تحطم خرافة “الدولة الفلسطينية”؟

تحطم خرافة “الدولة الفلسطينية”؟

الجزائر: العالم مقبل على تحولات استراتيجية كبيرة وما يحدث اليوم مجرد البداية
الأسد استقبل قادة المقاومة الفلسطينية وبينهم ممثلو “حماس”
الهيمنة تترنّح…

أطلق الأميركيون تصريحات متكررة عن تأييدهم إنشاء “دولة فلسطينية تراعي الإحتياجات الأمنية لإسرائيل”. وهناك ثلاثة أهداف اساسية، دفعتهم إلى ذلك. أولاً، حاجة حزب الرئيس جو بايدن لامتصاص غضب الناخبين العرب والمسلمين. ثانياً، استرضاء الدول الأوروبية التي ساءها استمرار “إسرائيل” في حرب الإبادة الجماعية على غزة. ثالثاً، حماية “عرب التطبيع”، خصوصاً “سلطة الحكم الذاتي” والأردن والمغرب.

وخلال الشهور الماضية منذ طوفان الأقصى، ورد ذكر “الدولة الفلسطينية” في تصريحات لوزير الخارجية انطوني بلينكن، بعد لقائه مع رئيس سلطة الحكم الذاتي في رام الله المحتلة. كما سارعت أيرلندا وإسبانيا والنرويج إلى إعلان اعترافها بـ”الدولة الفلسطينية”. بينما رفض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ذلك، إلا “في الوقت المناسب”، وضمن “مسار دينامية فعالة [يبدأ بـ] تعزيز السلطة الفلسطينية”.

وبعد تجوالهما بين لبنان وفلسطين المحتلة، كتب وزيرا خارجية بريطانيا وفرنسا عن “حل الدولتين”. وقالا في مقال مشترك في صحيفة بريطانية محلية، “إن الصفقة [بين المقاومة الفلسطينية و”إسرائيل”] هي وحدها القادرة على فتح المجال أمام التقدم نحو حل الدولتين الذي هو الطريق الوحيد الطويل الأجل إلى الأمن للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء”. ودائماً، على “حدود 1967”.

إن الهدف الرئيسي من اجترار الكلام الديبلوماسي عن “الدولة الفلسطينية”، من جانب الإنكليز والفرنسيين، هو شطب القضية السياسية الأولى في جدول الأعمال الدولي والإقليمي، وهي إرغام “إسرائيل” على وقف إطلاق النار قطاع غزة، وإنزال “العقاب” بها، على جرائم الحرب التي يرتكبها قادة وجيش الإحتلال والمستوطنين اليهود الصهاينة بحق المواطنين الفلسطينيين في غزة وكل أرجاء وطنهم.

وحتى إذا تغاضينا عن الخداع الذي يمارسه الأميركيون والإنكليز والفرنسيين في تصريحاتهم عن “حل الدولتين”، بالتواطؤ مع “إسرائيل”، فإن بقية “المجتمع الدولي” ـ وهي كتل الدول الأوراسية المتحالفة، الدول الإسلامية، “جامعة الدول العربية”، “الإتحاد الإفريقي” ودول أميركا اللاتينية ذات الحكومات المستقلة ـ تدرك أن تطبيق “حل الدولتين” مستحيل، “على الأرض”، مع “ديبلوماسية العلاقات العامة” التي تتبعها.

إن جرائم الحرب “الإسرائيلية” التي أودت بعشرات ألوف الشهداء وعشرات ألوف الجرحى الفلسطينيين في قطاع غزة، على امتداد الشهور الأحد عشر الماضية، قد دمرت البيئة الحضرية المدينية وشبه الريفية في القطاع. حتى بات العيش بين أنقاضها وأطلالها صعباً وربما متعذراً. وهذا التدمير المتعمد يحقق أماني حكومة بنيامين نتنياهو وائتلافه الحزبي، بتهجير الفلسطينيين قسراً إلى خارج قطاع غزة.

أما في الضفة الغربية، فإن الإستيطان اليهودي هناك لتهجير أبنائها، قد حطم الخرافة السياسية التي يصنعها دعاة “حل الدولتين” ومؤيدوه، في كل يوم عاشته العرب من نصف قرن للآن، خصوصاً بعد توقيع منظمة التحرير الفلسطينية على “اتفاق أوسلو”. والآن، لن تقوى الحرفية الديبلوماسية على ترميم هذا “الحل”، مجدداً. لأن الأميركيين يدللون “إسرائيل” بشأنه. كما أن الصهاينة لا يريدونه أصلاً، و“يمنعونه” و“يحاربونه” علناً.

لقد زادت أهمية الضفة الغربية لـ”إسرائيل” من وجهة نظر الإستيطان و“السيادة” أيضاً، لا سيما بعد ضم القدس. لكن فرض الأمن في الضفة يبقى الهاجس الإستراتيجي الأول عند قادة العدو. لأن طوفان الأقصى ترك أثراً بليغاً على معادلات القوة بين المقاومة الفلسطينية في الضفة و”إسرائيل”. ويتجه جيش العدو إلى “عسكرة الضفة” باستخدام الطيران لقمع السكان وتهجيرهم، ونشر القواعد العسكرية فيها.

إن استمرار حكومة الإحتلال في شن حرب الإبادة في غزة، وترويع الغزاويين ومواطنيهم في الضفة، بالمذابح والقتل والأسر والتهجير، لا يترك مجالاً للشك، بشأن مصير “حل الدولتين”. وتقول بعض الأخبار إن “إسرائيل” تتجه لمنح بعض عملائها الفلسطينيين “جنسيتها”. لطمأنة العملاء وزرع فتنة داخل المجتمع الفلسطيني. وبانتظار نتائج الإنتخابات الأميركية في تشرين الثاني المقبل.

حتى ذلك الإستحقاق، يواصل نتنياهو إجراء “اختبارات ولاء”، لكلا المرشحين لدخول “البيت الأبيض”. بينما يقف الرأسمال المالي اليهودي، وسائر أجنحة “اللوبي الصهيوني” خلفه. وقد شاهدنا ذلك ميدانياً في خطبته أمام الكونغرس بواشنطن، في تموز/يوليو المنصرم. فالسلطات الأميركية العليا شريكته في حرب الإبادة على الفلسطينيين، لكي يغيروا معادلات القوة الجديدة التي أنشأها طوفان الأقصى ولكن … عبثاً.

علي نصَّار

‏الثلاثاء‏، 15‏ صفر‏، 1446 الموافق ‏الثلاثاء‏، 20‏ آب‏، 2024

 

Please follow and like us:

COMMENTS