هل “إسرائيل” مستقلة فعلاً عن الولايات المتحدة؟

هل “إسرائيل” مستقلة فعلاً عن الولايات المتحدة؟

في الطريق إلى آستانة …
“القيادة المركزية الأميركية” تضاعف التحديات وتناقص الموارد؟
حديث الرئيس بشار الأسد أمام اجتماع السادة العلماء والعالمات في جامع العثمان بدمشق (النص كاملاً)

[… اتهم وزير العدل “الإسرائيلي” ياريف ليفين، الحكومة الأمريكية بمساعدة ودعم المحتجين “الإسرائيليين” ضد خطة الائتلاف للإصلاح القضائي. وفي حديث نشرته صحيفة “جيروزاليم بوست” اليوم الإثنين أول أيار/ مايو 2023، قال ليفين : إن “واشنطن تعمل بالتعاون معهم في هذا الصدد، كما ترون من الأشياء التي قالها الناس في الحكومة الأمريكية”، معتبرا أنه “ليس هناك شك في أننا في وضع غير مفهوم في تعزيز الإصلاحات”.
وأضاف الوزير “الإسرائيلي” : “هم يسيطرون على المحاكم، والمدعي العام، وجميع رؤساء الاقتصاد.. الحكومة الأمريكية لديها سيطرة كاملة على الصحافة، ومواقع ynet وWalla، وIsrael Hayom”. وأشار إلى أنه ليس لديه شك في أنه “حتى لو قمنا بحملة كاملة لشرح الإصلاح، فليس هناك فرصة لوصولنا إلى وضع مختلف. يمتلك الجانب الآخر ترسانة من الأدوات المذهلة التي تم الكشف عن قوتها في هذا الحدث كما لم يحدث من قبل. إنه ممول بشكل جيد للغاية”.
وكان موقع The Washington Free Beacon قد أفاد في وقت سابق أن وزارة الخارجية الأميركية منحت أكثر من 38000 دولار منذ عام 2020 لحركة “من أجل حكومة الجودة”، وهي إحدى المجموعات الرائدة في الاحتجاجات ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في السنوات الأخيرة، بما في ذلك جولة هذا العام من المظاهرات المعارضة للإصلاح القضائي….]

ويتصل تصريح ياريف ليفين اليوم،  بالسؤال الجوهري الذي كان الباحث الفلسطيني أنطوان شلحت قد طرحه وحاول الإجابة عليه يوم 3 نيسان / أبريل الماضي، في مقال نشره على صفحة “المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية“، وهو :

هل إسرائيل مستقلة فعلاً عن الولايات المتحدة؟
ونظراً لأهمية المناقشة التي يثيرها هذا السؤال، خصوصاً من بعد تصريح ليفين اليوم، تعيد هيئة تجرير موقع الجقول نشر مقال شلحت كاملاً :
[…

رأينا أن تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن التي أبدى فيها امتعاضه من مضي رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قدماً في خطة حكومته الرامية إلى إضعاف الجهاز القضائي، وردّ هذا الأخير بأن من يقرّر سياسات إسرائيل، بصفتها دولة مستقلة تماماً، هو حكوماتها المنتخبة من قبل الشعب وليس الضغوط الخارجية حتى ولو كانت من أقرب أصدقائها وأرفعهم قيمة على غرار الولايات المتحدة، شكلّا مناسبةً أخرى لإعادة النبش في جذور ما يوصف بأنه “علاقات خاصة” بين الدولتين وتقييم صيرورتها الراهنة.

ومن أبرز ما تم الوصول إليه من استخلاصات أن زعزعة هذه العلاقات الخاصة على نحوٍ عامدٍ من شأنها أن تشكل خطراً وجودياً لإسرائيل، مثلما كتب البروفسور يحزقيل درور (هآرتس، 30/3/2023). أكثر من ذلك، أشار درور إلى أنه ليس ثمة أي مكان للأوهام في كل ما يخص حقيقة أن إسرائيل دولة ذات سيادة من ناحية رسمية، ولكنها من ناحية وجودية ما زالت تعتمد على المساعدات السياسية والأمنية الأميركية. ولذا لا يوجد أي خيار إلا رؤية أن الردّ المتحدي لرئيس الحكومة الإسرائيلية على الرئيس الأميركي، والذي كان فحواه أن إسرائيل مستقلة، يشكّل نوعاً من الخطر الوجودي الحقيقي.

وخلص درور إلى القول: من غير الواضح ما إذا كان نتنياهو تملّكه الوهم القاتل أم أنه يكذب على الجمهور ويضلله بشكل متعمّد، أو أن الحديث يدور حول خليط ما من الأمرين. وسأبقي لأخصائيين نفسيين مستقبليين حل لغز تطوّره النفسيّ، رداً على الضغوط التي يتعرّض لها. ولكن يستحيل ولا يجوز إرجاء استخلاص استنتاجات عملية من اليمين ومن اليسار على حدّ سواء، من تصرف رئيس الحكومة هذا الذي يُعرّض وجودنا إلى الخطر.

في سياق متصل أشار اللواء احتياط تامير هايمن، وهو المدير الحالي لـ “معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب، والرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية (“أمان”)، إلى أنه في التقدير الاستراتيجي الذي قدمه “معهد أبحاث الأمن القومي” إلى رئيس الدولة الإسرائيلية قبل عدة أسابيع، اعتبر أن تهديد مستقبل العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة هو الخطر الأكبر لأمن إسرائيل القومي. وأضاف: “لقد شددنا (في التقدير) على أن أغلبية المسارات التي تصنع هذا التهديد هي مسارات داخلية أميركية، وعلى الرغم من ذلك، فإن على حكومة إسرائيل ألا تزيد الأمور سوءاً على سوء؛ بما معناه أن الدفع قدماً بالانقلاب القضائي، وتجاهُل المطالبات والتلميحات، سيسرّعان مسار فقدان الدعم الأميركي، وهو الدعم الذي يشكل حجر أساس في أمننا جميعاً”.
كما ظهرت عدة تصريحات وتحليلات صحافية تؤكد هذه الاستنتاجات، كان أبرزها تحليل عيران نيتسان، الملحق الاقتصادي الإسرائيلي السابق في واشنطن، الذي قال “إن صناعات الهايتك الإسرائيلية هي التي تصب عائدات الضرائب في خزانة الدولة، وبدون هذه الصناعات لا يوجد اقتصاد إسرائيلي، وبدون الولايات المتحدة لا توجد صناعات هايتك إسرائيلية. علاوة على ذلك، فإن قدراً كبيراً من صناعات الهايتك الإسرائيلية الأكثر تقدماً هو ما يسمى بالتكنولوجيا المزدوجة والتي تمت بعد موافقة السلطات الأميركية. وفقط عندما تكون العلاقة حميمة وجيدة، يكون من السهل الحصول على موافقات من هذا النوع”.

وأضاف نيتسان: “لا أعتقد أننا سنصل إلى وضع لا يعطوننا فيه أسلحة، ولكن من الواجب القول إن هناك الكثير من التهديدات. على سبيل المثال، وكملحق اقتصادي سابق في واشنطن، يمكنني أن أشير إلى أن هناك مشاريع قوانين في الكونغرس تسعى إلى أن تكون مساعدة الجيش الإسرائيلي مرهونة بالعديد من الشروط الصعبة، ولكن كل الإدارات الأميركية ترفض هذه المشاريع ولا تسمح بتقليص أو اشتراط المساعدات لإسرائيل، والذي في حال حدوثه سينطوي على تداعيات قاسية للغاية” (معاريف، 30/3/2023).
رُبمّا يتعيّن أن نعيد التذكير أنه بالتزامن مع بدء ولاية الرئيس جو بايدن في كانون الثاني 2021، تصاعدالانشغال في إسرائيل بالوجهة العامة التي تعتزم الولايات المتحدة السير نحوها، ولا سيما في ضوء بروز مؤشرات قوية دلّت على أنها على أعتاب تغييرٍ ما في المقاربة المتعلقة بسياستها الخارجية، وما قد يترتبعلى ذلك من تأثير في سياسة اليمين الإسرائيلي الحاكم. وداخل هذا الانشغال ارتفعت أصوات كثيرة أعربت عن ثقتها بأن بايدن ومستشاريه سيعرفون كيف يفصلون بين الثانوي والأساس، وأنهم حينما سينظرون إلى خريطة الشرق الأوسط “سيشاهدون أن هناك دولة واحدة مستقرة وحليفة حقيقية لهم في المنطقة هي إسرائيل”، بحسب ما أكد أحد الدبلوماسيين السابقين. بموازاة ذلك لوحظ أن المقربين من نتنياهو سارعوا إلى إطلاق موسم التلويح بـ “الخدمات الأمنية” التي تقدمها إسرائيل إلى الولايات المتحدة،وتعتبر برأيهم أفضل ضمان لصيانة “العلاقات الخاصة” بين الدولتين في المدى البعيد.
ومن الأمور التي أمكننا استقطارها مما كتبه هؤلاء ويكررونه على الدوام، أن العلاقات الأمنية بين الولايات المتحدة وإسرائيل تتسم بطابع خاص لا يقدر عليه أي تبدّل للإدارات الأميركية. ويُشار بهذا الشأن تحديداً إلى أنه منذ 11 أيلول 2001 تبدو العلاقات الأمنية بين البلدين أوثق من أي وقت مضى، في ظل الخطر الجديد المتمثل بـ “الإرهاب العالمي”، ولكنها كانت كذلك وثيقة في ما سبق.

ومما جرى ويجري التوقف عنده ما يأتي:

(1)        منذ يوم 27 كانون الأول 1962 قال الرئيس الأميركي جون كينيدي لوزيرة الخارجية الإسرائيلية في ذلك الوقت غولدا مائير إن “للولايات المتحدة علاقات خاصة مع إسرائيل في الشرق الأوسط يمكن مقارنتها فقط بالعلاقات التي تربطها مع بريطانيا فيما يختص بسلسلة طويلة من المسائل الدولية”. وفي أثناء الحرب الباردة (بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق) كانت هناك مصالح استراتيجية مشتركة للبلدين في كبح العدوانية التي كانت سمة ملازمة لدول تحت رعايةالاتحاد السوفياتي في منطقة الشرق الأوسط، ولاحت تلك المصالح في أفق العلاقات الثنائية مع تدخل مصر عبد الناصر في الحرب اليمنية.
(2)        في العام 1981 أقدمت إسرائيل على تدمير مفاعل تموز النووي في العراق إبان حكم الرئيس صدام حسين، ما تسبب بمسّ قدراته العسكرية على نحو كبير. وبعد عشرة أعوام، في تشرين الأول1991، وفي إثر تدخل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي، شكر وزير الدفاع الأميركي ريتشارد تشيني إسرائيل “على العمل الشجاع والدراماتيكي” الذي قامت به قبل عقد.
(3)        في سياق الشهادة التي أدلى بها أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي يوم 15 آذار 2007 قال الجنرال بنتس ج. كرادوك، الذي كان قائد منطقة أوروبا في الجيش الأميركي USEUCOM، إن إسرائيل كانت بمثابة “الحليف الأقرب” للولايات المتحدة في الشرق الأوسط ودعمت المصالح الأميركية “بشكل مثابر ومباشر”. وهذا تقدير مهني من شأنه أن يسحب البساط منتحت أقدام القائلين إن إسرائيل تشكل عبئاً استراتيجياً ولا تعود بأي منافع على المصالح القومية الأميركية.
(4)        بسبب أن كثيراً من الموضوعات المرتبطة بالعلاقات الاستراتيجية الأميركية الإسرائيلية تلفّها السريّة المطلقة أو الغموض الكبير، ولا سيما على مستوى التعاون في المجال الاستخباراتي، فمن شبه المستحيل أن يُتاح أمام الدارسين والمحللين إمكان تقييم القيمة الحقيقية لهذه العلاقات. ومع ذلك ففي العام 1986 قال الجنرال جورج ف. كيغن، الذي خدم في استخبارات سلاح الجو الأميركي، إنه ما كان سينجح في جمع المواد الاستخباراتية التي حصل عليها من إسرائيل حتى لو كانت تحت تصرفه “خمس وكالات سي. أي. إيه (وكالة الإستخبارات المركزية الأميركية)”. ووردت أقواله هذه في سياق مقابلة صحافية في الوقت الذي كانت فيه الحرب الباردة في ذروتها، وأضاف خلالها قائلاً: “إن قدرة سلاح الجو الأميركي خصوصاً والجيش الأميركي عموماً على الدفاع عن مكانتهما في حلف شمال الأطلسي (الناتو) مدينة للاستخبارات التي تزودهما إسرائيل بها أكثر من أي مصدر استخباراتي آخر”!

…]

Please follow and like us:

COMMENTS