هامش أول: توطئة
بين يدي كتاب بعنوان «محاضرات دورة مديري المدارس الثانوية والمتوسطة والمعاهد»، الحلقة الأولى، والمنعقدة في الطائف عام 1386 – 1966، والدورة بدأت في 2 يوليو، أي قبل تنفيذ حكم الإعدام في سيد قطب بقريب من الشهرين، حيث كان الإعدام في الـ29 من أغسطس في العام ذاته.
وكان أبرز المحاضرين فيها، العراقي محمد محمود الصواف، والأردني عبدالله زيد الكيلاني، والسوري محمد أمين المصري، وغيرهم، ومن ذلك الوقت المبكر-بل وقبله بسنيات- والجماعة تعمل بجدية وتفانٍ على اختراق التعليم وتوجيهه حسب أغراضهم الحزبية.
هامش ثانٍ: مناهج الهلباوي السعودية
على الرغم من انتشار أعضاء جماعة الإخوان في مختلف إدارات ومدارس وزارة المعارف والتعليم العالي، لم تقرر كتب حسن البنا وكتب سيد قطب ومحمد قطب وغيرهم، في المدارس السعودية ولم تطبعها وزارة المعارف السعودية إلا حينما تولى كمال الهلباوي، القيادي الإخواني السابق، منصب رئيس لجنة مستشاري بناء المناهج المدرسية في وزارة المعارف ما بين عامي 1982 و1987.
وخلال هذه الفترة أدخل الهلباوي أهم أدبيات جماعة الإخوان النظرية للمدارس السعودية، ومن بينها «العقيدة الإسلامية» و«الوصايا العشر» لحسن البنا، و«معالم في الطريق» لسيد قطب، و«الإنسان بين المادية والإسلام» لمحمد قطب، وكتاب «الجهاد في سبيل الله» لأبي الأعلى المودودي وحسن البنا وسيد قطب، و«قبسات من الرسول» لمحمد قطب، وتمت طباعة هذه الكتب وغيرها على حساب الوزارة وتم توزيعها بالمجان على الطلاب.
هامش ثالث: جمعة أمين صائغ معتقدات الجماعة
«حارس الأصول العشرين» «جمعة أمين عبدالعزيز»، والذي يعد أحد أهم أعضاء مكتب الإرشاد للجماعة الإرهابية الإخوان المسلمين في حينه، وكان عضوا رئيسا في لجنة التربية داخل الجماعة، وهي من أهم لجان الجماعة العاملة، إذ كانت معنية بصياغة معتقدات الإخوان.
حجَّ «جمعة أمين» في عام 1981، ولم يرجع إلى بلده، بل ظل مقيما في السعودية حتى عام 1985 هاربا من قرار القبض عليه في قضية اغتيال السادات، وخلال هذه السنوات عمل مديرا لمكتب الندوة العالمية للشباب الإسلامي في جدة.
يقول «أمين» حول التعليم والتربية «عليكم بالمدارس، فقد كانت هدفا لتخريب عقولنا، وغزونا حتى العقيدة في هذه المرحلة قد جمدوها».
ماذا فعل «جمعة أمين عبدالعزيز»، في أربعة أعوام كاملة داخل السعودية؟!
هامش رابع: تعهد ولي العهد الجديد
في المقابلة الشهيرة للأمير محمد بن سلمان مع المذيعة الأميركية نورا أودونيل، في برنامج 60 دقيقة، تعهد بالقضاء الكامل على ما تبقى من فكر جماعة الإخوان المسلمين في مدارس السعودية، وناقش إشكالية غزو فكر جماعة الإخوان المسلمين لنظام التعليم في المملكة، وأن بعضهم ما زال يعمل في التعليم، وأكد مُضَّيه في اجتثاث كل من ينتمي لهذا الفكر أو يتعاطف معه خلال فترة قصيرة.
بعدها شرعت وزارة التعليم في إعادة صياغة مناهجها التعليمية لمحو أي تأثير أو أثر لجماعة الإخوان المسلمين فيها، كما أنها عملت على إبعاد كل مَن يتعاطف مع الجماعة، في أي منصب بالقطاع التعليمي، خاصة في الجامعات ذات التوجه الديني.
المهمة ليست يسيرة، فهذا الفكر متغلغل في مفاصل التعليم منذ ما يزيد على ستين سنة، بدءا من المناهج والنشاطات الصفية وغير الصفية، وانتهاء بجذب كثير من كوادر التعليم الأجنبية في فترات مختلفة، والذين تحولوا إلى أدوات لبث هذا الفكر بين الطلاب في مختلف المراحل التعليمية من الصف الأول الابتدائي وحتى برامج الدكتوراه.
هامش خامس: القصة من البداية
عرفت السعودية جماعة الإخوان المسلمين قبل 80 عاما، في عام 1936 تقريبا، ومرت العلاقة مع السعودية بمناطق توترات، لعل من أبرزها دعم الإخوان للثورة في اليمن عام 1948، أو تدبيرها بمعنى أدق على يد الجزائري الفضيل الورتلاني والمصري عبدالحكيم عابدين، والتي عارضتها السعودية بشدة.
وبعد ثورة يوليو 1952، حارب الرئيس المصري جمال عبدالناصر الإخوان المسلمين، واعتقلهم وأعدم بعض قياداتهم، ففر كثير منهم إلى السعودية، وذلك في عهد الملك سعود -طيب الله ثراه-، وبنت المملكة علاقات جيدة مع أفراد من الجماعة، وليس مع التنظيم ذاته (كما يؤكد على ذلك الدكتور إبراهيم الزبيدي، في كتابه المهم الفسيفساء السعودية).
والسعودية في سعيها إلى استقطاب الإخوان كانت تروم للسعي إلى تطوير الخطاب الديني، ومحاربة المد الناصري، ولكن كان للإخوان رأي آخر فسعوا للسيطرة على المتاح أمامهم، فكانت الفرصة مواتية لاجتياح التعليم والتغلغل فيه قدر الإمكان بهدف الوصول عبره إلى أبعد نقطة ممكنة داخل المجتمع السعودي.
وانتشرت كوادر الجماعة في مفاصل التعليم السعودي العام والجامعي، فصنعوا محتوى مناهج التعليم ونظامه، وصنعوا مناهج الجامعات ونشروا كتبهم وأفكارهم فيها، واختاروا أساتذتها من الدول العربية وفق منهجهم، وهم مَن صنع المراكز الصيفية واستغل برامجها في كسب ولاءات الطلاب.
وتأتي سيطرتهم على قطاع التعليم بعد أن قامت الحكومة السعودية بمنع الإخوان من مزاولة أي نشاط سياسي داخل المجتمع السعودي المسالم والمستقر، لتحقيق مجموعة أهداف من أهمها: الترويج لفكر الإخوان المسلمين، ونشر مؤلفات الجماعة في المكتبات المدرسية والجامعية، وتوجيه التربية المجتمعية وفقا لمنهج الجماعة، إضافة إلى السيطرة التامة على المنح والبعثات الدراسية.
هامش أخير: رأس المال التعليمي السعودي، إخواني
كانت حصة الإخوان في الجامعة الإسلامية عند نشأتها كبيرة، وازدادت مع الوقت لتشمل مواقع أخرى كجامعتي الملك عبدالعزيز وأم القرى وغيرهما، وكان من أبرز الشخصيات التي عملت في الجامعة الإسلامية المصري علي جريشة، والسوري محمد المجذوب، والمصري محمد قطب، والمصري سيد سابق الذي ترأس قسم القضاء في جامعة أم القرى، والمصري محمد الغزالي الذي ترأس قسم الدعوة وأصول الدين في جامعة أم القرى، ناهيك عن دورهم الكبير في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بسبب تولي مناع القطان لرئاسة الدراسات العليا، ورئاسة محمد الراوي لقسم التفسير، ووجود عبدالفتاح أبو غدة ومحمد أبو الفتح البيانوني للتدريس فيها وجميعهم من الشخصيات الإخوانية القيادية.
هامش الهوامش
بقي أمران:
الأول: أنصح المهتم وصاحب القرار بقراءة كتاب قديم بعض الشيء، غير أن ما يحكيه الكتاب ما زال شاخصا للعيان ليس بذات الحدة السابقة بطبيعة الحال، ولكنه ما زال موجودا بقوة، والكتاب هو: (اختراق البرج العاجي، قراءة في التحولات الجيوسياسية والتأثير الأيديولوجي في بنية التعليم العالي السعودي، للدكتور محمد بن عبدالله الخازم، الطبعة الأولى، 2011، لندن، طوى للثقافة والنشر والإعلام).
والثاني: وحدات الأمن الفكري أو التوعية الفكرية في الجامعات بادرة رائعة، وأظنها ستحقق بعدا رائعا في مساندة الجهود المبذولة في مكافحة التطرف، فقط علينا مراجعتها المستمرة، حتى لا يسيطر عليها التيار الناعم الغالب للسرورية والإخوان في الجامعات.
خالد العضاض، صحفي وكاتب عربي من السعودية
العنوان الأصلي للمقال :
حكاية التعليم السعودي والإخوان المسلمين هوامش مبعثرة