“ابتسم أيها الجنرال” .. الدراما بين التزييف والتأويل

“ابتسم أيها الجنرال” .. الدراما بين التزييف والتأويل

قصّة منعطف معلَن : لماذا يصعِّدُ بايدن ضد روسيا
حرب إقليمية هجينة بين واشنطن وطهران
قاض أميركي في تكساس يوقف العمل بقانون يمنع المشاركة في حملة مقاطعة “إسرائيل”

نجوى زيدان، ‏الخميس‏، 27‏ نيسان‏، 2023
انشغلت وسائل التواصل الاجتماعي هذا العام بدراما شهر رمضان بشكل واسع، بالتفاصيل كما بالشخصيات والمرويات وتقاطعها مع احداث تاريخية وواقعية، فشاهدنا من خلال المنصات والتطبيقات، العديد من الفيديوهات المسجلة لنقاد وشخصيات مؤثرة، إعلامية وثقافية ودرامية، تعلّق على المسلسلات العربية التي تبثها الاقنية التلفزيونية، كما تصاعدت وتيرة العمل على تطبيق “التيك توك” باجتزاء مشاهد منتقاة اثرت بالجمهور، بهدف المزيد من الترويج للمسلسل، وتكاد اكثرها تتعلق بمسلسل “ابتسم أيها الجنرال” من انتاج “ميتافورا” القطرية وكتابة المؤلف السوري سامر رضوان ، يقابله المسلسل السوري ” العربجي” ومسلسل “الزند: ذئب العاصي” من انتاج شركة الصبّاح. وبثت بعض الاقنية التلفزيونية ريبورتاجات من الشارع تسأل فيها عن مسلسل بعينه وكان الاوفر حظا “ابتسم أيها الجنرال”!

انعجقت صفحات الافراد على منصة يوتيوب بتقديم قراءاتها حول هذا المسلسل ومنها صفحة “حديث ابن البلد” للعميد الركن السوري احمد رحال المعارض والذي قدم قراءة عسكرية للمسلسل وتوقف عند خطأ قواد الفرق العسكرية وهي طبعا قادة، وفي قراءته وجدت بعض الأجوبة على أسئلة توقفت عندها اثناء متابعتي للعمل، لا سيما مشهد الانقلاب في المسجد على ارفع الضباط الرافضين لتوريث الرئاسة الى الابن، حيث دحض رحال مسألة استخدام السلاح في المسجد وان حرس الرئيس مناط به فقط حمل السلاح وتأمين الموكب علما ان الرئيس كان متوفيا ويجري الاعداد لرئيس جديد. كما ادلى بدلوه حول البروتوكولات العسكرية في الرتب والمقامات والتي ارتكب فيها المسلسل الأخطاء وأشار الى ان احدى الشخصيات لا يمكن ايجادها في الحقيقة اذا ما اسقطنا دولة الفرات في المسلسل كما هو حاصل على الجمهورية العربية السورية وهي شخصية حمو اخ الرئيس أي شخصية عاصي، معتبرا أي رحال ان المسلسل لم يبالغ في تقديم صورته على هذا المستوى بل الحقيقة اكبر مما قدمته الرواية الدرامية. ولعل اختيار اسم عاصي من قبل الكاتب يتناسب مع عصيانه في الدور الذي اداه كطالب سلطة وعنيف وعاص لكل قوانين الدولة والرئاسة التي يمسك بها شقيقه.

واجد بعد قراءاتي ومتابعتي للعمل ان الرواية حول خلاف الشقيقين على السلطة، أقرب الى خلاف الرئيس حافظ الأسد واخيه رفعت.

ان هذه المداولة التي قدمها العميد على صفحته، تكمن خطورتها ليس فيما قدمه من تجربته العسكرية لتأكيد تسلط الرئيس وافراد عائلته على الدولة فقط بل الامر يتعدى هذا الخطاب الذي استهلكه المنشقون عن النظام والمعارضات السورية، الى قولبة الخطاب ضمن مسلسل فني ثقافي ترفيهي، لديه القدرة على اختراق الوعي الجمعي وتقديم الرواية على انها الحقيقة وهي من المسلمات لتصبح احداث المسلسل هي التاريخ وهي الحقائق رغم ما قد يكون فيها من مغالطات وتجني واخطاء وتصفية حسابات وتبن لخطاب المعارضات السورية الفاشلة، هنا تكمن الخطورة، ان تتحول الرواية الدرامية الى مرجعية تاريخية وقد قرأت وسمعت تعليقات لنقاد وصناع دراما تقول ان المسلسل يشبه الى حد كبير الفيلم التوثيقي، وهنا تكمن خطورة الدراما واهميتها في آن معا حين تصبح جزءا من منظومة القوة الناعمة لدى دولة ما او حزب او جهة سياسية.

كيف يمكن لنا نحن المشاهدون النقاد ان نصدق ان العمل بعد اقترابه من النهاية، ان التطابق مع الواقع هو من وحي المصادفة وانه عمل من وحي الخيال، وفيه كل الخطاب السياسي الذي تبنته الدول المعادية والحركات السياسية والمعارضات السورية والمنشقين العسكريين والعصابات ومعها “داعش”، في الحرب على سوريا منذ العام  2011 ، وما زلنا نسمع مقتطفات منه رغم التغيرات والتحولات التي اعترت المنطقة والعالم منذ ذاك الوقت ولا سيما سوريا نفسها التي تعود اليوم الى الحضن العربي من البوابتين المصرية والسعودية.

ويعيدنا “مسلسل ابتسم أيها الجنرال” الذي لا يبتسم طيلة المسلسل حتى الحلقة الأخيرة حيث قهقه وانفرجت اساريره عما يفوق الابتسام وكأن كاتب النص الذي أصبح معارضا وخارج سوريا وتبنت نصه انتاجا شركة قطرية، أراد ان يجد رؤية درامية تقيه ملامح التوثيق في عمله، فبنى العنوان مع شخصية الرئيس المقطب الحاجبين طيلة الحلقات حتى نهاية الحلقة الأخيرة حين يتخلص من اكثر المخلصين منه، في تلميح الى عدم صدقية الرئيس ودكتاتوريته القاسية التي تمحي كل ما ومن يؤثر على سلطته، وهذا البناء الدرامي المتأرجح بين محاكاة الواقع والرواية التاريخية، يعيدنا الى اطر نظرية تثبت صحتها مرة بعد مرة ومنها أولا: ان الدراما الاجتماعية التاريخية ليست التاريخ بل هي تأويل للتاريخ المجتمعي بما يتناسب مع الجهة المنتجة ومع صناع العمل وبما يخدم أهدافهم.  والكاتب هنا يستخدم تأويله للتاريخ المعاصر ولغة الحاضر لخدمة اهداف ووجهات نظر طرف سياسي للتأثير على مستوى صنع القرار.

ثانيا: تحولت الدراما الى ساحة حرب بين اقطاب السياسة والعسكر، وأصبحت المسلسلات أداة ترهيب وترغيب ليس للجمهور الذي أصبح ليس فقط متلقيا ومتفاعلا في آن ـ بفعل التطور التكنولوجي وحيازته على منصات التواصل وخدمات التعليق والمحادثة وابداء الرأي من خلالها ـ بل أداة في وجه الخصوم وفي وجه العدو وقد رأينا منذ عقدين ونيف تصاعد الاهتمام بإنتاجات المسلسلات في اغلب الدول العربية، اذ حاولت تقديم الواقع من وجهة نظر محددة، وكم يتحمل كاتب النص من مسؤولية كبيرة على هذا الصعيد.

وليس بخاف على أحد، المنصات التي اعدت خصيصا لمسلسلات درامية بعدد حلقات محدد وبإعادة لأهم الانتاجات التي سبق ان عرضت على الشاشة الصغيرة وابرزها “شاهد” و”شوف دراما”، وحتى “نتفليكس” فتحت فضاءها للإنتاجات العربية لكسب المزيد من المتابعين على شبكتها.

وركبت “إسرائيل” هذا المركب منذ العام 2010 حين انتجت مسلسلات تهدف الى تلميع صفحة جنودها، بعدما غزت مشاهد القتل والتدمير الذي يقوم بها جيش الإحتلال في فلسطين وسائل الاعلام والتواصل معا، ومنها مسلسل “FAWDA”. كما نشطت الدراما الخليجية التي تروج للتطبيع مع ” إسرائيل ” تماشيا مع سياسة بعض هذه الدول ومنها مسلسل “ام هارون”، وسعت الدراما السورية ان تعيد القها من خلال مسلسلات هزت المشاهد السوري والعربي بشكل واسع في رواية ما حصل في سوريا من قتل وخطف واغتصاب وتدمير وتهجير واتجار بالبشر على ايدي “داعش” وفصائل أخرى، وما افرزته الحرب في المجتمع من شخصيات فاسدة استثمرت في هذه الحرب على حساب مصالح الدولة والشعب واستغلت الحرب لنشر الفقر والجوع عبر الاحتكار واذلال الشعب والتهريب ونشر المخدرات والسلاح وغيرها من الآفات المدمرة لمن بقي في البلد، ومن اهم هذه المسلسلات التي فضحت كبار الموظفين في الدولة ومنهم امنيين وعاملين في القطاع الخاص : “كسر عضم ” ، “الندم” ،” شوق”، “فوضى” ، “بانتظار الياسمين”. كما نشطت السينما التي قدمت رواية رسمية وواقعية عما يسمى  بتنظيم داعش مثل ” فانية وتتبدد” للمخرج نجدت انزور وفيلم “سجن حلب” و “شتاء حمص” و “الاب” و”الام” و “مريم” وغيرها من الأفلام الناجحة التي تدرج ضمن سياسة القوة الناعمة والتي ترجمت الى الانكليزية.

ومن اللافت في احد مشاهد “ابتسم أيها الجنرال” لقطة للرئيس الذي يتابع مشاهدة فيلم في قصره عن هتلر وهو فيلم “السقوط” الذي يعالج ردة فعل هتلر على الخيانة التي تعرض لها من ضباطه في الميدان وهو  في مخبئه، ما أدى الى سقوط برلين. وفي ذلك ايحاء ان الجنرال الرئيس يتماثل مع شخصية هتلر لأنه دكتاتور مثله، لم يقلها في النص لكنه أوحى الينا وما الصورة الا وحي يوحى بها الى المشاهد.

من المفيد ان نذكر كيف تحول المسلسل أداة للذين يصفون أنفسهم بـ” الثوار” الموزعين في ارجاء العالم، المجتمعين على صفحة يوتيوب او فضائية “العربي2″ و” تلفزيون سوريا” قناتي البث للمسلسل، اداة لاستعادة الحيوية والتشهير والشتم برئيس سوريا وعائلته والكثير من الشخصيات الموالية وابداء المداخلات والقراءات والتعليقات والنكات والتصويب على شخصية ماهر الأسد شقيق الرئيس.

وقد روى المسلسل جملة من الاحداث والاتهامات التي تتشابه مع تلك التي لحقت بالنظام في سوريا عن استخدام غاز السارين، الذي اخذ منحى اعلامي وسياسي وانساني دولي بشكل هستيري، لم نلمسه حين استخدمت الولايات المتحدة في العراق قذائف اليورانيوم المنضّب وقتلت الكثيرين وما زال حتى اليوم اعداد المصابين بمرض السرطان من العراقيين يتصاعد نتيجة التعرض لهذه المادة.

اما المسلسل، فناقش فضيحة من قبل ضابط في دائرة البحوث أصيب بالسرطان وهو شاهد على اجراء تجارب مواد كيميائية قاتلة على مساجين سياسيين وأطفال المياتم وقتلهم أي تحويلهم الى فئران تجارب لمصلحة برنامج أميركي، وفي هذه الحبكة ما يراه البعض اسقاط لحالة الكاتب الذي أصيب نفسه بمرض السرطان، وكان تعرض للاعتقال بسبب معارضته للنظام، فأراد كتابة هذا المسلسل، تماما كشخصية الضابط وضاح الذي أراد كشف الامر قبل موته لان ضميره استفاق وكيف تحول هذا الضابط الى مادة إعلامية وتثويرية ضد “دولة الفرات” الذي لم يجد غضاضة في تعاون ما مع “إسرائيل” من اجل الحفاظ على الرئاسة في مواجهة شقيقه، وهذا يجافي الواقع.

وفي هذا السياق اشار العميد رحال على صفحته المذكورة اعلاه الى مقتل العديد من تنظيم “الاخوان” في سجن تدمر كما المساجين العرب من لبنان والأردن والعراق الذين “قد يكون استخدمهم النظام في اختبارات مشابهة”.

لم يغادرنا ميكيافللي ومقتطفات من أفكاره مع كل حلقة، فكانت أقواله بدءا من “الغاية تبرر الوسيلة” الأشهر استخداما بين ساسة العالم، الى ان “القوة هي المحور التي يتوقف عليه كل شيء. من لديه القوة يكون على حق دائما والاضعف دائما على خطأ”، وكأن الرئيس يدين بدين ميكيافللي في إدارة النظام والبلد.

نعيش في “ابتسم أيها الجنرال”، الخطاب الدعائي الذي استخدمته المعارضة السورية ومن بعدها المعارضات، الخطاب الذي سمعناه لسنوات في الاعلام المفتوح لهم، ما يشعرك بالملل لولا “الاكشن” ولولا تورطك بالمتابعة وهذه من خصائص المسلسل التلفزيوني الذي يربطك بحلقاته الى النهاية لمعرفة النهاية.

حاول المسلسل ان يظهر مراكز القوى في النظام والتي نجدها في كل نظام سياسي، وركز على افراد اسرة الرئيس ربطا بالام ودور المرأة فيها في صنع القرار السياسي الذي يجعلنا نتساءل الى أي مدى هذا الامر صحيح، سواء الام او زوجة الرئيس او الأخت، ما يجعلنا نستشف ان النخبة الحاكمة هي نخبة متآمرة، البعض منها خائن والبعض الآخر انتهازي ومستغل للسلطة وان البديل عنها لا يختلف في الصفات.

تمنيت ان أجد شخصية وطنية في هذا العمل، حيث الرئيس لا يجد مانعا من التعامل مع إسرائيل من اجل حل قضية الصراع على السلطة وأخيه أيضا يتصل بالامريكيين والفرنسيين ويظهر الضباط اما مرتزقة او وسطاء بين الشرق والغرب في الصراع على النظام داخل دولة عربية.

اننا امام بيان اعلان حرب مجسّد في تمثيلية تلفزيونية، يملك كل البنود السياسية والعسكرية، يقابله رد السلطة الصاعق التي استمدت من “شرعيتها” حتى لو كانت غير مكتملة، من قدرتها على الإمساك بزمام الامور. وهذا الامر يجعلنا امام تماهي كبير مع الواقع، ما يُفسد متعة المشاهدة لعمل درامي، يفترض الا يرهق المشاهد كما الخطاب السياسي بل ان يعلمه ويرتفع بوعيه بشكل مسل وممتع. كانت الامور واضحة في كل الرواية الدرامية وممكن ان تتقاطع مع وقائع او مع اتهامات عايشناها نحن كشعوب وجماهير، فمثلا حين قال احد الضباط للرئيس واخيه ان نقوم بحركة “مثل اللي عملها ابوكم أيام زمان” دون تسميتها والامر مقصود من الكاتب دون شك لان “حركة تصحيحية” هي إشارة مباشرة وفيها ايحاء الى انه قام بالفعل الاصح، وهذا ما لا يريد قوله، درءا لتهمة التشابه مع الواقع.

لكن الاستعارة من واقع الحال، في الصور المعلقة والشعارات في اللافتات وعلى الجدران في خلفيات اللقطات، استفاد منها المخرج لتعزيز التماثل مع الواقع، رغم تذكيرنا ان العمل من صنع الخيال.

والنقطة المهمة أيضا هي تورط الاعلام في لعبة السياسة في دولة مجاورة، أي لبنان، ليبدو هذا التورط انه اعلامي محض، وتغيب أصابع الساسة التي تدخلت في الازمة، وتظهر العصابة اللبنانية والخارجين عن القانون التي تتعامل معهم “دولة الفرات”.

في النهاية، كل حدث في المسلسل يقابله حدث في الواقع، اغتيال مدير القناة التي بثت اللقاء مع المعارض واطلقت الفضيحة. والنجاح الذي حققه المسلسل، والذي انتهى تأثيره مع الحلقة الأخيرة، هو في استعادة بعض الناشطين على وسائل التواصل وتحديدا المعارضين للنظام في سوريا نشاطهم الردحي في التعليقات والمناقشات التي تتيحها مواقع التواصل، هذا النشاط الذي تمثل في السباب وكيل الشتائم للنظام ومن يمثله من شخصيات، وكأنها جولة من “فش الخلق” لهؤلاء الذين بدأوا بخسارة رهاناتهم، وهم يشاهدون واقع اليوم على شاشات التلفزة وفيه تستعيد سوريا علاقاتها العربية ويستعيد النظام شرعيته في محيطه الطبيعي.

ان انتشار المسلسل على العديد من المنصات الرقمية، أتاح هذه النسبة العالية من المشاهدة، في العديد من الأقطار العربية التي تعاني من انقطاع الكهرباء وغياب التلفزيون ومن المؤكد ان الامر مقصود، فإن لم يتح لك مشاهدة التلفاز هناك المنصات المتعددة التي تعرض، وكثرة العرض في السوق لها العديد من التفسيرات .

ان نسبة المشاهدة بسبب امتلاكنا اجهزتنا التعويضية عن التلفاز، لا تعطي “ابتسم أيها الجنرال” رغم نجومه الكبار درجة النجاح التي حاولت الدعاية له ان توهمنا بها!.

Please follow and like us:

COMMENTS