التدهور الأردني و”الحكومة الموازية” …

التدهور الأردني و”الحكومة الموازية” …

الشهيد حدّو أقشيش القائد في المقاومة الوطنية في المغرب
اتحادات “فيا آراب” تدين الاعتداء الإرهابي على الكلية الحربية في حمص
“متحف عبد الناصر” …

تتجاذب المملكة الأردنية الهاشمية اتجاهات مضطربة. في أواخر حزيران الماضي وزعت ثلاث وكالات أنباء غربية و”إسرائيلية” وأردنية، وفي وقت واحد، تقريراً إخبارياً عن متفجرات عثرت عليها السلطات، مخزنة في منزل يقع بأحد أحياء العاصمة عمان. وقد فجرتها الجهات المعنية بطريقة محترفة. كما اعتقلت مجموعة متورطين جرى التكتم على هوياتهم. إلا أن التوقعات الأمنية ـ السياسية التي حركها هذا التقرير، وما قد تجلب من أخطار على الإستقرار الذي نعمت به المملكة، بقيت مفتوحة المدى.

أصبح النظام الحاكم، بحسب الصحفي الإنكليزي ديفيد هيرست، أكثر هشاشة من الناحية الإستراتيجية نتيجة “حرب الإبادة الجماعية” التي تشنها “إسرائيل” على الفلسطينيين في قطاع غزة وفي الضفة الغربية أيضاً. وقد لاحظ أن الأردن ينزلق ببطء نحو لجتها، حتى لتبدو السياسة الملكية بـ”رفض الإنجرار إلى الصراع في المنطقة”، مثل نوبة عويل في البرية. فالتهديد جدياً وشديداً مع تنوع مصادره بين الداخل والخارج. إلا أنه في حسابات الداخل، ترتسم معالم حيرة النظام بين رأيين متعاكسين تقريباً.

ـ الرأي الأول، يجد أن هذه الحرب تهدد “وجود” الأردن. لأن الأهداف العظمى لنظام الإحتلال الصهيوني، تتجاوز “الإبادة” إلى “تهجير” الشعب الفلسطيني. تحضيراً  لـ”توسعة إسرائيل”، بتهويد كامل “الضفة والقطاع”، لاستيطانهما. يتركز أصحاب هذا الرأي في الديوان الملكي، الذي يقترح “الإنفتاح” على إيران ومحور المقاومة، للمساعدة في إحباط خطر “الوطن البديل”.

ـ الرأي الثاني، بحسب الصحفي هيرست أيضاً، يأتي من “التيار المعاكس في الأردن. الذي يرى أن كل ما يحدث هو من عمل إيران. وهذه هي وجهة نظر جهاز الإستخبارات الأردني، وهو منظمة واسعة النطاق لدرجة أنها تعمل كحكومة [أمنية ـ سياسية] موازية. وقد تلقى تدريبه على يد جهاز الإستخبارات الخارجية الإنكليزي (MI6)، وهو مرتبط بأجهزة الإستخبارات الإسرائيلية والغربية”.

وسط هذا المناخ السياسي المحتقن، وقع تفجير منزل حي “ماركا الجنوبية”، حيث عُثر على المواد المتفجرة. أعقب ذلك “اكتشاف” مخزن جديد بالعاصمة في حي أبو علندا. لحظتئذٍ، سارعت المحطات التلفزيونية التي يشرف عليها مستشارون أميركيون و”إسرائيليون”، مثل “الحدث” وغيرها، إلى الترويج لـ “سيناريو أمني ـ سياسي” ينتظر الأردن، وأول خيطه في إيران. ولم تراجع هذه المحطات ادعاءاتها، عندما لفتها مسؤولون أردنيون إلى يد الإرهاب التكفيري في “ماركا”، من دون نفيهم احتمالات أخرى.

لقد بددت الحرب “الإسرائيلية” ـ الأمريكية على غزة، كل “الخطوط الحمر” التي “لولحت” بها بعض القيادات العربية بشأن القضية الفلسطينية. لأن هذه الحرب الممتدة زمنياً وجغرافياً وديناميكياً ونفسياً، هي ذات خصائص جديدة كلياً، على مدارك القيادات العربية، سواء التي تقود العمليات الحربية ببسالة ودراية أو التي تخشى النيران الحربية بقلق وذعر. والأردن كله، يرى كيف أن هذه النيران تقترب منه. ويمكن الإفتراض أن “الحكومة [الإستخبارية] الموازية” التي تسيطر عليه، تملك “خطوط حمراء” تناسب سلطتها.

إن “اكتشاف” وتفجير “منزل ماركا”، حدث بعد أسابيع قليلة من أداء الجيش الإيراني واجب الرد على القصف “الإسرائيلي” لمبنى قنصلية طهران في دمشق. حينما اقلعت مئات المقذوفات من الطائرات والصواريخ نحو مواقع العدو في فلسطين المحتلة، ليلة 14 نيسان/أبريل الشهيرة. وكانت المرة الأولى، منذ حرب 1967، التي شعر فيها النظام الأردني، بأنه يقترب من حالة “انعدام الوزن” الإقليمي. لأن الأردن، وفي غضون ساعات، صار مسرحاً قتالياً لمعركة بين قوى إقليمية/دولية كادت تنقلب إلى حرب شاملة.

أتى اتهام طهران بدعم الإرهاب في ملف “ماركا”، في سياق تظهير “الخطوط الحمراء” لـ”الحكومة الموازية” في عمان. وأولها، إحراج “جماعة” الديوان الملكي الذين صاروا أكثر جرأة في “الإنفتاح” على الديبلوماسية الإيرانية، وأشد واقعية في حماية أمن النظام الملكي. وثانيها، دوام الإشتباك السياسي ـ الأمني مع إيران، التزاماً بـ”اتفاقات إبراهام” التي وقعها الأردن والإمارات والمغرب والسعودية والبحرين، لتغدو جزءاً من هيكل اقتصادي ـ سياسي ـ عسكري، محوره الإقليمي / الدولي كيان الإحتلال الصهيوني وأمريكا.

ومن الواضح أن هذا الإتهام الخطير، يرمي إلى تخريب البيئة الإستراتيجية الجديدة التي تمتاز بتفاهم دول الخليج العربي وإيران على تنظيم مصالحها وتسوية خلافاتها. فـ”الحكومة الموازية” في عمان التي تتهم طهران بالإرهاب، هي “دقة قديمة”، تعودت أخذ أسباب “الأمن الوطني” من اليد “الإسرائيلية” ـ الأمريكية. في حين يشترك الإيرانيون في قهر القوة “الإسرائيلية” الغاشمة والتسلط “الأطلسي” على المسلمين والعرب، في منطقة جغرافية شاسعة، خصوصاً في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن.

إن المسار التجريبي في مسائل “الأمن الوطني” للدول العربية، خصوصاً “دول الطوق”، يبرهن عن حساسية شعبية تاريخية ضد الإحتلال الصهيوني في فلسطين. وفي ظروف توحش العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني، أصبح “الحل الأمني” لهذه المسائل عديم الجدوى. لا سيما وأن الجمهور الأردني على ما يبدو من التظاهرات المستمرة أمام سفارة الكيان الصهيوني في عمان، متمسك بتقديم الدعم السياسي للمقاومة الفلسطينية. ويجاهر بغبطته من الدور الفعال لـ”جبهات الإسناد” العربية.

كذلك، فإن دروس “همام خليل البلوي” المؤلمة، قد برهنت أن لعبة تحريك دمى الإرهاب التي اتقنتها “الحكومة الموازية” في الأردن، في وقت ما، بالإتفاق مع الأمريكيين، قد تنقلب على “أبطالها”. كما أن ترك مفاتيح أمن المملكة الأردنية في قبضة الأمريكيين يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية مؤذية للأمن نفسه. وتدل كافة الشواهد التي “تلألأت” في سماء الأردن ليل 14 نيسان/أبريل الماضي، إن القواعد العسكرية الأمريكية على أراضي المملكة، أقيمت، في الأساس، من أجل “الدفاع عن إسرائيل”.

وبالفعل، فإن تولي هذه القواعد التي تحتل جزءاً من أراضي الأردن وسوريا والعراق، وكذلك، فلسطين المحتلة، “الدفاع عن إسرائيل”، يجري بصورة مستمرة، من خلال عمليات عسكرية وحربية منظمة لغايات أخرى أيضا. ومن هذه الغايات إحداث تغييرات جذرية في ميزان القوى الإقليمي لصالح “إسرائيل”، وإثارة الفوضى في أراضي الدول المذكورة. ولذلك، كان من المفترض أن توجه أنظار الجمهور في ملف متفجرات “ماركا” نحو أركان العمليات في هذه القواعد وسبر نواياهم بشأن التقارب الأردني ـ الإيراني.

إن سلام الأردن وأمنه يجب ألا يبقى بيد الأمريكيين و”الإسرائيليين”. ولئن بقيت “الحكومة الموازية” على ذات “الدقة القديمة” بشأن مقومات “الأمن الوطني”، فإن التدهور الأردني قد يتسارع. هذه ليست توقعات. لقد سمع الجميع أهم المسؤولين الغربيين وهم يتداولون في مسألة “نهاية هيمنة الغرب على العالم”. ومن اللازم أن تكون “حرب الإبادة الجماعية” التي تشنها “إسرائيل” على الفلسطينيين منذ 330 يوم، قد اقنعت القريب والبعيد، بأن الغربيين “الذين ـ كما قال الرئيس السنغالي عثمان سونكو ـ يغنون لنا عن الديموقراطية وحقوق الإنسان هم، أنفسهم، الذين يدعمون إسرائيل ويسلحونها” لتمضي في جرائمها.

إن تدهور قوة “إسرائيل” نحو أدنى نقطة في تاريخها، بحسب ما كتب بن درور في صحيفة محلية “إسرائيلية”، يجب أن يشجع على تغيير المقاربات السياسية الإستراتيجية في تعريف “الأمن الوطني” في الأردن وفي الدول العربية. وهكذا، يصبح “عزل إسرائيل” واتحاد العرب وتقاربهم مع دول الإقليم في “إسناد” المقاومة الفلسطينية وفي سبيل إخراج القواعد الأمريكية من المنطقة، مدخلاً إلى توفير الأمن المستقل للأردن وأشقائه العرب وللدول الإسلامية والدول الصديقة للقضية الفلسطينية.

نبيل فرحات، كاتب عربي من لبنان

‏الأحد‏، 27‏ صفر‏، 1446 الموافق ‏الأول من‏ أيلول/ سبتمبر‏، 2024

Please follow and like us:

COMMENTS