سجل جوش بول موقفاً سياسياً شجاعاً، ما زال يحجز مكاناً بارزاً على مواقع التواصل. فقد استقال من منصب “مدير الشؤون العامة والكونغرس في مكتب الشؤون السياسية ـ العسكرية في وزارة الخارجية الأميركية”، احتجاجاً منه على قرار إدارة الرئيس جو بايدن مواصلة إرسال الأسلحة والذخيرة إلى “إسرائيل” لكي تستمر في العدوان الفاشي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
في تعليق جديد نشره منذ أيام قال جوش بول : ” في وقت سابق من هذا الأسبوع، شعرت بالفخر والتواضع لوجودي مع زملائي السابقين من مختلف أنحاء السلطة التنفيذية للحكومة الأميركية، الذين وقفوا خارج سور البيت الأبيض، حداداً على المدنيين الأبرياء الذين قتلوا في غزة، ولكي يطالبوا الرئيس بايدن بأن يعمل على وقف إطلاق النار”.
وقال بول الذي اشتغل لمدة 11 عاماً في المكتب المسؤول عن عمليات نقل الأسلحة الأميركية إلى الخارج، في وزارة الخارجية : “عندما يضطر موظفو الخدمة المدنية إلى الوقوف خارج بوابات البيت الأبيض على أمل أن يسمع الرئيس أصواتهم، فإن ذلك يدل على الخلل الكامل في عملية صنع السياسات الداخلية، والفشل الكامل لقنوات المعارضة الداخلية” في الولايات المتحدة”.
لكن المسألة الأخطر التي لفت جوش بول إليها، فهي قمع الموظفين وتخويفهم لمنعهم من التعبير عن آرائهم السياسية المعارضة لسياسة البيت الأبيض في الحرب على غزة. وقال : “عندما يضطر موظفو الخدمة المدنية ـ الرجال والنساء الطيبون الذين كرسوا حياتهم لخدمة الشعب الأميركي ـ إلى إخفاء هوياتهم للتحدث علناً عن قضية سياسية من أجل الحفاظ على وظائفهم، فإن ذلك يؤكد أيضًا شراسة الرقابة والقمع. ويبين العداء الذي نشهده اليوم، في كل الولايات المتحدة، تجاه هذه القضية الإنسانية”.
وقد أرفق الموظف المستقيل من وزارة الخارجية الأميركية، تعليقه بملاحظة تفيد بأن كاميرا “القناة الرابعة” في المملكة المتحدة كانت حاضرة في الوقفة الاحتجاجية لأجل وقف إطلاق النار على غزة، وقد “تحدثت مع البعض منا حول هذه القضايا” (إضغط لمشاهدة المقابلات في الفيديو).
وكشفت خطوة جوش بول عن أن الحكومة الأميركية تواجه نوعاً من الإحتجاج الإداري ـ السياسي على سياسة الرئيس بايدن في فلسطين المحتلة، ودعمه لحملة الإبادة التي يشنها الجيش “الإسرائيلي” على الفلسطينيين في كافة أنحاء قطاع غزة منذ شهرين ونصف تقريباً. حيث استخدم بايدن حق النقض في “مجلس الأمن الدولي”، في شهر تشرين الأول / أوكتوبر الماضي وفي شهر كانون الأول / ديسمبر الجاري، لمنع الأمم المتحدة من اتخاذ قرار يجبر حكومة الكيان الصهيوني على وقف إطلاق النار على غزة.
فقد اتهمت موظفة في وزارة الخارجية الأميركية، رئيس الولايات المتحدة جو بايدن علنًا بأنه “متواطئ في الإبادة الجماعية” تجاه الفلسطينيين في قطاع غزة. وأرسلت سيلفيا يعقوب، مسؤولة الشؤون الخارجية في “مكتب شؤون الشرق الأوسط” في الوزارة، لأكثر من عامين، بريداً إلكترونياً، صباح الخميس 2 تشرين الثاني الماضي، لجمع التواقيع على برقية معارضة لسياسة بايدن في الحرب الدائرة بين “إسرائيل” والمقاومة الفلسطينية في غزة، بحسب نسخة نشرها موقع “أكسيوس” الإخباري الأمريكي.
وجاء في رسالة يعقوب، موجهة حديثها لبايدن: “أنت تقدم المزيد من المساعدة العسكرية للحكومة [الإسرائيلية] التي تهاجم سكان غزة الأبرياء بشكل عشوائي.. أنت متواطئ في الإبادة الجماعية.. والكونغرس يطالب بتقديم المزيد من المساعدات العسكرية لإسرائيل”. وقالت إن “وزير الخارجية أنتوني بلينكن يعد لاعباً رئيسياً في تنفيذ استراتيجية بايدن لدعم إسرائيل علناً”.
ويتناسب اتهام يعقوب مع العداء السافر للشعب الفلسطيني لدى كل من بايدن وبلينكن. فالرئيس الأميركي كرر يوم الثلاثاء في 12 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، عبارته المعروفة : “ليس من الضروري أن تكون يهودياً لكي تكون صهيونياً، وأنا صهيوني”. أما وزيره فقال لدى وصوله إلى تل أبيب : “أزور إسرائيل بصفتي يهودياً وسنلبي جميع حاجاتها الدفاعية”. وذكَّرت يعقوب : بأن “مسؤول وزارة الخارجية، جوش بول، قد استقال الشهر الماضي بسبب خلاف في السياسة بشأن مساعدتنا المستمرة لإسرائيل مع أنها مميتة” للفلسطينيين.
ويتحدث مسؤول أميركي إلى الموقع المذكور عن “وجود هوة بين البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية بشأن هذا الصراع [في غزة]، ولست مندهشاً من الطريقة التي تغرد يعقوب بها، رغم أنها صادمة”.
وبرزت هذه “الهوة” في دوائر أخرى من الحكومة، إذ وقع المئات من مسؤولي “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية”/”USAID”، على عريضة تدعو إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، “إلى الضغط من أجل وقف فوري لإطلاق النار ووقف الأعمال العدائية في الحرب بين إسرائيل وحماس”، وفق مجلة “فورين بوليسي” الأميركية. وهذه “الوكالة” تتبع وزارتي الخارجية والدفاع.
ونقلت المجلة أن العريضة التي حصلت على نسخة منها، تعكس القلق المتزايد داخل الحكومة الأميركية بشأن كيفية دعم إدارة بايدن لـ”إسرائيل” في حربها الظالمة على الشعب الفلسطيني. وحسب المجلة المذكورة، فإن “العريضة تعبر عن خلاف متزايد بين إدارة بايدن والمسؤولين الأميركيين العاديين المعارضين داخليا لنهج البيت الأبيض تجاه الحرب” على غزة التي تشنها “إسرائيل” معتمدة على ظهيرها في حكومة الولايات المتحدة.
وبالفعل، فقد ذكر موقع “The Hill” الأميركي، يوم 8 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أن هذا الخلاف السياسي امتد إلى العاملين في الكونغرس. حيث طالب أكثر من 100 موظف فيه، الرئيس جو بايدن بتحرك فوري لمنع وقوع مزيد من الضحايا المدنيين الأبرياء في قطاع غزة، وإيقاف الحرب. وأشاروا في رسالة رفعوها إليه وقرأوها في وقفة أمام الكونغرس، “أن حصيلة الضحايا في غزة تحتم التحرك على الفور لمنع وقوع مزيد من الخسائر في أرواح المدنيين، وشددوا على “أن الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي لا يمكن حله بالوسائل العسكرية”.
وقال هؤلاء العاملون في رسالتهم “نحن موظفون في الكونغرس لم نعد نشعر بالارتياح للبقاء صامتين.. لقد روعتنا الهجمات الوحشية التي وقعت يوم 7 أكتوبر [تشرين الأول، 2023] على المدنيين الإسرائيليين، كما روعنا الرد الساحق من جانب الحكومة الإسرائيلية الذي قتل آلاف المدنيين الفلسطينيين الأبرياء في غزة”. وأضافوا “ناخبونا يطالبون بوقف إطلاق النار، ونحن الموظفون الذين نجيب على دعواتهم.. معظم رؤسائنا في الكابيتول هيل لا يستمعون إلى الأشخاص الذين يمثلونهم”.
وتابعت الرسالة “نطالب قادتنا بالتحدث والدعوة إلى وقف إطلاق النار، والإفراج عن جميع الرهائن، والوقف الفوري للتصعيد الآن”. وقد تعني مطالبة الناخبين الأميركيين لممثليهم في الكونغرس بوقف إطلاق النار الأميركية ـ “الإسرائيلية” على الشعب الفلسطيني في غزة، أن القضية الفلسطينية باتت بمعنى ما قضية داخلية أميركية.
لكن التقرير الذي نشره موقع “نيويورك تايمز” يوم 14 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أي بعد ثلاثة أيام من تقرير موقع “The Hill“، أثبت أن استقالة جوش بول لم تكن سوى رأس جبل الجليد. فالتقرير الذي أعده كل من ماريا أبي حبيب من لندن، ومايكل كراولي وإدوارد وانغ من واشنطن، وهم من الصحفيين المحترفين، كشف عن رسالة أخرى وقعها أكثر من 500 مسؤول، يمثلون نحو 40 وكالة حكومية أميركية، “احتجوا فيها على السياسة الإسرائيلية للرئيس بايدن”. وهذه المجموعة من المسؤولين متنوعة دينياً وعرقياً وأقوامياً. وقال الموقعون إن بايدن وعد بحكومة أكثر تمثيلاً للأميركيين، لكنه تجاهل مخاوفهم.
ونقل التقرير كل نص الرسالة تقريباً، وهو حجة قوية على تزايد المعارضة الإدارية ـ السياسية داخل الحكومة الأميركية للسياسة الصهيونية التي يتبعها بايدن، في الحرب “الإسرائيلية” الإجرامية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. وقد عزز موقعو الرسالة موقفهم بعرض نتائج استطلاع رأي برهنت أن “الأغلبية الساحقة من الأميركيين تؤيد وقف إطلاق النار”. علماً بأن هذا الإستطلاع أجري في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وبعد أقل من أسبوعين على طوفان الأقصى، قد “أظهر أن 66 % من الأميركيين، بما في ذلك 80 % من أنصار حزب الديمقراطيين، يعتقدون أن على الولايات المتحدة أن تمارس الضغط على إسرائيل من أجل وقف إطلاق النار”.
ورغم الحملات الإعلامية التي شنتها إدارة بايدن والجماعات اليهودية الصهيونية واللوبي “الإسرائيلي” في الولايات المتحدة، لكي تغير قناعة أغلبية الرأي العام الأميركي وتكسبها إلى صف الكيان الإجرامي الصهيوني، إلا أنها فشلت تقريباً. إذ “كشف استطلاع جديد للرأي أجرته صحيفة نيويورك تايمز بأن 57% من الأميركيين لا يوافقون على طريقة تعامل الرئيس جو بايدن مع الصراع الدموي بين الإسرائيليين والفلسطينيين”.
كما أن هذا الاستطلاع الذي نشرت صحيفة نيويورك تايمز/ كلية سيينا نتائجه يوم 19 كانون الأول / ديسمبر الجاري، اي بعد نحو 10 اسابيع على بدء حرب التطهير العرقي الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزة، قد برهن “أن الأميركيين الأصغر سنا هم أشد انتقادًا بكثير من الناخبين الأكبر سناً لسلوك إسرائيل ولرد فعل إدارة بايدن على الحرب في قطاع غزة”. ما يؤكد ازدياد وعي المواطن الأميركي بطبيعة القضية الفلسطينية. وهذا المعطى الإجتماعي ـ السياسي يطرح أسئلة أخرى على الإدارة والنظام في الولايات المتحدة، خصوصاً كيفية تعريف مفهوم “المصالح الأميركية”.
يلاحظ جوش بول في تعليق منشور على مواقع التواصل إن السياسة الخارجية الأميركية التي تتبعها إدارة بايدن في غزة [وعموم فلسطين] “يغلب فيها المنظور الأيديولوجي على المستوى السياسي”. وهذا التعليق القيم، ينبئ بمستقبل قاتم للرئيس بايدن و”حزب الجريمة البايدنية”.
هيئة تحرير موقع الحقول
الثلاثاء، 19 كانون الأول، 2023
COMMENTS