يتصرف بعض الناشطين البيئيين بسذاجة تبعث على التساؤل عن مستوى إدراكهم لأسباب مشكلات البيئة وكيفية حلها. من هذه التصرفات التمسك بتلابيب الإعلام، وعدم الإهتمام بكشف العلاقة بين البيئي والسياسي. مقال حبيب معلوف، يضيء على هذه الإشكالية.
ماذا وراء كل هذاالضجيج حول نائب الرئيس الأميركي السابق آل غور؟
هل يستحق كل هذا الاهتمامالعالمي، ويمنح جائزة اوسكار على فيلمه الوثائقي «حقيقة مزعجة» (عام 2006)، ويتقاسم جائزة نوبل للسلام مع الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ، بحجة دفاعه معهموإثارته قضية تغير المناخ في العالم (عام 2007)؟
قد يعتبر البعض الأمر جزءا منحملات آل غور الانتخابية، استعدادا للانتخابات الرئاسية المقبلة في الولاياتالمتحدة الأميركية. كما قد يرد البعض الآخر أسباب نجومية آ ل غور الى قربه مناليهود في الولايات المتحدة الأميركية، ودعمهم الدائم له، لان ثمانين في المئة منهمصوتوا له، في الانتخابات الرئاسية العام 2000 الخ.
ويستغرب كثيرون، لا سيما من بيئيي الولايات المتحدة الأميركية نفسها، ارتفاع شأن آل غور «البيئي»، فيوقت كان مرشح البيئيين الحقيقي في الولايات المتحدة الأميركية، هو رالف نادر، وليس غور!
ولكن ما هي حقيقة مساهمة آل غور في إثارة قضية تغير المناخالعالمي وفي مكافحتها؟
صحيح أن آل غور كان قد أصدر كتابا تحت عنوان «الأرض فيالميزان»، نشر فيه «معتقداته الخضراء»، واصفا فيه مسألة تغير المناخ بأنها «أكبرخطر تواجهه البلاد [الولايات المتحدة] على الإطلاق»… إلا أن شهرته الكبيرة تعود الى العام 1997، يومنسب اليه الفضل في إنقاذ اتفاقية كيوتو الشهيرة لتغير المناخ، عندما وصل في الساعات الأخيرة الى القمة (في اليابان)، حيث كانت المباحثات على شفير الانهيار.
لكنالكثير من المراقبين البيئيين في العالم، لا يوافقون على منحه هذا الفضل، لا بليعتقدون، ان الصفقة التي توسط لإبرامها تلك الليلة، احتوت في ذاتها على بذور انهيار اتفاقية كيوتو، بعد مضي ثلاث سنوات في مؤتمر لاهاي (عام 2000)، يوم ربط تنفيذالاتفاقية بضرورة التزام البلدان النامية أيضا بها، مع العلم أنها المتسببة بالقليل من الانبعاثات، مصرا على أن تظهر تلك الدول ما أسماه «مشاركة ذات مغزى»، بالرغم منعلمه أن جميع الدول، كانت قد اتفقت في قمة الأرض التي كانت قد عقدت في الريو (البرازيل) العام 1992 ، ضمن إطار «معاهدة الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيرالمناخ»، على أن تبدأ البلدان الغنية (لا سيما الولايات المتحدة الأميركية والاتحادالأوروبي واليابان)، الأكثر تلويثا وتسببا بتغير المناخ، بالتحرك اولا، وتخفيضانبعاثاتها، وإعطاء البلدان الأقل نمواً فترة سماح لعشر سنوات، حتى تلحق بها. وقداعتبر اقتراح آل غور، بمثابة كسر الإجماع العالمي، والالتفاف على مقررات قمة الأرضفي الريو، كما أسلفنا. ولم يتردد بعض المعلقين البيئيين آنذاك، في وصف مواقف آلغور، بـ«المناورات الماكرة»، وربطوها باستجابة واستسلام فريق كلينتون آنذاك،للضغوط التي بذلها اتحاد عريض من المناهضين لكيوتو، من أصحاب المصالح النفطيةالكبرى، الذين طالبوا بأن تقبل كل من الصين والهند، بدورهما الالتزام بتخفيضاتإلزامية في انبعاثات غازات الدفيئة. وهذا ما دفع الدول الفقيرة، المتسببة بقليل منالانبعاثات، الى اشتراط عدم القيام بأي تحرك حتى يقوم بذلك الملوثون اولا.
بالإضافة الى ذلك، فقد ذهب البعض الى انتقاد فريق آل غور بالسماح بالكثير من”الهواء الساخن” في كيوتو، بحسب تعبيرهم. فوفقا لشروط الاتجار بالانبعاثات، فإنالدول التي تجد انه من المكلف جدا عليها ان تحد من انبعاثات غازات الدفيئة محليا،يمكنها شراء أرصدة خارجية من الدول التي تمتلك أرصدة للبيع. لكن ما حدث فعلا هوظهور ثغرة واسعة في هذا الاقتراح عندمــا استسلــم المتفاوضون لمطالبات كل من روسياوأوكرانيا للحصول على منح سخية، تبين في ما بعد أنها غير واقعية، مقابل غازاتالدفيئة… مما أدى إلى تقويض مصداقية اقتراح الاتجار بالانبعاثات.
ويذهب البعضايضا الى التشكيك في مصداقية كلينتون وآل غور، في فترة حكمهما، وفي سياساتهماالداخلية للحد من الظاهرة تحديدا، وذلك كونهما لم ينفقا كثيرا من المال علىالسياسات المتعلقة بهذه القضية، ولا سيما في دعم الأبحاث المتعلقة بإنتاج الطاقةالمتجددة البديلة، نحو نظام للطاقة يتخطى نطاق الكربون.
قد تبدو هذه «الحقائق» حول مسيرة آل غور البيئية، «مزعجة» بعض الشيء، عند الذين تحمسوا للرجل، ولا سيماعند بعض ناشطي الوطن العربي، الذين هللوا كثيرا لبطولاته الوهمية، وروجوا لفيلمهالوثائقي «حقيقة مزعجة». إلا أن الحقيقة الحقيقية، ان قضية تغير المناخ العالمي،بقدر ما قد تبدو حقيقة «مزعجة» للبلدان الغنية، في أقل تقدير، قد تكون «قاتلة» فيالبلدان الفقيرة، الأقل قدرة على التكيف بالتأكيد.
COMMENTS