تمنح سفارات الولايات المتحدة الأميركية وبعثات الإتحاد الأوروبي قسطاً من العمل الديبلوماسي لـ”الشاذين جنسياً”، فنرى موظفيها يدعون على منصات التواصل إلى “احترام مكانة الشاذين”، أو ينفقون على مشاريع دعم وتعزيز “مجتمعهم” بأموال المكلفين الأميركيين والأوروبيين. كما تتكثف حملات الدعاية الحقوقية التي تصدر من واشنطن وبروكسل، في ما يشبه الهجوم الثقافي، لتسهيل استزراع “المنظمات غير الحكومية للشذوذ الجنسي”، كما سائر “المنظمات غير الحكومية”، في بنيان المجتمع السياسي العربي ونخبته وفي البلاد الإسلامية أيضاً. وتؤازر هيئات الأمم المتحدة وشركائها الديبلوماسية الغربية في تحقير الثقافة القومية والوطنية، ولا سيما إهانة العقائد الدينية للمواطنين المسلمين والمسيحيين. بل إن هذه الهيئات وشركائها، عمدوا إلى تكريس يوم متميز لمطالبة الحكومة والمواطنين في الجمهورية اللبنانية، بنقض بنود الدستور التي تحظر تصنيف “الشذوذ الجنسي” في متن الحقوق الوطنية الفردية أو الجماعية.
ثم كرر “البنك الدولي” هذا التمرد السياسي ـ القانوني على السيادة الوطنية. عندما انتقل من “فرض الهيمنة الاقتصادية على الدول المحتاجة لقروضه، [إلى] فرض الهيمنة الثقافية عليها، حسب المعايير الأخلاقية الغربية”. وهو، استحق، بامتياز، اسم “البنك الدولي للشذوذ”، الذي أطلقه عليه كاتب عربي من السعودية. وذلك، بعدما “قطع التمويل” عن أوغندا بسبب توقيع الرئيس الأوغندي يوويري موسفيني على قانون يجرم “الشذوذ الجنسي” أو ترويجه. وقال موسفيني : “يجرؤون على إجبارنا على التخلي عن عقيدتنا وثقافتنا ومبادئنا وسيادتنا باستخدام المال، إنهم يستخفون حقاً بكل الأفارقة”. وأضاف بكل تحدٍ : “بقروضكم أو بدونها سننمو وسنتقدم صوب الأفضل وسنواصل طريق التنمية والتقدم”.
إن منظومة “الهيمنة الثقافية” الغربية دائبة، بكل أدواتها، بما فيها “منظمات الشذوذ الجنسي”، حالياً، على اضطهاد كل حكومة عازِمَةٍ على تماسك الهوية القومية للمجتمع، وتريد تعزيز هوية الشعب ووحدته الوطنية، بصون وحماية الرأسمال الرمزي للأمة والدولة، كاللغة، والدين والآداب والفنون وغيرهم. لقد لوحظ أن فعالية القوة التسلطية للإضطهاد الغربي تكون في الدول الضعيفة أشد وطأة. وهذا ما نتبينه من أخبار العرب والمسلمين عن تدخل الأميركيين لتكييف المناهج الدراسية في السعودية وفق مصالحهم، ومن الثرثرة الأميركية عن “قضايا حقوق الإنسان” في إيران ومصر وغيرها.
لكن هذا الإضطهاد طال الأوروبيين المسيحيين أيضاً. في الشهر الماضي، مثلاً، تعرض الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش للإدانة لأنه رفض إباحة “زواج الشاذين جنسياً” ومخالفة الدستور. وقال موضحاً موقفه : إن “المجتمع الصربي هو مجتمع تقليدي، والزواج فيه لا يكون إلا بين رجل وامرأة”. واشتكى فوتشيتش من الضغوط الكبيرة التي تتعرض لها صربيا من قبل الإتحاد الأوروبي بسبب هذا الموقف. كذلك، رفض برلمان وحكومة المجر، قبل سنتين، قرار البرلمان الأوروبي بإدراج التعريف الأميركي ـ الأوروبي لـ”الشذوذ الجنسي” في منهج تعليم تلامذة المدارس والترويج له بينهم. وقال رئيس الحكومة فيكتور أوربان، إن السياسة التعليمية في مدارس المجر تخصها وحدها، وليست من شأن “بيروقراطيي بروكسل”. وعلى الفور أدان البرلمانيون الأوروبيون الموقف المجري لأنه “ينتهك قيم الاتحاد الأوروبي ومبادئه وقوانينه“.
ويصبح هذا الإضطهاد أكثر أذى حينما يقع على الوجوه الإجتماعية البارزة. فأبطال الرياضة الإفريقية، ومن بينهم المصري مصطفى محمد والمغربي زكريا ابو خلال، مثلاً، الذين فضلوا، لأسبابهم الخاصة، عدم المشاركة في حملات الدعاية لـ”الشذوذ الجنسي”، عوقبوا في جحيم الإرهاب الأخلاقي والترويع النفسي الذي أعدته الحكومات الغربية لهم جزاء رأيهم. بينما ستتوج ريكي كول وهي “متحولة جنسياً” وكانت “مرفوضة من عائلتها”، وهذا أمر مخزٍ بلا ريب، ملكة جمال هولندا. وجاء تتويج كول نتيجة إستبعاد المعايير الجمالية الأنثوية وإبدالها، بما يناسب المعايير الغربية التي تنشرها هذه الدعاية.
إن تصميم أميركا وأوروبا على استزراع “منظمات الشذوذ الجنسي” في مجتمعاتنا، يهدد الأمن الثقافي والقيمي فيها. لقد ندد “مرصد الأزهر لمكافحة التطرف” بمعاقبة أولئك الرياضيين الأفارقة، وأكد أن “القطاع الرياضي وغيره من القطاعات قد أصبح في مرمى الداعمين والمنادين بتلك الأفكار والسلوكيات اللاأخلاقية، [التي تـ] مع الفطرة الإنسانية وما جاء في الأديان”. وكانت “إذاعة القرآن الكريم” التي تشرف عليها “دار الفتوى في الجمهورية اللبنانية”، قد استضافت خبيراً تربوياً محترفاً، في مطلع السنة الجارية، نبه إلى وجوب تحصين القيم الثقافية والأخلاقية للتلامذة والطلاب. وحذر من أن “الجامعة الأميركية في بيروت” قد اتخذت إجراءات تعليمية وإدارية لإجبار الطلاب على تقبل “مجتمع الشاذين جنسياً” بينهم.
كما نظم “المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى” مؤتمراً رفيعاً في بيروت، ناقش أوراقاً متخصصة قدمها خبراء تربويين وحقوقيين ورجال الدين، تمهد لوضع خطط تنفيذية تحمي الشباب من أخطار الترويج الأوروـ اميركي للشذوذ الجنسي. وقد رعى رئيس “المجلس” الشيخ علي الخطيب بنفسه هذا المؤتمر، كما شارك في أعماله مشايخ بارزون من طائفة “المسلمين الموحدين (الدروز)”.
ومن المأمول أن تتسارع هذه التحركات، التي لا تزال في بدايتها، وهي تحتاج إلى الكثير من التخطيط والتنظيم، لكي تتحول من وعي لدى خصوص النخب إلى وعي لدى عموم الجمهور. ويدل المفعول السياسي المباشر لهذه التحركات على أهميتها وجديتها. فالنائب مارك ضو طرد من مناسبة خاصة بـ”المسلمين الموحدين (الدروز)” الذين ينتمي إليهم دينياً ويمثلهم في المجلس النيابي، بعد توقيعه على عريضة نيابية تدعو لرفع الحظر الدستوري على “منظمات الشذوذ الجنسي”. كما أدان “المجلس المذهبي للموحدين (الدروز)” موقف هذا النائب ضو، وهو من كتلة النواب اللبنانيين العاملين بأمر السفارة الأميركية في بيروت.
ولكن ألهذا الحد يحتاج النظام الرأسمالي الغربي لاستغلال ظاهرة “الشذوذ الجنسي” والإستثمار فيها!؟. يبدو أن الجواب : نعم. إنه يحتاجه بإلحاح.
لننظر إلى الحفاوة اللاهبة للسياسي الغربي لا سيما الأميركي، بـ”الشاذين جنسياً”، وكيف يبثها في الإعلام على مرأى الجمهور وسمعه وتحت سقف الحياة الأسرية. حتى إن ولع النخب الحاكمة بـ”الشذوذ الجنسي”، صار يورث في الثقافة العائلية لأولادهم. وقد التفتت صحيفة عربية إلى أن عائلات نخبة النخبة في نظام الحكم الأميركي تهمل الإنقسام الحزبي بينها، فيما هي تحتفي بـ”زواج الشاذين” من أبنائها وبناتها. وعلى غرار ما فعل نائب الرئيس السابق ديك تشيني، الذي وثقت السينما دوره في غزو العراق وتدميره بحجّة كاذبة هي أسلحة الدمار الشامل”، كما مسؤوليته عن قمع المواطنين الأميركيين بـ”إنشاء برامج تجسّس محلّية وشيد سجن غوانتنامو، وهو الذي دعا إلى استخدام التعذيب في التحقيق مع المتّهمين بالإرهاب”.
يتبع …
هيئة تحرير موقع الحقول
الأربعاء، 28 صفر، 1445 الموافق 13 أيلول، 2023
آخر تحديث : 13/09/2023 10:53 م
COMMENTS