لا توجد مرجعية رسمية، أمنية أو سياسية، قادرة على الجزم، بصورة أكيدة، بمعرفة عدد العناصر العسكريين والأمنيين الذين يعملون في لبنان باسم سفارات عربية وأجنبية. فيما كلّ من الأجهزة الأمنية اللبنانية يعمل في مسار مغاير للآخر، حتى بات لدى الجهات الخارجية تصنيف خاص لكل جهاز، لناحية قدراته وميول قيادته وسلوك عناصره وطبيعة المهام التي ينفّذها. وبناءً على هذا التقييم، تقرر هذه الجهات كيفية بناء العلاقة مع هذا الجهاز أو ذاك. والعلاقة هذه تشمل تبادل المعلومات وطلبات التعاون، وكذلك برامج الدعم التقني والتسليحي، والمالي أيضاً.هذه «المجموعات العسكرية والأمنية» استقدمتها سفارات إلى لبنان على خلفية الحرب على غزة، بذريعة أنها مكلّفة بمهام تتعلق بإجلاء دبلوماسيّيها ورعاياها في حال توسّعت الحرب. وتقرّ جهات رسمية بأن هذه السفارات تحدّثت عن «حاجة هذه المجموعات إلى أنشطة استطلاعية – اختبارية»، لكن ما طُلب رسمياً اقتصر على تدريبات وأعمال رماية قامت بها هذه المجموعات في حقول تتبع للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي.
إلا أن النقاش أخذ بعداً مختلفاً في الآونة الأخيرة، ربطاً بـ«أخطاء» ترتكبها هذه المجموعات خصوصاً في الضاحية الجنوبية لبيروت. وبمعزل عما إذا كان ما يحصل خطأ فعلاً أم خللاً أم عملاً متعمّداً، يتصرف حزب الله مع الأمر وفق ما تمليه الاعتبارات المتعلقة بالحرب مع العدو. ويتعامل بارتياب كبير حيال كثير من التحركات في أكثر من منطقة تضمّ عناصرَ أو مراكزَ للمقاومة، ولا سيما في الضاحية الجنوبية، خصوصاً أن تحقيقات مع مشتبه في تعاملهم مع العدو، أظهرت أنهم قاموا بأعمال استطلاع واسعة في مناطق عدة، ولا سيما في الضاحية، كما تبيّن أخيراً أن بعض العمليات العسكرية التي نفّذها العدو ضد مقاومين استندت إلى هذه الشبكات التي تم توقيف ثلاث منها في الأسابيع الأخيرة.
وفي هذا السياق، تبيّن من حادثتَي توقيف إسباني وثلاثة هولنديين في مناطق في الضاحية أخيراً، ورغم حرص الجانبين الهولندي والإسباني على التأكيد لجهات لبنانية رسمية وسياسية عدم وجود أي عمل أمني تجسّسي ضد حزب الله، أن هذه التوضيحات لا يمكن الركون إليها لعدم الأخذ في الاعتبار وجود «عناصر جرمية».
ففي ما يتعلق بتوقيف الهولنديين الثلاثة، في محلة بئر العبد الأربعاء الماضي، تبيّن أن المقهى الذي قصده هؤلاء لـ«الاستراحة» كما قالوا، ليس له عنوان على محرّك غوغل. كما أثار استغراب المعنيين وجود كاتم صوت في حوزة أحد الموقوفين، فيما تبيّن بعد التدقيق عدم وجود رعايا لهولندا في المنطقة بما يبرّر القيام بتمرين لإجلائهم في حالات الطوارئ. أضف إلى ذلك أن الأوراق الثبوتية التي كانت في حوزة هؤلاء تفيد بأنهم «جنود» في الجيش الهولندي، من دون أن تشير إلى رتب كما هي العادة مع الضباط والعسكريين، وهو أمر لافت، خصوصاً أن بعضهم في العقد الخامس من العمر.
أما بالنسبة إلى «الدبلوماسي» الإسباني الذي أُوقف في منطقة الكفاءات الشهر الماضي فيما كان يستخدم هاتفه للتصوير، فقد أكّد أمام جهاز أمن المقاومة الذي أوقفه، وفي التحقيق المحدود جداً معه أمام جهاز الأمن العام قبل تسليمه لسفارة بلاده، أنه كان يقصد أحد الأمكنة وأخطأ في العنوان، وهو أمر مفهوم حتى لدى جهاز أمن المقاومة، كون كثيرين من الأجانب ممن يدخلون الضاحية يواجهون صعوبات في الوصول إلى العناوين المطلوبة ما لم يكن معهم أحد من أبناء المنطقة. لكنّ اللافت أن الرجل كان يحمل هاتفاً يحتوي على تطبيقات خاصة تتيح كشف الكثير من الأمكنة، كما هو عمد إلى تسجيل أسماء متاجر ومحالّ في الأمكنة التي صوّرها، زاعماً أنه أرسل صورها إلى السفارة لمساعدته في الخروج من المنطقة.
تجدر الإشارة إلى أن السفارة الإسبانية التي تسلّمت الموقوف، واسمه دييغو مورينو نوغاليس كما ورد في جواز سفره الدبلوماسي، اعتذرت عن الخطأ، وقالت إنها اتّخذت قراراً بإبعاده عن لبنان. وقد غادر إلى بلاده بالفعل في 23 شباط الماضي، وأبلغت الجهات اللبنانية بأنه لم يعد من طاقم السفارة.
وبحسب مصدر معنيّ، فإن لجوء الهولنديين إلى استخدام سيارة مستأجرة، ووجود تطبيقات خاصة على هاتف الدبلوماسي الإسباني، وتفاصيل بعض الخطوات التي جرت على الأرض من قبل آخرين، تعزّز المخاوف لدى جهاز أمن المقاومة من محاولة العدو الاستفادة من هذه التحركات لاستطلاع الوضع على الأرض، واختبار مدى جهوزية المقاومة في حال قرّر العدو القيام بعمل أمني بواسطة أشخاص يدخلون من خارج لبنان، وهو أمر سبق أن حصل مرات عدة.
COMMENTS