النهار
الحرب الباردة المستمرة منذ 1990 تُمعن في ضرب المؤسسات مجلس الوزراء “يعوِّم” سلام قبل سفره ويرجئ الملفات المتفجِّرة
41 عاماً من عمر الحرب اللبنانية او تلك التي كان يحلو لغسان تويني ان يسميها “حرب الآخرين على أرض لبنان” ولم تنته فصولها بعد، بل تستمر حرباً باردة في ظل تحكم الميليشيات بكل مفاصل الدولة وامعانها في ضرب المؤسسات والخروج على الدستور. ولعل أبرز دليل على ذلك تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية ممن يدعون انهم حرصاء على الدستور والمؤسسات والشرعية.
واذا كانت النفايات المنزلية، كما النفايات السياسية التي تحدث عنها سابقاً الرئيس تمّام سلام، تحاصر مجلس الوزراء، فإن فضائح الايام الاخيرة باتت تنذر بمزيد من الانهيار في جسد الحكومة “السلامية”. وآخر فصول الفضائح “الكابل البحري” الذي أكدت “أوجيرو” انه خاص بالانترنت قبل ان يخرج المدعي العام العسكري بتصريح مناقض ليقول إنه لنقل البث التلفزيوني. وقالت مصادر متابعة للملف لـ”النهار” إن الملف بات كبيراً وثقيلاً على القوى التي تتابعه بفعل الضغوط السياسية والامنية والقضائية والتي ربما حالت دون المضي به الى نهايته السعيدة، وقالت إن البث التلفزيوني يتم عبر صحون لاقطة على السطوح أو عبر اشتراكات في الحي القريب ولا يمتد عبر كابلات بحرية.
أما الملف الآخر، فهو أمن المطار الذي أقر مجلس الوزراء أمس رفع جهوزيته بقبول عروض لشركات جديدة تلغي العقود بالتراضي الموقعة سابقاً مع وزارة الداخلية والتي طلبت وزارة الاشغال العامة مراجعتها لتحسين الشروط. وتبين الوقائع ان المدة التي حددها مجلس الوزراء لاستدراج عروض وفقاً للأصول وهي 15 يوماً، مع التزام تقرير اللجنة الفنية ودفتر الشروط الذي وضعته، ربما لا تتفق الا مع الشركات الثلاث التي تم الاتفاق معها سابقاً لأن أي شركة أخرى تحتاج الى مدة أطول لتنفيذ دفتر الشروط. وهكذا يتبين ان العقود التي خرجت من الباب قد تعود من الشباك كما يقول المثل اللبناني الشعبي.
وكان مجلس الوزراء تابع أمس سجاله في ملف المديرية العامة لأمن الدولة ، ونفذ الوزراء المعترضون السياسة التي أوردتها “النهار” الاثنين، أي عدم الرغبة في تعطيل عمل الحكومة شرط التزام سلام ادراج الموضوع أولاً على جدول الأعمال كما وعد. وأوضحت مصادر وزارية لـ”النهار” ان ارجاء البحث في المشكلة جاء بناء على رغبة جماعية في عدم احراج رئيس الوزراء وفض الاجتماع من دون نتيجة قبيل سفره اليوم، كما رغبة في توجيه رسالة الى العالم بالحرص على أمن المطار وتحصينه.
ورأى رئيس الوزراء أنه لا يجوز التعامل مع هذا الملف بهذه الخلفية الطائفية، بينما تمسك الفريق الوزاري المعترض بوجهة نظره وبعدم أخذ الملف الى الطائفية والايحاء الى الرأي العام بأنها قضية مزايدة مذهبية أو طائفية فيما هي مطلب حق يراد به باطل. وأضاف الفريق الوزاري المعترض لرئيس الوزراء إن الاتفاق يقضي بأنه اذا اعترض مكونان حكوميان على بند يوقف، ونحن ثلاثة مكونات نتمسّك بتأجيل البنود المالية العائدة الى الأجهزة الأمنية الأخرى لبتّها مع مستحقات جهاز أمن الدولة.
وعندما استمر السجال على حاله في ظل عدم وجود رؤية واضحة لحل هذا الملف، تقرر إرجاؤه ليكون بنداً أول في الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء الاثنين، ومعه ملف منع ادارة القمر الاصطناعي نايل سات” قناة “المنار” من البث عبره. وتجنب مجلس الوزراء أيضاً البحث في موقف لبنان في بيان القمة الاسلامية وامكان اصرار المجتمعين على وصف “حزب الله” بأنه إرهابي واتخاذ اجراءات في حقه، وترك الامر لـ”حكمة” سلام .
واذ أبدى مجلس الوزراء حرصه على متابعة قضية الاتجار بالبشر التي شكلت فضيحة أيضاً بعدم كشفها وتوقيف المرتكبين منذ سنوات بتواطؤ امني لم يعد احد يتحدث به، تسارعت تطورات الملف، وأبلغت مصادر قضائية “النهار” أن قاضي التحقيق في جبل لبنان بيتر جرمانوس قرر اقفال الملاهي الليلية الـ13 بالشمع الأحمر في المعاملتين وأن أصحابها كانوا يتاجرون بفتيات بلغ عددهن من 15 الى 65 في الملهى الواحد.
وفي المعلومات أن عددهن الإجمالي بلغ 379، وجميع الملاهي كانت تعمل من دون ترخيص وبلا مراقبة وتوقفت عن استقبال الزبائن منذ 26 آذار الماضي، وهي تعتبر منذ ذلك التاريخ مقفلة. وقد أمر القاضي جرمانوس بإقفالها بالشمع الأحمر، وتعرض بعض النسوة للتعنيف.
ويذهب الاعتقاد الى ان هذه الملاهي أقفلت بعد الإعلان عن دهم مكان أسر عدد من الفتيات والاتجار بهن في المعاملتين. وأسفرت التحقيقات في القضية حتى الآن عن توقيف 19 بإصدار القاضي جرمانوس مذكرتي توقيف جديدتين أمس.
الرئاسة
سياسياً، انعقدت جولة جديدة من الحوار الثنائي بين تيار “المستقبل” و”حزب الله” في عين التينة (…).
من جهة أخرى، لفتت أوساط نيابية عبر “النهار” الى ان جولة وفد جمعية الصداقة البرلمانية الفرنسية – اللبنانية برئاسة النائب اللبناني الاصل هنري جبرايل برفقة رجل الاعمال جلبير شاغوري والتي لا تزال مستمرة قبل أيام من وصول الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الى لبنان، أشعلت السباق الرئاسي مجدداً وتمثل ذلك بإحتدام المواقف وآخرها أمس لرئيس “تكتل التغيير والاصلاح” النائب العماد ميشال عون الذي نقل عنه قوله في إجتماع التكتل “ان جميع الفرقاء مأزومون بموضوع الإستحقاق الرئاسي ولا سيما سيما تيار المستقبل الذي تبدو علامات الانهاك أيضاً عليه وعلى قيادته من المناورات التي أقدم عليها واصطدم بشأنها بجدار الأزمة المرصوص ميثاقياً”. وفي المقابل دعت كتلة “المستقبل” بعد إجتماعها الاسبوعي “حزب الله وحليفه التيار الوطني الحر الى فك اسر الجمهورية والطلب من نوابهما التوجه الى مجلس النواب لانتخاب الرئيس من بين المرشحين حسبما ينص عليه الدستور”.
الأمن
أمنياً، اتجهت الأنظار مجدداً الى مخيم المية ومية الذي شهد توتراً امتد الى خارج أبوابه، إثر اغتيال مسؤول حركة “فتح” فيه فتحي زيدان بعبوة ناسفة زرعت في سيارته. واعتبرت مصادر ان الاغتيال يأتي استكمالاً لمسلسل التوتير والتفجير الذي يمارسه بعض العناصر والجماعات المتشددة، بهدف قطع الطريق على أي تدابير أو إجراءات أمنية صارمة كانت “فتح” تعتزم تنفيذها في حق المتهمين بحوادث القتل والاغتيالات. وعلّق قائد القوة الأمنية المشتركة في لبنان اللواء منير المقدح في اتصال مع “النهار” بأن “استهداف قائد مخيم المية مية زيدان الملقب “زورو” هو استهداف للمخيمات الفلسطينية”. وأضاف أنه “منذ أكثر من أسبوع نُجري اتصالات لتعزيز الأمن في المخيمات”.
السفير
13 نيسان 2016: خطوط التماس تتمدد.. والدولة تتبدد!
رسالة دموية لـ«فتح» في صيدا .. والجيش ينبّه «الفصائل»
13 نيسان 1975 ـ 13 نيسان 2016..
41 عاما مضت على الذكرى المشؤومة لاندلاع الحرب الاهلية المركّبة في لبنان، لكنها لم تكن كافية، بالنسبة الى كثيرين، لاستخلاص الدروس والعبر.
بعد مرور أربعة عقود ونيف على وقوع المأساة، تكاد تكون معظم شروط تجدد الحرب متوافرة: احتقان متراكم، تحريض متواصل، هواجس متبادلة، أزمة ثقة مستفحلة، حرمان جوّال، تهميش بالمداورة، مؤسسات متحللة، واصابع تتحيّن الفرصة المناسبة لتمتد الى الزناد او الخناق..
وإذا كان هناك من فارق بين الامس واليوم، فهو ان خطوط التماس التي كانت تشطر الطوائف في السابق، باتت حاليا تشطر المذاهب، وبدل «الشرقية» و«الغربية» او المسلم والمسيحي، صار هناك إصطفاف على اساس «الخلية الاصغر»: سنة وشيعة ودروز وموارنة وكاثوليك وارثوذكس وأرمن.. حتى نكاد نترحم على الماضي!
انها الحرب الاهلية الباردة، القابلة للانزلاق نحو الأسوأ، خصوصا ان أمراء السياسة والطوائف في لبنان يمعنون في الاستثمار فيها، لحماية إماراتهم، والمحافظة على استقطابهم لولاء «المحاربين الجدد» من الاتباع والرعايا. ولئن كان العامل الفلسطيني قد حضر في «بوسطة عين الرمانة» في 13 نيسان 1975، فان المصادفات شاءت في 13 نيسان 2016 ان يحضر هذا العامل مجددا في المشهد اللبناني العام، عشية ذكرى نشوب الحرب.
ما تغير فقط هو ان «البوسطة» حلت مكانها سيارة عائدة لمسؤول حركة فتح في مخيم المية ومية، العميد فتحي زيدان المعروف بـ«الزورو»، والذي جرى اغتياله في وضح النهار. وما حصل أمس عند مستديرة الانجيلية في أطراف صيدا على الطريق بين «المية ومية» و «عين الحلوة» لم يكن مجرد اغتيال. انه إنذار «شديد اللهجة» بان بركان الاحتقان في المخيمات الفلسطينية يقترب من لحظة الانفجار الكبير، ما لم يتم تداركه بإجراءات أمنية وسياسية.. فوق العادة.
وأغلب الظن، ان زواريب المخيمات لم تعد تحتمل هذا الازدحام والتدافع في «الاجندات» المتعارضة، في إطار صراع محموم على النفوذ والسلطة، ضمن مساحة جغرافية ضيقة ومكتظة بالسكان، سواء «القدامى» منهم، او الوافدين حديثا هربا من الحرب السورية.
فصائل متنافسة، صراع محاور في داخل بعض التنظيمات، أجهزة مخابرات متعددة الجنسيات، مصالح متضاربة، امتدادات خارجية، اموال سياسية، لائحة طويلة من المطلوبين للعدالة.. كلها صواعق تفجير يعيش بينها ومعها عشرات آلاف اللاجئين الفلسطينيين، من الاكثرية الصامتة التي غالبا ما تدفع الثمن الاكبر لـ «الحروب الصغيرة» التي تدور في المخيمات.
وفي حين يعاني اللاجئون الفلسطينيون من ظروف معيشية صعبة، ونقص في ابسط بديهيات الحياة الكريمة، يبدو في المقابل ان هناك فائضا من السلاح العبثي والمتفلت الذي يهدد بتشويه إضافي للقضية الفلسطينية.
والمفارقة، ان فتحي زيدان الذي قتل بتفجير عبوة ناسفة (1 كلغ) زرعت تحت مقعده في السيارة، هو صاحب سجل نظيف لدى الاجهزة الامنية اللبنانية، وكان متعاونا مع مخابرات الجيش في الجنوب، وليس معروفا عنه انه متورط بعداوات شخصية في «المية ومية» او خارجه، ما يعزز الاعتقاد بان المقصود من استهدافه، ليس اغتيال شخصه وحسب، وإنما إيصال رسالة عبره الى «حركة فتح»، في إطار حساب مفتوح بين الحركة وخصومها.
وأبلغت مصادر أمنية واسعة الاطلاع «السفير» انها ترجح فرضية ان تكون جهة فلسطينية سلفية متشددة هي التي تقف وراء اغتيال زيدان، عبر اختراق أمني من داخل مخيم المية ومية، لافتة الانتباه الى ان سجالا حادا كان قد وقع قبيل قرابة أسبوع بين القيادي في فتح ماهر الشبايطة وبعض القوى الاسلامية المتشددة التي استخدمت لهجة قاسية في هذا الاشتباك الكلامي.
وأشارت المصادر الى ان هناك نفوذا واسعا للمجموعات الفلسطينية المتطرفة في «المية ومية»، وحضورا فاعلا لها في «عين الحلوة». وكشفت المصادر عن ان الشبهات تدور حول مجموعة محددة، معروفة بتطرفها وتناغمها مع «جبهة النصرة». وأعربت المصادر عن مخاوفها من انتقال حرب الاغتيالات والتصفيات الفلسطينية – الفلسطينية، لاسيما بين «فتح» والسلفيين المتشددين، من داخل المخيمات الى خارجها.
وأكدت المصادر ان الفصائل الفلسطينية مدعوة الى تحمل مسؤولياتها واتخاذ قرار سياسي برفع الغطاء عن كل من يخل بالامن، محذرة من ان استمرار التهاون في التعامل مع الحالات النافرة قد يؤدي، مع تراكمها، الى انفلات الامور وبالتالي تفجير شامل للوضع، مع ما سيتركه ذلك من انعكاسات مدمرة على المخيمات، خصوصا «عين الحلوة.»
المخابرات للفصائل: احسموا..
وأمام تزايد الحوادث الامنية وعمليات الاغتيال في مخيم عين الحلوة، تبدو القوة الامنية المشتركة بقيادة منير المقدح امام اختبار صعب، وسط مآخذ متصاعدة على «أدائها الرخو»، من قبل الاجهزة الرسمية اللبنانية التي ترصد بدقة ما يجري في داخل المخيمات، علما ان الكلفة الشهرية لعمل هذه القوة (رواتب ومتطلبات) تتجاوز الـ200 ألف دولار.
وفي المعطيات المتوافرة، ان مخابرات الجيش في الجنوب تضغط على «اللجنة العليا» التي تضم قادة الفصائل، كي تفوّض القوة المشتركة المكونة من الاطراف الفلسطينية حسم أي إشكال على الارض، من دون الرجوع الى أحد لأخذ إذنه او رضاه، خصوصا ان هناك شكوى لدى المخابرات من ان حوادث عدة تجري لفلفتها او يتم التساهل مع مرتكبيها بسبب مداخلات من هذا الفصيل او ذاك.
وعُلم ان مخابرات الجيش نبهت قادة الفصائل الى ان استمرار التقصير او القصور في الامساك بالارض سيتسبب بمشكلة مع الدولة اللبنانية. وتصر مخابرات الجيش على وجوب تسليمها كل المطلوبين والمرتكبين، من دون أي استنسابية او تمييز، بحيث لا يتم فقط تسليم المشتركين في حوادث فردية، بينما تجري محاولات من حين الى آخر للاكتفاء بتوقيف بعض مرتكبي الجرائم الحساسة لدى القوة المشتركة، نتيجة ضغوط تتعرض لها او تسويات تحصل معها.
وعلمت «السفير» ان مدير مخابرات الجيش في الجنوب العميد خضر حمود كان قد اجتمع أمس الاول الى مسؤولي الفصائل الفلسطينية، ومن بينهم زيدان، طالبا منهم الايعاز الى القوة الامنية المشتركة التشدد في تدابيرها واستخدام الحزم في مواجهة أي خلل. وأكد حمود لممثلي الفصائل، وفق المعلومات، ان المطلوب منح القوة المشتركة الغطاء السياسي الكامل لفرض الامن بيد من حديد، من دون الحاجة عند كل حادثة الى استشارة المرجعيات السياسية والعسكرية في المخيمات، منبها الى ان «الامن بالتراضي» اثبت عدم جدواه.
وعُلم ان اتصالات مكثفة جرت بعد جريمة اغتيال زيدان بين حمود من جهة والسفير الفلسطيني في لبنان اشرف دبور وقيادات الفصائل من جهة أخرى، جرى خلالها التباحث في كيفية تفعيل عمل القوة المشتركة في المخيمات وكشف ملابسات التفجير الذي ادى الى مقتل زيدان.
وبينما وصف مسؤول قيادة الساحة اللبنانية في حركة «فتح» وفصائل منظمة التحرير فتحي ابو العردات الاغتيال بـ «الاستهداف الخطير»، وضع قائد القوة الأمنية المشتركة في لبنان منير المقدح اغتيال زيدان في اطار»الحملة الكبيرة على مخيم عين الحلوة»، مشددا على أن ما حصل هو استهداف لامن «فتح» في المخيمات الفلسطينية، «ونحن لن نسمح أن يأخذ أي فريق المخيمات رهينة».
الاخبار
عدوان نيسان 96: التأسيس لتحرير 2000
قبل 20 عاماً، شنّ جيش العدو عدواناً واسعاً على لبنان استمر 16 يوماً، وهدف الى اخضاع المقاومة. لكن صمودها ونجاحها في الحفاظ على وتيرة متواصلة ومؤلمة من الاستهداف الصاروخي للمستوطنات الشمالية، أجبر العدو على القبول بمعادلة ردع متبادل تحت اسم «تفاهم نيسان»: يتوقف حزب الله عن قصف شمال إسرائيل، مقابل التوقف عن استهداف الأهداف المدنية في لبنان، مع احتفاظ المقاومة بحقها في مواصلة العمليات ضمن منطقة الشريط الحدودي (مقال علي حيدر).
قبل الانتصار عام 2006، والتحرير عام 2000، مرت المقاومة بمحطات مفصلية أسست للانتصارات التي تلت. من ضمن هذه المحطات عدوان نيسان 1996، الذي حمل اسم «عناقيد الغضب»، وما ترتب عليه من نتائج. التوقف عند هذه المحطة وما سبقها وما تلاها، يندرج ضمن إبقاء المقاومة، بما تحمله من قيم ورؤى وخيارات، حية في الذاكرة الجماعية والفردية للشعب اللبناني والعربي، وخصوصاً مع ما يتعرض له حزب الله من تشويه وحروب إسرائيلية وعربية وتكفيرية، على الجبهات الإعلامية والسياسية والأمنية.
ويبقى لمحطة عدوان نيسان خصوصيتها وسياقاتها كجزء من المواجهة مع العدو الذي كان يحتل في حينه الشريط الحدودي. وأيضاً لجهة نتائجها التي أرست معادلات قيَّدت العدو ووفّرت للمقاومة مظلة سمحت لها بمواصلة مسارها التصاعدي، وصولاً إلى التحرير عام 2000.
تعددت أساليب العدو في محاولاته لإسقاط المقاومة وإجهاضها. وكان لكل مرحلة ظروفها وتكتيكاتها. فاعتمدت سياسة الاغتيالات، والسيارات المفخخة، إضافة الى الإجراءات الدفاعية والأمنية. لكن فشل هذه الرهانات، ونجاح حزب الله في مواصلة توجيه الضربات المؤلمة لجيش الاحتلال، وضع القيادة الإسرائيلية أمام استحقاق مفصلي يفرض عليها أحد خيارين: إما التكيف مع استمرار النزف البشري نتيجة الخسائر المتواصلة في صفوف الجنود والاستنزاف المعنوي والأمني في شمال إسرائيل رداً على كل اعتداء يستهدف المدنيين، وإما البحث عن خيار عملاني يُدمِّر قدرات المقاومة أو يردعها.
في ضوء هذا الواقع، راهن العدو، في عدوانَي 93 و96، على أن القدرات التكنولوجية والعسكرية لجيشه كفيلة بتحييد منصات إطلاق صواريخ الكاتيوشا، ما يضع حزب الله وجمهوره أمام خيار تلقي الضربات من دون القدرة على توجيه ردود موازية رادعة، وصولاً إلى فرض معادلة جديدة تمنع المقاومة من مواصلة عملياتها في الشريط الحدودي تحت طائلة تلقي ضربات مؤلمة. واعتمد العدو لتحقيق هذه الغاية استراتيجية استهداف البيئة الحاضنة للمقاومة وتهجير سكانها لتكوين حالة شعبية ضاغطة على المقاومة.
وبلحاظ الظرف السياسي آنذاك، هدف العدو أيضاً ــــ الى جانب وقف النزف الدموي لجنوده وإعادة الشعور بالأمن لمستوطنيه في الشمال وتكريس احتلال آمن للشريط الحدودي ــــ الى إضعاف الموقف السوري في مفاوضات التسوية حينها، وصولاً الى فرض الشروط الإسرائيلية والأميركية وإجبار الرئيس الراحل حافظ الأسد على القبول بالصيغة الإسرائيلية للتسوية.
في المقابل، اعتمد حزب الله استراتيجية الرد الصاروخي ضد المستوطنات الشمالية في مقابل استهداف المناطق المدنية اللبنانية. وأبرز من أقرّ بشكل صريح ومباشر بهذه المعادلة الرئيس الحالي لهيئة أركان جيش العدو غادي ايزنكوت، عندما كان يتولى قيادة المنطقة الشمالية، متناولاً المرحلة التي كان يحتل فيها العدو الشريط الحدودي، بالقول «حرص حزب الله جداً على ألا يطلق الصواريخ على بلدات إسرائيلية، إلا أن يكون ذلك رداً على عمليات إسرائيلية…
وإذا لم تخنّي الذاكرة، فإن كل إطلاق الصواريخ على البلدات الإسرائيلية كان إثر عمليات للجيش الإسرائيلي اعتبرها حزب الله تجاوزاً لخط ما» (معهد أبحاث الأمن القومي/ نشرة الجيش والاستراتيجية / المجلد ــ 2 / حزيران 2010).
وينبغي هنا التذكير بحقيقة أن احتضان سوريا، برئاسة الرئيس الراحل حافظ الأسد، للمقاومة وخيار التصدي للعدوان، حمى جبهتها الخلفية ووفّر لها مظلة إقليمية وداخلية، مكّنت المقاومة من التفرغ لمواجهة العدوان الإسرائيلي. ومن المؤكد أن هذا الاحتضان والدعم السوريين كانا العامل الأساس في إسقاط الكثير من الرهانات الإسرائيلية والأميركية على ممارسة ضغوط داخلية على حزب الله لوقف العمليات تحت شعار حماية المدنيين والبنية التحتية اللبنانية ومنع تدميرها.
نتائج ومفاعيل
أدى فشل العدو في توفير حل جذري للصواريخ التي استمرت بالتساقط على المنطقة الشمالية للكيان الإسرائيلي حتى اليوم الأخير من العدوان، الى تسليم صانع القرار في تل أبيب بمعادلة الردع المتبادل، التي تجسدت بتفاهم نيسان آنذاك. ونجح حزب الله في تحويل مستوطنات الشمال إلى قيد على حركة جيش الاحتلال الذي بات مضطراً إلى أن يأخذ في الحسبان إمكانية استهدافه كلما طُرح على طاولة صانع القرار السياسي والأمني خيار الرد على عمليات المقاومة باستهداف العمق اللبناني.
كما تجدر ملاحظة أن جيش العدو فشل في إخضاع حزب الله عبر النيران عن بعد، ولم تجرؤ إسرائيل حينها على اتخاذ قرار بشن هجوم بري. بل حرصت، منذ تبلور قرار العدوان، على استبعاد هذا الخيار، خوفاً من العودة إلى الغرق في المستنقع اللبناني. هذا المفهوم الذي بدا في حينه أنه كان راسخاً في وعي قادة إسرائيل وجمهورها، دفع صانع القرار في تل أبيب الى استبدال هذا الخيار الذي كان يشكل أساساً في عقيدة الجيش الإسرائيلي القتالية، بآخر يتمثل بمحاولة ردع المقاومة بدلاً من تبني خيار توسيع دائرة الاحتلال وتدمير القدرات من خلال الوصول إليها براً.
انتزع حزب الله في حينه إقراراً دولياً بشرعية المقاومة في استهداف جنود الاحتلال، عبر اللجنة التي تشكلت للإشراف على تنفيذ التفاهم، بمشاركة الولايات المتحدة وفرنسا إلى جانب سوريا ولبنان، وأجبرت العدو على التكيف مع الواقع الذي فرضته المقاومة باستهداف جنوده المحتلين، من دون أن يكون له الحق بالرد باستهداف العمق اللبناني والمدنيين.
وفَّر حزب الله مظلة حماية للمدنيين اللبنانيين، تقوم على أساس الرد على المنطقة الشمالية في مقابل أي اعتداء إسرائيلي. ونجح في حصر ساحة المواجهة بمنطقة الشريط الحدودي بعيداً عن العمق اللبناني. كما ساهم صمود المقاومة ونجاحها في تكريس معادلة الردع المتبادل، في تحصين الموقف السوري وتعزيز موقفه في مواجهة الضغوط الأميركية التي كانت تمارس عليه ضمن إطار عملية التسوية.
هكذا، حوَّلت الاستراتيجية الصاروخية، التي اتبعها حزب الله، الاحتلال الإسرائيلي للشريط الحدودي إلى سبب لتدهور أمن مستوطنات الشمال، بدلاً من أن يكون عنصر أمان له. ويمكن القول إن نجاح المقاومة في فرض معادلتها خلال جولات المواجهة مع العدو، ومن ضمنها عدوان نيسان 1996، وقبله عدوان تموز 1993، واغتيال الأمين العام لحزب الله السيد عباس الموسوي في شباط 1992، وما أعقبها من ردود قاسية ضد العدو، كل ذلك مكَّن المقاومة من توفير مظلة تجمع بين حماية العمق المدني اللبناني والعمق الاستراتيجي للمقاومة، ومواصلة عملياتها التي هدفت الى مواصلة استنزاف العدو والضغط على جبهته الداخلية بما أدى لاحقاً إلى صنع التحرير عام 2000.
سورية تجدّد الشرعية الشعبية لدولة علمانية موحدة… واستحقاقان في جنيف وحلب
قمة اسطنبول: السعودية وإيران وجهاً لوجه… بين المصالحة والمواجهة
عين الحلوة على نار… وبري للسيسي نريد مساهمة مصر في التفاهمات الإقليمية
تخوض سورية استحقاقاتها دفعة واحدة، فاليوم تبدأ جولة جديدة من محادثات جنيف المعلقة على حبال انتظار الضوء السعودي الأخضر لجماعة الرياض بالتسليم بأن طريق الحكومة الموحدة لن يكون إلا عبر الدستور السوري، وأن لا مكان لوضع سورية تحت الوصاية الدولية لتشكيل هيئة حكم تمنح المعارضة عبر المفاوضات سلطة عجزت عن أخذها في ميادين القتال، وأن الدولة التي لم تستسلم للأساطيل ولم تخش قتال داعش والنصرة في ذروة صعودهما، لن تساوم على السيادة وهي تحقق الانتصارات.
ويحضر جنيف مرة أخرى، لكن على إيقاع معركة أخرى، ففي المرة الماضية كانت معارك أرياف اللاذقية وحلب وفك الحصار عن نبل والزهراء، واليوم يحضر استحقاق معركة تحرير شمال سورية من الجيوب التركية التي تمثلها جبهة النصرة وأحرار الشام وسواهما من الجماعات المسلحة سواء على الحدود مع تركيا أو في بعض أحياء حلب، بعدما قامت جبهة النصرة بالتصعيد واستقدمت وفقا للتقديرات الروسية قرابة عشرة آلاف من مسلحيها عبر تركيا.
بالتزامن مع استحقاقي جنيف السياسي وحلب العسكري، تجدد سورية اليوم الشرعية الشعبية لدولتها المدنية العلمانية الموحدة، كما وصفها الرئيس السوري بشار الأسد في لقاءات ضمته بشخصيات زائرة من روسيا، فيخرج السوريون إلى صناديق الاقتراع لمنح ثقتهم لدولتهم ورئيسهم وجيشهم، بمعزل عن النقاشات التي فتحتها الانتخابات حول تعطش السوريين لفرح التنافس الديمقراطي، في ظل خيار وطني يجمعهم بدولتهم، وعدم منح معارضات الخارج شرف الإدعاء بأن الانتخابات التنافسية تنتظر مشاركتها، وتمنيات الناشطين في الجماعات التطوعية الذين شكلوا قوة سورية الرديفة لجيشها، بأن تكون الانتخابات تمريناً تليه فرصة حقيقية لاستيلاد دور برلماني رقابي على العمل الحكومي يفصل الدولة برموزها، الجيش والرئيس والعلم، عن السلطة بمؤسساتها الحكومية والقضائية والتشريعية، لكن السوريين الذين يعرفون أن الهدف الرئيسي من هذه الانتخابات سياسي بامتياز وهو توفير الاستمرارية الدستورية لدولتهم، وتوفير حماية كافية لوفدهم في جنيف ولجيشهم في ميادين القتال سيذهبون إلى صناديق الاقتراع بهذا اليقين لجعل الانتخابات أقرب إلى الاستفتاء على الخيارات الكبرى، وتجديد الثقة بها، من دون أن يمنع ذلك وجود الكثير من الوجوه الجديدة التي ستحملها الانتخابات، ومن التجارب التنافسية الراقية التي برزت في حملات عدد من المرشحين المستقلين، بينما تلاقت في لوائح حملت اسم الوحدة الوطنية ممّن رشحتهم الأحزاب التي تخوض الحرب وفي مقدمتها حزب البعث العربي الاشتراكي، ويشارك الحزب السوري القومي الاجتماعي فيها بعدد من قياداته ويدعو محازبيه لأوسع مشاركة فيها تعادل حجم مشاركة مقاتليه وتضحيات شهدائه.
سورية واستحقاقاتها السياسية والعسكرية لم تغب عن القمة التي جمعت الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز والرئيس التركي رجب أردوغان، كما لن تغيب عن القمة الإسلامية التي ستشهد، وفقاً لمصادر تركية متابعة مصالحة مصرية تركية، برعاية سعودية، تقوم على بدء حوار تركي مصري حول دور الإخوان المسلمين الذين تراهم مصر خطراً على أمنها القومي وتتعهد تركيا بدمجهم في الحياة السياسية للدولة المصرية، كحزب سلمي معارض، بينما تقدم النموذج الليبي لتراجع جماعة الإخوان عن حكم طرابلس لحساب حكومة التوافق المدعومة دولياً، كمثال على ما يمكن بلوغه مع الإخوان، وتدعم السعودية الخيار التركي خلافاً لما كانت عليه سابقا بصدد دور الإخوان، الذين حوّلتهم حرب اليمن إلى الحليف الرئيسي الذي تستند إليه الرياض في اليمن.
في قمة اسطنبول سيكون السعوديون والإيرانيون وجهاً إلى وجه، في ظروف توفرها التسوية اليمنية لبدء زمن المصالحات، خصوصاً بعدما تسلحت السعودية بميمنة مصرية وميسرة تركية، بقوة المليارات التي حملها الملك سلمان لكل من القاهرة وأنقرة في ظروف الشح المالي، وبالمقابل احتمالات المواجهة لما تحمله مشاريع السعودية للتطبيع مع إسرائيل من تصعيد في السعي لإنهاء القضية الفلسطينية وفي الخلفية عزل إيران ومحور المقاومة بوضع اليد على القضية المركزية التي تمثلها فلسطين، من بوابة مشروع جسر سلمان الذي يرتبط عضوياً بتسلم السعودية لجزيرتي تيران وصنافير من مصر، بتحقيق شرط الموافقة الإسرائيلية، الذي بدأت تتكشف خلفياته بما يتضمن من خطوط أنابيب نفط وخط ترانزيت تجاري لتحقيق الربط بين السعودية وأوروبا بما يتفادى العبور بمضيق هرمز ويحرم إيران دوراً وعائدات، كما يمهد لتهميش مصر وحرمانها عبر الحلول مكان قناة السويس بدورها التقليدي.
لبنانياً، أنهى رئيس مجلس النواب نبيه بري زيارته الرسمية للقاهرة حيث ترأس اجتماعات الإتحاد البرلماني العربي، بلقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي دعا لتسريع إنجاز الاستحقاق الرئاسي، بينما دعا بري لمساهمة مصرية بتسريع التفاهمات الإقليمية التي تريح لبنان وخصوصاً بين إيران والسعودية، فيما كانت عيون اللبنانيين منشغلة بمتابعة قلقة للنار التي أطلت برأسها من مخيم عين الحلوة مع التفجير الذي استهدف المسؤول في حركة فتح فتحي زيدان وأودى بحياته.
اغتيال زيدان عشية ذكرى 13 نيسان
عشية الذكرى 41 للحرب الأهلية في لبنان التي كانت شرارتها بوسطة عين الرمانة، يبدو أن هناك من يريد إعادة تفجير الوضع الأمني في لبنان من بوابة المخيمات الفلسطينية، حيث تمّ استهداف مسؤول حركة فتح في مخيم المية ومية فتحي زيدان عند دوّار الأميركان في صيدا بعبوة ناسفة موضوعة داخل سيارته نوع BMW تزن نحو 1 كلغ من المواد المتفجرة.
وعاد مسلسل الاغتيالات ليطل من جديد من مخيم المية والمية في خطوة يُراد منها التحضير لتصعيد أمني يستهدف والمقاومة الجنوب والتعايش السني الشيعي والتعايش الفلسطيني اللبناني، في عملية يُراد منها توتير الوضع الأمني في لبنان ضمن خطة سعودية للبنان لا سيما أن المجموعات التكفيرية تتحرّك تحت إشراف السعودية.
ويترافق ذلك مع الحديث المتجدّد عن دخول مجموعات من التكفيريين من جنسيات مختلفة إلى المخيم وعن تطور البيئة التكفيرية لجهة داعش ولجهة التنظيمات الأخرى المرتبطة بالنصرة، لا سيما أنه جرى التداول منذ فترة بسيناريوهات عدة تحضّر في كواليس عالم الأمن والسفارات لتفجير صاعق مخيم عين الحلوة لكونه بؤرة يراهن عليها.
فتح وجماعة بلال بدر السلفية
وتشير مصادر مطلعة لـ«البناء» إلى أن اغتيال زيدان «يأتي في سياق الصراعات الفلسطينية الفلسطينية، فهو جزء من حالة التوتر التي يعيشها مخيم عين الحلوة بين فتح وجماعة بلال بدر السلفية»، واعربت عن قلقها من «تطور الوضع في مخيمي المئة والمئة وعين الحلوة إذا قررت حركة فتح الرد على العملية». ولفتت المصادر إلى أن محاولة وضعه في السياق «الإسرائيلي» لاستهداف قادة فتح تحتاج إلى تدقيق نظراً إلى التنسيق الأمني الذي وصل إلى الذروة بين «إسرائيل» والسلطة الفلسطينية».
وشددت المصادر على «أن تفجير العبوة في حي الأميركان في صيدا وليس داخل المخيم يحمل دلالة خطيرة، لكون العبوة زرعت داخل المخيم، لكن كان يُراد أن تنفجر خارج المخيم، وهذا يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار»، مشيرة إلى «أن مخابرات الجيش تواصلت أمس مع حركتي فتح وحماس التي تربطها علاقة جيدة بجماعة بلال بدر لضبط الوضع ومنع انزلاق الأمور إلى انفجار أمني من شأنه أن يخرج عن السيطرة ويمتد إلى المخيمات الأخرى».
ورفضت المصادر «ربط ما حصل مباشرة بالانتخابات البلدية المرتقبة في لبنان»، مشيرة إلى أن الربط غير ممكن، لكون هذا الحدث الأمني يتعلق بأهداف محددة وسياقات مرتبطة فيه، لكن مَن يسعى إلى تطيير الانتخابات من بعض قوى السلطة قد يستفيد من تكرار أحداث كهذه لعدم إجراء الانتخابات البلدية.
وقالت مصادر في اللجنة الأمنية العليا في مخيم عين الحلوة لـ«البناء» إن «زيدان كان يشغل منصب المسؤول العسكري لحركة فتح في صيدا ويشرف على بعض الملفات الأمنية لا سيما في مخيم المية ومية، وكان يكلف أثناء اندلاع الأحداث الأمنية والاشتباكات المسلحة في مخيم عين الحلوة والمية ومية بضبط الوضع وكان يتواصل مع كل الفصائل في المخيمات للحفاظ على أمن المخيمات».
فتح ترفض تسليم اللجنة الأمنية الكاميرات
وشددت على أن لا معلومات تفصيلية عن عملية الاغتيال حتى الآن، لكنها أشارت إلى أن «استهداف زيدان تمّ بعد خروجه من اجتماع اللجنة الأمنية العليا في مخيم المية ومية إلى مخيم عين الحلوة من خلال عبوة ناسفة مزروعة تحت السيارة التي كان يستقلها أو زرعت على جنب الطريق»، مرجّحة أن يكون زيدان قد «تعرض لمراقبة شديدة فور خروجه من مخيم المية ومية واستمر تعقبه حتى تفجير العبوة في حي الأميركان في صيدا»، ولفتت إلى أن «التحقيق يتمحور حول المكان الذي ذهب إليه زيدان بعد خروجه من مخيم المية ومية». وتحدثت المصادر عن أن عناصر من اللجنة الأمنية الفلسطينية عاينوا مكان التفجير وحاولوا سحب كاميرات المراقبة من أمام منزل الشهيد إلا أن حركة فتح رفضت تسليمها».
وكشفت المصادر عن أن «اجتماعاً حصل قبل عملية الاغتيال بيوم واحد جمع زيدان ومسؤول قيادة الساحة اللبنانية في حركة فتح فتحي أبو العردات وبعض المسؤولين في اللجنة الأمنية».
وفضلت المصادر عدم توجيه أصابع الاتهام إلى جهة معينة بتنفيذ الاغتيال وانتظار التحقيقات التي تجريها الأجهزة الأمنية اللبنانية ولجنة التحقيق الفلسطينية التي تضم كل الفصائل، والتي بدأت عملها في التحقيق وجمع المعلومات فور وقوع العملية».
ولفتت إلى أن «العملية هدفها تفجير الوضع الأمني في المخيمات وصبّ الزيت على النار لا سيما بعد الهدوء النسبي الذي عاشه مخيم عين الحلوة بعد الاشتباكات المسلحة الأخيرة التي حصلت، لكن وعي الشعب وجميع الفصائل سيتمكنون من إنقاذ المخيم من الفتنة والتفجير».
وأضافت: «هناك جهات خارجية لا تريد للفلسطيني أن يبقى في المخيمات آمناً ومستقراً، وتحاول العبث بأمن المخيمات لكي تدفع الفلسطيني إلى ترك المخيمات والسفر إلى دول أخرى، كما حصل في مخيمات أخرى لا سيما في سورية».
وأكدت المصادر أن «الوضع الأمني في المخيم بعد عملية الاغتيال مستقر حتى الآن، رغم الانتشار المسلح لعناصر فتح في عدد من الشوارع، لكن حالة من الحذر والترقب تسود المخيم، لذلك اتخذت اللجنة الأمنية العليا إجراءات لتطويق تداعيات الحادث لكي لا تستغله بعض الأطراف وتحوّله شرارة للانفجار».
أجندات داخلية وخارجية
واعتبر قائد الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان اللواء صبحي أبو عرب لـ«البناء» أن «استهداف زيدان هدفه توتير الأوضاع وخلق مشاكل داخل المخيمات الفلسطينية لتهجير الشعب الفلسطيني وتغييب القضية الفلسطينية وحق العودة».
وأضاف أبو عرب أن «هناك بعض الجهات تعمل وفق أجندات داخلية وخارجية لتخريب الوضع الأمني في المخيمات، واغتيال زيدان، وهو من الأشخاص الذين يعملون على الإصلاح وحل المشاكل في المخيمات، يخدم هذا المشروع».
ولفت إلى أن «اجتماع الفصائل والقوى الفلسطينية في السفارة الفلسطينية حضرته القيادة السياسية العليا لحركة فتح، وكان مخصصاً لعمل الأونروا والخدمات الصحية والاجتماعية للفلسطينيين والوضع الأمني في المخيمات. وكان هناك إجماع لدى الجميع على الحفاظ على أمن واستقرار المخيم والتعامل بحزم مع العابثين بالأمن».
وإذ لم يتّهم أبو عرب وقوف جهة معينة وراء العملية، أكد أن «التحقيقات مستمرة لدى أجهزة الأمن اللبنانية واللجنة التحقيق الفلسطينية واستبعد أن يكون اغتيال زيدان شرارة لتفجير المخيم، وطمأن إلى الوضع الأمني في المخيم رغم بعض الأحداث الأمنية بين الحين والآخر».
ونعت منظمة «التحرير الفلسطينية» العميد زيدان، معتبرة أن هذا العمل الإجرامي الخطير، يقع ضمن سلسلة الاستهدافات الأمنية المتنقلة والمتكررة التي تستهدف مخيماتهم ومشروعهم الوطني الفلسطيني. ودعت أبناء شعبها إلى التعبير عن غضبهم واستنكارهم وإعلان اليوم الأربعاء يوم إضراب عام وحداد تقفل فيه جميع المراكز والمؤسسات التربوية والاجتماعية والمحال التجارية في منطقة صيدا.
«أمن الدولة» إلى الاثنين
من ناحية أخرى، رغم الحدث الأمني الخطير انصب الانهماك الحكومي أمس، على ملفي أمن المطار وأمن الدولة. الأول وصل إلى خواتيم سعيدة، حيث تمّ الاتفاق على تحديد الحاجيات المتعلقة برفع مستوى الحماية الأمنية في المطار بما لا يتعارض مع الأشغال التي قررت سابقاً، سور المطار وجرارات الحقائب . وفي ما خص أجهزة السكانر والكاميرات تم تكليف وزارة الأشغال القيام باستدراج عروض وفق دفتر الشروط الذي أعدته اللجنة نفسها عبر إدارة المناقصات ضمن مهلة 15 يوماً، واعتماد أعضاء في لجنة فض العروض ممثلي الوزارات والأجهزة التي شاركت في اللجنة المذكورة. أما الملف الثاني فتم ترحيله إلى جلسة الاثنين المقبل بعد أن وعد رئيس الحكومة تمام سلام بوضعه بنداً أول على جدول الأعمال بانتظار أن تنجح المساعي بإيجاد حل لهذه الأزمة التي أخذت منحى طائفياً بعدما رفض وزراء التيار الوطني الحر والكتائب والوزير ميشال فرعون إقرار نقل الاعتمادات الواردة في جدول أعمال الجلسة الخاصة بقوى الأمن الداخلي والأمن العام، من دون إقرار الاعتمادات الخاصة بجهاز أمن الدولة.
وعلمت «البناء» أن وزير الصناعة حسين الحاج حسن، أكد خلال الجلسة أنه ضد تعديل مشروع المرسوم البند 65 بالشكل والمضمون، فالتعديل يحتاج إلى قانون يجب أن يتم بموجب قانون جديد في مجلس النواب والمضمون الوارد في النص غير قانوني، مشيراً إلى أن المرسوم الأصلي 2661 حدد صلاحيات المدير العام ونائبه، وحدد المراسلات التي يوقعها، وتلك التي يوقعها مع نائبه والمتعلقة بنفقات السفر للتدريب والنفقات السرية، وإذا لم نتوصل إلى حل فيجب العمل على تعيين مدير جديد ونائب مدير. وأشار وزير المال علي حسن خليل إلى أن هذا الجهاز يأخذ كل مستحقاته ما عدا تلك المتعلقة بالنفقات السرية ونفقات السفر التي تحتاج إلى توقيعَي المدير العام اللواء جورج قرعة ونائبه العميد محمد الطفيلي.
ومن خارج جدول الأعمال تحدّث الوزير محمد فنيش عن ملف الإنترنت غير الشرعي والاتجار بالبشر داعياً إلى معرفة المسؤول عن هذه الشبكات، سواء أكان من خارج أجهزة الدولة أو من داخلها، كي ينال العقاب الذي يستحقه. وعلى ضوء مداخلة الوزير فنيش طالب مجلس الوزراء القضاء المختص الإسراع في متابعة التحقيقات وتحديد المسؤوليات تمهيداً لاتخاذ أقصى العقوبات بحق المتورطين، على أن تتم متابعة هذين الملفين لتحديد المسؤوليات واتخاذ التدابير المناسبة.
وفي عين التينة شدد بيان جلسة الحوار الـ 27 بين حزب الله وتيار المستقبل على تعزيز دور الدولة والأجهزة في متابعة ملفات الفساد ومكافحتها. وجرى تأكيد على أهمية انعقاد الجلسات التشريعية تحقيقاً للمصلحة الوطنية وضرورة الوصول لتفاهمات في جلسات الحوار الوطني. كما استكمل المجتمعون نقاش القضايا الوطنية.
إلى ذلك، اجتمع رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان والنائب ياسين جابر بمجموعة البنك الدولي للشرق الأوسط في مركز البنك في واشنطن، وناقشا معها «تداعيات النزوح السوري الديموغرافية والاقتصادية على الدول المضيفة والمشاريع التي ينوي البنك الدولي تمويلها والتي تبلغ قيمتها في مرحلة أولى ما يقارب الـ 4 مليارات دولار للمنطقة ولبنان.
ويزور وفد من جمعية المصارف الولايات المتحدة للمشاركة في مؤتمر البنك المركزي الفيدرالي الأميركي في نيويورك في 18 الحالي، لتأكيد احترام المصارف اللبنانية القوانين والمعايير والمعاهدات الدولية.
اللواء
تجهيزات المطار على السكّة.. و «الحوار 27» لجلسات تشريعية
«أمن الدولة» بنداً أول الإثنين .. ومخاوف بعد إغتيال مسؤول «فتح» في الميّة وميّة
بصرف النظر عمّا إذا كان هناك رابح أو خاسر على طاولة مجلس الوزراء أمس، فإن منطق الدولة كسب مرّة جديدة، وتمكنت الحكومة من تثبيت استمرارها، ولو في ظل «أزمة سياسية باردة»، عشية الذكرى 41 لاندلاع الحرب الأهلية في 13 نيسان 1975، وسط توق لا يختلف عليه اثنان من ان لا مكان لحرب جديدة على الأرض اللبنانية أو بين بعضهم البعض.
على ان انعدام الأرضية اللبنانية في تكرار الحرب لم يحل دون بقاء البلد تحت وطأة توترات في هذه البؤرة أو تلك، سواء في الجنوب أو الشمال أو البقاع، وسواء كان عبر اشتباكات حدودية أو داخل بعض المخيمات، أو عبر سيّارات مفخخة أو عبوات ناسفة، أو اغتيالات مخططة مسبقاً في دوائر لا تكتفي بتصفية الحسابات بل ترغب في إبقاء لبنان يعاني من الصراعات والاضطرابات خدمة لأغراض لا شأن لهذا البلد واهله به.
وهكذا، لم تنظر الأوساط السياسية لاغتيال المسؤول في حركة «فتح» في مخيم المية ومية فتحي زيدان في انفجار عبوة ناسفة كانت داخل سيارته في ساحة الاميركان مدخل مخيم عين الحلوة في صيدا، على انه حادث أمني معزول، معربة عن مخاوف جدية من ان يكون باكورة توترات واغتيالات واشتباكات بدءاً من الجنوب، وربما في أماكن أخرى، مما ينعكس سلباً على الاستحقاقات المنتظرة.
وكانت «اللواء» اشارت أمس إلى مخططات مشبوهة وضعت لتصفية أركان في السفارة الفلسطينية في لبنان، واستحوذت على اهتمام رسمي وأمني وحزبي في وقت دعت فيه منظمة التحرير الفلسطينية التي نعت زيدان إلى إضراب عام وحداد في صيدا اليوم.
مجلس الوزراء
ورفع هذا الحادث الخطير من حجم المسؤولية السياسية لسد الثغر الأمنية التي تحتاج إلى قرارات حاسمة من شأنها ان توفّر الحصانة والحماية، بعدما ايقنت السلطات انه لا بدّ من إجراءات قبل فوات الأوان، في ظل تقارير ومعلومات من مصادر متعددة ان ثمة مخططات مشبوهة للنيل من الاستقرار الامني والسياسي. ومن هذه الوجهة بالذات، وضع مجلس الوزراء خارطة طريق للملفات الأمنية الخلافية، سواء في ما يتعلق بأمن مطار رفيق الحريري الدولي أو جهاز أمن الدولة.
فبالنسبة للموضوع الأوّل، وافق المجلس على التقرير الفني الذي اعدته لجنة وزارية وحددت بموجبه الحاجيات المتعلقة برفع مستوى الحماية الأمنية في المطار، بما لا يتعارض مع الاشغال التي تنفذ هناك، وتكليف وزارة الاشغال استدراج عروض وفق دفتر الشروط الذي اعدته اللجنة نفسها عبر إدارة المناقصات، وتقصير المهل إلى 15 يوماً، وفض العروض من خلال أعضاء في اللجنة، بما يعني ان معالجة الثغرات في المطار باتت على سكة التنفيذ، بما في ذلك الاعتمادات المالية.
في المقابل، حدّد الرئيس تمام سلام جلسة عند الرابعة من بعد ظهر يوم الاثنين المقبل في 18 الحالي لمجلس الوزراء، على ان يكون موضوع جهاز أمن الدولة كبند أوّل، وفقاً لما أعلنه وزير الإعلام رمزي جريج، بعد اذاعة مقررات الجلسة التي تضمنت بين قراراتها، طلب تجديد مفاعيل المرسوم الخاص لشركة «نايل سات» والترخيص لها باستقبال وإعادة البث التلفزيوني لمدة خمس سنوات، والموافقة على طلب الولايات المتحدة تمديد مهلة إنجاز تسيير بناء العقار رقم 1 في منطقة دير عوكر العقارية (بناء مبنى السفارة الاميركية).
وجاءت هذه القرارات على خلفية نقاشات متباينة، لكنها بقيت تحت السيطرة بقوة القانون وحزم رئيس الحكومة باعتبار سلطة مجلس الوزراء هي الصالحة لبت الخلافات، مع الإشارة إلى ان اتصالات ما قبل الجلسة تمكنت من تمرير هذه التسوية من دون أية ضجة أو زغل، بما يوفّر الفرصة المؤاتية للرئيس سلام للتوجه اليوم إلى اسطنبول بعيداً عن ضغط الانقسامات والخلافات.
وأشارت مصادر وزارية لـ«اللوء» إلى ان الجلسة استهلت بعد استهلالية الرئيس سلام بالدعوة إلى الإسراع بانتخاب رئيس الجمهورية، ببنود جدول الأعمال، وفق ما طلب سلام، لافتة إلى ان النقاشات كانت مقبولة وهادئة نسبياً لا سيما في ملف أمن المطار، في حين ان البحث في ملف جهاز أمن الدولة أظهر ان المواقف لا تزال على حالها, خصوصاً بالنسبة لربط صرف الاعتمادات لقوى الأمن الداخلي والأمن العام بجهاز أمن الدولة، في حين أن الرئيس سلام ومعه وزراء اعترضوا على هذا الربط،، معتبرين أن مجلس الوزراء يملك الصلاحية لمعالجة الخلاف الحاصل في هذا الجهاز بعد تعذّر حلّه في المجلس الأعلى للدفاع الذي يرأسه رئيس الجمهورية.
وكان لافتاً على هذا الصعيد المداخلة القانونية المطولة لوزير حزب الله حسين الحاج حسن الذي شدّد فيها على أن أي تعديل يخص هذا الجهاز يحتاج إلى قانون، مقترحاً تغيير المدير العام ونائبه إذا لم يتم الوصول إلى حل لهذه القضية، مشيراً إلى أن وزير المال لا يستطيع صرف الأموال لأن النفقات السرية والتدريب بحاجة إلى توقيع رئيس الحكومة ويعتبر الأمر مخالفاً للقانون إذا لم يوقعه. لكن اللافت أيضاً أن الوزراء الذين تولوا الدفاع عن مدير الجهاز وهم الوزراء: ميشال فرعون وجبران باسيل والياس بو صعب وآلان حكيم لم يصدر عنهم أي جواب على مطالعة الحاج حسن.
أما في ملف أمن المطار، فأشارت المصادر الوزارية إلى أن أي اعتراضات حوله لم تبرز، وأن الاستفسارات تركزت حول كيفية العمل بالآلية بالتنسيق مع وزارة الأشغال التي أعلن وزيرها غازي زعيتر لـ«اللواء» أن الجميع راضٍ عن الآلية، وأن التمويل سيكون من بند الاحتياط، معلناً أنه وفقاً لقانون المحاسبة العمومية فإن الموضوع سيكون مناطاً بإدارة المناقصات، حيث أن الشركات المتخصصة ستتقدم وفق دفتر الشروط بأسعار على أن يرسو الأمر على الشركة التي تقدّمت بأسعار مقبولة.
وعلمت «اللواء» أن الوزير زعيتر أثار ما تداولته وسائل الإعلام حول أمن المطار، متمنياً أن يكون جزءاً من منظومة حماية المطار، موضحاً أن هناك موضوع «كاسر الموج» أي المدرج الغربي بحاجة إلى معالجة، لكن الوضع لا يزال يحتمل.
وأوضحت وزيرة شؤون المهجرين أليس شبطيني لـ«اللواء» أن ملف أمن المطار وضع على السكة، أما موضوع التمويل فقد يستدعي سعياً لإيجاد مصادر لذلك خصوصاً أن أعباءً كثيرة تتحملها مالية الدولة، ما قد يدفع بدخول الدول الأجنبية التي أبدت استعدادها للمساعدة على هذا الخط.
الحوار 27
وفي خطوة موازية تحظى بدعم عربي ودولي وإقليمي، ويتمسك بها الطرفان، عقد تيّار «المستقبل» و«حزب الله» مساء أمس في عين التينة جلسة حملت الرقم 27 من الحوار الدائر بينهما، في حضور وزير المال علي حسن خليل، وطاقم الحوار المؤلف من الوزير نهاد المشنوق والنائب سمير الجسر ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري نادر الحريري عن «المستقبل»، والوزير حسين الحاج حسن والنائب حسن فضل الله والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل عن «حزب الله».
وأشار البيان الذي صدر عن المجتمعين أنهم «استكملوا النقاش في القضايا الوطنية، وشددوا على تعزيز دور الدولة والأجهزة في متابعة ملفات الفساد ومكافحتها، وجرى التأكيد على أهمية انعقاد الجلسات التشريعية تحقيقاً للمصلحة الوطنية، وضرورة الوصول إلى تفاهمات في جلسات الحوار الوطني».
وعلمت «اللواء» أن الجلسة كانت هادئة، والمناقشات جرت بسلاسة، لكن الخلاف ما زال مستحكماً بين الطرفين حول موضوع انتخاب رئيس الجمهورية.
سياسياً، وفيما كان الرئيس نبيه برّي يُشدّد خلال لقائه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في ختام زيارته للقاهرة على أهمية التقارب بين إيران والمملكة العربية السعودية وانعكاسه الإيجابي على المنطقة بما في ذلك لبنان، وإنجار الاستحقاق الرئاسي مهما كلّف الأمر، واصفاً الحوار الدائر بأنه حماية للبنان، كان تكتل «التغيير والاصلاح» يصوّب سهامه على تيّار «المستقبل» لا لشيء إلا لأن رئيس التكتل النائب ميشال عون والمرشح للرئاسة الأولى لا يرى تفسيراً لعدم انتخابه سوى اعتبار أن الأفرقاء السياسيين «مأزومون في موضوع الاستحقاق الرئاسي لا سيما تيار المستقبل الذي تبدو علامات الإنهاك عليه وعلى قيادته»، في وقت كانت فيه كتلة «المستقبل» تجدد الدعوة لحزب الله وحليفه «التيار الوطني الحر» إلى «فك أسر الجمهورية والتوجه إلى مجلس النواب لانتخاب الرئيس من بين المرشحين وفقاً للدستور».
اغتيال زيدان
في هذا الوقت، بقيت جريمة اغتيال أمين سر حركة «فتح» في مخيم المية ومية العميد فتحي زيدان المعروف «بالزورو» وهو في العقد الخامس من عمره، في دائرة الرصد والمتابعة والاهتمامات لتداعياتها على الوضع الأمني في عاصمة الجنوب، وربما في أماكن أخرى، وذلك بانفجار عبوة ناسفة كانت مزورعة تحت مقعد السيّارة التي كان يقودها وهي من نوع BMW، ما أدى إلى استشهاده واحد المواطنين الذي صودف وجوده بالقرب من مكان الانفجار عند دوار الاميركان وجرح 4 مواطنين آخرين.
وكان زيدان قبل استشهاده قد شارك في اجتماع عقد في مقر «القوة الأمنية المشتركة» في مخيم المية ومية، حيث طالب بتعزيزها لمنع نقل الفتنة إلى المخيم، ثم استقل سيارته متوجهاً إلى مخيم عين الحلوة، وحين وصوله إلى الدوار المذكور دوى انفجار ضخم قرابة الثانية عشرة ظهراً، اعقبه سحابة دخانية سوداء للجهة الجنوبية، الشرقية لصيدا.
وتبين ان العبوة التي وضعت تحت مقعد السائق زيدان وبلغت زنتها كيلو غرام واحد من المواد شديدة الانفجار، ثم زرعها قبل ان يستقلها زيدان للمرة الأخيرة، ولم يعرف ما إذا العبوة موقوتة بتفجير بعد دقائق من إدارة محرك السيّارة، أو عبر التحكم عن بعد بواسطة ريموت كونترول.
وفور شيوع خبر الانفجار، نشطت الاتصالات اللبنانية – الفلسطينية، وتولّى مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر متابعة القضية، وكلف المحامي العام العسكري القاضي هاني الحجار متابعة التحقيق، كما تابعه النائب العام الاستئنافي في الجنوب القاضي رهيف رمضان ورئيس فرع مخابرات الجيش اللبناني في الجنوب العميد الركن خضر حمود وقيادات أمنية وسياسية في المدينة، وأيضاً قيادات فلسطينية.
ولدى إبلاغ وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق بالانفجار غادر جلسة مجلس الوزراء التي كان يحضرها لمتابعة تفاصيل هذه الجريمة. وشكلت «قوّات الأمن الوطني الفلسطيني» لجنة تحقيق لمعرفة ملابسات ما جرى، وظروف الانفجار.
وفي مخيّم المية ومية عمّت حالة من الغضب أرجاء المخيّم، استنكاراً وشجباً لجريمة اغتيال أمين سر الحركة في المخيم وابنه. وقد صدرت جملة من المواقف والتصريحات المدينة والشاجبة والمستنكرة للجريمة، والداعية إلى سرعة التحقيق وكشف المخطّطين والمنفّذين.
COMMENTS