الاخبار
إسرائيل تلعب بالنار: تشاطر اللحظات الأخيرة… أم مقـدمة للمواجهة؟
عقد المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية في تل أبيب، أمس، جلسة استمرت ثلاث ساعات ونصف ساعة، خُصصت للبحث في الملاحظات اللبنانية على مسودة الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية، كما وردت إلى بيروت من الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين. إلا أنه، كما كان متوقعاً، لم تصدر عن الجلسة قرارات، ولم يتسرب من نقاشاتها الكثير.
ووفقاً للإعلام العبري، فقد أجمع الوزراء والمشاركون في الجلسة، «بشكل قاطع لا لبس فيه»، أن الاتفاق بصيغته الأولى، من دون الملاحظات اللبنانية، كان «ممتازاً» ويراعي المصالح الأمنية لإسرائيل، وأن الملاحظات اللبنانية عليه غير مقبولة.
بذلك، يكون المجلس المصغّر تماشى مع رأس الهرم السياسي وتبنّى مقاربته في السعي إلى إقرار البنود الواردة في الاتفاق وفقاً للتفسيرات الإسرائيلية، التي حرصت الملاحظات اللبنانية على توضيحها منعاً لأي التباس حولها لاحقاً، وهو بيّن الرفض الإسرائيلي لها وجوب التمسك بها.
ورغم أن وسائل إعلام أشارت أمس إلى أن المجلس رفض الاتفاق، إلا أن الرفض في الواقع كان مرتبطاً بالملاحظات اللبنانية عليه، والفارق كبير بين الأمرين. فرفض الاتفاق يعني إنهاء التفاوض وبدء مسار التصعيد، فيما رفض الملاحظات هو استدراج لتدخل أميركي من أجل التوصل إلى تسوية ما. علماً أن وسائل إعلام عبرية نقلت عن مصادر الجانب الأميركي أمس أنه ملتزم إيجاد تسوية، وأن الخلاف الناشئ لا يغير من التفاؤل بإمكان التوصل إلى اتفاق.
وإلى التماشي مع رأس الهرم السياسي في رفض الملاحظات اللبنانية، تماشى المجلس المصغر أيضاً مع المقاربة التهويلية لوزير الأمن والمؤسسة العسكرية. إذ «وافق» المجلس على إمكان شن عمليات هجومية استباقية في حال توافرت معلومات موثوقة بأن حزب الله يتحضر لشن هجوم، مع تكليف رئيس الحكومة يائير لابيد ووزير الأمن بيني غانتس ورئيس الحكومة المناوب نفتالي بينت، تولي هذه المهمة من دون اللجوء إلى الكابينت.
الرفض والخلفيات والعواقب
عملياً، رفضت تل أبيب ملاحظات لبنان على مسودة الاتفاق، وأعلنت أنها غير معنية باتفاق يتجاوز الخطوط الحمر الإسرائيلية، فيما تولى إعلامها الترويج لتقلص فرص الاتفاق في ظل الملاحظات. فهل «انفجر» المسار التفاوضي بما يقود إلى تصعيد أمني، ومن ثم مواجهة عسكرية؟
تبدو أسئلة ما بعد رفض تل أبيب أكبر وأشمل وأكثر تقدماً من الواقع التفاوضي نفسه. من الطبيعي أن لا «تبصم» إسرائيل على الملاحظات اللبنانية كما وردت إليها من دون أن تسعى إلى تعديلها، رغم أن الرفض، في ذاته، يكشف نياتها اللاحقة في الاستفادة من ضبابية عدد من البنود التي أرادت الملاحظات اللبنانية على منع استغلالها لتفريغ الاتفاق من مضمونه.
وجاء الرفض الإسرائيلي مصحوباً بتأكيدات لافتة على أن الأخذ بالملاحظات كما وردت يعني تجاوز خطوط حمر إسرائيلية، ما أتاح فتح شهية كثير من المراقبين على البحث في احتمالات إعلان تفجير التفاوض، والعودة إلى الخيارات المتطرفة التي لم تغادر مسار التفاوض غير المباشر منذ أن بدأ برعاية أميركية، وحتى المرحلة التي أعقبت تهديدات حزب الله.
وفي التفاصيل، ترفض إسرائيل أن لا يكون لديها حق مباشر في حقل قانا الذي يعود، وفقاً للاتفاق، إلى لبنان مع إجراء على هامش الاتفاق بينها وبين شركة «توتال» الفرنسية يلحظ لها عائداً مالياً من الشركة، الأمر الذي أكد لبنان رفضه أن يكون حقاً عينياً على حقل قانا، بل حق بين طرفين ثالثين لا علاقة له بالاتفاق البحري. ورفض إسرائيل لهذا التفسير، يعني أنها تريد أن يكون لديها حق عيني في قانا، ما يعطيها حق الفيتو الذي من شأنه أن يمنع الشركة المشغلة من أن تنقب أو تستخرج أو تبيع إلا وفقاً لإرادة إسرائيل التي ستستخدم حقها «الطبيعي» في فعل ما تشاء في ملكيتها. وهذا يعني أن حق لبنان في استغلال ثرواته البحرية سيكون مرهوناً بالإرادة الإسرائيلية وهو ما لا يمكن أن يرضاه اللبنانيون.
وفي الملاحظات أيضاً، يأتي طلب لبنان بأن لا يكون الخط الذي يفصل المنطقتين الاقتصاديتين للجانبين هو خط الحد البحري المعترف به دولياً، بل مجرد خط يتعلق بـ«واقع الأمر القائم» الذي يفصل المنطقتين. هذه الملاحظة رفضتها إسرائيل التي تريد أن يكون الخط 23 هو الخط المعترف به دولياً بين الجانبين. علماً أن خط «واقع الأمر القائم» يكاد يكون اختراعاً فرضته إسرائيل تاريخياً عبر فرض إرادتها على الآخرين عندما أرادوا منها ترسيم الحدود معها على الأرض التي احتلتها منهم.
من هذا المنطلق فإن الملاحظات ليست مجرد ملاحظات، بل بنود أساسية يجب أن يصر لبنان على إدراجها في متن الاتفاق، في حال توصل الجانبان إلى التوقيع عليه. وفي هذه النقطة تحديداً، لم يكن المصدر الإسرائيلي السياسي الذي تحدث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية» أمس مخطئاً في وصف الملاحظات اللبنانية بأنها «تغييرات جوهرية» في الاتفاق.
هل يعني ذلك أن الاتفاق نُسف؟
الإجابة «نعم، ولكن»، تماماً كما يمكن أن تكون «لا، ولكن». في واقع الأمر، ما حدث هو جولة تفاوضية بين الجانبين، في مسار تفاوضي يواكبه تفاوض عبر وسائل الإعلام، ما يفتح الملاحظات، والملاحظات على الملاحظات، على تأويلات وتفسيرات لا تحصى، وإن كان ما انتهت إليه المفاوضات يشير في واقع الأمر إلى عرقلة إسرائيلية كبيرة، فضحت نيات الكيان السيئة وشهيته لتفسيرات لاحقة. وفي ذلك ملاحظات:
أولاً، تصر إسرائيل – كما عكست تسريبات مسؤوليها للإعلام – أنها لم ترفض الاتفاق، بل رفضت الملاحظات عليه وحسب. وتوضيح كهذا يعني أن الأمور لم تصل إلى طريق مسدود، وأن إسرائيل تحرص على توضيح ذلك كي لا يبادر الطرف الآخر إلى تفسير الأمر رفضاً للاتفاق، وهي إشارة واضحة إلى حزب الله تحديداً بضرورة التمهل قبل أن يقدم على أي إجراء متطرف. وقد أبلغ مصدر سياسي إسرائيلي موقع «يديعوت أحرونوت» أن فرصة التوصل إلى اتفاق مع لبنان، في مرحلة ما بعد (وليس قبل) الانتخابات الإسرائيلية مقلصة جداً. في حين أن أصل التسريب الذي تحدث عن رفض الملاحظات اللبنانية، وأثار كل الضجة والاحتقان أمس، لم يرد على لسان لابيد نفسه، بل عبر مصدر سياسي رفيع، ما يتيح للمستوى السياسي الحاكم التراجع. علماً أن كل ذلك جاء في موازاة الحديث عن أن شركة «إنيرجيان» ليست جاهزة، بسبب «عراقيل تقنية»، لاستخراج الغاز من حقل «كاريش» في المرحلة الحالية (لغاية نهاية الشهر الجاري)، وهو التأجيل المتكرر منذ أسابيع.
ثانياً، لا يمكن استبعاد العامل المرتبط بالانتخابات الإسرائيلية، بين لابيد ومعارضيه، على ضوء الحملة الشرسة التي يقودها بنيامين نتنياهو ضد الاتفاق، ما أثمر نتائج طيبة لرئيس المعارضة. وهذا يفسر، في حد أدنى، تظهير ما حصل في هذه الجولة من المفاوضات التي كانت لتكون بعيدة كغيرها من الجولات عن الإعلام العبري، لولا المصلحة الشخصية للابيد وتقاطعها مع سير التفاوض الذي بات جزءاً لا يتجزأ منه، وهي عملية تفاوض عبر الإعلام في هذه المرحلة، وهو ما يجب أن يكون في حسبان المفاوض اللبناني، قبل الإجابة على رفض الملاحظات، كما يرد من إسرائيل.
الواضح أن المصلحة الشخصية لرفض لابيد، تقف إلى جانب إرادة تحصيل ما أمكن من لبنان عبر كشف المفاوضات على الإعلام والتلميح إلى إمكان نسفها، لتحصيل ما أمكن عبر التفاوض المكشوف. لكنها أيضاً تفسر طريقة الإخراج التي تبدو وكأنها تشير إلى صقورية مفقودة لدى لابيد نفسه، علماً أن نتنياهو بادر في أعقاب ذلك إلى حصد المكاسب، إذ قال إن «معارضتي لاتفاق الخضوع لحزب الله، هو الذي دفع لابيد لرفض الملاحظات اللبنانية».
ثالثاً، قال لبنان كلمته، وقالت إسرائيل كلمتها. وإذا توقفت الأمور عند هذا الحد من التفاوض، فهذا يعني نسفاً للاتفاق قبل أن يولد، وستتجه الأمور إلى التصعيد. وهي نتيجة طبيعية لواقع الأمر، مع مفاوضات تجري تحت سقف التهديدات والتهديدات المقابلة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، وهو ما أجبر الأخير على دفع صاحب القرار السياسي في تل أبيب، إلى القبول بالمطالب اللبنانية.
جدول أعمال رأس الهرم السياسي مشبع بالتهديدات الداخلية، وهو يحاول أن لا يتجرع «سم الاتفاق» الذي ارتضته المؤسسة الأمنية وفرضته عليه، درءاً لأخطار مواجهة قد يتسبب بها الرفض. إلا أن من «تجرع سم» الرضوخ لحزب الله، كما يرد على لسان نتنياهو، وإن خصص في حديثه لابيد دون المؤسسة الأمنية، يحاول التخفيف من حجم ومستوى السمّية ما أمكن، عبر الدفع ببنود يمكنها أن تغير واقع الرضوخ وتقلب التموضعات بين إسرائيل ولبنان، عبر الاحتيال والتشاطر على البنود، نتيجة تفسيرات لاحقة ملغومة، أحسن لبنان إيراد ملاحظته عليها منعاً للغط الإسرائيلي مستقبلاً.
رابعاً، كما هي العادة المتبعة في تل أبيب، قرن رفض الملاحظات اللبنانية، بتصريحات متشائمة بإمكان التوصل إلى اتفاق، وبتهديدات موجهة إلى حزب الله في حال أقدم على التدخل عسكرياً في سياق التفاوض. وتحاول تل أبيب عبر هذا «التكتيك التفاوضي» دفع لبنان إلى التراجع عن ملاحظاته أو تليينها بما يتوافق مع المصالح الإسرائيلية، مع الرهان على أن تسحب هذه التهديدات ورقة التهديد العسكري من حزب الله. علماً أن الرهان الإسرائيلي يأتي في معرض مجازفة لا يقين إزاء نتيجتها.
خامساً، باتت الكرة الآن في ملعب الجانب الأميركي الذي أكد أمس، عبر مسؤول كبير في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض لموقع «واللا» العبري، أن المفاوضات وصلت إلى نقطة مصيرية، لكن الإدارة الأميركية لا تزال تعتقد أنه يمكن التوصل إلى اتفاق. ووفقاً للمسؤول الأميركي، فإن «هوكشتين مستمر في بذل الجهود المكثفة مع الطرفين، والفجوات تقلصت، وما زلنا ملتزمين عرض اتفاق بينهما». يأتي ذلك بعد تأكيد مصادر ديبلوماسية غربية للموقع نفسه، نقلاً عن هوكشتين، أن «الملاحظات اللبنانية غير ضرورية ولا يجب أن تمنع التوصل إلى اتفاق». والمعنى أن الموقف الأميركي رافض للعرقلة، وإن أوحى أن العرقلة لبنانية، وسيسعى إلى ترتيب تسوية ما بين الجانبين، وهو هدف الاعتراض الإسرائيلي.
في المحصلة، الاتفاق قد يبرم أو لا يبرم. الاحتمالات كلها واردة من ناحية منطقية، وهو في الأساس لم يكن مبرماً كي ينسف كما تردد لدى البعض أمس. لكن في كل حالة سيبنى على الشيء مقتضاه. الكرة الآن في ملعب إسرائيل وأميركا، وأكثر تحديداً في ملعب المؤسسة الأمنية الإسرائيلية التي دفعت إلى بلورة الاتفاق عبر تراجع إسرائيل عن مطالب أصرت عليها لسنوات، بعدما تلقت تهديدات حزب الله، وقدرت أنها ستُفعّل في حال رفض الاتفاق وفقاً للشروط اللبنانية.
تبقى المعادلة الحاكمة على حالها لا تتغيّر: رضوخ إسرائيل جاء نتيجة التهديد ومنعاً لتصعيد عسكري وحرب في مواجهة حزب الله. هذا الموقف لا يتغيّر إلا بعد أن تتغيّر تقديرات المؤسسة الأمنية في تل أبيب بأن إرادة حزب الله تراجعت، وبات غير متوثب لتنفيذ تهديداته. إذا كان موقف حزب الله ثابتاً، فالنتيجة أن موقف إسرائيل لا يتغيّر. أما تفسير ما جرى أمس، فقد يكون عائداً إلى «تشاطر» تتداخل فيه عوامل مختلفة تتعلق بالساحة الإسرائيلية نفسها، وربما أيضاً تطرف في إمكان التغيير في الاتفاق وإن متأخراً. أما أرجح التقديرات، فيشير إلى أن رفض الملاحظات اللبنانية هو تكتيك إسرائيلي يتعلق بمحاولات كسب ما أمكن في اللحظات الأخيرة من المفاوضات، مع محاولة تحسين صورة الرضوخ التي أجبر لابيد على أن يتلقاها هو تحديداً كونه الآن رئيساً للحكومة. أما إذا كانت هذه التقديرات خاطئة، فستكون للميدان كلمته، من دون استبعاد أي نتيجة متطرفة، مهما بلغ تطرفها.
البناء
تركيز «إسرائيلي» على التصعيد الأمني تحت دخان الاعتراض على الرد اللبناني يغطي الاتفاق
لبنان متمسّك برفض الأمر الواقع في نص الاتفاق… والمقاومة جاهزة لكل الاحتمالات
الأميركيون يؤكدون أن الفرص مفتوحة لتجاوز الخلافات… وإبراهيم يدعوهم لتحمّل المسؤولية
خرج النقاش حول أصل الاتفاق الذي توصل إليه الوسيط الأميركي حول ترسيم الحدود البحرية الجنوبية للبنان عاموس هوكشتاين، من التداول بين أركان كيان الاحتلال، وصارت القضية فجأة هي قضية الرد اللبناني وما تضمنه، ومخاطر انهيار الوضع الأمني الحدودي وإطلاق صيحات الحرب والتلويح بخوضها، بصورة مسرحية هوليوودية لا تخلو من تسجيل النقاط المتبادل بين المتنافسين في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، لدرجة أن زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو تجاهل اعتراضاته على أصل الاتفاق وإدانته لحكومة يائير لبيد لقبولها به واكتفى باعتبار رفض لبيد للمطالب اللبنانية المتصلة بنصوص مختلفة عن ما تم التفاوض حوله، وهي رغم أن بعضها أساسي وبمثابة خط أحمر بالنسبة للبنان، إلا أنها لم تكن في بنود التفاوض التي دارت حول تثبيت الخط 23 وحق لبنان بكامل حقل قانا وعدم تأثير الخط البحري على حدود لبنان الدولية البرية المعترف بها، ومن البديهي أن الأميركي والاسرائيلي عندما قررا اضافة هذه البنود الإشكالية مثل تثبيت خط «الطفافات» كخط حدودي بحري، أو ربط استثمار الشركات المشغلة للحقول اللبنانية بتنفيذ تفاهماتها الضمنية مع «اسرائيل»، أو اشتراط الا تكون الشركات المتعاقدة مع لبنان خاضعة لعقوبات أميركية بدلا من اشتراط عدم خضوعها للعقوبات الدولية، كانا يعرفان الصعوبة ان لم يكن الاستحالة في الفوز بتمرير هذه النقاط، التي لا يمكن لأي عاقل تخيل القبول بها، ما يعني ان دسها في النص بتوافق اميركي اسرائيلي، اما كان بهدف تقويض الاتفاق من اساسه. وهذا ما تستبعده المصادر المتابعة للمفاوضات والعناصر التي فرضت وصولها الى التسليم باتفاق يلبي المطالب اللبنانية، وهي العجز الأميركي عن تحمل تداعيات حرب جديدة قد تشعل البحر المتوسط وتغلقه أمام التجارة العالمية وإمدادات الطاقة، وأزمة الطاقة العالمية والحاجة الملحة لتأمين عاجل لاستخراج الغاز من حقل كاريش ونقله الى اوروبا، ووجود عزيمة واضحة لدى المقاومة بالمخاطرة بخوض حرب إذا بدأ الاستخراج من كاريش دون نيل لبنان مطالبه، وامتلاك المقاومة ما يكفي لخوض هذه الحرب، وهي عناصر ثابتة لا تغيير فيها إلا لصالح تثبيتها، كمثل ما فعلته قرارات أوبك بلاس بتعميق أزمة إمدادات الطاقة، وتبقى الفرضية الثانية وفقاً للمصادر، وهي منح حكومة لبيد فرصة خوض معركة داخلية بوجه خصومها، تظهر خلالها بمظهر القوة وتنتهي بسحب نقاط الخلاف وإحالتها لتفاوض لاحق، أو الاستعاضة عنها برسالة ضمانات أميركية لـ»إسرائيل»، وهذا يعني أن السؤال يبقى حول ما اذا كانت حكومة لبيد ستنجح بتجاوز هذا القطوع قبل موعد الاستخراج المفترض من كاريش، أم أنها تتحمل تأجيلاً إضافياً لما بعد الانتخابات هذه المرّة؟
هذا الخيار يفرضه أن لبنان لن يتراجع عن مطالبه التي وصفها رئيس الجمهورية بالحقوق، والمقاومة لن تتراجع عن معادلتها باستهداف منصات الغاز الإسرائيلية إذا بدأ الاستخراج قبل نيل لبنان مطالبه، بينما وزارة الخارجية الأميركية ومجلس الأمن القومي الأميركي يعتقدان بأن الفرصة لا تزال قائمة للتوصل إلى تفاهم يتيح توقيع الاتفاق، ولهذا قال المدير العالم للأمن العام اللواء عباس إبراهيم المتابع عن قرب لملف التفاوض مع الوسيط الأميركي بأن لبنان غير معني بالكلام الاسرائيلي ويدعو الاميركي لتحمل مسؤولياته.
وبعد 4 ساعات من النقاش في المجلس الوزاري المصغر في كيان الاحتلال، الذي عقد اجتماعاً استثنائياً لبحث ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، «فوّض الكابينت رئيس الوزراء الإسرائيلي لابيد ونفتالي بينيت ووزير الدفاع بيني غانتس بإدارة سيناريو تصعيد في الشمال حتى من دون اجتماع آخر للوزراء»، وفق ما ذكرت القناة 12 الإسرائيلية.
ونقل موقع «أكسيوس» عن مسؤول رفيع في البيت الأبيض، أن محادثات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل في مرحلة حرجة. وأفاد الموقع نقلًا عن ثلاثة مسؤولين إسرائيليين، بأنّ «أهم تغيير في مسودة الاتفاق الذي طالب به لبنان يتعلق بالاعتراف بـ»خط العوامات» كحدود دولية».
وأشارت وسائل إعلام عربية الى أن الرسالة التي نقلت للوسيط الأميركي في ملف الترسيم هي الاستعداد للتصعيد على الجبهة الشمالية، مضيفة أن هوكشتاين تبلّغ أن «إسرائيل» لن تقدم أي تنازلات إضافية.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد أعلن خلال اجتماع الكابينت رفضه للمراجعات اللبنانية على مقترح ترسيم الحدود البحرية. وقال: «سنوقف مفاوضات الحدود البحرية إذا استهدف حزب الله حقل كاريش». وأضاف: «لن نتنازل عن مصالحنا الأمنية والاقتصادية حتى لو كان ذلك يعني أنه لن يكون هناك اتفاق قريباً وسنستخرج الغاز من كاريش في أقرب وقت ممكن».
من جهته، هدّد وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي بيني غانتس، لبنان، بالقول: «إذا استهدف حزب الله بنيتنا التحتية سيدفع مع لبنان ثمناً باهظاً». إلا أن مصدراً في الرئاسة اللبنانية نقل عن الوسيط الأميركي قوله إن الإسرائيليين رفضوا بعض الملاحظات اللبنانية، ولم يرفضوا الاتفاق. ومن المتوقع أن يصدر خلال الساعات المقبلة موقف عن هوكشتاين لوقف السجال بما يتم تداوله في وسائل إعلام العدو بملف الترسيم.
وفي حين لوحظ أن المجلس الوزاري المصغر لم يعلن قراراً رسمياً وواضحاً من ملف الترسيم بل مجرد مواقف لبعض المسؤولين، ما يعكس التخبط الإسرائيلي الداخلي من جهة ورسائل انتخابية باتجاه المعارضة التي يتزعمها بنيامين نتنياهو لمنعه من استثمار توجه حكومة لابيد نحو توقيع التفاهم مع لبنان وتصوير الأمر على أنه تنازل ورضوخ لحزب الله، وضعت مصادر مطلعة على ملف الترسيم الموقف الإسرائيلي في إطار المناورة السياسية التكتيكية والمزايدات السياسية الداخلية في «إسرائيل» تهدف الى تأجيل توقيع التفاهم الاقتصادي الحدودي الى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية التي ستجرى في 2 تشرين الثاني المقبل. وتوقعت أن يوقع التفاهم بعد الانتخابات الاسرائيلية.
ولفتت المصادر لـ»البناء» الى أن «الموقف اللبناني لن يتأثر بالكلام الإعلامي الإسرائيلي وغير معني به، ويهمه أن لا يستخرج الغاز من كاريش قبل توقيع التفاهم والإسرائيليون يدركون بأن حزب الله لن يتراجع عن تهديداته بالحرب إذا تمادى العدو، ما سيؤدي الى مواجهة قد تتدحرج الى حرب عسكرية لا مصلحة لـ»إسرائيل» بخوضها خصوصاً في ظل وضعها الداخلي المتشظي والظروف الدولية الصعبة والخطيرة».
وتعتقد المصادر بأن إنجاز الترسيم أكبر من قرار إسرائيلي بل أصبح معركة أميركية يتعلق بالحرب الروسية – الأوكرانية وقرار واشنطن بتنفيذ الوعد الذي قطعته للأوروبيين بتصدير غاز ونفط المتوسط الى أوروبا قبل حلول الشتاء، وإلا سينعكس الأمر على موازين القوى في المعركة وستميل الى روسيا بالكامل، ما سيفرض على الاتحاد الأوروبي حسم أمره باتجاه الطلب من روسيا إنهاء الحرب بتسوية سلمية وإعادة العلاقات السياسية والتجارية والاقتصادية مع موسكو الى طبيعتها.
أما عن تهديدات وزير جيش العدو بالتصعيد ضد لبنان، أوضح خبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية لـ»البناء» أن هذه التهديدات والاستنفار العسكري على الحدود طبيعي وروتيني لمنح كلام المسؤولين الإسرائيليين عن رفض الاتفاق مصداقية وجدية لدى الرأي العام الإسرائيلي، وبالتالي لن يرتب أي مفاعيل عملية في الميدان. ولو كانت «إسرائيل» جاهزة للحرب لم تكن لتوافق منذ البداية على المفاوضات بملف الترسيم ومنح لبنان الخط 23 وحقل قانا كاملاً، ولكانت فرضت شروطها بالحرب للوصول الى الخط 1 أو خط هوف.
ويرى الخبير بأن لا قيمة للتهديدات طالما حزب الله لن يتخذ أي خطوة عسكرية في المدى المنظور إذا لم يبدأ العدو باستخراج الغاز قبل توقيع التفاهم. ويوضح أن رد المقاومة إذا بدأ العدو بالاستخراج سيكون ضمن خطوات تدريجية قد تنتهي بالمواجهة والحرب العسكرية.
أما عن موقف المقاومة فتنتظر موقف الدولة من الكلام الاسرائيلي وفق ما تشير أجواء مطلعة على موقف المقاومة لـ»البناء»، وتحدّد موقفها تحت عنوانين:
الأول: تحديد الحقوق اللبنانية وتقف بهذا الأمر خلف الدولة.
الثاني: ضمانة الحق ولا تنتظر المقاومة قراراً من أحد.
وكان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تابع مع وزير الدفاع الوطني موريس سليم لآخر المعطيات المتصلة بالمفاوضات الجارية بالترسيم. وأكّد نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، لوكالة «رويترز»، أنه على اتصال مع الوسيط الأميركي كل ساعة لحلّ المشكلات العالقة في اتفاق الحدود البحرية مع «إسرائيل»، معلنًا أنّه «تمّ إنجاز 90% من الاتفاق، لكن نسبة 10% المتبقية هي الحاسمة».
وإذ لمت «البناء» من مصادر رسمية أن لبنان لن يتراجع عن الملاحظات التي قدمها للوسيط الأميركي بما خصّ تفاهم الترسيم الاقتصادي، لفتت مصادر إعلامية الى أن هناك إشكالية قائمة بشأن حرية العمل بحقل قانا، ولا يمكن للبنان أن يقبل أي عرقلة لشركة توتال بهذا المجال طالما إسرائيل اعترفت بحق لبنان كاملاً باستكشاف الحقل. وأوضح مصدر لبناني، أن «لبنان أنجز كل ما يتوجب عليه بهذا الملف والكرة بالملعب الإسرائيلي، إما أن يسيروا بالاقتراح المطروح حالياً، وإما رفض الملاحظات نتيجة المزايدات الداخلية الإسرائيلية لأسباب سياسية عبرية، وبالتالي توقف عملية استخراج الغاز».
وأكد عضو فريق التفاوض اللبناني في الملف المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، أن «لبنان لا يعنيه الجواب الإسرائيلي حيال المقترحات اللبنانية حول اتفاق ترسيم الحدود البحرية». وأشار في تصريح لوكالة «سبوتنيك»، الى «اننا ننتظر من الوسيط الأميركي أن يتحمل مسؤوليته، وطالما موقف لبنان موحّد نحن الأقوى».
على صعيد آخر، دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية الخميس 13 تشرين الأول المقبل. أوساط مشاركة بالمشاورات بين الكتل النيابية أكدت لـ»البناء» أن «مواقف الكتل على حالها من الرئاسة، ولن تتغير حتى الجلسة المقبلة، ولم تستطع الاجتماعات بين كتل المعارضة والمستقلين من جهة وكتل القوات والكتائب من جهة ثانية توحيد الموقف. وكان رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع التقى في معراب أمس تكتل «الاعتدال الوطني».
وتوقع مصدر نيابي عبر «البناء» أن يتكرّر سيناريو جلسة الخميس الماضي في جلسة 13 تشرين، مشيراً الى أن الأسماء التي تطرح في سوق التداول هي بمعظمها أسماء محروقة كالنائب ميشال معوّض الذي يستخدمه البعض على سبيل التجربة، وبالتالي لن تطرح أسماء جدية إلا في الكواليس ولحظة نضوج التوافق الداخلي وظروف التسوية الخارجيّة، فيخرج المرشح الرئيس الى العلن ويجري تأمين نصاب الجلسة وانتخابه بالأكثرية المرجحة.
وكان رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أعلن في مؤتمر صحافي عقده مساء أمس في ميرنا الشالوحي ورقة أولويات التيار للاستحقاق الرئاسي. ولفت الى أن «خيارنا لدعم أو تأييد أي شخص لرئاسة الجمهورية مرتبط بمدى التزامه بتطلعاتنا الرئاسية».
وعدد باسيل الخطوات العريضة التي على أساسها يحدد التيار موقفه من المرشحين، وأبرزها «التمسّك بالقاعدة التمثيلية لرئيس الجمهورية كشرط ميثاقي أساسي للحفاظ على دوره، واحترام الميثاقية الوطنية في تكوين السلطات على قاعدة الشراكة التامة والمتوازنة بين المسيحيين والمسلمين ورفض تكريس أي موقع لأي طائفة في المناصب الوزارية ومنع أي استغلال لمبدأ الميثاقية بهدف التعطيل التعسفي لعمل السلطات، وعقد طاولة حوار وطني لتطوير النظام استناداً الى تنفيذ وثيقة الوفاق الوطني، معالجة الثغرات والاختلالات في الدستور، إقرار اللامركزية الإدارية والمالية الموسَّعة، إلغاء الطائفية وإقرار قانون مدني للأحوال الشخصية؛ وصولا الى الدولة المدنية».
وشدد باسيل على أن «ثمة مشكلة بانتخاب رئيس جديد وبتشكيل الحكومة، والإشارات غير مشجّعة لجهة الانتخابات والفراغ، وآخرها الدعوة لجلسة في 13 تشرين التي تحمل استهتاراً بمشاعر الناس».
وأشارت جهات معارضة للعهد وتتابع الملف الحكومي لـ»البناء» الى أن «العقدة تكمن بالشروط الجديدة التي وضعتها جهة سياسية معروفة، إذ كان الاتفاق بين عون وميقاتي بتعديل وزيرين أو 4 وزراء كحد أقصى وبعد عودة ميقاتي من نيويورك تفاجأ بورقة شروط جديدة وجدول أعمال الحكومة وتعيينات بالفئة الأولى ومصرف لبنان، واستبدال أغلب الوزراء المسيحيين، ما سيأخذ وقتاً طويلاً للتأليف».
في المقابل تشير أوساط التيار لـ»البناء» الى أن «ميقاتي يريد حكومة طيّعة يدير بها البلد بأريحية بفترة الشغور الرئاسي»، فضلاً عن قرار داخلي بعدم تأليف حكومة خلال ما تبقى من ولاية الرئيس عون لكي لا يعطى أي إنجاز في نهاية العهد»، مرجحة استمرار حكومة تصريف الأعمال الى ما بعد انتهاء الولاية الرئاسية.
على صعيد آخر، يعقد مجلس القضاء الأعلى اجتماعاً يوم الثلاثاء المقبل، وعلى جدول أعماله بندان: الأول تعيين رؤساء محاكم التمييز، والثاني التصويت على تعيين محقق رديف في تحقيقات انفجار المرفأ. وأصدرت الهيئة الإتهامية في بيروت المؤلفة من القضاة الرئيس ماهر شعيتو والمستشارين جوزف بو سليمان ومحمد شهاب منتدباً، قراراً قضى بتخلية سبيل المدير العام للجمارك بدري ضاهر من دون كفالة، وذلك في ملف رفع منع السفر عن الأمير السعودي عبد المحسن آل سعود الملقب «بأمير الكبتاغون»، على اعتبار أنه قد مضى على توقيفه الاحتياطي في هذا الملف مدة تجاوزت الستة أشهر.
وفي مجال قضائي آخر، مثُلت المودعة سالي حافظ وشقيقتها إكرام أمام قاضي التحقيق الأول في بيروت بالإنابة شربل ابو سمرا في قصر العدل وقد قرّر تركهما بكفالة مليون ليرة ومنعهما عن السفر لمدة ٦ أشهر. وقد تواصلت اقتحامات المصارف امس، حيث شهد بنك «البحر المتوسط «في النبطية عملية اقتحام من قبل شخص يدعى يحيى بدر الدين من مدينة النبطية وهو مسلح وقد احتجز الموظفين وطالب بوديعته البالغة قرابة 150 الف دولار وهدّد بالانتحار بعد ان ابلغ ان صندوق المصرف لا يحتوي على هذا المبلغ. كما اقتحم المودع مصطفى فاعور البنك اللبناني – الفرنسي فرع خلدة مطالباً بوديعته.