اختنقت كيندا الخطيب بدمعتها أمام رئيس المحكمة العسكرية العميد منير شحادة عدة مرّات خلال جلسة المحاكمة أمس، محاولة الدفاع عن نفسها بالقول إنّها مظلومة. ألقت باللوم على رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الامن الداخلي العقيد جوزيف مسلّم الذي لم يطلب منها قطع التواصل مع الصحافي الإسرائيلي روعي قيس عندما أبلغته بتواصلهما عبر تويتر. وابتسمت مرّة عندما
سألها رئيس المحكمة عن «عدنان»، الديبلوماسي الباكستاني الموجود في بريطانيا، مستغرباً كيف عرض عليها الزواج خلال ربع ساعة! فعلّقت قائلة: «ربما أُعجِب بي»، وهزّت كتفيها. احتدّت وارتفع صوتها تارة أخرى مستذكرة أنّ «وزير الخارجية جبران باسيل وابنة الرئيس ميشال عون أجريا مقابلة مع صحافي إسرائيلي… لماذا جبران باسيل ليس مكاني؟ لأنّ البلد له… البلد لكم أنتم».
قاطعها رئيس المحكمة بالسؤال عمّن تقصد بـ«أنتم. من نحن؟»، فلم تُجِب. تدخّلت محاميتها جوسلين الراعي لتعتذر من هيئة المحكمة بالنيابة عنها. احتدّت كيندا مجدداً قائلة: «لقد عاد زمن الملفات الأمنية»، ملمّحة إلى أنّ ملفّها مركّب. بكت مجدداً قائلة: «لو كنت مدعومة سياسياً، لم أكن لأقف أمامك هنا. المحميّون سياسياً لا يُحاكمون».
مثلت كيندا الخطيب المتّهمة بالتعامل مع العدو الإسرائيلي واستخبارات أجنبية أمام هيئة المحكمة العسكرية أمس. وعلى مدى نحو ساعتين استمعت هيئة المحكمة إلى الناشطة السياسية التي صنّفتها قاضية التحقيق العسكري نجاة أبو شقرا كـ«جاسوسة». لم تبدُ كيندا فتاة عادية، بل شديدة الذكاء متابعة سياسياً وطموحة، لكنّها لم تُخف حقدها على حزب الله، حتى إنّها سعت للإيحاء بأنّها تحاكم بسبب آرائها السياسية. وهنا قاطعها رئيس المحكمة قائلاً: «الاختلاف يا كيندا ليس جريمة، إنما أنت تحاكمين هنا لتواصلك مع صحافي إسرائيلي وضابط كويتي وتزويدهما بمعلومات».
بدأت جلسة المحكمة النهائية بسؤال العميد شحادة للمتّهمة: «كيف حالك يا كيندا.. منيحة؟» ثم أعقبها بسؤال: «من بدأ التواصل مع الآخر، أنت أم الصحافي الإسرائيلي؟»، فأجابت بأنّ الصحافي الإسرائيلي بدأ بمتابعتها على حسابها على موقع تويتر وأرسل لها رسالة. هنا سألها رئيس المحكمة: «لماذا شكرك على متابعته إذا؟»، فردّت بأنّها تابعته بعد متابعته لها. وسألها لماذا لم تقطع التواصل معه وإنْ أخبرت القوى الأمنية، فردتّ بأنّها في اليوم التالي لتواصله معها أرسلت رسالة على حساب قوى الأمن على «فايسبوك». وذكرت أنّها اتّصلت بالعقيد جوزيف مسلّم الذي دام اتصاله معها أربع دقائق، وأبلغها أنّه سيكون مسافراً بعد أسبوع، طالباً منها عدم إزعاجه! وذكرت الخطيب أنّها كانت تنسخ جميع المحادثات وتُرسلها إلى قوى الأمن، كاشفة أنّها أرسلت كلمات السر لجميع حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي اعتقاداً منها أنّ القوى الأمنية تراقب ما يحصل.
كرر رئيس المحكمة سؤاله: لماذا لم تقطعي تواصلك معه؟ فأجابت بأنّ العقيد مسلّم لم يطلب منها أن تحظر الاسرائيلي (Block)، مشيرة إلى أنّه أبلغها أن لا تُساعد الصحافي الاسرائيلي في الوصول إلى هدفه. هنا تلا العميد شحادة مضمون كتاب مرسل إلى المحكمة من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي يُحدد تاريخ إبلاغ الخطيب للمديرية عن تواصل الصحافي الإسرائيلي الذي يعمل في القناة الـ ١١ العبرية معها.
ولفت الكتاب إلى أنّ ٣ رسائل وصلتهم من كيندا. وذكرت المديرية أنّ الصحافي نفسه حاول التواصل مع عدد من الشخصيات الإعلامية اللبنانية من دون أن يلقى أي تجاوب. وأشار كتاب قوى الأمن إلى أنّ الصحافي الإسرائيلي يضع صورته واسمه ووظيفته، مشيراً إلى أنّ «متابعة التواصل معه تمّ بملء إرادتها رغم علمها المسبق بهويته». وذكر أنّ كيندا لم تقم بإعلام شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن بما تمّ من محادثات بينها وبينه.
وكشفت قوى الأمن أنّ هناك الكثير من المحاولات من قبل إعلاميين إسرائيليين للتواصل مع أشخاص في لبنان، إلا أنّ اللبنانيين يعمدون فوراً إلى حظر المتّصل من دون أخذ ورد، بخلاف ما فعلته كيندا. واعتبرت قوى الأمن أنّ قيام كيندا بإعلام شعبة العلاقات العامة في أيار ٢٠١٩ من دون الإفادة عمّا حصل بينها وبين الصحافي الإسرائيلي من محادثات بعد هذا التاريخ، هو دليل على أنّ ما قامت به هدفه حماية نفسها في حال تعرّضت للملاحقة القانونية.
غير أنّ وكيلة الخطيب المحامية جوسلين الراعي وصفت كتاب قوى الأمن بالفضيحة، معتبرة أنّه لم يجر التعامل مع إخبار موكّلتها بالجدية اللازمة. وأشارت الراعي إلى أنّ أحداً من قوى الأمن لم يتّصل بكيندا، متسائلة على سبيل التهكّم: «إن كانوا مشغولين إلى هذا الحدّ، فلماذا لم يحيلوا القضية إلى شعبة المعلومات؟!». وطلبت المحامية من هيئة المحكمة اعتبار كيندا كابنتهم التي أخطأت. أعادت التذكير بقضية جنى بو دياب التي أوقفت لأشهر قبل أن يشهد ضابط فلسطيني بأنّها أبلغته بتواصلها مع العدو ليصدر الحكم بتبرئتها. ورأت وكيلة الخطيب أنّ مجرّد قيام كيندا بإرسال كلمات السر لحساباتها على وسائل التواصل إلى قوى الأمن الداخلي، دليل على حُسن نيّتها واعتبارها أنّ كل ما تقوم به بات مراقب من الأجهزة الأمنية.
كذلك سأل رئيس المحكمة كيندا عن علاقتها بالضابط الكويتي ياسر الكيندري، مستفهماً إن كانت تعلم أنّه كان يزور لبنان أو أنّه التقى أحمد الأسير في إحدى زياراته، فردّت بأنّه أخبرها أنّه كان يزور لبنان للسياحة. وسألها إن كانت تعلم أنّه ضابط، فأجابت بالنفي.
أصرّت كيندا على إنكار تقديمها أي معلومة للصحافي الإسرائيلي، إلا أنّ رئيس المحكمة ذكّرها بأنها نسّقت له مقابلة مع شربل الحاج. كما دعته في إحدى المرّات لزيارتها في الأردن عبر إرسالها له صورة لوجبة فطور تتناولها. وسألها عن محاولتها تنسيق مقابلة له مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إلا أنّها ردّت بالقول إنّها رفضت، وإنها لو كان لديها طريق للوصول لابن سلمان لم تكن لتمثل أمام هيئة المحكمة. غير أنّ رئيس المحكمة ردّ قائلاً: «لقد حاولت تنسيق المقابلة عبر الوسيط خالد التلمساني… من هو خالد هذا؟»، فردّت بأنّه «رجل أعمال سعودي مقيم في دُبي يعمل في عقود النفط ومقرّب من العائلة المالكة السعودية». هنا عقّب العميد شحادة: «لا تقولي لنا إنك لا تعرفين أحداً وإنه لا علاقات لك. لقد رفض التلمساني التوسّط لإتمام هذه المقابلة».
انفعلت كيندا عدة مرات خلال جلسة المحاكمة. تحدثت عن «الأجهزة الأمنية التي تسعى لتحقيق انتصارات وهمية». ورغم المحادثات التي ضُبطت في هاتفها، والتي ذكرت كيندا أنّها كانت تحتفظ بها لإبرازها للمحققين، نفت أنها كانت تدعو إلى التطبيع. ولدى سؤال رئيس المحكمة لها عن مصدر معلوماتها السرية عن أنّ هناك دولة عربية بصدد التطبيع مع إسرائيل، ردّت بأنّ الجميع كان يعلم ذلك. بعد الجلسة، صدر حكم المحكمة: إدانة كيندا الخطيب، والحكم عليها بالسجن 3 سنوات.
رضوان مرتضى، الأخبار اللبنانية، 15 كانون الأول/ ديسمبر، 2020