إميل لحود ماذا يتذكر… عن وقائع بدون "رتوش"؟

إميل لحود ماذا يتذكر… عن وقائع بدون "رتوش"؟

بين «المباراة الصفرية» و«معادلة رابح – رابح» خطٌ واصلٌ إلى فلسطين
فلسطين المحتلة تشيع الشهيدة المقدسية شيرين أبو عاقلة، اليوم، في القدس
“كيرن تكفا يسرائيل” أو “الأمل” القادم من أميركا لجمعيات ومنظّمات اليمين في “إسرائيل”!

في كتاب "إميل لحود يتذكر"(*)، يشير الرئيس اللبناني السابق في أكثر من صفحة إلى انه كان مقصرا وغير مدرك لأهمية ودور الاعلام . الامر يعود لتربيته العسكرية , حيث الالتزام بالقوانين التي تمنع التعاطي مع الاعلام . وقد اعترف في الصفحات الاخيرة، بان عدم اهتمامه بالاعلام وتأثيره في الرأي العام وخاصة في ظل المواقع التي تسلمها ، قيادة الجيش ولاحقا رئاسة الجمهورية، كان نقطة تسجل عليه واستغلها اخصامه وانه انتبه للامر في وقت متأخر. 
المسرح الاعلامي كان متروكا اذا لهم، وخاصة حين ادركوا انه بعيد عن هذا المجال . استغلوا ذلك وكانوا من خلال اشراف بعضهم وامتلاك بعضهم الآخر لوسائل اعلامية قد جعلوها ساحة مواجهة معه . واستطاعوا عبر ذلك بث رواياتهم واكاذيبهم وتزوير الحقائق والوقائع بما يتلاءم ويناسب مصالحهم ووجهة نظرهم . 
من هنا يأتي كتاب " اميل لحود يتذكر " ليسد ثغرة في حقبة زمنية كانت تشهد احداثا على مستوى عال من الاهمية , سواء على المستوى المحلي او على مستوى المتغيرات التي كانت تمر بها المنطقة .  كثر منّا لم يطلعوا على حقائقها ووقائعها الصحيحة , او انهم كانوا اسرى الاعلام وما يبث وخاصة في ظل الاستغلال الطائفي – المذهبي الذي برع به سياسيو تلك الحقبة , كي يهربوا من مواجهة الاستحقاقات . هنا نحن امام شواهد صادمة وسرد عن طبقة سياسية ما زلنا نتفاجأ كل مرة بالمزيد من فضائحها . 
من الوقائع التي يتذكرها الرئيس لحود , نتبين اننا لم نكن يوما نعيش في وطن , وان المحاولات القليلة التي جرت عبر تاريخنا، تجربة الرئيس فؤاد شهاب كمثال، وتجربة لحود التي يستعرض بعضها في الكتاب، والتي اريد لها ان تؤسس فعلا لوطن اجهضت وتكالب عليها المتضررون من اصحاب الاهواء والمصالح , السياسيون زعماء الطوائف , الذين وبحسب الكتاب وبالوقائع , كانوا يحاربون للابقاء على مكتسباتهم ومصالحهم ولا يتوانوا عن ربط ذلك بطوائفهم . سعوا لذلك دون اي مراعاة للوطن وللشعب , وما كانوا ليرتدعوا حتى ولو كان ذلك سيتسبب بانهيار البلد.
ما يتذكره الرئيس لحود لم تعد من الأسرار . بل هي امامنا معلومات ومواقف وتراكم لما جرى بينه وبين الطبقة السياسية التي حاولت وجاهدت لمنع قيامه بأي مشروع جديّ لبناء اسس لوطن. هنا يمكن الاشارة الى محطات ومواقف ومشاريع كثيرة . كلها كانت تلقى الصّد من اخطبوط السياسة عندنا. ضمان الشيخوخة مثال .. تسليح الجيش وحقائب الرشوة .. الاعتداء على الاملاك العامة وسرقتها .. السطو على المساعدات التي جاءتنا بعد عدوان "إسرائيل" على لبنان في تموز عام 2006 .. الخليوي وكيف سعوا لبيعه للقطاع الخاص بمبلغ مليار دولار فيما عائداته السنوية حين اصبح في عهدة الدولة كانت ضعف هذا المبلغ .وطبعا هناك الكثير منها وما ذكر يمثل عينة بسيطة مما كان يحصل .ويؤشر للطريقة التي كانت بها السلطة الحاكمة تدير الدولة ما بعد الحرب , وما بعد اتفاق الطائف . ويصبح الجواب على عدم تطبيق اتفاق الطائف واضحا دون الحاجة الى تفكير كبير. كان الهدف مصالح زعماء وشخصيات وطوائف . 
هي اسئلة بسيطة عن معاناة وصبر والاهم مواجهة. لم يذعن فيها الرئيس لحود ولم يستكن . ما كانت لتحصل لولا وجوده في موقع الرئاسة وقبلها في قيادة الجيش الذي اعاد اليه اللحمة الوطنية , رغم كل الصعوبات والعراقيل. هو الذي وصل الى سدة الرئاسة على ثوابت لم تتغير . النزاهة والاستقامة والحق لصاحبه . فيما كابد الآخرون بممارساتهم الكيدية والانصياع لمصالحهم والمحاربة من اجلها , وحاولوا دائما الاستقواء عليه بمواقعهم الطائفية , وايضا بالخارج , القريب منه والبعيد.
كل ما لديهم كان عرضة للبيع والشراء في سوق نخاسة مصالح خاصة . وفي سبيل ذلك يوظفون مواقعهم ويصرخون , مسخرين كل شيئ دون هوادة . كل هذا امامنا على صفحات ما يتذكره الرئيس لحود . 
غيض من فيض ما يمكن ان يحفل به تاريخنا مع هؤلاء , الذين قدر لنا ان نكتشف في الكتاب جزءا من ممارساتهم . فكيف لو فتحنا كل اسرار عهودهم ؟ .
وفي اهم ما خلص اليه الرئيس لحود من خلال معايشته لتلك المرحلة ولما تلاها وحتى الان وبمقدار معرفته لواقع البلد , يشير في خلاصة ما يتذكر ومن تجربته المريرة ,  ان الحل الوحيد لإعادة بناء الوطن , ليس سوى عبر قانون انتخاب جديد على اساس لبنان دائرة انتخابية واحدة , مع النسبية .ويعتبر ان حصول ذلك سيكون الخطوة الاولى على طريق بناء وطن , وليس مزرعة على قياس فلان او علان ..وهذا الامر هو في حقيقة الامر المقياس لوطنية اي مسؤول , والاّ سوف تبقى هذه الطبقة السياسية – الطائفية مهيمنة , تورث فسادها الى اولادها والاحفاد …
تبقى لنا على الكتاب ملاحظات أخرى. فهناك اخطاء مطبعية كان يجب تلافيها . تكرار حول وقائع واحداث في محطات مختلفة. واخيرا التبويب لم يكن موفقا حيث ترك الكاتب سرد الرئيس على ما هو عليه. كان الافضل ان يوظف الكاتب المادة التي بين يديه بما يتناسب مع وقعها السياسي الصحفي والتاريخي , ووضعها في اطارها الذي يمكن معه الاستفادة القصوى من هذا الكم الغزير من الذكريات . 
علي طحطح، كاتب وشاعر عربي من لبنان
(*) "اميل لحود يتذكر "، احمد زين الدين، منشورات شركة القلم للاعلام والاعلان، الطبعة الاولى 2016. 

Please follow and like us: