دخل الإقتصاد الأميركي طور الكساد. لا يمكن اجتراح حلول سحرية. فالمغامرات الحربية التي ولجتها إدارة الرئيس جورج بوش الإبن في “الخارج”، حولت الجيش الأميركي إلى “شرطة دولية” غارقة في مستنقعات القتال في أفغانستان والعراق، وفي عدد من بؤر التوتر الدولية، وهي تنفق بغير حساب أموال دافعي الضرائب والمستثمرين الأجانب في الولايات المتحدة. هنا تقرير عن الكساد الأميركي كتبه من نيويورك، طارق فتحي.
تعد أحوال الاقتصاد الأميركي في عهد إدارة جورج بوش على رأس أسباب تراجع أوضاع الاقتصاد العالمي، ومايستتبع ذلك من موجات غلاء عالمية. وتشير البيانات الرسمية الأميركية إلى أن إجمإلى الدين العام للولايات المتحدة ارتفع من57 في المئة من الناتج المحلي الإجمإلى في عام2001( وقت وقوع أحداث11 سبتمبر) إلى 65،5 في المئة (965،8 تريليون دولار) عام 2007. وذلك نتيجة تزايد النفقات، خصوصا في حرب العراق.
ومقارنة بعام2005، ارتفع العجز في الميزان التجاري عام 2006 بنحو 40 مليار دولار، فوصل إلى 763،6 مليار دولار. وتحتل الصين قائمة الدول التي يميل الميزان التجاري لصالحها في مواجهة الولايات المتحدة حيث بلغ العجز في عام 2006 نحو 232،5 مليار دولار.
ويمكن تحديد اسباب العجز المتزايد في الميزان التجاري الأميركي في مجموعة من العوامل، يأتي في مقدمتها ارتفاع اسعار البترول العالمية بشكل قياسي، من حوالي 10 دولارات للبرميل قبل أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، إلى 100 دولار للبرميل حاليا. وهو ما أدى إلى قفزة هائلة في واردات أميركا من الطاقة وصلت الى 300 مليار دولار سنويا.
وقد تزامنت قفزات اسعار البترول مع تزايد طلب المستهلكين الأميركيين علي البضائع الرخيصة المستوردة من الصين مقابل انخفاض طلبهم علي قطاع الخدمات الأميركية مثل السياحة والتعليم، فضلا عن تدني الطلب علي منتجات قطاع التكنولوجيا الأميركية.
وارتفعت معدلات البطالة نتيجة تراجع النمو ونزوح بعض الصناعات إلى دول آسيوية حيث العمالة الرخيصة. وبلغ متوسط معدلات البطالة حوالي 5 في المئة عام 2007، وهو اعلى ارتفاع منذ اكثر من عامين. وطبقا لتقرير مؤسسة ميريل لينش الذي صدر مؤخرا، فإن الولايات المتحدة تمر حاليا بمرحلة الشهور الأولي على طريق الركود الاقتصادي.
واستند تقرير مؤسسة ميريل لينش على التقرير الحكومي الاخير الخاص بأرقام البطالة، باعتباره الملمح الاخير في حالة الركود. وقالت هذه المؤسسة إن تقريرها اعتمد على الارقام الرسمية حول البطالة والدخل الشخصي والانتاج الصناعي ومعدل مبيعات السلع المصنعة وقطاعات التجزئة، وجميعها تشير إلى أن الاقتصاد الأميركي دخل فعلا حالة من الكساد.
وحركت هذه الأزمة دعوات لتدخل الحكومة الأميركية. فقد طالب وزير المالية الأميركي السابق لورانس سومرز بضرورة تخصيص دعم مإلى بقيمة 75 مليار دولار للمساعدة في تنشيط الاقتصاد الأميركي. وهو مطلب طرحه معظم المرشحين الرئيسيين في حملة الانتخابات الأميركية.
اضافة إلى كل ذلك، تدهورت قيمة الدولار أمام اليورو إلى أقصي حد منذ طرح العملة الأوروبية، وصار اليورو يعادل 1،5 دولار تقريبا. صحيح، أن خفض قيمه الدولار امام العملات الرئيسية قد يؤدي إلى زيادة الصادرات الأميركية، لانخفاض سعرها، لكن استمرار تدهور الدولار بالشكل الحالي، بدد الثقه بالاستثمار في سوق السندات الحكومية واسواق المال الأميركية.
وهناك مخاوف حقيقية الآن في الاسواق العالمية من تغيير مسار الاستثمارات العالمية التي تمول الدين الخارجي والعجز في الحساب الجاري والموازنة الأميركية، وهو تغيير سيؤدي بالضرورة إلى مزيد من التدهور في أسعار تداول الدولار.
كما يعاني الاقتصاد الأميركي من ارتفاع معدلات التضخم، حيث بلغت 8،1 في المئة عام 2007، بعد أن ظلت تدور حول نسبة 6،1 منذ أواخر التسعينات. ويقول محللون أميركيون، إن السياسات المالية والنقدية التي اتخذتها الحكومة الفيدرالية الحالية، واستحواذ المشاكل الخارجية علي الجانب الأكبر من اهتمام الرئيس بوش، جاءت جميعها على حساب الوضع الاقتصادي المتردي.
ومنذ عام 2001 حتى الآن، شهد الإقتصاد الأميركي تباطؤا كبيرا في النمو، بلغ 3،5 في المئة عام 2005، وهو أقصى معدل نمو وصل إليه الاقتصاد الأميركي خلال ست سنوات. ولكن أزمة قروض الرهون العقارية التي أصابت 8،1 مليون مقترض، اجبارهم علي بيع بيوتهم نتيجة عجزهم عن سداد اقساط القروض، تؤكد أن هذا النمو كان انتفاخا مفتعلا.
وتكشف حدة الأزمة الاقتصادية الأميركية، فشل سياسة إدارة الرئيس جورج بوش. كما أن الركود المتصاعد سيحمل الناخب الأميركي على إعطاء صوته للمرشح الرئاسي الأقدر على حل ازماته المعيشية اليومية.