إسرائيل اليوم ومستقبلها حتى العام 2015 (1 ـ 3)

فلسطين المحتلة : إضرابات الأسرى إلى تصاعد و"الشعبية" لـ"تشكيل لجنة دعم" لهم
السعودية ولعنة إعدام النمر؟
ماذا بعد «سايكس- بيكو»!

نظم مركز دراسات الشرق الأوسط في عمان ندوة[1]عن حاضر إسرائيل ومستقبلها حتى عام 2015م، بمشاركة عدد من الباحثين والمختصين في الشأن الإسرائيلي.هدفت الندوة إلى إدراك كنه التحولات التي طرأت على الدولة والمجتمع في إسرائيل طيلة العقود الستة الماضية، وتقديم قراءة مستقبلية لطبيعة ملامح الدولة ومكوناتها حتى العام 2015م، إلى جانب تناول علاقات الدولة الإقليمية والدولية في ظل تنامي برنامج المقاومة الفلسطينية والعربية وتقدم نفوذ الإسلام السياسي في القرار السياسي والمشاركة في الحكم في فلسطين المحتلة والمنطقة العربية خصوصا في السنوات الست الماضية منذ العام 2000م. بحثت الندوة في أربع جلسات وزعت على مدى يومين العديد من المحاور التي تناولت واقع إسرائيل اليوم من الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والاستراتيجية، توطئة للبناء عليها في محاولة استشراف مستقبلها حتى العام 2015م وذلك كمحاولة استباقية لمخطط إسرائيل لعام 2020م.

الورقة الأولى : العقيدة الأمنية الإسرائيلية والفشل المتراكم
قدم د. مسعود إغبارية ورقة بحثية عن العقيدة الأمنية الإسرائيلية، معتقداً أن “إسرائيل تعاني اليوم من أزمة متعددة الجوانب تعود إلى فشل متراكم في عقيدتها الأمنية، إذ بدأت مباشرة على إثر حرب حزيران 1967م، وتراكمت عبر خمسة تطورات مهمة في المنطقة لتنتهي في حرب تموز (يوليو) ـ آب (أغسطس) 2007م. ويرى الباحث أن “النهوض والتحدي العربي والفلسطيني ساعد على إدخال المشروع الصهيوني في فلسطين في مأزق لم تعد تتحمله أعداد متزايدة من الإسرائيليين اليهود، فبدأت الهجرة اليهودية من فلسطين في ازدياد”.
مع تحقيق زعماء الحركة الصهيونية احتلال الأرض الفلسطينية، واستعمارها، وتشريد قسم من أصحابها الأصليين، إلا أنه لم ينعم المستوطنون بالسلام، وسياساتهم تقودهم للمزيد من عدم الاستقرار وعدم الأمن والأمان.
أشار الباحث إلى أن العقيدة الأمنية الإسرائيلية لا تتحمل تغييرات وتحسينات؛ لأنها ترتكز على فرضيات ومفاهيم ثقافية راسخة في عقلية الزعماء السياسيين في إسرائيل، لافتاً إلى أن المخرج يكمن في بنائها ـ من جديد ـ على أسس ومفاهيم إنسانية بدل التركيز على استعمال سياسة القوة.
وأشار الباحث إلى أن سياسة القوة التي ارتكزت عليها المنظمات الصهيونية لإقامة إسرائيل ـ وما زالت قائمة بفضلها ـ تواجه صعوبات كبيرة، فيما تفقد أعداد متزايدة من الإسرائيليين الثقة بها؛ لأنها لم توفر لهم الأمن والأمان. لافتاً إلى أن التقرير الأولي للجنة فينوغراد حول الحرب الإسرائيلية السادسة في تموز (يوليو) عام 2006م وصف تصرفات القيادة الإسرائيلية في الحرب بالفشل (164) مرة. وكشف تقرير مراقب الدولة حول دور “الجبهة الداخلية” خلال الحرب نفسها تقصيرات كثيرة، وكشفت تحقيقات مختلفة قامت بها لجان قضائية مختلفة وجود فساد مستشر وانتهاكات قيمية وأخلاقية بين صفوف قادة الصف الأول ومن دونهم.

الورقة الثانية : آفاق عملية التسوية للصراع العربي – الإسرائيلي.
قدم رئيس القسم العبري والدراسات والأبحاث الفلسطينية – الإسرائيلية في جريدة الدستور الأستاذ نواف الزرو ورقة بحثية حول آفاق عملية التسوية للصراع العربي – الإسرائيلي، وتوجهات إسرائيل إزاء مستقبل الدولة الفلسطينية وحدودها، وعودة اللاجئين.
وأشار الباحث إلى الحراك السياسي الراهن لتفعيل المبادرة العربية للسلام التي يعود عمرها الزمني إلى خمس سنوات فائتة حينما أقرها العرب في قمة بيروت 2002م وفعّلوها في قمة الرياض 2007م، إضافة إلى التصريحات والمقترحات الأمريكية والإسرائيلية المتلاحقة لفتح “أفق سياسي” للسلام، والتي تأتي ـ بحسبه ـ في الوقت الذي تعيش فيه واشنطن مأزقاً داخلياً وخارجياً.
وبحسب الباحث فإن التحركات الأمريكية الأخيرة تشابه تلك التي شهدتها الدبلوماسية الأمريكية في أوائل عهد الرئيس جورج بوش الابن لإيجاد حلول جزئية لملف القضية الفلسطينية، كخريطة الطريق واللجنة الرباعية الدولية، والتي “أثبتت جميعها صفتها الاستعراضية الفارغة من أي محتوى”، فيما جوبهت بتحفظ ورفض إسرائيلي استتبع أخيراً بموافقة مشروطة للمبادرة بالمطالبة بتعديلها، وباستباق التطبيع على السلام.
شدد الباحث في هذا السياق على أهمية دور المقاطعة العربية ومقاومة التطبيع لإحباط مخطط الهيمنة الصهيونية – الأمريكية على المنطقة العربية والشرق أوسطية برمتها، معتبراً أن “عملية المفاوضات والسلام وصلت منذ زمن بعيد إلى طريق مسدود”، وأن “كل الاتفاقيات التي عقدت برعاية أمريكية أو دولية بين السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال قد تفككت وتشظت بقوة مرعبة على صخرة ممارسات القتل والتدمير والاستيطان الإسرائيلي”.
يعتقد الباحث أن “عملية السلام ماتت وانتهت إسرائيليا”، فأقطاب “إسرائيل” من بن غوريون إلى أشكول إلى مائير إلى بيغن إلى رابين إلى شامير إلى باراك إلى نتنياهو إلى شارون وصولا إلى أولمرت كانوا قد أعلنوا ـ صراحة أو مواربة أو ميدانيا على الأرض ـ أن لا سلام مع العرب، وان أوسلو قد ماتت، و”أن التسوية الدائمة مع الفلسطينيين مستحيلة”.
وحذر الباحث من خطورة الأهداف الصهيونية الرامية إلى إعادة إنتاج مشروع الاحتلال، واستكمال بناء الجدران العنصرية، وتكريس الخريطة الاستيطانية اليهودية في أنحاء جسم الضفة الغربية، وضم ما بين 55 ـ 60% من مساحة الضفة وتهويدها ، وهي أرقام مرشحة دوماً للارتفاع، إضافة إلى هدف تدمير البنى التحتية المدنية الفلسطينية، وإنتاج المزيد من معسكرات الاعتقال الجماعية للفلسطينيين، وذلك وصولاً إلى إجبار الفلسطينيين على الاستسلام والتنازل عن حقوقهم الوطنية المشروعة.
وأشار إلى أن قادة “إسرائيل” ربطوا بين رؤية بن غوريون لعام 1937م للدولة اليهودية ذات الأبعاد التوراتية وبين مشروع “الشرق الأوسط الكبير” وبين رؤيته وبين السياسة الأمريكية الخاصة “بالشرق أوسط الجديد”، موضحاً بأن “حديث بعض القادة كرئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود أولمرت ووزير الحرب الإسرائيلي الأسبق شاؤول موفاز عن ترسيم حدود إسرائيل خلال العامين القادمين يعني الإبقاء على المستوطنات المركزية والمحافظة على القدس الموحدة وغور الأردن، وهو أمر لن يتم بالتأكيد عبر مفاوضات حقيقية مع الفلسطينيين وإنما عبر إجراءات أحادية الجانب.
تطرق الباحث إلى التطورات الأخيرة في المشهد الفلسطيني التي تمخضت عما يسميه الإسرائيليون “دويلة حماستان” أو “بانتوستان ـ حماستان في غزة” المعزولة تماما عن خريطة الدويلات أو البانتوستانات الأخرى الموزعة على مساحة الضفة الغربية، ما يثير تساؤلات حول مشروع الاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية، ومصير ما أطلق عليه”خريطة الطريق” و خطة “إقامة دولتين: فلسطينية وإسرائيلية”.
استبعد الباحث وجود “أي أفق سياسي” حقيقي لقيام دولة فلسطينية في المستقبل المنظور بعد تدهور الأوضاع الفلسطينية الداخلية، فيما باتت المهمات الملحة والعاجلة المطروحة على الأجندات الفلسطينية تتعلق بكيفية لململة الأوضاع والأوراق الفلسطينية، وتحقيق المصالحة والتعايش الفلسطيني بين الفصائل، والتصدي للمحاولات الإسرائيلية الرامية لفصل الضفة عن القطاع، وذلك بعد أن كانت في وقت سابق تتركز حول بناء مقومات الاستقلال والدولة.
لفت الباحث إلى الخطط الأمريكية الإسرائيلية الحالية للإعلان عن دولة فلسطينية منزوعة السلاح والسيادة وذات حدود مؤقتة حتى نهاية عام 2007م كبديل مرحلي عن التسوية الدائمة، وهو أمر يعني ـ وفقاً للباحث ـ تصفية القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية، معتبراً أن “كافة خطط المؤسسة الأمنية والسياسية الاستراتيجية الإسرائيلية وخرائطها ليست جديدة، بل هي قديمة متجددة تنطوي على المضامين والأهداف الصهيونية الأساسية، والتي يمكن إحباطها ودحرها إذا توافرت الخطة الاستراتيجية والإرادة السياسية العربية خلف إرادة الصمود والتصدي الفلسطينية”.
أوضح الباحث بأن الفكر الصهيوني يرفض حق عودة اللاجئين الفلسطينيين رفضاً مطلقاً، وينادي بالتوطين سبيلا لتصفية القضية نهائياً، وذلك في إطار موقف مجمع عليه من كافة التيارات السياسية الإسرائيلية ولم يطرأ عليه أي تغيير.
وأشار إلى مخاطر جدار الفصل العنصري الذي تواصل سلطات الاحتلال بناءه بهدف تكريس الأهداف الاستراتيجية الاستيطانية للمشروع الصهيوني على كامل مساحة فلسطين، والمنطقة الواقعة بين البحر والنهر، ومحاصرة من تبقى من الشعب العربي الفلسطيني في فلسطين وعزلهم وفصلهم خارجيا بانتزاعهم من جسمهم وعمقهم العربي، وفصلهم داخليا أيضا عن بعضهم بعضا، فيفصل الضفة والقطاع مثلا عن فلسطين 1948، والضفة عن القطاع، إضافة إلى تقطيع أوصال جسم الضفة بواسطة الكتل الاستيطانية والجدران الأساسية والالتفافية، وإنهاء المطالب والطموحات الوطنية الاستقلالية الفلسطينية، وفرض المحددات الجغرافية والسياسية لـ “اتفاق انتقالي طويل الأمد” باعتراف الشرعيات الفلسطينية والعربية والدولية.

الورقة الثالثة : دور المؤسسة العسكرية في صناعة السياسة الإسرائيلية
من جانبه، بحث أستاذ العلوم السياسية في جامعة العلوم التطبيقية د. نظام بركات في دور المؤسسة العسكرية في صناعة السياسة الإسرائيلية، وذلك من خلال تتبع مسار نشأتها الذي يعود إلى مرحلة ما قبل قيام إسرائيل عام 1948م، وبحث العوامل التي أسهمت في تنامي دورها، وتلك التي حدّت منه، وصولاً إلى دراسة تأثيرها في المجالات السياسية والأمنية والاجتماعية المختلفة.
يعتبر د. بركات أن دور المؤسسة العسكرية لا يقتصر فقط على الجيش والقوات المسلحة مثل الدول الأخرى، وإنما يتعداهما ليشمل عدة مؤسسات وجماعات داخل المجتمع الإسرائيلي، كوزارة الدفاع، والجيش، ومجموعة المؤسسات المرتبطة بها كالأجهزة الأمنية وحرس الحدود، وأجهزة المخابرات العسكرية والسياسية، ومعاهد الدراسات الإستراتيجية، والصناعات العسكرية، والمفاعلات النووية، والمستوطنات العسكرية، إضافة إلى منظمات الشباب، ومنها الجدناع والناحال.
وبحسب الباحث، فإن المؤسسة العسكرية “تتمتع بدرجة كبيرة من الاستمرارية والتكيف والاستقلالية والتماسك”، إلى جانب القدرة على التغلغل في كافة المناحي الحياتية الإسرائيلية، مسلطاً الضوء على دورها في بلورة النظرية الأمنية الإسرائيلية وترسيخ الاعتقاد بأهمية القوة العسكرية في تحقيق أهداف إسرائيل.
يجد الباحث أن ثمة عوامل عديدة أسهمت في تنامي دور المؤسسة العسكرية، تكمن في حالة إسرائيل الأمنية، والعقيدة الصهيونية والتراث الثقافي اليهودي اللذين يركزان على أهمية القوة والقتال في تحقيق الأهداف الصهيونية، مثلما يضفيان أهمية كبيرة للقوة والنخب العسكرية في إدارة الصراع، إضافة إلى تفكك المجتمع الإسرائيلي وعدم تجانسه، والصلاحيات الواسعة الممنوحة للمؤسسة العسكرية لمواجهة الأزمات، إلى جانب دور العسكريين (المسرحين) في دعم تلك المؤسسة.
في المقابل هناك عوامل أخرى تحدُّ من دور المؤسسة العسكرية تتمثل في استقرار النظام السياسي، وقدرة المؤسسات السياسية على استيعاب العسكريين بعد تركهم للخدمة مما حال دون تشكيلهم قوة ضاغطة منعزلة، إضافة إلى نفاذية الحدود بين المؤسسة العسكرية والسلطة السياسية، والتوجهات السلمية في المنطقة، وتراجع أهمية المؤسسة العسكرية في ظل زوال التهديد الناتج عن الصراع العربي الإسرائيلي، وظهور اتجاهات جديدة للسياسة الإسرائيلية في السيطرة الاقتصادية والسياسية على المنطقة ضمن مقولات “الشرق الأوسط الجديد” أو “الموسع”، وتعميق حدة الانقسام بين معسكري السلام والحرب في إسرائيل، إلى جانب الانتكاسات التي منيت بها المؤسسة العسكرية أخيراً.
ومع ذلك، فإن الباحث يعتقد بأهمية الدور المركزي والفاعل الذي تلعبه المؤسسة العسكرية في النظام السياسي الإسرائيلي رغم محاولة المسؤولين الإسرائيليين التقليل منه، وهو الأمر الذي يظهرـ بحسبه ـ في سيطرتها على أجهزة الاستخبارات وجمع المعلومات، وفي سيطرتها على مراكز الدراسات الإستراتيجية المسؤولة عن وضع التقديرات وصياغة البدائل لصانعي القرار، ودورها في وضع المبادئ العامة لسلوك الدولة داخلياً وخارجياً، ومشاركتها في الإجراءات والترتيبات السلمية والأمنية مع الدول المجاورة. وتلعب المؤسسة العسكرية أيضا دوراً فاعلاً في المجال الأمني من خلال بلورة نظرية الأمن القومي، وبناء القوات العسكرية، وإعدادها للحرب، والمحافظة على درجة استعدادها للقيام بالمهام التي توكل إليها من قبل السلطة السياسية، إضافة إلى تأثيرها البارز في المجالين الاجتماعي والاقتصادي.
يخلص الباحث مما سبق إلى أنه بالرغم من تعرض مكانة المؤسسة العسكرية للتهديد بفعل الدعوات المتلاحقة لإصلاحها بعد موجات الفشل التي منيت بها أخيراً، إلا أن المؤسسة ستعمل على إبقاء باب الحل العسكري مفتوحا حتى ولو كان ذلك من خلال عمليات عسكرية مفتعلة ومحدودة لضمان وحدة المجتمع والقوى السياسية الإسرائيلية. ويشير إلى أن الأحداث الأخيرة أظهرت قدرة المؤسسة العسكرية على التحكم في إدارة الصراع، غير أن ثمة اتجاهات حديثة تتجه نحو زيادة تأثير السلطة السياسية وتحكمها في سلوك العسكر، مما دفع المؤسسة العسكرية إلى الاستخدام المكثف للأسلحة التقليدية للاستعاضة عن عدم قدرتها على استخدام الأسلحة المتطورة.
ويرى الباحث أن “المرحلة الأخيرة ضخمت التوجه لدى الشباب الإسرائيلي لرفض الخدمة العسكرية في المناطق المحتلة، ومطالبتهم بالعيش برفاهية كحال معظم الدول المتقدمة، فيما يزال النقاش دائرا في الداخل الإسرائيلي حول دور المؤسسة العسكرية ومكانتها في صنع القرارات، خاصة في ظل غياب النصوص القانونية، وتنامي دعوات وضع القيود على تدخلاتها نتيجة اهتزاز الثقة بها بعد فشلها في تحقيق أهدافها الأمنية، وكذلك في ظل تراجع التهديدات بالحرب في المنطقة”.
يعتقد الباحث بأن “قسماً من المجتمع الإسرائيلي توصل إلى نتيجة مؤداها أن استمرار الاحتفاظ بمؤسسة عسكرية ضخمة سيؤدي إلى زيادة أعباء الإنفاق العسكري وزيادة التضخم، وبالتالي لا خيار أمام إسرائيل سوى التخلي عن جزء من ميزانية الدفاع وتعويضه بزيادة الارتباط الإستراتيجي بالولايات المتحدة لتخفيف حدة التوتر في المنطقة من خلال الاندماج بالعملية السياسية”.

Please follow and like us:

COMMENTS