قيل :»المنتصر هو من يكتب التاريخ»، في لبنان، المختلف على تاريخه القديم والحديث وعلى شخصياته وقياداته، الكل منتصر، ويترك التأريخ ليتوزع مبتوراً، بين الجهات السياسية والطائفية، كل يقاربه تبعاً لأهوائه ومصالحه.
في الأجزاء الخمس التي عرضتها محطة mtv منذ 23 آب/أغسطس، من السلسلة الوثائقية «بشير» (إعداد:جورج غانم-إنتاج:إيلي خوري m.medias)، والتي اختتمت أخيراً، مع ذكرى اغتيال بشير الجميل، أعاد الإعلامي جورج غانم، الذي خبر العمل التوثيقي لسنوات طوال، تسليط الضوء حول شخصيات تاريخية وجدلية رسمت بعض معالم التاريخ الحديث في لبنان.
في التعاطي مع بشير الجميل،الشخصية المثيرة للجدل حتى بعد مرور 34 عاماً على إغتياله، لم يعر غانم -وهو المعايش لفترة نشأة وحياة بشير الجميل-أي إعتبار لحقيقة أن عمر الجميل كان 35 عاماً، والفترة المتحدثة عنها السلسلة، لا تزال تقبع في الذاكرة القريبة للبنانيين، بكل تفاصيلها، ولا يمكن إغفال أجزاء منها، أو إقتطاعها لرسم مسار مغاير يخدم من يقص هذا التاريخ.
هذا ما فعله غانم في هذه الأجزاء الخمس: (1) من «لبنان الى لبنانين»، (2) »الغزو السوري» (3) »بين الحلم والحكم». (4)»زمن القيادة». (5) »حلم وكابوس»، في تحويله الفترة الممتدة بين عامي 1947 ـ 1982 الى متاهة / puzzle، ركب عليها الأحداث وقصّها بطريقته وذاتيته الفاقعة، وصولاً الى تحقيق الغاية : أسطرة بشير الجميل.
لم يثبت غانم طيلة سرده لهذه الأجزاء والمحفوفة بالإشكاليات والجدل، على شخصية واحدة للقاص : تماهى الإعلامي المخضرم الى حد الإنصهار في مديح وصناعة مداميك شخصية بشير، القيادية والثورية، التي «تجسّد أحلام الشباب»، وبين شخصية أخرى اتخذت من الحياد سبيلاً، في حين أن الحياد محرّم في هذه الأمكنة، خاصة لدى تناول «إسرائيل» وإحتلالها لفلسطين،وأيضاً علاقتها بـ»حزب الكتائب»، وببشير الجميل بالذات.
لا يستطيع غانم في إفتتاحية جزئه الأول أن يسقط فعل الإحتلال والإغتصاب لفلسطين،ويقفز الى قرار الأمم المتحدة في تقسيم هذه الأرض بين «يهودي وعربي»، كما قال، ويلغي أن الإحتلال سبب مباشر لتهجير الفلسطيني الى لبنان الأمر الذي اعتبره غانم بمثابة «قنابل» تزنر هذا البلد.
زينب حاوي
مهّد غانم طويلاً، ضمن250 دقيقة تلفزيونية، إمتدّت على 4 اسابيع متتالية، اختيروا من ضمن عشرات الساعات المصّورة والصور الفوتوغرافية، لكي يقدم التبريرات لمجازر الكتائب وفصائل أخرى، لا سيما في «تل الزعتر» (1976). حيث اعتبر أن المخيمات الفلسطينية، وقتها، «مدججة»و»تخنق بيروت»، فيما يغفل عمداً حصول إبادة جماعية بحق اللاجئين الفلسطينيين في ذلك المخيم، مذكراً، حصراً، بموت رئيس المجلس الحربي للكتائب وليم حاوي دون غيره. يعطي تبريراً للمجزرة بأنها حدثت بغية «الدفاع بشكل عفوي»،عن المسيحيين.
طيلة مسلسل «بشير» الذي أخذ 3 سنوات لإنجازه، دارت الرتابة على جزئه البصري بمعنى تقسيمه بين الشخصيات المقربة المستصرحة، وبين عرض أجزاء من الأرشيف، والتعليق الصوتي لغانم. مع التنويه بتثبيت الشخصية البصرية التي تدمغ بها عادة شركات إيلي خوري، وتطويع غانم للغة العربية الفصحى، وهذا ميدانه، واللعب على الكلمات لتعطي قوة وودفعاً للخطاب السائر عليه طيلة عملية السرد.
خرقت شخصيتان فقط، من الجهة المعارضة لبشير الجميل : الوزير السابق ألبير منصور وسعد الله مزرعاني اللذين تحدثا فقط عن اعتراضهما على المشروع الإسرائيلي الي حمله بشير الجميل.
المشاهد لسلسلة «بشير»،وبعد 34 عاماً على مقتل الجميل، لا يستطيع مع كل الأدوات التقنية والسردية، أن يجتذب شريحة مفترضة الى صف فريق الجميل، إذا كان ذلك الجذب هو هدف إنتاج هذا الوثائقي. لكن المسلسل ظل قابعاً في المنحى التفخيمي والدعائي، وهذا هدفه بالطبع، وهو يخدم حصراً الجهة التي تناصر الجميل وتريد أن »تنظّف» كل تاريخه، وترفعه إلى مصاف الأسطورة.
زينب حاوي، صحافية عربية من لبنان
أول تشرين الأول 2016