أكثر من 50 ألف مسافر سنوياً، من عائلات وطلاب ورجال أعمال وسياح، بين بيروت وموسكو كانوا يعتمدون، ذهاباً وإياباً، على شركة الخطوط الجوية الروسية «إيرفلوت» قبل توقفها منذ سبعة أشهر. ما قبل جائحة «كورونا»، وصل عدد الرحلات الأسبوعية للشركة إلى أربع أسبوعياً، بكلفةٍ تقارب 500 دولار للدرجة السياحية. وبعد الجائحة، ثبّتت الشركة رحلتين أسبوعياً، بالكاد كانتا تكفيان لتلبية الطلب (تقرير ندى أيوب).
بعد مدة وجيزة من بدء الحرب الروسية – الأوكرانية، تعرّضت سفن وطائرات ويخوت روسية في أكثر من دولة للاحتجاز، تطبيقاً للعقوبات الغربية ما دفع «إيرفلوت» إلى وقف رحلاتها إلى بيروت وعددٍ من الدول التي تعتبر أن للأميركيين نفوذاً فيها. وطالبت، عبر المديرية العامة للطيران المدني، بضماناتٍ من الحكومة اللبنانية بعدم وضع اليد على طائراتها في حال عادت إلى بيروت. الرد اللبناني تولاه، حينها، وزير الأشغال علي حمية، في رسالة تفيد بأن «طريق الرحلات مفتوح، وتكفله القوانين المرعيّة الإجراء». لكن الجهات الروسية لم تقرأ في إيجابية حمية ضمانة جدية، وأبقت على رحلاتها معلّقة. فيما جرى الالتفاف لبنانياً على الطلب ووضعت الكرة في ملعب «الأشغال»، وكأن العقبة تقنية، فيما الجميع يعلم أن ملفاً كهذا يحتاج إلى قرارٍ سياسي، لأنه في أي لحظةٍ يخضع فيها رئيس الجمهورية أو الحكومة لضغوط أميركية، لن تكون إيجابية حمية رادعاً.
قبل شهرين، بحسب معلومات «الأخبار»، تسلّمت وزارة الخارجية من السفارة اللبنانية في موسكو مراسلة حول الملف، بعدما أثاره نائب وزير الأشغال الروسي معها. ووفق المعلومات لا جواب حتى اليوم من الخارجية على المراسلة. صحيح أن قضية بهذا الحجم ليست من مسؤولية وزارة بعينها. لكن المراوحة في حل الملف، يدفع ثمنها اللبنانيون والروس الذين يتكلّفون اليوم 2000 دولار في الحد الأدنى للرحلة الواحدة على متن الخطوط التركية البديلة، وأكثر من ذلك في حال السفر عن طريق القاهرة. واللافت أن طائرات «إيرفلوت» تحط بأمان في كل من السعودية ومصر وتركيا والأردن، متحصنة بتعهداتٍ من تلك الدول.
وتشير مصادر «الأخبار» إلى أنه قبل ثلاثة أشهر، وفي إطار البحث عن مخرج، تمنى السفير الروسي في بيروت ألكسندر روداكوف على رئيس مجلس إدارة طيران الشرق الأوسط «ميدل إيست» محمد الحوت تسيير رحلات مباشرة بين موسكو وبيروت. كان الحوت متجاوباً من حيث المبدأ. إذ إن ملء فراغ «إيرفلوت»، يسهّل أمور المسافرين ودونه استفادة مادية لـ«ميدل إيست». ولكن تسرّب أن ما يؤخّر الاستجابة هو توقعات لبنانية بصعوبة موافقة شركات التأمين خوفاً من العقوبات الأميركية. علماً أن شركات الطيران العربية الأخرى لم تتوقّف عن تسيّير رحلاتها إلى موسكو. الاقتراح نفسه نوقش بين روداكوف وحميّة، وكانت وفق معلومات «الأخبار» في حينها الأجواء مطمئنة. وجرى الحديث يومها عن حلٍ قريب لإنهاء مأساة اللبنانيين والروس المتضررين. بعد أربعة أشهر، كرّر حمية أمس الكلام نفسه، خلال استقباله روداكوف والمدير العام لـ«ايرفلوت» في لبنان سيرغي بروسفينوف.
منذ حوالي شهر، اقترحت إحدى الجهات المعنية تنظيم أكثر من رحلة أسبوعية بين روسيا ولبنان، باستخدام طائرةٍ تابعة لـ«إيرفلوت»، غير مدرجة على لائحة العقوبات. وهي واحدة من 17 طائرة لم تشملها العقوبات. العقبة تمثّلت في تعبئة الطائرة بالفيول في مطار بيروت إذ إن العقوبات الغربية تمنع ذلك. تمت مراسلة كل من الطيران المدني ووزارة الأشغال والنقل وشركات المحروقات، للحصول على موافقتها. وحتى الساعة لا إجابة.
في هذه الأثناء، يعمل الجانبان الروسي واللبناني على التحضيرات اللوجستية لاستلام بيروت لهبة مساعداتٍ روسية من القمح والفيول، ستصل قريباً. تؤكد ثبات الموقف الروسي الإيجابي، غير المتأثر بسلبية السلوك السياسي اللبناني، إن كان سابقاً بشأن الحرب في أوكرانيا أم في التصويت الأخير ضد مصالح روسيا في الأمم المتحدة. فهل سيدفع ذلك بالمسؤولين اللبنانيين إلى حلحلة القضية وتقديم ضمانات يبنى عليها، انطلاقاً من انحيازهم لمصلحة مواطنيهم على المصالح الأميركية؟