“بنت اسمها ذات”: دراما التاريخ الموصول بالواقع

“بنت اسمها ذات”: دراما التاريخ الموصول بالواقع

عن "رحلة الاديبة نجوى زيدان الى منزل املي نصر الله"
في الطريق الى بيت إملي*
الدراما السورية… باقية رغم كل التحديات

نجوى زيدان، 10 شباط / فبراير، 2024

يأخذنا المسلسل الدرامي المصري “بنت اسمها ذات” في رحلة سوسيوتاريخية مصرية من خلال قصة فتاة تتزامن ولادتها مع ثورة يوليو، فيسميها والدها المبتهج بالثورة والموظف في قناة السويس باسم “ذات الهمة” تيمنا بشخصية الاميرة العربية التي لقبت ب “ذات الهمة” بعد تصديها للظلم الذي لحق بوالدها، معتبرا( الوالد) ان الهمة انبعثت مع ثورة الضباط الاحرار، اليوم الذي تحررت فيه مصر من حكم الملكية ومن سيطرة الاقطاع على الأراضي الزراعية ولاحقا من الهيمنة البريطانية على مرافق مصر الرئيسية ومنها قناة السويس وصولا الى جلاء الاحتلال. وقناة السويس التي أُعلن تأميمها الرئيس عبد الناصر وهو يلقي خطابه الشهير،  غير قابل للنسيان لدى أجيال من الشعب العربي واولهم المصريين الذين اختبروا معنى العزّة والاستقلال في ذاك اليوم المجيد.

“بنت اسمها ذات” مسلسل عن قصة للكاتب المصري صنع الله إبراهيم ومن اخراج كاملة أبو ذكرى وخيري بشارة صاحبا البصمة الخاصة في السينما والتلفزيون المصريين.

تركزت الرؤية الدرامية على معالجة قضايا الشارع المصري بين ثورتي 1952 و2011 من خلال شخصية الفتاة “ذات”، التي عاشت إنجازات الثورة واخفاقاتها، في سيرة تعبر عن تحولات كبرى شهدتها مصر، وعن الخط الفاصل بين القيم القديمة وتلك الجديدة التي تلقفها المجتمع بفعل الأفكار الثورية والتغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي طرأت بفعل هذه الأفكار، التي ما لبثت ان تغيرت بفعل سياسات الانفتاح.

في قالب درامي مشوق، تتوالى الاحداث الكبيرة والصغيرة ومعها انعكاساتها على عائلة “ذات” وعلى المحيطين بها وعليها شخصيا وكيف آلت حياتها الى ان تصبح مغلولة ومغلوبة تركض للعمل خارج المنزل من اجل كفاية الاولاد، تخسر الكثير الى جانب زوج يمثل الشخصية المصرية المتوسطة التعليم الذي يطمح الى تحسين ظروف عمله فتغلبه الظروف الموضوعية لمجتمع متناقض متعثر النمو، كما غلبت الطبقة المتوسطة المصرية، الى ان تصل لنقطة لا يمكنها معها الا ان تختار المضي الى جانب المتظاهرين في ثورة 2011.

اللافت في هذه الدراما انها تستطيع ان تقدم للمُشاهد المصري والعربي حكاية مصر في عقودها الستة الأخيرة ضمن ثلاثين حلقة بطريقة مبدعة تربط بين الواقع والخيال لذاك الحد الفاصل بين نهضة مصر القومية وتراجعها وخيبة شعبها رغم ادعاءات “سياسة الانفتاح والسلام مع العدو” التي لم تجلب لمصر الا المزيد من الضعف والتراجع والفقر. انه خط تماس بين الحقيقة التاريخية المرة وتفاعلاتها الاجتماعية والاقتصادية.

استطاعت هذه الدراما ان تستقرىء التاريخ وتقدمه للجمهور بدون تأويل مربك، مستفيدة من لقطات حقيقية مؤرشفة للأحداث التي وقعت في مصر، مما اضفى مصداقية على النص الدرامي والحوارات التي دارت بين شخصيات العمل.

“بنت اسمها ذات” عُرض على الشاشة المصرية وعلى منصة شاهد، لكنه لم يحظَ بالكثير من النقد، رغم اعتباره من اهم المسلسلات التي جسّدت المرأة المصرية في الطبقة المتوسطة خلال تلك الفترة، الامر الذي يؤكد على ان الدعاية والترويج للاعمال الدرامية هو بيد شركات لها اجندتها الفكرية والايديولوجية والسياسية التي تمكنها من توجيه الجمهور نحو عمل دون آخر وحجب الاهتمام عن الاعمال التي لا تتوافق مع اجندتها، ما يحيلنا الى أهمية الدراما اليوم في منظومة القوة الناعمة وفي صناعة الوعي من خلال الفن والثقافة.

انه دراما بكل معنى الكلمة، مختلف عن الانتاجات المصرية الأخيرة التي تملأ المنصات الدرامية من كوميدية خفيفة الى “الاكشن” والبوليسي والإستخباراتي، تلك الاعمال المتماثلة الى حد كبير مع انتاجات هوليوود في محاكاة قد تكون ساذجة أحيانا او منسوخة أحيانا أخرى.

انه دراما توازي الاعمال المصرية الوازنة التي تركت اثرها حتى اليوم في وعي الشعب العربي كمسلسل “رأفت الهجان” و”ليالي الحلمية” و”المال والبنون” و” هوانم غاردن سيتي” و “ناصر” وغيرها الكثير من المسلسلات.

مسلسل “بنت اسمها ذات” من بطولة نيللي كريم وباسم سمرة ، انتاج سنة 2013، جدير بالمشاهدة من قبل الجمهور العربي.

https://x.com/alhoukoul/status/1833332109701751069?t=1RmkNxlFyw9hPo8WhAzukQ&s=19

 

الدكتورة نجوى خليل زيدان، كاتبة وأديبة وباحثة عربية من لبنان، مختصة في الإعلام وقضايا الدراما.

الثلاثاء، 10 أيلول/سبتمبر، 2024
اعتذار : وصل مقال الدكتورة نجوى زيدان إلى بريد موقع الحقول بتاريخ 27 شباط/فبراير 2024، ولكن تأخر نشره لأسباب إدارية كما نتيجة الإهمال. نكرر اعتذارنا من الزميلة الكريمة. 

Please follow and like us:

COMMENTS