الأخبار
الادّعاء في انفجار المرفأ: تهديد بتطيير التحقيقات… والحكومة
ملف «المهجّرين»: المال العام لتشجيع التهجير
أصبح قاضي التحقيق فادي صوّان بحاجة إلى من يضع له السلّم لينزل عن الشجرة التي تسلّقها بنفسه، بادعائه على حسّان دياب ويوسف فنيانوس وعلي حسن خليل وغازي زعيتر. القرار وإن كان «بادرة إيجابية» يُبنى عليها لإلغاء الحمايات السياسية، ولكنّ خلفياته الاستنسابية تُهدّد مستقبل التحقيق وتزيد من الشرخ السياسي في البلد. جبهتان تشكّلتا، واحدة تضم فريق العهد والثانية خصومه، تحديداً ثلاثي برّي – الحريري – جنبلاط. التشدّد هو عنوان المرحلة المقبلة، في ظلّ تأزّم الوضع المالي والاقتصادي يوماً بعد آخر.
لم يعد «مُهمّاً» إن كانت جهة سياسية تقف خلف ادّعاء المُحقق العدلي في جريمة انفجار المرفأ، القاضي فادي صوّان، على رئيس الحكومة المستقيلة حسّان دياب والوزراء السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس وغازي زعيتر، كما يزعم خصوم النائب جبران باسيل، أم أنّ قرار صوّان أتى بمعزل عن المُناكفات السياسية. فالنقطة الأساسية تتمحور حالياً حول النتيجة التي أدّى إليها الادّعاء، وهي تكتّل كلّ خصوم التيار الوطني الحرّ ضدّه. من زار السرايا الحكومية وأصدر البيانات واتصل مُتضامناً مع دياب، لم يهدف سوى إلى تمتين الجبهة في وجه «فريق العهد» المُتّهم بأنّه يستغل القضاء لـ«تصفية الحسابات». في الوقت الذي قرّر فيه التيار الوطني الحرّ الدخول من بوّابة «مُكافحة الفساد» عبر تحريك ملفات قضائية، كاستدعاء حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والادعاء في ملفّ المُهجرين، والإثراء غير المشروع لعدد من الضباط أبرزهم قائد الجيش السابق جان قهوجي… لن يعتبر ثلاثي نبيه برّي – سعد الحريري – وليد جنبلاط نفسه معنياً في تقديم أي «تنازل» يراه يصبّ في مصلحة الرئيس ميشال عون وباسيل في مسألة تشكيل الحكومة. وبناءً على ذلك، جرى التمترس خلف قرار صوّان للمزيد من التعقيد في مفاوضات تأليف الحكومة، ما يدفع القوى السياسية الرئيسية في البلد إلى التأكيد: «لا حكومة». يحسم هؤلاء بأنّ «سير التحقيقات في قضية المرفأ سيزيد الضغائن والفرز بين القوى». وما «الدعم» الذي أُحيط به دياب سوى أحد مؤشرات مرحلة التوتّر.
قبل يوم من ادّعاء صوّان، كان رئيس الحكومة المستقيلة «من دون خيمة»، هو الذي «نُبذ» من الطائفة التي ينتمي إليها بمُجرّد قبوله بالموقع، ونُظّمت ضدّه حملات تحريض، ولا سيّما من «نادي رؤساء الحكومات السابقين». في غضون ساعات، تحوّل دياب إلى «نقطة التحام» للتعبير عن «رفض التطاول» على موقع رئاسة الحكومة. تقول مصادر الأخيرة إنّ «انفجار بيروت كان كارثة كبيرة، لكن لا يُمكن توجيه الاتهام إلى رئيس الحكومة دوناً عن آخرين، وكأنّه وحده المسؤول». لكنّ «المفاجأة» في كلّ «حملة التضامن» كانت الاتصال الهاتفي الذي تلقّته دوائر السرايا الحكومية من الحريري، مُبلغاً إياها أنّه في الطريق للقاء دياب. بالنسبة إلى أوساط الحريري، «هو لم يذهب إلى السرايا للتضامن مع دياب وحسب، بل للتأكيد أنّ موقع الرئاسة الثالثة ليس يتيماً». فالحريري يعتبر الادّعاء على دياب تمهيداً لاستهدافه ولـ«الموقع السنّي الأوّل» في الجمهورية، تماماً كما اعتبر كلّ من برّي وسليمان فرنجية بما خصّ علي حسن خليل ويوسف فنيانوس.
الحماية الطائفية لدياب ليست «استثناءً» في لبنان، بل تكرار لأحداث مُشابهة يتبدّل أبطالها حسب الملفّ. افتعال لضجّة غرائزية، غالباً ما تنتهي بـ«تطيير» التحقيقات، وكان «طبيعياً» أن يلجأ إليها دياب «خوفاً» من أي تبعات للقرار، كونه لا يملك غطاءً سياسياً. ولكن ردّة الفعل التي أخذت منحىً طائفياً، ستكون لها تبعات خطيرة. صحيحٌ أنّه ليس من العدل تحميل دياب مسؤولية أزمة عُمرها سنوات، ومن غير المنطقي استدعاء رئيس حالي للحكومة من دون أي وزير من حكومته، أو الادعاء على وزراء سابقين من دون رؤساء الحكومة في حينه، ولكن قد تؤدّي أحداث الـ48 ساعة الأخيرة إلى القضاء على أي إمكانية بالوصول إلى نتيجة في تحقيقات انفجار المرفأ. الملفّ حالياً أمام مُفترق طرق حسّاس، فإمّا يُعيد القاضي فادي صوّان الاعتبار للتحقيقات مُبعداً عنها صفة الاستنسابية من خلال توسيع مروحة المُدّعى عليهم، أو يُكمل في أسلوب قرارات «ردّات الفعل الشعبوية» ويمنع الوصول إلى الحقيقة في معرفة مُسبّبي جريمة 4 آب.
ولكن هل سيؤدّي ذلك إلى عرقلة تشكيل الحكومة؟ بالنسبة إلى أوساط فريق 8 آذار «كلّ خضّة كبيرة تُعرقل ملفّات أخرى، ما حصل سيُفرمل الدينامية التي خُلقت بتقديم الحريري مسودة الحكومة، والردّ عليها باقتراح من رئيس الجمهورية». كانت المرّة الأولى التي «يبرز فيها جو نقاش جدّي حول الحكومة، وقد وأده ادّعاء صوّان». ولكن، ستستمر محاولات إخراج التشكيلة قبل 22 كانون الأول، موعد وصول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان (أعلن الإيليزيه أنّ ماكرون سيزور لبنان في 22 و23 الشهر الجاري)، «وهو ما يضغط تجاهه الفرنسيون، وإلّا فإنّهم يُهدّدون بأنّ آلية عملهم ستتبدّل وسينتقلون إلى ممارسة المزيد من الضغوط على لبنان».
على أهمية وضرورة تشكيل حكومة في أسرع وقت لمحاولة تخفيف حدّة الانهيار الاقتصادي والمالي، ولكن لم يكن بنداً على أجندة السياسيين أمس، الذين تلهّوا بإصدار بيانات التضامن مع دياب، الذي أعلن الحريري بعد لقائه أنّه «أتيت إلى رئاسة الحكومة لأُعبّر عن رفضي المطلق للخرق الدستوري الواضح والفاضح الذي ارتكبه القاضي بالادعاء على رئيس الحكومة. رؤساء الحكومات يمثلون فقط أمام محكمة خاصة يشكلها المجلس النيابي. رئاسة الحكومة ليست للابتزاز». أما تيار المردة، فقد أصدر بياناً يصف ما جرى بـ«الاستنسابية غير المبنية على أسس صحيحة. الوزير السابق يوسف فنيانوس قام بواجباته كاملة وفقاً للأصول المرعية وضمن صلاحياته… إذا كان الهدف تدفيعنا ثمن مواقف سياسية معينة فهذه الأساليب لم تنفع معنا في السابق ولن تؤثر فينا اليوم».
كذلك اعتبر رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، أنّه «لا يجوز أن يُستعمل القضاء كقناع لعمليات بوليسية أو لتركيب اتهامات من أجل تصفية الحسابات السياسية أو للانتقام. وإذا كان هناك من حيادية حقيقية فمن الأولى أن يصار إلى طلب الاستماع إلى فخامة الرئيس الذي قال بعظمة لسانه إنّه علم بالأمر قبل 15 يوماً من التفجير». وأكّد مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان «دعمه لدياب ووقوفه إلى جانبه ورفضه التطاول على رئاسة الحكومة»، في حين اعتبر وليد جنبلاط أنّه «لا يجوز أن يقف التحقيق في كارثة المرفأ أمام الحواجز الدستورية أو الطائفية، ولا بدّ أن يشمل الجميع بدون استثناء». من جهته، أشار الحزب السوري القومي الاجتماعي إلى أنّ «كارثة بهذا الحجم تستدعي إجراء تحقيقات شفّافة تُمسك بكلّ الخيوط، وهذا مسار يتطلّب مُتابعة حثيثة وإحاطة شاملة بما يُسهّل تحديد المسؤوليات وكشف الحقيقة».
وأضاف البيان أنّ تخطّي المرحلة «يتطلّب ابتعاداً عن الشعبوية في مقاربة الملفات». أما حزب الله فقد أصدر بياناً حاول فيه التوفيق بين إصراره على المُضيّ بالتحقيقات وبين التنبيه من الاستنسابية التي لجأ إليها صوّان، فبدأ البيان بالتأكيد على «تأييدنا المبدئي والتام للتحقيق القضائي، وكشف كل الجهات والأفراد المسؤولين عنها أياً كانوا»، مُنبهاً إلى عدم «سقوط التحقيق في متاهات الإجراءات الإدارية والتعقيدات الروتينية والإشكالات القانونية، بحيث تختفي الأدلة، ويُغيّب المُجرمون وتضيع الحقيقة، وتطفو على السطح الشبهات غير الموثوقة والاتهامات غير المسندة والادّعاءات غير الصحيحة». وشدّد حزب الله على أن «تكون جميع الإجراءات التي يتخذها قاضي التحقيق بعيدة عن السياسة والغرض وأن يتم الادّعاء على أسس منطقية وقانونية، وهذا ما لم نجده في الإجراءات الأخيرة، بالتالي فإننا نرفض بشكل قاطع غياب المعايير الموحّدة التي أدّت إلى ما نعتقده استهدافاً سياسياً طاول أشخاصاً وتجاهل آخرين دون ميزان حقّ، وحمّل شبهة الجريمة لأناس واستبعد آخرين دون مقياس عدْل، ما سيؤدي للأسف إلى تأخير التحقيق والمحاكمة بدلاً من الوصول إلى حكم قضائي مُبرم وعادل».
ملف «المهجّرين»: المال العام لتشجيع التهجير
تقدّم وزير المهجّرين السابق، غسان عطالله، بإخبار يتعلّق بملفات فساد في وزارة المهجرين. وعلى إثره، تقدمت هيئة القضايا بدعاوى إثراء غير مشروع على عدد من الموظفين في الوزارة. ويستند هذا الإخبار إلى 7 أقسام (مقال رلى إبراهيم) :
1- في القسم الأول، يتحدث عطالله عن إصدار وزير المهجرين السابق نعمة طعمة قراراً يجيز صرف تعويضات إعمار، بناءً على إفادة مختار فقط، والتغاضي عن سائر المستندات المنصوص عليها في قرارات مجلس الوزراء، وأبرزها الإفادة العقارية التي تثبت الملكية. استناداً إلى هذا القرار، سُجِّل في عهد طعمة 1200 طلب من دون أي مسوّغ قانوني، وقيمة الطلب الواحد كانت 20 ألف دولار يومها.
2- أما القسم الثاني، فيدور حول صرف تعويضات الإعمار مع ترك الخيار للمتضررين من التهجير لتأمين مساكن بديلة في الأماكن التي يختارونها بأنفسهم، وهو ما ينسف قانون إنشاء الوزارة وصندوق المهجرين، وهو تأمين عودة المهجرين إلى المكان الذي هُجّروا منه في الحرب، بعد إجراء المصالحة. لكن دفع التعويضات للمواطنين من دون تحقيق العودة إلى قراهم، دفع بالكثيرين إلى شراء عقارات في أماكن السكن التي لجأوا إليها. أبرز الأمثلة على هذه المخالفات كانت في الدكوانة والمدور والكرنتينا، حيث جرى دفع تعويضات للأهالي المهجّرين من تلك المناطق حتى لا يعودوا إليها. ليس ذلك فحسب بل جرى التلاعب بأعداد الطلبات، فقد بلغ عدد الوحدات السكنية في الدكوانة المستفيدة بموجب التعاميم الصادرة عن الوزير طعمة، 997 طلباً، في حين أن مجمل العقارات موضوع التهجير هي 70 عقاراً. وتذرّع الصندوق بحجة أن «مساحة العقارات لا تسمح بإعادة البناء» لقبول الطلبات. وذلك يناقض الواقع بحيث إن ثمة عقارات تصل مساحتها إلى ألفَي متر مربع لكن تم التغاضي عن إمكانية البناء فيها استناداً إلى قرار فردي من الوزير، من دون أي مستند آخر صادر عن التخطيط المدني أو الدوائر العقارية. ويخلص الإخبار إلى أن هذا القسم يحمل هدراً للمال العام بقيمة تقارب الـ 23 مليار ليرة لبنانية. في منطقة المدوّر أيضا، صدرت عدة تعاميم عن الوزير مروان حمادة في السياق نفسه، فكان مجلس إدارة صندوق المهجرين يُصدر قراراً بالموافقة على صرف تعويضات لأصحاب الحقوق لتثبيتهم في أماكن غير أماكن إقامتهم الأصلية وبعضهم لا يستوفي المعايير. هنا أيضاً بلغ الهدر ما يقارب الـ 14 ملياراً و700 مليون ليرة لبنانية.
«دجاجة تبيض ذهباً»
3- في ما عدا ملف التعويضات الذي استخدِمَت أمواله كتنفيعات ورشاوى، ولترسيخ التهجير، ليس من قرى الجبل حصراً، بل من بلدات أخرى في بيروت والمتن الشمالي وصولاً إلى عكار، يتحدّث القسم الثالث من الإخبار أيضاً عن صرف غالبية أمواله لغير مستحقيه، وهو ملف الإخلاءات. الواضح هنا أن وزارة المهجرين كانت بالنسبة إلى الوزراء الذين تعاقبوا عليها، ومعظمهم من الحزب الاشتراكي، بمثابة دجاجة تبيض ذهباً. لذلك العدد الأكبر ممن تقاضوا بدلات الإخلاء، وفقاً للإخبار، لا تنطبق عليهم صفة التهجير وبعضهم من جنسيات غير لبنانية. من ناحية أخرى، وبالرغم من إصدار رئيس الحكومة عمر كرامي (عام 1991) تعميماً (91/1) كلّف بموجبه المحافظين إخلاء كلّ المباني الحكومية المحتلة من دون دفع أي تعويض، اتخذ وزير المهجرين يومها وليد جنبلاط قراراً بدفع بدل تعويضات إخلاء لنحو 128 محتلاً في بناء قيد الإنشاء عائد لمستشفى بعبدا الحكومي وبلغت قيمتها الإجمالية نحو مليار ليرة لبنانية. في السياق نفسه، دُفعت تعويضات في عام 2002 لإخلاء أكثر من 17 شاغلاً يحتلون عقاراً تابعاً لخط السكة الحديد في محلة الرياق وهو عبارة عن خيم مبنية من ألواح الزنك!
بلغت مصاريف الإخلاءات نسبة 35% من مجموع مصاريف ملف المهجرين. وكان «بند الإخلاءات» هو الوحيد الذي أُقفل وتنعّم من وردت أسماؤهم تحته (105 آلاف مستفيد) من إعفاءات من رسوم الماء والكهرباء والهاتف بواسطة ورقة صادرة عن الوزارة.
4- القسم الرابع يذكّر بقانون الوزارة الذي ينص على تكليف مجلس الإنماء والإعمار، بعد موافقة مجلس الوزراء، تنفيذ المشاريع التي تدخل ضمن اختصاصه وأبرزها البنى التحتية. لكن وزارة المهجرين والصندوق قاما بتلزيم المشاريع بشكل مباشر إلى المتعهدين من دون عرضها على مجلس الوزراء، ومن دون مناقصات أو المرور بمجلس الإنماء والإعمار. وجرى تلزيم كل المشاريع إلى المتعهدين أنفسهم.
5- في «القسم» الخامس، يتحدث الإخبار عن العقار رقم 308 بريح/الشوف التي تفيد إفادته العقارية أن مساحته 30 متراً مربعاً إلا أن عدد طلبات تعويضات الإعمار المقبوضة عليه بلغت 12 طلباً، كل طلب تبلغ قيمته 20 ألف دولار.
6- في القسم السادس المتعلق بأذونات البناء، كان المدير العام للوزارة يصدر إفادات تأذن للمستفيد منها المباشرة بأعمال البناء في العقار التابع له بطريقة مخالفة لكلّ قوانين البناء والتنظيم المدني ومن خارج صلاحياته.
7- أما القسم الأخير فيتعلق بفسخ عقد مع موظف بسبب تغيّبه عن الحضور إلى الوظيفة طيلة فترة شغل الوزير غسان عطالله لمنصبه، ليتبين بعدها أنه يقيم خارج الأراضي اللبنانية، لكنه لا يزال يتقاضى راتبه من الدولة اللبنانية بغطاء من رئيسه المباشر ومن المدير العام.
هكذا وصلت الدعوى إلى القاضية عون
الملف القضائي الذي أعدّه وزير المهجرين غسان عطالله يشكل بنظره «أحد مزاريب الهدر التي ساهمت بكسر خزينة الدولة لمصلحة بعض الأحزاب وأزلامها وخدمة لمصالحها الانتخابية، ليتبين أن من استفاد من المهجرين وأصحاب البيوت المدمرة لا يتعدى الألفي شخص بينما، ثمة 100 ألف طلب من غير المستحقين وممن لا تنطبق عليهم المواصفات المطلوبة. وخلافاً لما يسوّق له الاشتراكيون، يقول عطالله إنه وجّه رسالة حول هذه المخالفات الإدارية وهدر المال العام والفساد الموصوف في الوزارة وصندوق المهجرين بتاريخ 17/1/2020 إلى وزير العدل آنذاك ألبرت سرحال، مرفقة بالوثائق والمستندات طالباً منه تحويلها إلى كل من النيابة العامة وهيئة القضايا في وزارة العدل لإجراء المقتضى القانوني. وزير العدل، «أحال الإخبار الى النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات الذي أحاله بدوره إلى المحامي العام التمييزي القاضي غسان خوري. إلا أن خوري تنحّى عن الملف، لذلك لَجَأتُ بنفسي إلى هيئة القضايا (في وزارة العدل) المسؤولة عن الحفاظ على أموال الدولة وممتلكاتها. وقد تحرّكت الهيئة على هذا الأساس ووكّلت أحد محاميها ويدعى ربيع فخري الدخول إلى الوزارة والتوسع في الملف. وفخري هو من طلب من الموظفين كشف حساباتهم منذ يوم دخولهم إلى الوزارة حتى اليوم. هكذا تمّ الاشتباه في بعض الموظفين». في الوقت عينه وبعد تنحي خوري، وصل الملف إلى القاضية كارلا قسيس التي أرسلت بطلب عطالله لإبلاغه أن الملف قديم وفارغ «فطلب المحامي 15 يوماً لتأمين الإضافات والمستندات المطلوبة، ما اضطرها لقبول الملف». وبناءً على طلب رئيس الحكومة حسان دياب، شكّل التفتيش المركزي لجنة لإجراء تحقيقات في الوزارة، استطاعت الوقوع على مخالفات قانونية منفّذة من الوزراء المتعاقبين من دون أن تصدر قراراً بعد.
لكنّ قرار هيئة القضايا، بحسب عطالله، «أحرج الجميع. وعند وصول الادّعاءات على الموظفين إلى مكتب عويدات يوم الأربعاء الماضي، هرع وليد جنبلاط للقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري لضمان غطاء له». في هذا الوقت «حوّل عويدات الملف إلى النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان غادة عون».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البناء
انتقائيّة ادعاء المحقق العدليّ والجدل حول الصلاحيّات الدستوريّة يصيبان التحقيق… نحو الفوضى
الحريري عند دياب متضامناً… والرؤساء السابقون ودار الفتوى يلحقون
حزب الله و”القومي” لتصويب المسار القضائيّ وتحصينه بالابتعاد عن الانتقائيّة
أصاب الفالق الزلزاليّ الذي أحدثه الإدعاء الصادر عن المحقق العدلي القاضي فادي صوان، المناطق المحرّمة في الحياة اللبنانية، فإذا كان انتقاء رئيس حكومة تصريف الأعمال، رغم ضعف منطق الاتهام الذي وجِّه إليه، قد تمّ انطلاقاً من غياب الغطاء الطائفي الذي يحصّن سواه، فإن المظلومية التي نالها دياب بعيون اللبنانيين بدأت تتدحرج ككرة ثلج منذ مساء أول أمس، حتى تحوّلت الى تيار جارف فرض حضوراً عابراً للطوائف، لدرجة صار التضامن معه من قبل مرجعيّات طائفته الذين قرروا عزله خلال عام مضى، مصدراً للكسب المعنوي، ورسماً لخط أحمر حول مبدأ ملاحقة رئيس للحكومة، علماً أن الكثيرين رأوا في التضامن الذي عبّر عنه الرئيس السابق سعد الحريري مع الرئيس حسان دياب موقفاً أخلاقياً يمنح الحريري مصداقيّة تتخطى الحسابات الطائفيّة.
بعد موقف الحريري كرّت السبحة على مستوى رؤساء الحكومات السابقين ووصلت الى دار الفتوى، وصارت ملاحقة دياب اصطداماً بمرجعيات طائفته، ما أسقط فرضية الانتقائية القائمة على محاولة تفادي التصادم مع الخطوط الحمر للطوائف، بينما تقول مصادر حقوقيّة إنه لو تم الإدعاء دفعة واحدة على كل الأسماء الذين ضمّتهم مراسلة المحقق العدلي لمجلس النواب والتي تحدّثت عن شبهات تقصير وإهمال بحق رؤساء الحكومات ووزراء العدل والمالية والأشغال منذ العام 2014، لكانت لاقت ترحيباً شعبياً وتضامناً مع المحقق العدلي، في مواجهة جدل الصلاحيات الذي ينتظره حول تحديد الجهة الصالحة لمحاكمة الرؤساء والوزراء في تهم الإخلال الوظيفيّ، في ظل مطالعات دستوريّة تلقى شبه إجماع في مجلس النواب لجهة حصرها بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
على الصعيد السياسي كانت مواقف في الاتجاه نفسه لكل من حزب الله والحزب السوري القومي الاجتماعي، تركّز على ضرورة تصويب مسار التحقيق وتحصينه بعيداً عن الانتقائيّة، من دون تضييع الحاجة لمواصلة التحقيق طلباً للحقيقة وملاحقة المسؤولين عن جريمة تفجير مرفأ بيروت.
الملف الحكوميّ وملف ترشيد الدعم شهدا رغم مواصلة السجالات حول كل منهما، تراجعاً لحساب ملف التحقيق، لكن التجاذب حول التشكيلة الحكوميّة التي قدّمها الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري والتصوّر الذي قدّمه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، كشف حجم الخلاف الرئاسيّ وحجم العقد المستعصية في طريق ولادة حكومة جديدة، كما في ملف الدعم بقي السؤال حول كيفية ضمان قيمة أي دعم وأية مساعدات مالية للطبقات الفقيرة مع العجز عن ضمان سعر الصرف إذا توقف المصرف المركزي عن تأمين الدولارات اللازمة للاستيراد في ظل توقعات بأن يبلغ سعر الصرف ما فوق الخمسين الف ليرة خلال أسابيع من توقف مصرف لبنان عن تأمين الدولارات؟
إجماع سني في مواجهة قرار صوان
وبقيت الساحة الداخليّة تحت تأثير قرار قاضي التحقيق العدلي فادي صوان بالإدعاء على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب والوزراء علي حسن خليل وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس ومفاعيله السياسية والطائفية والقضائية.
وقد أحدث القرار القضائي موجة من الغضب على المستوى السياسي والشعبي في الساحة السنية، أنتجت حالة إجماع للقيادات السنية السياسية والروحية بالتضامن مع الرئيس دياب ورفض استهداف موقع رئاسة الحكومة ومواجهة قرار صوان، ما دفع بالرئيس المكلف سعد الحريري للتوجّه إلى السرايا الحكومية للمرة الأولى منذ خروجه منها في تشرين من العام 2019، وذلك للتضامن مع دياب ورفض الابتزاز لموقع الرئاسة الثالثة.
وقال الحريري بعد اللقاء مع دياب: «أعبّر عن رفضي المطلق للخرق الدستوري الواضح والفاضح الذي ارتكبه القاضي بالادّعاء على رئيس الحكومة. الدستور واضح، ورؤساء الحكومات يمثلون فقط أمام محكمة خاصة يُشكّلها المجلس النيابي. رئاسة الحكومة ليست للابتزاز، وهذا الأمر مرفوض، ولن نقبل به. من حق أهالي الشهداء معرفة الحقيقة، من حقهم أن يعرفوا من أدخل هذه الباخرة ومن غطّى عليها. أما التعدي على الدستور والادّعاء على رئاسة الحكومة فهذا أمر مرفوض، وأنا أتيت للوقوف مع رئيس الحكومة والتضامن معه».
الحريري مُحرَج
وعزت مصادر سياسية خطوة الحريري تجاه دياب لوقوعه في الإحراج تجاه الدفاع عن موقع رئاسة الحكومة لا سيما أنه وزملاءه في نادي ورؤساء الحكومات السابقين ومفتي الجمهورية لطالما أعلنوا رفضهم التعدّي على صلاحيات رئاسة الحكومة والنيل من موقعها فوجدوا أنفسهم محرجين ومجبرين على اتخاذ موقف في حالة الادعاء على دياب. لا سيما أن الحريري ورفاق النادي وجدوا في موقف دياب التصعيدي منذ إعلان قرار الادعاء عليه قد سبقهم في الدفاع عن موقع رئاسة مجلس الوزراء، خصوصاً بعدما ظهرت حالة من الغضب الشعبي في أوساط الشارع السني.
بدوره أكد مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في بيان أن «الادّعاء على مقام رئاسة الحكومة استهداف سياسي غير مقبول وتجاوز للدستور ولقانون محاكمة الرؤساء والوزراء السابقين، ويصبّ في إطار حملات كيدية واضحة للعيان لا تخدم العدالة لفريق معيّن من دون آخر لتصفية حسابات سياسية». واعلن «اننا مع القضاء النزيه الشفّاف ومع الحرص على تحقيق العدالة وفقاً لأحكام القانون والتزام الدستور، وأي تسييس او استنساب ادّعاء لكشف حقيقة انفجار مرفأ بيروت هو جريمة أخرى بحق الوطن، فالكل مسؤول في هذا الحادث المفجع».
كما استدعى قرار صوان بيانات واتصالات من الرئيسين تمام سلام وفؤاد السنيورة للتضامن مع دياب، مؤكدين رفضهم تجاوز الدستور والنيل من موقع رئاسة الحكومة.
حزب الله
وتوالت المواقف وردود الأفعال السياسية رفضاً لقرار صوان، فأكد حزب الله في بيان الحرص على «أن تكون جميع الإجراءات التي يتخذها قاضي التحقيق بعيدة عن السياسة والغرض، مطابقة لأحكام الدستور، غير قابلة للاجتهاد او التأويل أو التفسير، وأن يتم الادعاء على اسس منطقية وقانونية. وهذا ما لم نجده في الإجراءات الأخيرة وبالتالي فإننا نرفض بشكل قاطع غياب المعايير الموحدة والتي ادت الى ما نعتقده استهدافاً سياسياً طال اشخاصاً وتجاهل آخرين من دون ميزان حق، وحمل شبهة الجريمة لأناس واستبعد آخرين دون مقياس عدل، وهذا سوف يؤدي مع الاسف الى تأخير التحقيق والمحاكمة بدلاً من الوصول الى حكم قضائي مبرم وعادل».
«القومي»
بدوره أشار الحزب السوري القومي الاجتماعي في بيان أن كارثة بحجم تفجير مرفأ بيروت، «تستدعي إجراء تحقيقات شفافة تمسك بكل الخيوط، وهذا مسار يتطلب متابعة حثيثة وإحاطة شاملة بما يسهل تحديد المسؤوليات وكشف الحقيقة، والحقيقة في انفجار المرفأ حق لعائلات الضحايا وللبنانيين جميعاً».
وشدّد الحزب على ضرورة السير بالتحقيقات حتى النهاية، وفقاً للأصول والقواعد القانونية التي تحقق العدالة. ودعا إلى إبعاد هذا الملف الحساس عن السياسة وحساباتها، وأن تتضافر جهود الجميع وكل مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والقضائية لكشف الحقيقة التي ينتظرها اللبنانيون.
ونبّه الحزب من أن أثقال ملف التحقيق في كارثة المرفأ بالانتقائية والاستنسابية في تحميل المسؤوليات على قاعدة الشبهة والاتهام غير المثبتين، يبدّد كل جهد مبذول، ويجهّل المجرمين الحقيقيين الذين أتوا بباخرة نيترات الموت الى مرفأ بيروت وحولوها الى قنبلة موقوتة انفجرت بلبنان واللبنانيين.
أما النائب غازي زعيتر فاعتبر في مؤتمر صحافي أن صوان تجاوز صلاحياته، «وتوجه إلى المجلس النيابي وزعم وجود شبهة على كل وزراء الأشغال والمال، كما أنه انحاز بموقفه وخالف الدستور». وأضاف: «لا يوجد أي مستند أو أي ملف يقول إنني على علم بالباخرة حتى كتاب السفارة الروسيّة والذي لم يذكر فيه وجود مواد خطرة». وقال زعيتر: «بئس القضاء إذا كان فيه قاضٍ كفادي صوان، ولن نسكت أو نصغي لأي أجندات سياسية وغير سياسية».
وأشار رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عبر تويتر الى أنه «لا يجوز وتحت أي اعتبار ان يقف التحقيق في كارثة المرفأ امام الحواجز الدستورية او الطائفية ولا بد أن يشمل الجميع بدون استثناء. ان انفجار المرفأ جريمة انسانية بحق بيروت وكل لبنان. تذكّروا المحكمة الدولية وتذكروا أننا طالبنا بلجنة تحقيق دولية في انفجار المرفأ. ما عدا وبدى».
أما التيار الوطني الحر فأكد على لسان النائب أسعد درغام أن هناك ظلماً بحق الرئيس دياب في قضية مرفأ بيروت، وقال: «نحن ضد هذه الاستنسابية مع التشديد على أنّه يجب الوصول إلى الحقيقة». وتابع: «من المسؤول صاحب الهوية المجهولة الذي نصح دياب بعدم زيارة مرفأ بيروت؟». وشدد على أن «التدخل السياسي في القضاء مرفوض وأتمنى على القاضي صوان المشهود له بمناقبيته أن يكون أكثر حذراً في موضوع الادعاءات».
المسار القضائيّ مستمرّ
وفيما وجّه قرار صوان الأخير ضربة قاسمة للتحقيقات ما سيضعف ثقة المواطنين بأي قرار سيتخذه لاحقاً في هذا الملف، من المتوقع أن يتراجع قاضي التحقيق خطوة الى الوراء بعدما تحوّل الملف الى قضية طائفية ومذهبية في ظل الغضب داخل الطائفة السنيّة ودعم الرئيس دياب فضلاً عن رفض حركة أمل وحزب الله وحلفائهما في 8 آذار للقرار القضائي.
إلا أن النائب العام التمييزي السابق القاضي حاتم ماضي أكد لـ»البناء» أن «قاضي التحقيق لن يتراجع تحت ضغط الظروف السياسية أو حملة التضامن مع الرئيس دياب، بل سيكمل بالمسار القضائيّ وفق الأصول المتبعة في هذه الحالة».
قاسم
وألقى الخلاف حول القرار القضائي بثقله على الملف الحكومي، حيث زاد عقدة جديدة على مجموعة العقد التي تواجه تأليف الحكومة، واستبعدت مصادر مواكبة لعملية التأليف، ولادة وشيكة للحكومة لا سيما بعد التشكيلة الهجينة التي عرضها الحريري على رئيس الجمهورية ميشال عون والتي لم ينسّق فيها مع حزب الله ولا مع عون ما يجعل أي مسودة حكومية يطرحها الحريري بحكم الساقطة والمرفوضة.
وأكدت بأن لا حكومة في ظل التزام الرئيس المكلف بالشروط الأميركية، مشيرة الى أن رهان البعض على تغيرات في المشهد الأميركي بعد تسلم الرئيس المنتخب جو بايدن وانعكاسه على المنطقة رهان وهمي، فلا أحد يمكنه توقع كيف سينتهي الصراع في أميركا وكيف ستكون السياسات الجديدة والتي يمكن ان تأخذ أشهراً عدة وربما سنة لكي تتبلور بشكل واضح وجلي، فهل يمكن وضع لبنان بحالة انتظار طويلة في ظل خطر الانهيار المالي والاقتصادي والنقدي والسياسي الذي يواجهه لبنان؟».
وفي سياق ذلك، اعتبر نائب الامين العام لحزب الله نعيم قاسم أن «لبنان لن تقوم له قائمة من دون تأليف حكومة تفتح الباب للمعالجة، واذا اتفق المعنيون في لبنان سيستجيب الغرب وأميركا غصباً عنهم، ومن يحتجّ في الخارج ويسوّف ويضيّع الوقت ويراكم الخسائر لن يجني شيئاً. المواطنون وصلوا إلى حد الاختناق والرهان الوحيد النافع هو التفاهم وتدوير الزوايا». وشدد على أن «حزب الله» مع قيام الدولة وانتظام مؤسساتها، وهو دعامة من دعامات استقرار لبنان وحمايته واستقلاله وبنائه ونهضته، وسيكون دائماً شريكاً فاعلاً للباحثين عن الحلول وإعمار بيروت ولبنان ومعالجة المسائل الاقتصادية والاجتماعية».
كوبيتش
وبعد صدور حكم المحكمة الدولية الغيابي بالسجن المؤبد لسليم عياش بقضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، برز موقف للممثل الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش، أكد فيه أن «السلطة الوحيدة الشرعية التي يجب أن تكون موجودة في لبنان هي الدولة». وشدّد على أن حصر السلاح بيد الدولة الرسميّة مسألة ملحّة، فـ»سلاح حزب الله يتنافى مع القرارات الدولية 1559 و1680 و1701». ولفت إلى أن «الإصلاحات ضرورة ملحة للبنان اليوم، والشعب اللبناني لفظ الطبقة السياسيّة في 17 تشرين الاول».
وأعلن كوبيتش أن تشكيل حكومة إنقاذ ضرورة، ودعا الساسة إلى أن يفعلوا ذلك بشكل عاجل، وأن يتحرّكوا لأنه لا يمكن للشعب أن يستمرّ في هذه المعاناة».
عون
ورأى رئيس الجمهورية «ضرورة تحديد العلاقة بين المصارف والمودعين ووضع حد للغبن اللاحق بالمودعين نتيجة الإجراءات التي تتخذها المصارف اللبنانية منذ احداث 17 تشرين الأول 2019 والتي تزداد صعوبة على المودعين يوماً بعد يوم». وأكد خلال استقباله وفداً من جمعية «صرخة المودعين في المصارف»، «ضرورة احترام القوانين التي تحفظ حقوق المودعين في المصارف احتراماً أيضاً للملكية الفردية التي حفظها الدستور للمواطنين ومنعت القوانين المساس بها إلا في حالات محددة قانوناً». وأكد الرئيس عون ان «الدولة تراقب عمل المصارف كما سائر المؤسسات العامة والإدارات الرسمية في محاولة لوضع حد للتجاوزات».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللواء
إتهام وطني لصوان بتسييس إدعاء المرفأ.. فهل يستدرك العهد الخطيئة؟
الحريري في السراي يرفض ابتزاز دياب.. وماكرون في 22 إلى لبنان مع طروحات تتجاوز الحكومة
ردَّ المجتمع السياسي، الاسلامي والوطني الكرة الى ملعب المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت، عبر ادعائه التهمي على رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب، وثلاثة وزراء سابقين، بينهم نائبان من حركة «امل»، وكتلة التنمية والتحرير التي يقف على رأسها الرئيس نبيه بري، بصفته رئيساً للحركة ورئيساً للمجلس النيابي، ووزير في تيار حليف، المردة، الذي ينتمي اليه وزير الاشغال السابق يوسف فنيانوس.
وفي موقف يحمل دلالات واضحة، لا تحتاج الى طول شرح او اسهاب تفسير، تجاوز الرئيس المكلف سعد الحريري، ملابسات متراكمة طوال ما يقرب السنة منذ ان قبل الرئيس دياب تأليف الحكومة وألفها، وزاره في السراي الكبير، معلناً دعما له والوقوف الي جانبه، من زاوية ان «التعدي على الدستور والادعاء على رئاسة الحكومة امر مرفوض.. وانا أتيت للوقوف مع رئيس الحكومة والتضامن معه».
والتقى رؤساء الحكومة السابقون: الرؤساء نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام، فضلا عن الرئيس المكلف على ان رئاسة الحكومة ليست لقمة مستساغة، وليست للابتزاز ايضاً، عبر اتصالات من الرؤساء بدياب، فضلا عن تلقي الرئيس دياب اتصالا هاتفيا من مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، اعلن خلاله عن تضامنه معه، مشيدا بنظافة كفّه، واكد على دعمه والوقوف الى جانبه، ورفض التطاول على رئاسة الحكومة.
واعلن المفتي دريان في بيان له «ان الادّعاء على مقام رئاسة الحكومة استهداف سياسي غير مقبول وتجاوز للدستور ولقانون محاكمة الرؤساء والوزراء السابقين، ويصبّ في اطار حملات كيدية واضحة للعيان لا تخدم العدالة لفريق معيّن دون اخر لتصفية حسابات سياسية».
واعلن «اننا مع القضاء النزيه الشفّاف ومع الحرص على تحقيق العدالة وفقاً لأحكام القانون والتزام الدستور، واي تسييس او استنساب ادّعاء لكشف حقيقة انفجار مرفأ بيروت هو جريمة اخرى بحق الوطن، فالكل مسؤول في هذا الحادث المفجع».
اضاف المفتي دريان: «ليعلم الجميع ان الوطن لا يُبنى على المصالح الخاصة والكيديات ولا على الاستنساب. فلندع القضاء يأخذ مجراه بكل تجرد وانفتاح بعيداً من الضغوط ودون تقييده بسلاسل السياسة».
حزب الله لاعادة النظر
ومن المواقف الرافضة بقوة لقرار الادعاء، ما صدر عن حزب الله، الذي دعا المحقق العدلي الى «إعادة مقاربة هذا الملف الهام (جريمة انفجار المرفأ) واتخاذ الاجراءات القانونية الكفيلة بالوصول الى الحقيقة بمعايير موحدة بعيدة كلياً عن التسييس».
وسجل الحزب مآخذ على قرار صوان بالادعاءات على دياب وثلاثة وزراء بأنه غير بعيد عن التسييس، وغير مطابق لاحكام الدستور، قابل للاجتهاد والتأويل والتفسير، ولم يتم الادعاء على اسس منطقية وقانونية.
اضاف: غياب المعايير الموحدة ادت الى «ما نعتقده استهدافاً سياسياً طال اشخاصاً وتجاهل آخرين، وحمل شبهة الجريمة لاناس واستبعد آخرين دون مقياس حق».
وصدرت مواقف مستنكرة القرار عن عدد من الوزراء ورئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط ورئيس الحزب الديمقراطي النائب طلال ارسلان والنائب فيصل كرامي وشخصيات سياسية استهجنت فتح الملفات استنسابيا والتعدي على الدستور وموقع رئاسة الحكومة.
أبعد من ذلك!
أبعد من الرفض الاسلامي والوطني العارم للادعاء «المسيس»، وبانتظار الاثنين والثلاثاء والاربعاء، وقبل وبعد هذه التواريخ، يطرح السؤال: ماذا عساه ان يفعل القاضي العدلي صوان، بعد اصطدام ادعائه بالحائط؟
ثم ماذا عن العهد، هل اقحم نفسه بالحائط السياسي، ووضع ما تبقى من عهده، في دائرة «اللاشيء» من الانجازات، وسط شبهات تحوم لدى فريق 8 اذار ان «قبة باط» رئاسية وراء قرار القاضي، بعد لقاء الرئيس مجلس القضاء، وما تناهى الى كل من الرئيس نبيه بري والنائب جنبلاط من ان العين الرئاسية «محمرة عليهما» شخصياً.
مصادر رفيعة المستوى في الثنائي الشيعي تجنبت اتهام الرئيس عون وباسيل بالوقوف خلف قرار القاضي صوان بانتظار اتضاح حقيقة ما حصل، الا انها جزمت بأن وضع الحكومة اصبح «تحت الصفر» ولم يعد واضحا اذا كان بالامكان تشكيلها في المدى المنظور دون حصول «معجزة» ، فبعد مشكلة الرئيس عون مع الحريري على حد تعبيرها، جاءت مشكلته مع دياب وبري لتزيد الامور تعقيدا ولتشكل سابقة في العمل السياسي اللبناني.
اما عن تفاصيل هذه النكسة الحكومية، يمكن وفقا للمصادر القيادية في ٨ آذار ، تسجيل التالي:
اولا: رفض عون تشكيلة الحريري ولم يفاوضه بشكل مقنع في مسالة اعادة توزيع الوزارات او التسميات، بل حاول فرض تشكيلة وزارية متكاملة عليه.
ثانيا: استهدف عون الرئيس نبيه بري شخصيا عبر تشجيع وتاييد قرار المحقق العدلي فادي صوان، ويمكن تبرير هذا الكلام بسكوت عون عن عدم اعتماد معايير موحدة في الادعاءات وحصرها بجهات سياسية محددة للمفارقة انها على خلاف معه.
ثالثا: ما الذي يمنع القوى السياسية الممثلة في البرلمان اللبناني التي غطى عون استهدافها اي حركة امل، والسنة وفي مقدمهم المستقبل دفاعا عن موقع الرئاسة الثالثة، وتيار المردة، من الرد بالمثل والادعاء على عون بعد ان اعترف بنفسه بتبلغه عن وجود نيترات الامونيوم في المرفأ ، وماذا عن مسألة اتهام هذه القوى السياسية للتيار الحر برئاسة باسيل بالهدر والفساد في وزارة الطاقة، لا سيما وان هناك جهات محلية ودولية لن تمانع بتأييد اي توجه من هذا النوع ضد باسيل شخصيا لاسباب وغايات مختلفة.
رابعا: هل يعقل ان يقف حزب الله على «الحياد» اذا ثبت بشكل قاطع ان باسيل وعون يقفان خلف ادعاءات صوان الموجهة الى حليفين اساسيين له في هذا التوقيت الاقليمي والدولي الحساس.
خامسا: كشفت المصادر عن وجود توجه دولي مدعوم محليا واقليميا لاعادة النظر بالنظام اللبناني على خلفية الفوضى السياسية والدستورية القائمة، محملة العهد وتياره مسؤولية تقويض الصلاحيات الدستورية وتجاوزها تحت ستار استعادة حقوق المسيحيين ، والمفارقة هنا بحسب المصادر ، ان فرنسا ليست بعيدة عن اعادة ترتيب المشهد اللبناني وهناك حديث غير مؤكد بعد عن مساع فرنسية لترتيب حوار «لبناني-لبناني» برعاية «اقليمية -دولية» لهذه الغاية ، مؤكدة ان اي ترتيب من هذا النوع يعني تقليص ولاية رئيس الجمهورية.
ماكرون للمرة – 3
وسط هذه القلاقل، والهواجس، والتوقعات المريبة، يعود الرئيس ايمانويل ماكرون الى لبنان بعد اقل من اسبوعين، وقبل الاعياد المجيدة.
فقد اعلن قصر الاليزيه ان الرئيس الفرنسي ماكرون سيزور لبنان في 22 و23 من الشهر الحالي.
وفي السياق الاممي، قال يان كوبيش المنسق الخاص للامم المتحدة في لبنانه انه «لا يجب ان يكون سلاح خارج الدولة بما فيه سلاح حزب الله».
واعلن لـ «الحدث» اننا «نقف الى جانب الشعب اللبناني ومطالبته بمحاربة الفساد وضرورة المحاسبة».
و كشفت مصادر سياسية عن اتصالات فرنسية لبنانية جرت خلال اليومين الماضيين لابقاء ملف تشكيل الحكومة متحركا باتجاه ايجابي بعد تسليم رئيس الحكومة المكلف سعدالحريري التشكيلة الحكومية لرئيس الجمهورية ميشال عون مؤخرا ضمن أجواء مشجعة نسبيا، وما تبع بعد ذلك من محاولات بذلها الفريق الرئاسي يتقدمه النائب جبران باسيل للالتفاف على هذه العملية بشروط ومعوقات مفتعلة.
واشارت المصادر الى ان خلية الازمة المكلفة بمتابعة الملف اللبناني في الاليزيه تواصلت مع الأطراف السياسيين المعنيين بعملية التشكيل، وابدت استياءها من تصرفات ومواقف رئيس التيار الوطني الحر، وشددت على ضرورة تجاوز الخلافات الضيقة والاسراع بتشكيل الحكومة العتيدة قبيل موعد زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى لبنان قبيل عيد الميلاد، واعتبرت ان قيام الحريري بتسليم التشكيلة الحكومية لرئيس الجمهورية بمثابة خطوة متقدمة ويجب استكمالها بالاتفاق على تظهير الحكومة الجديدة بشكلها النهائي، لانه لم يعد ممكنا اضاعة مزيد من الوقت بالخلافات والمطالب غير المقنعة في حين تزداد معاناة اللبنانيين نتيجة تفاعل الازمات والضغوطات المعيشية.
وفي السياق الحكومي، كذلك قالت المصادر المعنية، ان الرئيس الحريري قدم تشكيلته الوزارية معتبرا حسب اوساطه انها عادلة في التوزيع بين القوى السياسية والطوائف وتراعي المعايير، لكن رئيس الجمهورية اعترض على بعض الحقائب المسيحية.
وحسب المعلومات منح الحريري الوزراء المسيحيين حقائب:الطاقة والدفاع والصناعة والبيئة والتربية والثقافة والاعلام والداخلية والاقتصاد والاتصالات. اماحصة المسلمين فكانت حقائب: العمل والاشغال اولمالية والعدل والصحة السياحة والتنمية الادارية والخارجية والشؤون الاجتماعية والزراعة.
اما التوزيع على القوى السياسية فكانت: الطاقة للتيار الحر،والدفاع، والثقافة الاعلام، والبيئة، والتربية من حصة رئيس الجمهورية.
حقيبة الصناعة للطاشناق.
حقيبة الداخلية للمستقبل على ان يتولاها ارثوذوكسي.
حقيبة الاتصالات للمردة على الارجح لكن لم تحسم بعد.
اما حقيبة الاقتصاد فمن حصة المسيحيين ايضا ولم يعرف لأي جهة.
حقيبتا العمل والاشغال لحزب الله، المالية والسياحة والتنمية الادارية لحركة امل.الخارجية والزراعة ،للحزب الاشتراكي، اما حقائب العدل والشؤون الاجتماعية والصحة فمن حصة رئيس الحكومة.
ولفتت أوساط مراقبة لـ«اللواء» إلى أن الاعتقاد ساد بأن موضوع الإدعاء الذي احتل صدارة الاهتمام السياسي سيصرف النظر عن الملف الحكومي الذي أصيب بالتعثر. وأفادت الأوساط أن التحركات السياسية بدورها تتمحور حول الادعاءات والخطوات المقبلة على أن ردود الفعل بدأت بالظهور وتتواصل.
في المقابل أعربت عن اعتقادها أن ملاحظات رئيس الجمهورية على تشكيلة الحريري واضحة وتنتظر الأجوبة منه في وقت ما مشيرة إلى أن ما تقدم به الرئيس عون يعني إعادة النظر بتصور الحريري الأخير لاسيما في موضوع الأسماء على أن توزيع الحقائب ليس بالمشكلة الأساسية مؤكدة أن السؤال اليوم ما إذا كان الحريري سيلاقي رئيس الجمهورية في الملاحظات أم لا.
وأوضحت الأوساط أن هناك من بدأ يسأل ما إذا كان هناك من نص يدعو المحقق العدلي إلى تعديل قراره ام لا مع العلم ان الشخصيات التي تم الادعاء عليها تستند إلى مواد قانونية بوجه ذلك لاسيما أن ذلك يتصل برئيس الحكومة وبنائبين ووزير سابق.
اساتذة الجامعة تهديد بالاضراب
وفي سياق متصل، تفاعل موضوع دعوةاساتذة لتعبئة استمثارة الاثراء غير المشروع، خلافا للنص القانوني، وقد رفضت الهيئة التنفيذية لرابطة الاساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية تعبئة استمارة تتعلق بتطبيق قانون الاثراء غير المشروع، داعية الاساتذة الى الالتزام بالقانون الصادر عن مجلس النواب، والذي يستثني اساتذة الجامعة، ومعروف ان القانون له اولوية وصفة القوة امام اي إجراء او قرار مخالف له.
ودعت الاساتذة للوقوف بوجه هذا الاجحاف، الذي هو ظلم وتهمة لهم، وقالت انها لن تتوانى عن التصعيد، واعلان الاضراب رفضا لذلك.
143703
صحياً، اعلنت وزارة الصحة العامة عن تسجيل 1518 اصابة جديدة، مع 12 حالة وفاة خلال الـ24 ساعة الماضية، ليرتفع العدد الى 143703 اصابة مثبتة مخبرياً.