عادل صابر الملقب بأمير فن الواو، شاعر عامية ومؤلف مسرحى وباحث فى التراث، ولد فى قرية الدير الغربى التابعة لمركز قنا، كان فى طليعة مبتعثى وزارة التربية والتعليم الى الولايات المتحدة لتطوير طرق تدريس اللغة الإنجليزية. حصل على الدكتوراة الفخرية من المركز الألمانى للثقافة والإبداع والدراسات الإنسانية عام 2020 عن إسهاماته فى التراث الشعبى الشعرى والنثرى فى محافظة قنا، مثل مصر فى المؤتمر العالمى للشعر الشعبى بلبنان عام 2019، وعنه حصل الباحث محمد فهمى على درجة الدكتوراة من كلية الآداب بجامعة الأسكندرية عن رسالة بعنوان» اللهجة الصعيدية وجذورها العربية والموروث الثقافى فى شعر عادل صابر».
- صف لنا فن الواو، ولماذا يتقنه أهل الجنوب ولا نراه عند القاهريين أو أهل الدلتا مثلا؟
الواو فن جنوبى أصيل، نبغت فيه محافظة قنا بالذات وخصوصا ريفها الموغل، وكلما ابتعدنا عن قنا سواء شمالاً أو جنوباً خفت لمعانه، وذبلت أغصانه، يتكون فن الواو من أربعة أغصان فنية متبادلة القافية، أى « أ ب أ ب « ويتكون أيضا من أربع مقامات فى كتابته هى : العتب :»الوقوف على عتبة الواو» ـ الطرح: «طرح شبكة القوال فى بحر الواو» الشد : «شد شبكة الواو من بحره» ـ الصيد : «حصيلة ما اصطاده الشاعر من الواو»، سوءاً كان لآلئ او بعضا من حشائش البحر، وذلك إذا كان الشاعر ضعيفا، بالإضافة الى ان تفعيلة الواو من بحر «المجتث» واذا خرج القوال او الشاعر عن هذا البحر فيصير واوه مجرد مربع عادي.
- وضح لنا الفرق بين الموال الأخضر والأحمر والمغلق والمفتوح؟
الواو المفتوح هو ما يعتمد على القافية فقط مثل:
الدنيا تعليم وخبرة
والبيت يشبه لناسه
واللهِ لاعزق بإبرة
ولا ندل يبخل بفاسه
اما الواو المقفول فهو مايعتمد على الجناس التام، أو دمج وتطويع المفردات ليصبح جناسا تاما مثل:
عيان والطب ما شافيه
نزلت دموعه طبايب
واللى المقدّر مشى فيه
وجعه ما تبريه طبايب!!
اما من ناحية الهدف فينقسم الواو الى ثلاثة أنواع هي:
ـ الأحمر: وهو ما يعبِّر عن الدنيا والزمن، وتقلبات الأيام و»الندل»، وخيانة الصاحب، والتنكر للعيش والملح والكثير من التجارب الدنيوية والوجع الإنسانى عامة.
ـ الأخضر: وهو مايعبر عن الحب والغزل ومايتعلق به من وصف المحبوب ووصاله وهجره، والجوى والهيام والتتيم بالمحبوب.
الأبيض: وهو ما يعبر عن الحب السامى بين الناس من عواطف نقية صافية وعشق الأوطان.
- لماذا يظل الموال الأبيض يتيما. فهو لم يلق حظه فى صعيد مصر؟
الموال الأبيض ليس يتيما ولكنه تقنية جديدة أبدعه الشعراء المحدّثون فى هذا الفن، ولم يكن يوجد فيما سبق، لأنه كان يتضمنه الأحمر والأخضر، ولكنه انبثق على حين غفلة من النوعين السابقين، وصار يُغنى منفردا ويعزف على حب الأوطان والعشق الراقى بين الإنسان وأخيه الإنسان
- ما السر وراء تربع محافظة قنا على عرش فن الواو لأكثر من مائتى عام؟
هذا يعود إلى عدة أسباب فى تقديري:
أن المؤسس الأول لهذا الفن، سيدنا أحمد بن عروس من إحدى قرى مدينة قوص بمحافظة قنا.. كما أن البيئة القنائية خصبة جدا لينبت فيها هذا الفن ويترعرع، بعد أن غرس بذوره ابن عروس، ومن جاء بعده من قوّالين مثل على النابي، وحسن زوط، وحسين الفرشوطي، وحسن لهلبها من إسنا والكثيرون غيرهم، المفردات التراثية القنائية هى أكثر المفردات التى تليق بثوب الواو الأصيل، ليرتديه هذا الجنوبى الشامخ، فالواو مبهج كأبراج الحمام فى الجنوب، قديم كالنيل وحقول القمح والفلاح، شامخ وعنيد كنخل الصعيد، حزين كأنين الناي، وشمس المغارب، وبكاء الساقية حين تذرف دموعها على خد الحقول .
- هل تحب أن يطلق عليك لقب شاعر أم قوال أم باحث؟ ولماذا؟
أحب لقب شاعر بالتأكيد، فالشاعر هو مبدع ومنتج لفن واو جديد غير محفوظ من التراث او مستهلك، أما القوّال فهو الحافظ لما أبدعه الأولون من شعراء الواو، أى أن القوال حامل للتراث فقط
- هل لسيرة وهيبة وأمها لواحظ التى جاءت فى كتابك الجديد «كرْم الحكاوي» جذور دفينة فى عقل ووجدان عادل صابر؟
بالطبع وهيبة وأمها لواحظ هما من الشخصيات الخالدة فى الريف المصرى عامة، والريف الجنوبى خاصة، وهيبة هى الفتاة التى تخشى أن يفوتها قطار الزواج، وأمها لواحظ التى تلجأ إلى الدجالين والمشعوذين وضاربى الودع لتزويج وهيبة، مهما كلفها هذا من ثمن باهظ وهو موت حمدان ابن محمود أبو الديك، وألف حمدان وراءه، لكن المهم أن وهيبة تتزوج !!
- هل كنت تطمئن روحك بديوانك مصلوب على النخل؟
« ديوان مصلوب على النخل»، من أهم الدواوين التى صدرت من منجزى الإبداعي، ويعتبر سيرة ذاتية غير مباشرة لي، أبدو فيه أنا وكأنى أصلَب على نخل الوطن، ليس عقاباً لخطيئة، ولكن عشقا لهذا الوطن الخالد المجيد، والنخل هنا رغم أنه رمز للشموخ والكبرياء، صُلِب عليه غارسه!!
- لماذا نلاحظ مذاق الحزن والأسى وحكايات الفقراء والمهمشين حاضره وشعر وأدب الجنوب؟
قد يعود ذلك الى شظف العيش وقلة الحيلة، والوجع الإنسانى الذى كان للجنوب نصيب الأسد منه، فالجنوبى دائما أشبهه بشجرة السنط، هذا الشجر الأسمر الخشن الذى يتحمل عناء التربة القاسية، ويضرب بجذوره إلى أعماق الأرض ولا يطرح سوى «القرض»، ورغم ذلك هو يدافع عن نفسه بأشواكه الصلبة الحادة ولا يسمح لأحد ان يمتطى ظهرة رغم فقره ومعاناته، بالإضافة إلى أن الحزن هو الطبيعة الإنسانية، أما الفرح فهو الاستثناء، والشعر حزن ونكَد، فإذا ما خالطه فرح فسَد
- هل فقدت الحكايات الشعبية ومايتصل بها من فنون قولية بريقها مع سطوة وسائل التواصل الاجتماعي؟
بالطبع لم تفقد بريقها بل زاد رقعة انتشارها فى كل الوطن العربي.. الذين كانوا لا يعلمون شيئا عن فنون جنوب مصر وصلت إليهم، لكن السلبية الوحيدة أن الفنون القولية لمّت كل من هب ودب ليكتب واوات متكررة ومواويل معادة بحثا عن الشهرة والاستعراض، أى أنك تجد سنوات وسنوات بين الإبداع والابداع، يتخلل هذه السنوت الكثير من النحت والتقليد وإعادة المُعاد وتكرار المكرر، حتى إن الكثير من هذه الفنون فقدت عنصر الإدهاش والروعة.
- نرى إشراقات التعمير والتنمية تطال كل بقعة من بقاع الجنوب، هل تعتقد أن التنمية يمكن أن تمحو من روح الأدباء حزن المغترب وآهات القرى والوجع الإنسانى وشمس البيئة الحارقة؟
آهات القرى وأنين النجوع لا تمحوه المدنية والتعمير أبدا، فالقرية هى النجع وكروم النخيل وطين الترع ونزف الفؤوس حين تجرح الأرض لتبعثها من رقادها الطويل، وهى مسيرة المحراث حين يفجّر بطن الغيطان، والقمر الريفى الأبيض البرئ حين يفرش نوره على أكواخ الفقراء، نحن نحمل المعنى وليس المبنى يا سيدي!!
أجرى الحوار د. أشرف أبو السعود
الأهرام، الأحد 13 من شعبان 1444 هــ 5 مارس 2023 السنة 147 العدد 49762
COMMENTS