في ظل ارتفاع معدلات التضخّم في الولايات المتحدة، عمد الاحتياطي الفدرالي الأمريكي إلى الرفع التدريجي لسعر الفائدة على الأموال (Fed Funds Rate)، أو معدّل الفائدة المستهدف، منهياً بذلك مرحلة “الدولار الضعيف” الأخيرة من “دورة الدولار” التاريخية. قد لا تبدو هذ المسألة مثيرة للاهتمام بالنسبة لغير أولئك المنخرطين في عالم المال والإقتصاد، أو قد تبدو غير ذات شأنٍ كبير بالنسبة لمن هم خارج الولايات المتحدة. غير أنه في عالم اليوم، حيث تسود البُنى والعلاقات المالية والإقتصادية المعولمة، فحقيقة الأمر أن لرفع الفدرالي الأمريكي معدلات الفائدة كبير الأثر على دول العالم قاطبة، إذ أن لذلك وقعٌ مباشر على العديد من المتغيرات الاقتصادية الكلّية، ليس فقط في الولايات المتحدة، إنما في سائر دول العالم، حيث يتأثّر الأداء الاقتصادي العام بشدّة، وبالتالي ظروف الحياة بالنسبة لعموم الناس.
على مستوى العالم، إن أبرز المتغيرات الاقتصادية تأثراً برفع الفدرالي الأمريكي لسعر الفائدة هي معدلات الفوائد قصيرة الأجل وطويلة الأجل، وأسعار صرف العملات، أو على نحوٍ أوضح، قيمة مختلف العملات مقابل الدولار الأمريكي، وبالتالي عبئ الدين على مختلف الدول، وخاصة دول “الجنوب العالمي”؛ وتتأثّر أيضاً كميات وأكلاف التمويل الذي تقدّمه مختلف مؤسسات التمويل، وبالتالي معدلات الإستثمار والتشغيل، فالإنتاج الكلّي، أو إجمالي السلع والخدمات التي تنتجها الإقتصادات، والمعدلات العامة للأسعار. تاريخياً، تسبّب رفع الفدرالي لسعر الفائدة بهروب الرساميل من مختلف الدول حول العالم، خاصةٍ إلى البنوك الأمريكية، سعياً وراء معدلات الفائدة الأعلى وبيئة التوظيف الآمنة نسبياً، خاصةً وأن رفع الفدرالي الأمريكي لسعر الفائدة كثيراً ما تزامن مع أزماتٍ إقليميةٍ كبرى، إن كان على المستويات الاقتصادية أو السياسية أو الأمنية أو حتى الصراعات الشاملة. حدث ذلك أثناء أزمة ديون أمريكا اللاتينية في ثمانينات القرن الماضي، وأثناء الأزمة الاقتصادية في شرق آسيا في التسعينات، كمثالَين بارزَين، وفي شرق أوروبا راهناً. ولطالما أدى تزامن رفع الفدرالي الأمريكي لسعر الفائدة مع الأزمات أو الصراعات الكبرى إلى زخمٍ كبيرٍ في هروب الرساميل، ما يجبر المصارف المركزية حول العالم، وخاصةً في الأقاليم المضطربة، على أن ترفع بدورها معدلات الفائدة، في محاولةٍ للحد من هروب الرساميل من أسواقها، ما يؤدي إلى إبطاء أو تجميد النمو والتنمية في اقتصاداتها، أو حتى عكس تلك العمليات، أي تقلّص الناتج المحلي وتراجع التنمية أو تقويضها، حين تفلس المؤسسات الإنتاجية وتُباع الأصول إلى الرساميل الأجنبية بأبخس الأسعار.
قد يُخيَّل إلى البعض أن ما سبق مبالغٌ فيه، غير أن هذه هي حقيقة الاقتصاد المعولم، حيث كان الدولار الأمريكي قد أصبح العملة المهيمنة، خاصةً بعد فكّ ارتباطه بالذهب في عام 1971، وتكريسه كعملة تسعير السلع الإستراتيجية في العالم، وأهمها النفط والغاز… حتى الأمس القريب، على الأقل.
يَنصبُّ تركيزنا في هذا المقال على السياسات قصيرة الأجل وطويلة الأجل التي يمكن لحكومات الدول ذات الإقتصادات النامية والناشئة أن تتّبعها لمجابهة الآثار الناجمة عن رفع الفدرالي الأمريكي لسعر الفائدة، خاصةً في سياق الأزمات واللا-إستقرار؛ كما نطرح التساؤلات حول بنية النظام المالي العالمي نفسها، وحول البدائل الممكنة أو الناشئة. نطرح هذه الأسئلة ونناقشها في مقابلةٍ مع د. محمد حمادة، أستاذ الإقتصاد في الجامعة الأمريكية في بغداد.
تداعيات رفع الاحتياطي الفدرالي لمعدل الفائدة
“بدأ الطلب على الدولار بالتزايد في الأشهر المنصرمة، لأن الناس توقّعوا أن يعمد الاحتياطي الفدرالي إلى رفع معدل الفائدة”، إستجابةً للتضخّم الكبير والمضطرد في الأسعار في الولايات المتحدة؛ فالخيار السياساتي الأخير هو المفضّل حين يكون المُراد إبطاء الاقتصاد بهدف السيطرة على التضخّم، يقول د. حمادة، مكرّراً الإشارة إلى أن الطلب على الدولار ارتفع حتى قبل رفع معدل الفائدة، بما يتوافق مع الديناميات الاقتصادية الاعتيادية، حيث للتوقعات أثرٌ مباشر على الأسعار، بما في ذلك معدلات الفائدة (والأخيرة يمكن اعتبارها الأسعار التي تضعها مؤسسات التمويل على القروض). للفدرالي الأمريكي “رفاهية” رفع معدلات الفائدة بغرض الحد من التضخم لأن “اقتصاد الولايات المتحدة ينمو بمعدلٍ صحّيٍ عالٍ جداً، قرابة 6% في عام 2021. لذلك، عندما يكون لديك نمو إقتصادي عال، تكون قادراً على إبطاء الاقتصاد برفع معدل الفائدة”، يشرح د. حمادة.
“ماذا يحدث للاقتصادات حول العام عندما ترفع الولايات المتحدة معدل الفائدة لديها؟ يصبح الدولار أقوى، ما يعني أن العملات الأخرى تضعف”، يشرح د. حمادة، مشيراً إلى هبوط قيمة اليورو إزاء الدولار بعد أول رفع لمعدل الفائدة من قبل الفدرالي الأمريكي في عام 2022 (كان اليورو الواحد يساوي 1.09 دولاراً في أواخر آذار من ذلك العام). بالنسبة للدول المستوردة الصافية، فالدولار القوي مؤذٍ، إذ يتسبّب لها بالتضخم، مع غلاء أسعار السلع المستوردة، يضيف د. حمادة. علاوةً على ذلك، فيما أن الدول المستوردة الصافية مدينة في العادة، فالدولار القوي يعني أيضاً زيادةً في عبئ الدَين، ما يثقل كاهل الدول النامية بشكلٍ خاص. أما بالنسبة للدول المصدّرة الصافية كالصين، “والتي كانت تتهمها الولايات المتحدة تاريخياً بالخفض المتعمّد لقيمة اليوان”، فالدولار القوي مفيدٌ لها، وإن “ضمن الحدود”، إذ أن منتجاتها تصبح أرخص نسبياً، فيما تصبح مستورداتها أغلى، ما يعزّز الميزان التجاري لديها، يشير د. حمادة.
“الركود المستورد”
غير أن معظم الدول حول العالم، إن كانت مستوردةً صافية أم مصدّرةً صافية، تكون في الغالب مجبرةً على اللحاق بالفدرالي الأمريكي حين يرفع معدل الفائدة، في محاولةٍ منها للحدّ من خروج الرساميل، ما يؤدّي إلى إبطاء اقتصاداتها، يضيف د. حمادة، شارحاً أنه حيث تسود أصلاً معدلات نموٍّ منخفضة، يؤدي ذلك إلى “ركودٍ مستورد”، خاصة أنه “من المتوقع أن تستمر الولايات المتحدة برفع معدل الفائدة” تدريجياً، حيث “ستبلغ النسبة المركّبة للزيادة أكثر بقليل من 3%”، واضعةً ضغطاً كبيراً نحو الركود على الإقتصادات الأضعف.
منظارٌ تاريخي
تسبّبت الثورة الإيرانية عام 1979 “بركودٍ عالمي”، بدفعها أسعار النفط إلى ارتفاعٍ كبير، إذ “توتَّر الغرب حول مصير النفط… أدى ذلك إلى ركودٍ عمّ الغرب بأسره، تجاوزه الأخير عام 1981، لكن مع معدلات أسعارٍ مرتفعةٍ للغاية”، يتذكّر د. حمادة، مشيراً إلى عمليات رفع معدلات الفائدة كبيرة الأثر في ذلك العام، حين “تسبّب بول فولكر، رئيس الاحتياطي الفدرالي آنذاك، بالركود، (أو حتى) فترات ركودٍ متوالية، حيث كان عليه زيادة معدلات الفائدة بهدف الحد من التضخم، ما أدى إلى تباطؤ الاقتصاد ليدخل في ركودٍ إثر آخر… لذلك، علينا في الكثير من الأحيان أن نتّخذ قراراتٍ صعبة، تكون بمثابة أهون الشرور”.
لكن الأزمة المُشار إليها أعلاه وثيقة الصلة بما يُعرَف بأزمة ديون أمريكا اللاتينية، والتي تعود جذورها إلى فورة الاستدانة في سبعينات القرن الماضي، مدفوعةً بحركةٍ لافتةٍ من “الأموال الساخنة”، أو الرساميل سريعة الحركة التي تطارد معدلات الفوائد المجزية وقصيرة المدى، في العديد من الأسواق المالية المختلفة. أما عن مصدر فورة هذه الأموال، فيشرح د. حمادة:
البترودولار والرساميل المضارِبة
“بدأ كل شيء مع حرب تشرين العربية-الإسرائيلية عام 1973، حينما ارتفع سعر النفط إرتفاعاً كبيراً. قبلها، كان الماء أغلى من النفط، وفجأةً تضاعف سعر النفط أربع مرّات”، لتحصل دول الخليج العربي خاصةً على عوائدٍ إستثنائيةٍ وثرواتٍ “أودعتها في مصارف غربية، وتحديداً أمريكية”، يقول د. حمادة، شارحاً أن البنوك تلك رأت أن “أسهل السبل” للتعامل مع “المبالغ الهائلة التي كانت تأتيها” هي إقراضها (وهي الظاهرة التي عُرِفت لاحقاً بالـ”بترودولار”) “للدول ذات السيادة، التي لا تُفلِس”، مقتبساً العبارة الأخيرة من رئيس مجلس إدارة مصرف “سيتي بانك” آنذاك. كانت تلك دول أمريكا اللاتينية، حيث استهلك الفساد المستشري معظم الأموال المقترَضة، كما في الأسعار المنفوخة للأشغال العامة، أو تم توظيف الأموال تلك توظيفاتٍ خاطئة، كما في المشاريع غير المنتجة (أو استهلكها الإنفاق الجاري)، وفقاً للدكتور حمادة، الذي يعتقد أن المآزق الاقتصادية التي كانت تعانيها أصلاً تلك الدول “فاقمها ارتفاع معدلات الفوائد”، الناتج عن رفع الفدرالي الأمريكي لمعدلات الفائدة، وأن إجراءات الأخير “لم تكن السبب في إفلاس تلك الدول. أفلست المكسيك والأرجنتين والبرازيل (وغيرها من دول أمريكا اللاتينية) لأنها اقترضت أموالاً لم توظّفها في أنشطةٍ محفّزةٍ للاقتصادات، بل استهلكها الفساد، وبذلك انتهى بهم الأمر بالديون فقط بين أيديهم”.
لكن ما قيل أعلاه عن الفساد بوصفه السبب الرئيس لخراب أمريكا اللاتينية في ثمانينات القرن الماضي حتماً لا ينطبق على “النمور الآسيوية” (كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة وهونغ كونغ)، أو على دولٍ أخرى في شرق آسيا، كماليزيا، والتي كانت تنمو بمعدلاتٍ عاليةٍ جداً في الخمسينات والستينات، وحتى السبعينات، وكان دائماً ما يُشاد بهم لرؤيتهم واجتهادهم وكفاءتهم.
خسارة الأصول “كجزءٍ من اللعبة في الاقتصاد الرأسمالي”
وفقاً لعددٍ من الاقتصاديين المرموقين_ بمن فيهم جوزيف ستيغلتز، الرئيس الأسبق لمجلس المستشارين الاقتصاديين في إدارة (الرئيس الأمريكي الأسبق) كلينتون، والذي شغل أيضاً منصبَي كبير الاقتصاديين والنائب الأول لرئيس البنك الدولي_ فإن هروب الرساميل الناتج عن رفع الاحتياطي الفدرالي الأمريكي لمعدلات الفائدة كان السبب الرئيس للأزمة الاقتصادية لدول شرق آسيا في أواخر التسعينات، بعد سنين من بداية تجربتهم الناجحة الشهيرة في التصنيع السريع والتنمية. عندما وقعت الأزمة الاقتصادية في أمريكا اللاتينية وشرق آسيا، إنهارت أسعار الأصول في تلك الدول حتى بلغت الحضيض، لتُشترى لاحقاً بأبخس الأسعار من قِبل مؤسّسات التمويل عينها التي أمدّت القروض خلال مرحلة “الدولار الضعيف” من “دورة الدولار”. في حالتَي كِلا المنطقتين، خسرت الأخيرتان كمّاً هائلاً من الأصول لصالح الرأسمال المضارِب نفسه، الذي عكس اتجاه حركته مراراً، ساعياً وراء الأرباح على المدى القصير.
“أعتقد أن هذا جزءٌ من اللعبة في إقتصادٍ رأسمالي”، يقول د. حمادة، متحدثاً عن رأس المال المضارب وخسارة الأصول في إطار الهياكل المالية المعولمة وآليات عملها، مضيفاً أن السؤال الذي يجب طرحه في هذا السياق هو، “ماذا بإمكانك أن تفعل على المديَين القصير والطويل”، كدولٍ ذات اقتصاداتٍ ناميةٍ أو ناشئة، على وجه الخصوص، للتحوّط ضد مخاطر رأس المال المضارب؟
السياسات قصيرة الأمد وطويلة الأمد للحدّ من المخاطر
معدلات الفوائد والقيود على حركة الرساميل
يعتقد د. حمادة أنه، على المدى القصير، بالكاد تتوفّر خيارات سياساتية عدا “اللحاق بمعدل فوائد الفدرالي (الأمريكي)، للحدّ من الهروب الكبير للرساميل”، رغم أن ذلك “يؤذي الاقتصاد”، أقلّه بخفض الإستثمارات وبالتالي وضع حدٍّ للنمو، أو حتى نكوص التنمية. يعارض د. حمادة فرض قيودٍ على حركة الرساميل بهدف منع هروبها، واصفاً الأمر بـ”الإشكالي”، ذلك أنه يعني ليس أقل من “تغييرٍ جذريٍّ في النظام الاقتصادي”، وهو أمرٌ غير وارد، برأي د. حمادة، إلا في حالة الأزمات الكبرى، “كما حدث في اليونان (منذ سنوات)، أو في لبنان مؤخراً… لا يمكنك القول إنه في أي حين ترفع الولايات المتحدة معدل الفائدة، سأفرض قيوداً على حركة الرساميل؛ فالآثار بعيدة المدى لذلك سلبيةٌ للغاية”، وتتمثّل أساساً بإبعاد المستثمرين.
لكن القيود على حركة الرساميل وجهٌ بارز من أوجه النظام الاقتصادي في الصين، ورغم ذلك، توظّف مؤسّسات التمويل الغربية هناك بكثافة، نسأل. “تماماً”، يجيب د. حمادة، شارحاً أن اتّساق وثبات السياسات المعنية أمرٌ جوهريٌّ في هذا الإطار؛ فالقيود على حركة الرساميل هي جزءٌ لا يتجزّأ من نظام الصين، فيما “يؤذي انعدام اليقين (بيئة) الاستثمار”. غير أنه ليست الدول جميعها في موقعٍ يسمح لها بتطبيق نظام الصين الخاص بحركة الرساميل: ببساطة، “الصين مصدِّرٌ ضخم، وبالتالي تتمتع دائماً بعائداتٍ (ضخمة) من القطع الأجنبي، فيما ليس بإمكان دولةٍ غير مصدِّرة أن تفرض قيوداً على حركة الرساميل، لأن حينها أحداً لن يستثمر في اقتصادها”، يؤكّد د. حمادة.
دعوةٌ للتصنيع
هل يمكننا اعتبار ما قيل أعلاه_ حول الدول ذات الاقتصادات الصناعية القائمة على التصدير، وذات السيادة على سياساتها الاقتصادية إزاء الرأسمال المضارب_ دعوةً للتصنيع؟
“طبعاً، هذا ما أهدف إليه”، يجيب د. حمادة، شارحاً أنه “على المدى الطويل، عليك أن تبني إقتصاداً”، بمعنى إقتصادٍ منتجٍ متين، هو بالضرورة صناعي. “طالما ليس لديك اقتصاد (كهذا)، ستكون ضعيفاً إزاء المتغيّرات الخارجية”. وفقاً للدكتور حمادة، فالخلاصة هي أنه “إن لم تُرِد أن تستورد مشاكل الآخرين، عليك أن تبني إقتصاداً قوياً. عندما تتمتّع باقتصادٍ معافى، تكون قادراً على رفع معدلات الفائدة، ويكون لديك السيادة على سياساتك المالية والنقدية. من شأن الاقتصاد القوي أن يعطيك الاستقلالية، على العكس من الاقتصاد القائم على الاستيراد”.
البدائل في السياسة النقدية
كيف يمكن كسر اعتماد الاقتصادات النامية والناشئة على “الأموال الساخنة”، في إطار التخطيط لسياسةٍ تنمويةٍ شاملة؟ أو بكلامٍ آخر، ما هي البدائل عن التمويل بالرساميل المضارِبة؟ هل من بينها مصارف التنمية التابعة للقطاع العام؟
“بالطبع، هناك دورٌ للدولة. مصارف الإستثمار الزراعي والصناعي هامةٌ جداً في دعم الاستثمار، وفي استهداف أنواعٍ محدّدةٍ من الاستثمار، في مناطق محدّدة”، يؤكّد د. حمادة، قائلاً إنه لولا الدور المركزي للدولة، “لم تكن كوريا لتصبح كوريا” التي نعرف، مشيراً على وجه الخصوص إلى الدعم الكبير للصادرات من طرف حكومة كوريا الجنوبية، والذي وصل حد الإغراق (أي إغراق الأسواق بسلعٍ مسعّرةٍ بأدنى من كلفة إنتاجها)، كما في حالة مبيعات سيارات هيونداي في الولايات المتحدة، في مرحلة حضانة صناعة السيارات الكورية، التي كانت جنينيةً حينها.
تدعيم العملات المحلية
نظراً للمخاطر والأكلاف العالية التي ينطوي عليها النظام النقدي العالمي السائد، كانت الصين وعددٍ من دول العالم ذات الاقتصادات الناشئة، أبرزها روسيا والهند، تسعى منذ سنواتٍ لبناء منظومةٍ نقديةٍ بديلة، من شأنها أن تخدم المصالح المشتركة لهذه الدول. ربما كانت الأهم، في هذا الإطار، الاتفاقات الثنائية حول التجارة، خاصة في السلع الاستراتيجية، وبالتحديد النفط والغاز، باستخدام العملات المحلية للشركاء التجاريين أولئك. وجهٌ آخر لتلك المساعي تمثّل ببناء احتياطاتٍ كبيرة من الذهب المادي (وليس السندات)، خاصةً في الصين، وإتاحة تبديل اليوان بالذهب في منصّتين صينيتين على الأقل، إحداهما منصة شانغهاي. فهل نشهد ولادة نظامٍ نقديٍّ عالمي بديل؟
“مرّة أخرى، فيما خصّ تثبيت سعر صرف عملةٍ ما، أنا مع (بناء) اقتصادٍ متين يدعم عملةً وطنية، وليس العكس”، يؤكّد د. حمادة، مشدّداً على أنه “من المستحيل العودة إلى معيار الذهب، فذلك يعني نهاية السياسة النقدية، حيث لن يمكنك إصدار عملة إلا بمقدار ما تملك من الذهب، وحيث من شأن قيمة العملة أن تكون محدّدةً ومعبَّراً عنها بالذهب. من شأن هذا أن يحفّزك للتصدير بهدف الاستحصال على الذهب (أو القطع الأجنبي لتشتري به الذهب)”، يقول د. حمادة، مشيراً إلى إلغاء معيار الذهب الذي سبق أن اعتمدته الولايات المتحدة.
أي دربٍ قد تسلكه الحكومات ذات السيادة، إذاً، في مساعيها لجلب الاستقرار إلى أسعار صرف عملاتها؟ “بناء اقتصاداتٍ مستقرّةٍ قوية، تعتمد على التصدير”، مع “سعر صرفٍ عائمٍ مُدار”، يجيب د. حمادة، مضيفاً أن من شأن اتفاقيات التجارة الثنائية بالعملات المحلية “أن تعطي عملات الشركاء التجاريين بعض الاستقرار، بفضل زيادة الطلب عليها؛ لكن الاستقرار العام لهذه العملات يتأثّر أيضاً بأفعال أطرافٍ ثالثة: إرتفاعٌ في سعر صرف الدولار (سيظل) يعني انخفاضاً نسبياً تلقائياً في قيمة عملات الشركاء التجاريين أولئك.”
أجرى المقابلة وحررها فراس أبي مصلح
النص منشور على موقع الجامعة الأمريكية في بغداد
COMMENTS