب عليها ابلاغهم الموقف، قبل الوصول إلى طريق مسدود.
سقوط التسوية
وفي تقدير مصادر سياسية، ان النتيجة الأولى والسريعة لقرار الحريري بالاستقالة، كانت في سقوط التسوية السياسية التي جاءت بالرئيس عون إلى رئاسة الجمهورية، بخروج الحريري من رئاسة الحكومة، لكن هذه النتيجة تبقى ملتبسة أو مرتهنة لاحتمالات عودته الى رئاسة الحكومة، علماً ان لا ضمانة مؤكدة لهذه العودة، الا إذا أراد الحريري العودة، باعتبار انه يرأس أكبر كتلة نيابية إسلامية في المجلس النيابي، وبامكانه فرض نفسه في الاستشارات النيابية الملزمة، لكن أجواء بعبدا لا توحي انها متمسكة بعودة الحريري أو حريصة على استمرار علاقتها به، بل بالعكس، كشفت عن استيائها لأن خروج الحريري من هذه التسوية جاء في اصعب الأوقات اقتصادياً ومالياً واجتماعياً.
وعلقت مصادر متابعة أو مواكبة لاجواء بعبدا لـ«اللواء» على استقالة الحريري بقولها: «دخلنا معاً إلى التسوية الكبرى، فخرج وحيداً»، لكنها استدركت بالقول: «ان سمت الأكثرية النيابية الحريري عاد إذا رغب، وإذا لم تسمه ولم يرغب، فإن كل الخيارات مفتوحة ومتاحة» في إشارة قوية تؤكد ان لدى بعبدا بدائل يبدو انها جاهزة، وان كانت اعتبرت بأن الحريري لم ينسق معها في مسألة الاستقالة.
وفي السياق، يتم التداول باسماء عدّة مرشحين من الوسط السياسي، في حال لم يرغب الحريري بالعودة إلى رئاسة الحكومة، أو لم تكن الظروف مناسبة لعودته.
وعلمت «اللواء» ان الرئيس تمام سلام هو الأوفر حظاً، للحلول مكان الرئيس الحريري، إذا ما أصرّ على البقاء خارج الحكومة، وتردد بقوة اسم نائب بيروت فؤاد مخزومي..
وعلم ان الرئيس ميشال عون بعدما تسلم الاستقالة الخطية من الرئيس الحريري، أجرى سلسلة مشاورات في ما خص المرحلة المقبلة، فيما بدا لافتاً للانتباه ان قصر بعبدا اكتفى بنشر كتاب الاستقالة، من دون صدور بيان رسمي في هذا الشأن، لكن معلومات خاصة بـ«اللواء» أفادت ان البيان سيصدر اليوم على مهل، علماً ان لا قوانين دستورية تلزم رئيس الجمهورية في ما خص قبول الاستقالة أو تحديد مواعيد الاستشارات النيابية.
وبرز ضياع في موقف بعبدا، تأسيساً على رفض الرئيس عون سابقاً تأسيساً على رفض الرئيس سابقاً استقالة الحريري من الخارج، من دون الانتباه إلى اختلاف الظروف والمعطى.
ونقلت قناة «الجزيرة» عن وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي قوله ان استقالة الحريري نافذة واصبحنا حكومة تصريف أعمال.
وأكّد انه «لم ننسق الاستقالة مع الحريري وهو لم ينسقها معنا، وفي ذلك كل الدلالات».
كذلك، بدا لافتاً للانتباه، ان نواب وقيادات «التيار الوطني الحر»، عزفوا جميعاً على وتر واحد، وهو انهم فوجئوا باستقالة الحريري، على الرغم من مرور 12 يوماً على انتفاضة 17 تشرين ومطالبة المتظاهرين بسقوط الحكومة والنظام وتشكيل حكومة انتقالية جديدة تحضر لانتخابات نيابية مبكرة، ومن غير المعقول ان لا يكون رئيس الحكومة تحدث مع أحد بموضوع استقالة الحكومة، أو حتى التعديل الوزاري. في أعقاب، رسالة الرئيس عون إلى اللبنانيين والتي دعا فيها إلى إعادة النظر بالوضع الحكومي، ما يعني اما تغيير الحكومة أو تبديلها أو تطعيمها.
وفي هذا السياق، قال وزير الدفاع الياس بوصعب في دردشة معه، ان احدا لم يتحدث معنا في خيارات تعديل أو تغيير حكومي، لكنه أشار إلى ان خيار وجود الوزير جبران باسيل في الحكومة أم لا يعود «للتيار الوطني الحر» في الاستشارات النيابية وهو الذي يُقرّر من يمثله في الحكومة.
وقال ان تقديم الحريري استقالته خطوة دستورية وما سيتبعها سيكون أيضاً من ضمن الأطر الدستورية، مشيرا إلى ان المفاجأة كانت بعدم تنسيقه مسبقاً بهذه الاستقالة معنا، لأنها خطوة تقود إلى المجهول، وكان يمكن التنسيق بخطوة ما بعد الاستقالة.
وكشف بو صعب ان الرئيس نبيه برّي ابلغنا عندما زرناه مع تكتل «لبنان القوي» ان الرئيس الحريري بصدد الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء خلال اليومين المقبلين.
وقال: «ليس صحيحاً انه حكى معنا في الموضوع ولا هو اخذ منا موقفاً لا ايجابياً ولا سلبياً».
رواية «بيت الوسط»
في المقابل، نفت أوساط «بيت الوسط» ان يكون موضوع الحكومة لم يطرح خلال الأسبوعين الماضيين، معيدة إلى الأذهان ترحيب الرئيس الحريري بموقف الرئيس عون عندما دعا إلى إعادة النظر بالوضع الحكومي، باعتباره يلبي مطالب الشعب المحتشد في الساحات.
وكشفت انه كان هناك اتفاق مبدئي بين الرئيسين عون والحريري، على ان لا يكون هناك إعلان عن استقالة الحكومة قبل توافق جدي على شكل ومضمون الحكومة الجديدة، مشيرة إلى ان كل الاتصالات التي جرت خلال الأيام العشرة الأخيرة، تركزت على الخيارات المطروحة أو المتاحة، في هذا الشأن، بالتزامن مع اتفاق على إبقاء الحراك الشعبي في الساحات العامة، في إطاره السلمي وعدم التعرّض له من قبل القوى الأمنية والجيش، بل بالعكس تكليفه بحماية المتظاهرين.
وقالت هذه الأوساط ان الرئيس الحريري، عندما انفجرت مسألة قطع الطرق بالنسبة للحل السياسي لا الأمني لمعالجة هذه المسألة، رغم انها كانت موضع خلاف مع مرجعيات أخرى، لا سيما مع «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» وحركة «امل» التي كانت تضغط لأن يتدخل الجيش لفتح الطرق بالقوة، خصوصاً في كل ارتفاع مستوى الضغط الاقتصادي والمالي والتمويني، إلى جانب ان هذه الأطراف لم توافق معه على تشكيل حكومة حيادية تكنوقراط أو مختلطة مصغرة.
وتضيف المصادر، ان الحريري اتخذ قراره بالاستقالة منذ ليل أمس الأوّل، عندما تبلغ ان قراراً حزبياً اُتخذ بالتصدي لمسألة استمرار المتظاهرين في قطع الطرق، ولا سيما عند جسر «الرينغ»، فاستدعى وزير المال علي حسن خليل وطلب منه إبلاغ الرئيس برّي بأنه سيستقيل اليوم، لأنه لا يقبل إراقة نقطة دم واحدة، سواء من المتظاهرين أو من القوى الأمنية، وانه يرفض تحول الانتفاضة الشعبية إلى مواجهة مفتوحة بين شارعين.
فتح الطرقات
وبحسب المعلومات، فإن ما حصل عند جسر «الرينغ» أمس وفي ساحتي الشهداء ورياض الصلح، عززت قناعة الرئيس الحريري، بأن تحدث استقالته صدمة إيجابية تفتح حلولاً إيجابية، وهو ما ترجم بقرار «هيئة تنسيق الثورة» فتح كامل الطرقات كبادرة حسن نية واحتفاء بما تمّ إنجازه وتسهيلاً لتأمين الحاجات الحيوية والاساسية للمجتمع، وإعلان الحراك في صور تعليق اعتصامه مع الإبقاء على جهوزيته.
واعتبرت الهيئة في بيان ان «ثورة الشعب اللبناني ووقوفه 13 يوماً في الساحات لتحقيق مطالبه، رغم حملات الترهيب والتخوين قد اثمرت تحقيق المطلب الأوّل وهو استقالة الحكومة، الأمر الذي يفتح الباب امام تحقيق باقي المطالب بدءاً بتشكيل حكومة إنقاذ وطني قادرة على إخراج البلاد من ازمتها، واجراء انتخابات نيابية مبكرة».
لكن معلومات أخرى قالت ان ما جرى عند جسر «الرينغ» والساحتين من هجوم على المتظاهرين، كان بمثابة ردّ ضمني على قرار الحريري بالاستقالة، في حين رجحت مصادر أخرى ان يكون قرار الاستقالة اتخذ بشكل نهائي بعد الذي جرى، حيث اندفع شبان من الخندق الغميق يبدو انهم من انصار حركة «امل» وعملوا على إبعاد المحتجين الذي قطعوا الطريق، وحصل اشتباك بين الطرفين ادى الى سقوط جرحى فتراجع المحتجون باتجاه الاشرفية، فيما عملت قوات من الجيش والامن الداخلي على الفصل بين الجهتين. واكمل الشبان عملهم بتخريب خيم المعتصمين في ساحتي رياض الصلح والشهداء، لكن المعتصمين عادوا ليلا الى الساحتين واعادوا نصب الخيم حتى تحقيق باقي المطالب.
دعم «مستقبلي»
وكان الرئيس الحريري أعلن عبر الإعلام، عصر أمس، استقالته من رئاسة الحكومة، وزار القصر الجمهوري وسلمها الى الرئيس عون، في ما بدا انها استقالة تمت دون تشاور مسبق بين الرئيسين، بحسب بعبدا.
وغصّ «بيت الوسط» بالشخصيات السياسية وغير السياسية دعما لموقف رئيس الحكومة بالاستقالة.كما زاره مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان، الذي رأى أن الاستقالة تشكل صدمة إيجابية، فيما سجلت خطوة لافتة بين الحريري والرئيس تمام سلام.
وفي أول حديث للاعلاميين، بعد تقديم إستقالته، قال الحريري: «إن شاء الله نخرج من هذا المأزق، وانا مرتاح أنني قدمت شيئاً للشعب اللبناني».
وشهدت مناطق بيروت وعكار والناعمة وبعض قرى البقاع الغربي وسواها، قطع طرقات واحتجاجات من قبل مناصري «تيار المستقبل» بعد الاستقالة، لكن بيان تيار «المستقبل» تمنى على جميع المناصرين الامتناع عن اي تحرك اعتراضي في الشوارع والساحات والتعاون مع الجيش والقوى الامنية لتسهيل تنقل المواطنين.
وفي اول تعليق سريع له على استقالة الحريري، قال رئيس المجلس النيابي نبيه بري للـ«ان بي ان»: ما يجري يتطلب تهدئة فورية وحواراً بين المكونات اللبنانية، وما يحصل ليس موضوعا طائفيا وهو غير مذهبي على الاطلاق.
ومن جهته، اوضح وزير الشباب والرياضة محمد فنيش «ان من حق الرئيس الحريري اتّخاذ قرار بالاستقالة، لكن عليه تحمّل مسؤوليته»، وسأل «ما هي الخطوة المقبلة؟ فهل هذا يُساعد على انهاء الوضع القائم في الشارع ويبدأ الجيش والقوى الامنية بفتح الطرقات؟ وهل المجموعات المنتشرة هنا وهناك ستتم محاسبتها»؟.
وقال: «أنه لا يعتبر ان استقالة الرئيس الحريري ستُخرج البلد من الازمة وتفتح الباب امام الحلول، بل ستزيد الامور تعقيداً وتأزّماً».
اما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط فقد رأى ان الحريري استقال عندما وصل إلى أفق مسدود، ولم يستطع ان يصل إلى تسوية واستقال نتيجة ما جرى في الشارع، مشيراً إلى انه لا يعرف ظروف رئيس الحكومة لكنني معه إذا قرّر العودة لرئاسة الحكومة.
مخاوف دولية
وعلى صعيد ردود الفعل الدولية، دعا الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيرس جميع القوى السياسية في لبنان إلى الهدوء مطالباً قوات الأمن بحماية المتظاهرين السلميين والمحافظة على أمن البلاد، فيما دعا المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان ايان كوبيتش الى تشكيل حكومة بسرعة ضمن المعايير الدستورية وتستجيب لطموح النّاس وتكون قادرة على كسب ثقتهم.
واعتبر وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان في كلمة له امام الجمعية الوطنية الفرنسية ان إعلان الحريري استقالته يُفاقم الأزمة. لافتاً إلى ان لبنان يمر بأزمة خطيرة جداً منذ 15 يوماً مع تظاهرات شعبية حاشدة وحوادث وتوترات.
ورأى ان شرط الاستقرار هو الرغبة في الاصغاء إلى صوت الشعب ومطالبه.
وبدوره اعتبر وزير الخارجية الالماني هايكو ماس ان استقالة الحريري جاءت استجابة للتظاهرات، معرباً عن أمله بأن لا تتسبب الاستقالة بتقويض الاستقرار في لبنان.
مالياً، شهد إصدارا 2021 و2022 أشد تراجعاتهما اليومية على الإطلاق، إذ هويا ستة سنتات، وفقا لبيانات تريدويب.
وقفزت عوائد بعض السندات لتصل في حالة إصدار 2020 إلى 38 بالمئة، مما يشير إلى أن تكاليف الاقتراض قد أصبحت باهظة على نحو معطل للبلد المثقل بالديون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النهار
الحريري يرمي استقالته بوجه العهد والثنائي الشيعي
"القمصان السود" اجتاحوا الوسط والانتفاضة مستمرة
يحيي الرئيس ميشال عون غداً الذكرى الثالثة لتسلمه مقاليد رئاسة الجمهورية، وسط ازمة عميقة تصيب منتصف عمر الولاية، مع حكومة مستقيلة، وتحركات تنذر الى اليوم بتصعيد متواصل، لتحقيق كثير من الوعود التي اطلقها الرئيس في مطلع عهده، وفشل مع الحكومات المتعاقبة في تحقيق الحد الادنى منها، ومع وضع اقتصادي ومالي يوشك على الانهيار في غياب أي دعم عربي ودولي تدفع في اتجاهه المواقف السياسية للعهد المتحالف مع "حزب الله" الذي تلاحقه العقوبات الدولية.
واذا كان الرئيس سعد الحريري استجاب لنداء الشارع، وقدم استقالة حكومته عصر أمس، نزولا عند الرغبة الشعبية في ذلك، ظنا منه ان هذه الخطوة ترضي الحراك المدني، فان غارات "القمصان السود" التي نفذها عناصر الثنائي الشيعي "حزب الله – أمل" والشعارات الطائفية التي اطلقها هؤلاء، والشتائم التي وجهوها الى المتظاهرين، ولدت ردات فعل عكسية، ودفعت الى مواصلة الحراك، والمؤسف انها أعادت تحريك الفتنة المذهبية السنية الشيعية. اذ ان نداءات "شيعة شيعة" و"حزب الله" وحركة "أمل" أيقظت الشارع السني الذي خرج ليلاً في غير منطقة، ورد على عناصر الشغب التي اسقطت هيبة الدولة اولا، وحركت المشاعر الدفينة ثانياً، وولدت نقمة على العهد ثالثاً اذ حملته مسؤولية الاعتداء على الناس واضعاف هيبة مؤسسات الدولة والاجهزة الامنية.
وتأتي الغارات بعد تحذيرات ولاءات حددها الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله أعلن فيها رفضه استقالة الحكومة. وتبعتها سلسلة تصرفات ضيقت على المتظاهرين في غير منطقة خصوصاً في الجنوب.
والاسئلة الصعبة التي تواجه القيمين حالياً، لا تجد الى اليوم اجابات شافية بدليل عدم اصدار الرئاسة أي بيان عن الاستقالة أمس، في انتظار بلورة أفكار ورؤى حول شكل الحكومة الجديدة، خصوصاً بعد التصلب الذي اصاب المفاوضات السابقة حول التعديل الوزاري، مع اصرار الرئيس على عدم التخلي عن اعادة توزير جبران باسيل، كمثل تجاربه السابقة في تأليف الحكومات عندما كان يعطلها أشهراً لفرض توزير باسيل بالحقيبة التي يشتهيها.
وبدا من مصادر بعبدا ان خطوة االرئيس الحريري بالاستقالة لم تكن منسقة مع رئيس الجمهورية. وعلم ان البيان الرئاسي سيصدر بعد معرفة التوقيت المناسب لاجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس تشكيل حكومة جديدة.
وسربت المصادر ان " حزب الله يرفض تشكيل حكومة يكون باسيل خارجها، انطلاقاً من رفضه كسر حليف أساسي يمثل اكثرية مسيحية نيابية وشعبية". ولم تستبعد ان يكون المخرج باعادة تسمية الحريري وبدخول الحكومة الحالية بفترة تصريف أعمال قد تمتد طويلاً اذا لم يتفق على الحكومة المقبلة.
وكان الحريري اتخذ قراره مساء الاثنين، وأبلغه الى من يعنيهم الامر، في انتظار أي خطوة ايجابية تلاقيه في منتصف الطريق، لكن الجواب جاءه في الشارع عندما انطلقت مجموعات الشغب لضرب المتظاهرين بحجة فتح الطرق. وهذا المشهد جعل الاستقالة حاسمة ولا عودة عنها.
وبدأت منذ أمس حركة اتصالات واسعة للتعجيل في التوصل الى حل مع اتجاه مبدئي الى اعادة تكليف الحريري مرة جديدة، خصوصاً ان الوجوه التي يمكن ان تكون مطروحة، باتت اسماء محروقة في الوسط السني قبل غيره في ظل تضامن مفتي الجمهورية ورؤساء الحكومات السابقين مع الرئيس المستقيل، في مواجهة اسماء بدأ تسريبها عبر الاعلام تكون أقرب الى التكنوقراط في ظل استبعاد كل وجوه 8 اذار.
وأكد لـ"النهار" رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط ان حزبه لن يشارك في اي حكومة لا يرأسها الحريري، وأن "الاستقالة أتت نتيجة تعنّت تيّار سياسيّ معيّن بعدم الاستجابة لطلب الرئيس الحريري تغيير بعض الوجوه في الحكومة لتلبية الحد الأدنى من متطلّبات الحراك".
وفي أول رد فعل دولي، دعا وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان، السلطات اللبنانية إلى التعاون لضمان وحدة لبنان، قائلاً إن البلاد تمر بأزمة "خطيرة للغاية" إثر استقالة الحريري. وأضاف أن لبنان "يمر بأزمة خطيرة للغاية منذ أسبوعين، مع زيادة احتجاجات المواطنين والحوادث والتوترات ووجود أزمة ثقة".
مالياً، عرفت السندات السيادية للبنان أحد أسوأ أيامها على الإطلاق أمس بعد اعلان الاستقالة، اذ أجج حالة عدم التيقن في شأن الطريقة التي سيتجاوز بها البلد أزمته الاقتصادية الأشد في نحو 30 سنة.
وشهد إصدارا 2021 و2022 أشد تراجعاتهما اليومية على الإطلاق، إذ هويا ستة سنتات، وفقا لبيانات "تريدويب".
وقفزت عائدات بعض السندات لتصل في حالة إصدار 2020 إلى 38 في المئة، مما يشير إلى أن تكاليف الاقتراض أصبحت باهظة على نحو معظل للبلد المثقل بالديون.
وقال رئيس دين الأسواق الناشئة العالمية لدى "أبردين ستاندارد انفستمنتس" بريت ديمنت: "من الصعب النظر الى ذلك (استقالة الحكومة) كعامل إيجابي"، مضيفاً أن لا وضوح في شأن شكل أي حكومة بديلة.
وفقدت بعض إصدارات السندات الدولارية، مثل إصدار 2020، نحو 16 سنتاً منذ انطلاق التظاهرات في 17 تشرين الأول.
واستناداً الى بيانات "آي.اتش.اس ماركت" قفزت عقود مبادلة مخاطر الائتمان لخمس سنوات للبنان، وهي مقياس لتكلفة التأمين على الدين السيادي من خطر التخلف عن السداد، 54 نقطة أساس عن اقفال الاثنين إلى مستوى قياسي عند 1435 نقطة.
وينطوي مستوى العقود الحالي على احتمال نسبته 26 في المئة أن يتخلف لبنان عن سداد ديونه خلال سنة و59 في المئة في غضون خمس سنوات، وفقا لحسابات "آي. اتش. اس ماركت".
وقال مدير استراتيجية الأسواق الناشئة في "تي.دي" للأوراق المالية كريستيان ماجيو: "لو كانت هذه الحكومة مسؤولة عن هذا الوضع الأليم لكانت استقالتها إيجابية، لكن من المعتاد أن رحيل أي حكومة دون خطة واضحة للمستقبل ليس شيئاً إيجابياً أبداً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجمهورية
الإستقالة تخرق جدار الأزمة.. واستشارات التكليف أواخر الأسبوع
خرقت استقالة الرئيس سعد الحريري جدار الأزمة العاصفة بالبلاد تحت وطأة الانتفاضة التي دخلت يومها الـ13 اليوم، فيما طرأ على الساحات ما غَيّر في معادلاتها بفِعل دخول مناصرين لحركة "أمل" و"حزب الله" الى ساحتي الشهداء ورياض الصلح وجسر "الرينغ"، حيث حطّموا خيَم المتظاهرين والمعتصين، الذين عادوا اليها إثر إعلان الحريري استقالته مُحتفلين بـ"الإنجاز". ولكن الاستقالة ألقت في الاجواء الداخلية غمامة تحجب ما قد يليها من وقائع، وسط سؤال كبير لدى كل الاوساط: الى أين؟ وفي أي اتجاه ينحو البلد، هل في اتجاه تأليف حكومة جديدة تعيد لملمة أجزاء الواقع المفكك؟ أم في اتجاه أزمة حكومية يتعذّر فيها التأليف حتى أمد طويل؟ وهل بات الوضع اللبناني يتحمّل أي تأخير؟ إلّا أنه بمعزل عن الاسباب التي دفعت الحريري الى استقالة حكومته، وسبق له أن حدّدها بمحاولة تعطيل جهوده على يد شركائه في "التسوية" وفي الحكومة، فإنّ الصورة الداخلية، وبإجماع القوى السياسية على اختلافها، هي في منتهى التعقيد، سواء على مستوى الشارع الذي بدأ يَستولد شوارع متقابلة بعضها مع بعض، أو على المستوى السياسي حيث جاءت هذه الاستقالة مستفزّة، وخصوصاً لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون وفريقه. فضلاً عن أنها، وإن كانت في الشكل تلبّي مطلباً اساسياً للمحتجّين في الشارع منذ 13 يوماً حيث لم تبدر أي اشارة من هؤلاء المحتجّين حول إمكان خروجهم من الشوارع وفتح الطرق المقفلة الذي بات مطلباً ملحاً، فإنها تنمّ عن إشارات بدأت تتصاعد منذ ما بعد إعلان الحريري استقالته، وهي أنّ سقف المطالب قد يرتفع الى ما هو أعلى من مطلب استقالة الحكومة. ولوحِظ انّ تيار "المستقبل" عمد بعد استقالة الحريري الى تسيير تظاهرات مؤيّدة له، وتخللها إقفال طرق وشوارع في المناطق المحسوبة عليه، وكان لافتاً إعلان "حزب الله"، عبر الوزير محمد فنيش، انّ استقالة الحريري "تؤزّم الأمور اكثر"، فيما لوحِظ "تَنقّل رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط بين محطة تلفزيونية وأخرى داعياً الى الحوار، وبرزت في الوقت نفسه مواقف خارجية تُبدي تخوّفها على الواقع اللبناني.
في انتظار أن يدعو عون الى الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية من سيكلّف تأليف الحكومة، فإنّ نادي المرشحين لرئاسة الحكومة لا يبدو انه يحتوي على اسم محدد، ما يجعل هذا الباب مفتوحاً على شتى الاحتمالات، خصوصاً في ظل التباين السياسي القائم بين مكونات البلد.
واذا كان الحريري يعتبر مرشحاً طبيعياً لتأليف الحكومة الجديدة، فإنّ هذا الأمر يتطلب لتحقيقه أن ينال الرجل في الاستشارات الملزمة أكثرية تخوّله ذلك، علماً انّ هناك علامات استفهام تحوط بمواقف قوى أساسية من إعادة تسمية الحريري، ولاسيما منها "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" وحلفائهما.
وبَدا جلياً لدى القوى السياسية على اختلافها، أمس، أنها في حال صدمة، وتحديداً لدى فريق رئيس الجمهورية الذي أكدت المصادر "انّ الحريري لم يضعه في جَو الاستقالة، الى حَدّ انّ الرئيس فوجِئ بها، خصوصاً انّ الاجواء التي كانت سائدة لدى فريق الرئيس تفيد أنّ جهوداً كانت تُبذل لعقد جلسة لمجلس الوزراء غداً".
وجزمت مصادر مطلعة على أجواء بعبدا لـ"الجمهورية" انّ الحريري قدّم استقالته من دون أي تنسيق مُسبق مع رئيس الجمهورية، الذي اطّلع على نيّته بالإستقالة من خلال وسائل الإعلام. وأشارت الى انّ الاتصالات اليومية التي كانت تجري بينهما لم تتناول القرار بالاستقالة.
وأضافت: "إنّ استقالة رئيس الحكومة حق دستوري وقرار يتخذه بنفسه وبلا شريك له إن أراد ذلك، وما كنّا نتمنّاه ونريده هو أن ينسّق مع رئيس الجمهورية في مثل هذه الخطوة قبل الاستقالة ،للتسريع في تشكيل حكومة جديدة".
ورأت المصادر انه "لا يجوز التأخير في كثير من الملفات الطارئة، خصوصاً تلك التي تناولها مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة تحت عنوان الورقة الإصلاحية. ولعلّ بند مكافحة الفساد هو من الخطوات الأولى التي على الحكومة مقاربتها، وإنّ ايّ حكومة ستشكّل سيشترط عون عليها، فور توقيعه مرسوم تشكيلها، أن تكافح الفساد.
ما قبل الاستقالة
وعلمت "الجمهورية" انّ الساعات التي سبقت الاستقالة شهدت اتصالات مكثفة مع الحريري، في محاولة لِثَنيه عنها لأنها قد تفتح الوضع اللبناني على احتمالات صعبة.
وذكرت المعلومات انّ رئيس مجلس النواب نبيه بري عمل بقوة لإقناع الحريري بعدم الاستقالة، فأوفد إليه نهاراً وزير المال علي حسن خليل، مؤكداً له انّ الاستقالة قد توصِل الامور الى حائط مسدود، وتعقّد المشكلة الى حد قد لا يعود في الامكان التوَصّل الى أي حلول بسهولة.
لكنّ خليل عاد الى بري بأجواء سلبية، حيث سمع من الحريري تصميمه على الاستقالة، "لأنّ الامور لم تعد تحتمل". وأضافت انّ الحريري إتصل ببري قبَيل الاستقالة، وأبلغ اليه انه في صدد إعلانها، فدعاه بري مجدداً الى"تقدير وضع البلد، وعدم الاستقالة التي لا تشكّل حلاً للأزمة، إنما قد تعمّقها".
بري
وسألت "الجمهورية" بري عمّا دار بينه وبين الحريري؟ فأجاب: "لم نترك شيئاً الّا وقمنا به في محاولة لاحتواء الموقف، وعدم بلوغ الأزمة الحد الذي بلغته. وقد سعيتُ شخصياً لإقناع الحريري بعدم الاستقالة، إلّا اننا اصطدمنا بإصراره عليها".
وسُئل بري أيضاً: ماذا بعد الاستقالة؟ فأجاب: "لا شك في انّ الوضع دقيق وحساس، وينبغي مقاربة ما حصل بكثير من التعقل وعدم الانفعال، والحؤول دون حصول أي أمر من شأنه ان يزيد الأمور تعقيداً. المطلوب هو أن تسود الحكمة ولغة الحوار بين المكونات اللبنانية في معالجة الأمور، خصوصاً انّ صورة الأزمة ليست طائفية او مذهبية".
في عين التينة
وسُجّل في عين التينة وَقع سلبي لاستقالة الحريري، عكسه بري أمام زوّاره أمس، مشدداً على وجوب "اليقظة ومنع كل ما من شأنه أن يُشعل توترات من هنا وهناك، أو يدفع الى دَفع الشوارع الى أن تقف في مواجهة بعضها بعضاً".
تطورات ميدانية
وكان قد سبق إعلان الحريري استقالته، تطورات ميدانية تمثّلت بـ"هجوم" شَنّه عدد كبير من الشبّان، قيل إنهم تابعون لحركة "أمل" و"حزب الله"، في محاولة لفتح طريق "الرينغ" المقطوعة، الّا انّ هذا الهجوم تَوسّع ليشمل المعتصمين في ساحتي رياض الصلح والشهداء، حيث عمد المهاجمون الى الاعتداء عى المعتصمين وتخريب الخيم التي نصبوها في هاتين الساحتين.
وأثار هذا الامر بلبلة سياسية، وكان صدى هذا الهجوم في منتهى السلبية في "بيت الوسط"، وقالت مصادر سياسية مواكبة لحركة الاتصالات لـ"الجمهورية" انّ "هذا التطور السلبي، الذي تمثّل بالهجوم على المحتجّين على طريق "الرينغ" وفي وسط بيروت، شَكّل دافعاً أساسياً لتصميم الحريري على تقديم استقالته، وليتحمّل الجميع مسؤولياتهم".
وتردّد مساء أمس أنّ اتصالات مكثفة جَرت بين بعبدا وعين التينة، وكذلك على خط حركة "أمل" ـ "حزب الله"، وعلى خط "الحزب" و"التيار الوطني الحر". فيما حصل تواصل ليلاً بين بري والحريري عبر الوزير علي حسن خليل، وتمحورت هذه الاتصالات حول مرحلة ما بعد الاستقالة.
الحريري
وقالت مصادر متابعة لحركة الاتصالات التي سادت في الايام الاخيرة لـ"الجمهورية" انّ قرار الحريري بالاستقالة ليس وليد الأمس، بل انّ ما حصل في الشارع عَجّل به، اّلا انه قرار مُتّخذ منذ بدايات الحراك، وقد أوحى الحريري به حينما أعلن عن مهلة الـ 72 ساعة التي منحها لشركائه في الحكومة لتقديم تنازلات، أو بمعنى أدق خطوات تقنع المحتجّين في الشارع.
وأشارت المصادر الى انّ القرارات الاخيرة التي أعلنها الحريري بعد جلسة مجلس الوزراء الاخيرة، واعتبرت قرارات إصلاحية، عوّل عليها بأنها قد تُقنع المحتجين في الشارع، الّا أنّ ردة الفعل عليها جاءت عكسية، فسعى لإجراء تعديل حكومي "نَوعي" يحتوي الشارع، الّا انه اصطدم برفض رئيس الجمهورية.
ورفضت مصادر قريبة من الحريري توصيف استقالته بـ"الهروب من المسؤولية"، مؤكدة "انّ رئيس الحكومة جهد في الآونة الاخيرة في محاولة تدوير الزوايا، وبَلورة مخارج للأزمة الحالية، الّا أنها اصطدمت بالاعتراض عليها، فكان لا بد له من أن يُبادر الى هذه الصدمة، التي ينبغي على سائر المكونات السياسية ان تقاربها على انها صدمة إيجابية، يُصار من خلالها الى بلورة حلول سريعة، وتشكيل حكومة جديدة بحجم الازمة، وهذه مسؤولية الجميع من دون استثناء.
وعمّا اذا كان الحريري مرشحاً لترؤس الحكومة الجديدة، قالت المصادر: "لا نريد استباق الامور، فالرئيس الحريري قدّم استقالته الى رئيس الجمهورية، ويجب انتظار ما سيصدر حيالها من قصر بعبدا، علماً انّ استقالة نهائية".
قبول الاستقالة
الى ذلك، ومع تأكيد الحريري انّ استقالته نهائية، وانه يعتبرها نافذة منذ لحظة إعلانها، فإنّ المنتظَر أن يصدر بيان عن رئاسة الجمهورية، ربما اليوم، يُعلَن فيه قبول رئيس الجمهورية استقالة الحريري، ويدعو الحكومة الى تصريف الاعمال الى حين تشكيل الحكومة الجديدة، على أن يصدر في وقت لاحق بيان ثان لرئاسة الجمهورية، تحدّد فيه موعد الاستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها الرئيس لتكليف الرئيس الجديد لتشكيل الحكومة قبل نهاية الاسبوع على الأرجح. ولاحظت مصادر سياسية انّ تحديد الموعد ينتظر أن يقترن بفتح الطرق وإخراج المحتجّين من الشوارع، تسهيلاً لوصول النواب الى القصر الجمهوري للمشاركة في استشارات التكليف، وكذلك تسهيلاً لوصول النواب الى المجلس النيابي في ساحة النجمة للمشاركة في استشارات التأليف التي سيجريها الرئيس المكلّف.
وحول عدم صدور بيان رئاسي بعد يقبل الاستقالة ويكلّف الحكومة المستقيلة بتصريف الاعمال، قالت اوساط وزارية قريبة من بعبدا لـ"الجمهورية" ان "ليس هناك أي نص دستوري مُلزم بمثل هذه الخطوة".
ولفتت الى انّ هذا البيان المنتظَر سيصدر صباح اليوم على أبعد تقدير، بعد انتهاء بعض المشاورات التي يجريها رئيس الجمهورية مع مستشاريه والأصدقاء والحلفاء السياسيين، وذلك قبل الدعوة الى الإستشارات النيابية الملزمة الي يمكن إجراؤها في يوم واحد.
وحول المواد الدستورية التي تراعي حالة استقالة رئيس الحكومة، قال مرجع دستوري لـ"الجمهورية" انّ المادة 69 في الدستور واضحة، عندما حدّدت في البند الأول منها انّ الحكومة تعتبر مستقيلة "إذا استقال رئيسها"، سواء أعلن ذلك من قصر بعبدا او لم يحصل، فالإستقالة باتت خطوة دستورية كاملة لا نقاش فيها، ولا أهمية للحديث عن احتمال رفضها.
كذلك قالت الفقرة الثانية من المادة 64 من الدستور انه "لا تمارس الحكومة صلاحياتها بعد استقالتها الّا بالمعنى الضيّق لتصريف الاعمال". وقال البند 2 من المادة 53: "يقوم رئيس الجمهورية باستشارات نيابية ملزمة يطلع عليها رئيس مجلس النواب، وبعد التشاور معه يسمّي رئيس مجلس الوزراء".
وقالت الفقرة 3 من المادة 69: "يكون مجلس النواب حكماً في دورة انعقاد استثنائية الى حين تشكيل حكومة جديدة ونيلها الثقة". كذلك قالت الفقرة الثانية من المادة 53 الآتي: "يصدر رئيس الجمهورية منفرداً مرسوم قبول استقالة الحكومة".
"الكتائب"
إلى ذلك، سيعقد رئيس حزب الكتائب اللبنانية مؤتمراً صحافياً اليوم، يؤكد فيه على أن الإنتصار الذي تحقق هو انتصار للناس وللبنان في ذكرى المئوية الأولى على إعلان دولة لبنان الكبير. كذلك سيتطرق إلى خريطة طريق سياسية ودستورية للخروج من الأزمة، والى الإعتداءات التي تعرّض لها المتظاهرون والمعتصمون قبيل إعلان الرئيس الحريري استقالته.
وسيطمئِن الى أن لا التهويل بالفوضى على الأرض يُمكن أن يُغيِّر إتجاهات الناس، ولا التهويل بالفراغ يستند الى أي مُعطى دستوري، وإنما هو وسيلة ضغط يمارسها أركان منظومة التسوية المترنحة في مكابرة لعدم الإعتراف بالفشل، وقرب موعد السقوط.
مالك
وفي هذا السياق قال الخبير الدستوري المحامي سعيد مالك لـ"الجمهورية" انّ "الثابت الوحيد في هذه الاستقالة أنها نهائية ونافذة، وبالتالي لا دور لرئيس الجمهورية في قبولها او رفضها، وإنّ ما فعله الحريري هو أنه أبلغ الى رئيس الجمهورية كتاب استقالته على سبيل الإعلام، وبالتالي ليس هناك من مهَل لهذا الأمر. فالحكومة اليوم هي في حالة تصريف أعمال عملاً بأحكام الفقرة 2 من المادة 64، واستناداً الى ذلك ليس هناك اي صلاحية لرئيس الجمهورية برفض هذه الاستقالة التي هي نهائية ونافذة من تاريخ إعلانها شفوياً على لسان رئيس الحكومة، وتسليمها بموجب كتاب خطي الى رئيس الدولة".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نداء الوطن
عون: "منكمّل بللي بقيوا وبعدين منتحاسب مع الأجهزة"
"الثورة" تفرض إستقالة الحكومة… وخشية من "أزمة حكم" أخيراً… يا شيخ
سجّلت الثورة أمس الهدف الأول في مرمى السلطة المتعنّتة التي راهنت على صمود التركيبة التي انتفض في وجهها اللبنانيون. وجاءتها الصفعة من داخلها على طريقة "من بيت ابي ضُربت"، فاستقال الرئيس سعد الحريري قالباً الطاولة التي كان وزير الخارجية جبران باسيل يلوّح بقلبها على رأس شركائه.
وبين تأكيد المحيطين بالحريري أنه بذل جهده لإجراء تعديل حكومي أو للاتفاق على حكومة جديدة تواكب الواقع السياسي المستجد الذي فرضته الساحات الثائرة، وبين استياء "الثنائي الشيعي" من خطوته بعدما طلب اليه رئيس مجلس النواب نبيه بري وقيادة "حزب الله" التريّث، تدخل البلاد في مرحلة ترقّب، بل خطر، حسبما قالت وزارة الخارجية الفرنسية تعليقاً على الاستقالة.
وإذ تلقت لجان التنسيق في الثورة خبر الاستقالة بشعور بالثقة، فإنها بحثت إمكان تخفيف قطع الطرقات تسهيلاً لأمور المواطنين، مع البقاء على الجهوزية الكاملة لتحقيق تشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن. وذكر أمس أن عدداً عشوائياً من الناشطين في الحراك الشعبي قد يزورون بعبدا غداً الخميس للقاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
وبدا أمس أن ردود الفعل الرسمية على استقالة الحريري غاضبة وتتجه الى الحدة، ليس تجاه الثورة فحسب، بل ايضاً تجاه الحريري والأجهزة الامنية التي رفضت إراقة دماء الشعب لارضاء الحكام، وتجاه أحد شركاء الخندق الواحد أي "حركة أمل".
فرئيس الجمهورية رد على سؤال صحافيين كانوا يتابعون معه خبر الاستقالة من خلال التلفزيون بالقول: ""منكمل بللي بقيوا".
وعن أداء القوى الامنية أجاب: "بعدين منتحاسب مش اليوم". وحمَّل وزير المال علي حسن خليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة المسؤولية كونهما "أساءا إدارة الازمة كما يجب". ووجه لوماً الى الحريري وبري لأنهما لم يشرعا في فتح باب مجلس النواب أمام التشريع تطبيقاً لما ورد في الورقة الاصلاحية.
وهكذا فإن الغموض يحكم المرحلة، والخشية تتزايد من فوضى عارمة أوحت بها "بروفا" عنيفة في وسط بيروت أمس على يد مناصرين للثنائي الشيعي. وشرّعت إستقالة الحريري الباب عملياً على شتى الاحتمالات، ومنها حصول مواجهة مفتوحة في البلد، إذ إن خطوته التي سارع "الاشتراكي" و"القوات" و"الكتائب" و"المستقبل" الى الترحيب بها، لم يستسغها "التيار"، فأبدى عدد من وزرائه ونوابه صدمتهم "كونها جاءت من دون التنسيق معنا حول ما بعد الاستقالة، لذلك فإنها خطوة في المجهول". في وقت أعلن وزير الدفاع الياس بوصعب أن "خيار وجود رئيس "التيار" الوزير جبران باسيل في الحكومة هو خيار "التيار" وحده".
وتعني إستقالة الحريري في ما تعنيه أنه لا يمكن أن تتشكل حكومة من الطبيعة نفسها، بل يجب الذهاب الى حكومة إختصاصيين. كما تعني أن لا عودة لباسيل، فمطلب الناس حكومة غير سياسية لا يكون من ضمنها. كذلك يفهم منها أن الحريري تجاوب مع مطلب المتظاهرين، ويقول للرأي العام: هناك من لا يريد أن يتجاوب مع مطلبكم، "حزب الله" الذي يرسل عناصره لقمع المحتجين في وسط بيروت ورئيس الجمهورية الذي لم يتجاوب بالشكل المطلوب.
وبالتالي، فإن المواجهة أصبحت اليوم مباشرة بين المتظاهرين ومعهم "تيار المستقبل" وبين "حزب الله" ورئيس الجمهورية الذي إن لم يتلقف الامر ويبادر سريعاً الى تشكيل حكومة اختصاصيين تشبه الثوار وتلبي مطالبهم، فالوضع سيتّجه حتماً الى "أزمة حكم" تضع البلد أمام فصل جديد من فصول المواجهة.
"حزب الله" آثر عدم التعليق على استقالة الحريري وفضل انتظار الكلمة التي سيلقيها أمينه العام بعد غد الجمعة. لكن مصادر مطلعة على أجواء "الحزب" قالت إن استقالة الحريري حصلت من دون اتفاق مسبق وهو التقى الوزير محمد فنيش مطولاً أمس الأول وأبلغه بأن الاستقالة غير واردة. وتقول المصادر نفسها إن عودة الحريري ستكون مشروطة بقبول "الحزب" خصوصاً أنه سبق وقال له: إذا استقلت فعودتك غير مؤكدة.
الأسماء المرشحة
وفور استقالة الحريري بدأ التداول بأسماء مرشحين لخلافته وأبرزهم الرئيس السابق تمام سلام الذي رد، قبل الاستقالة، على سؤال عن استعداده لتولي المسؤولية بالقول إنه لن يطعن الحريري والموضوع يستوجب درساً. كما تردد أن عون سبق وسمّى محمد الصفدي وفؤاد مخزومي، والإسمان قد لا يرضى عنهما "حزب الله".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرق
الاعتداء على الثوار سرّع استقالة الحريري
13 يوما كانت كفيلة بدفع الرئيس سعد الحريري إلى الاستقالة، في نصر أول تسجله الثورة في مرمى الحكم والحكومة، وقد احتفل بها الشارع اللاهب في الطرقات والساحات التي احتشد فيها المنتفضون بكثافة امس لاسيما في ساحتي رياض الصلح والشهداء في بيروت وفي ساحة النور في طرابلس وفي ساحة ايليا في صيدا وفي ساحة العلم في صور وفي النبطية والجية وفي بعلبك والهرمل والذوق وجل الديب وجبيل والبترون وشكا وعاليه، حيث أطلق المعتصمون المفرقعات، وعبروا عن فرحهم بهذه الخطوة. علما أنها أتت بعد اعتداء جرى امس على المنتفضين الغاضبين مما الت اليه الاوضاع الاقتصادية في البلاد تخللها ضرب للمعتصمين وسط بيروت بالعصي والحجارة، وحرق وتحطيم لخيم المعتصمين في ساحتي الشهداء ورياض الصلح وسرقة لامتعتهم الشخصية نفذها عشرات من المهاجمين من المناطق المحيطة باوتوستراد الرينغ وساحتي رياض الصلح والشهداء، كما اعتدى المهاجمون على عدد من الصحافيين بينهم المصور في جريدة الشرق الزميل علي فرج الذي تعرض لاعتداء بالضرب العنيف الذي استدعى نقله الى المستشفى للعلاج.
وفي هذا السياق، سجل شريط أحداث اليوم الـ13 من الثورة الشعبية امس مشاهد عنف خطيرة لعب أدوار البطولة فيها العناصر المسلحة بالعصي والحجارة والادوات الحارقة، في محاولة لإفشال الثورة قبل ساعات على الإعلان عن عزم الرئيس الحريري الاستقالة. ذلك أن في جسر الرينغ الذي يقفله المعتصمون منذ أيام، وفشلت محاولات فتحه مرارا، أقدموا على تحطيم الخيم التي نصبها المعتصمون منذ بداية الثورة. وتصاعد الإشكال عندما قام المهاجمون بالاعتداء بالعصي والكلمات النابية والحجارة على المتظاهرين وهو ما أدى إلى وقوع 6 اصابات، أحدها لأحد مصوري إم تي في الذي تعرض لكسر في يده، ما اضطر قوى الامن الداخلي للتدخل والفصل بين الطرفين، لكن استمر التوتر ما دفع الجيش الى التدخل بقوة، وسحب الجانبين كلُّ الى طرف من الجسر، قبل أن يغادر قاطعو الطريق المنطقة الى الخلف في اتجاه الاشرفية، فيما غادر المعترضون في اتجاه الخندق الغميق.
ومن جسر الرينغ، إنتقل الغزاة الى ساحتي رياض الصلح والشهداء، وقاموا بالإعتداء على المتظاهرين العزّل وحطّموا الخيم وأحرقوها.
وقد سقط عدد من الجرحى جراء الإعتداء على المتظاهرين في ساحتي الشهداء ورياض الصلح، وقد تدخل الجيش لفض الاشتباك، في وقت أطلق عناصر مكافحة الشغب في القوى الامنية القنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي في إتجاه المعتدين على ساحتي الاعتصام في بيروت. عمل هؤلاء الشبان على نزع اليافطة في وسط ساحة الشهداء والتي كتب عليها كلمة "ثورة".
غير أن الرياح لم تجر كما اشتهت سفن الضاحية، حيث أن المعتصمين لم يتأخروا في العودة إلى ساحتي الاحتجاج، وأعادوا بناء خيمهم، وفي صيدا، عمت الاحتفالات ساحة ايليا حيث احتشد المتظاهرون الثائرون، داعين إلى المشاركة الكثيفة في الاحتفالات التي من المقرر أن اقيمت مساء. في المقابل، قطع المحتجون الطريق على اوتوستراد الناعمة في الاتجاهين.
وفي الشمال، قطع المتظاهرون اوتوستراد طرابلس بيروت بالاتجاهين بالسيارات والأتربة والحجارة.
إلى ذلك، نظمت مجموعة من الناشطين اعتصاما امام مصرف لبنان في الحمرا للمطالبة باستعادة الاموال المنهوبة ومحاكمة الفاسدين.
وامس حصلت سجالات بين المتظاهرين ومواطنين يرفضون قطع الطريق، على أوتوستراد خلدة.
كما وقع إشكال عندما سعت سيارة لنقل الركاب (فان) الى عبور النقطة التي قطعها المتظاهرون بالقوة، مما أدى الى توتر الأجواء.
وقد تدخّل الجيش للحؤول دون تطور الاشكال.
وعبر بعض المواطنين الرافضين لقطع الطرق عن "احتجاجهم وامتعاضهم من عدم قدرتهم للوصول إلى أعمالهم ومنعهم من تأمين لقمة عيشهم وعائلاتهم".
كما عبروا عن "هواجسهم من مؤامرة على البلد، كما الدول المجاورة التي بدأت الحراكات فيها بشعار سلمية ثم انتقلت من سلمية إلى حمل السلاح".
من جهة ثانية، دعا المتظاهرون المواطنين إلى "الانضمام إليهم لتشكيل ضغط اكبر على السلطة والاستجابة إلى مطالبه وبالتالي فتح الطرق".