لا تستعجلوا “طريق السلام”

لا تستعجلوا “طريق السلام”

فتحت خطة دونالد ترامب لتهجير الغزيين النقاش مجدداً عن "السلام" في المنطقة

طلبة العالم صناع الحرية …
أكبر شركة طيران إيطالية أغلقت رغم الدعم الحكومي الكثيف!
الديموقراطية والحقيقة : “ويكيليكس” تفضح أسرار الحكم “الإخواني” في تركيا

كتب الأستاذ مالك الخوري/ الحقول / بيروت : استعجل العديد من “الكتّاب” و”النخب” العربية في الآونة الأخيرة التنظير لقرب “تحقيق السلام والاستقرار” في المنطقة، وكأن البعض كان ينتظر بترقب قطف مفاعيل السابع من أكتوبر والمتغيرات السورية واللبنانية، وبات ينتهز جميع الفرص للقول إن الطريق أمام السلام بات معبدّاً، فيما انبرى البعض للدلالة عليه بإصرار وكأنه يقشعُ عن العقول بسرعة الصورة التي رسمتها إسرائيل لنفسها على مدى عقود. فاعل خير مهتزّ الأخلاق.

وفيما تفكر بعض النخب اللبنانية بالسلام، مرة بنصّ دراسة مطولة وأخرى في المشاركة في منتدى مع إسرائيليين، يخطّ بنيامين نتنياهو بصبر وإصرار ودون أي مواربة خريطة الدولة اليهودية. يقول البعض اليوم إن ملامسة العداء لإسرائيل ولو من طرف ما يقوله كبار صهاينتها تحجّر وتخلف عن زمن “السلام والاستقرار”، في وقت يتغنى الطرف الإسرائيلي بمشاريعه كتابة وشعراً وتصفيقاً للصهاينة في نيويورك وواشنطن.

في قراءة يومية سريعة للصحف والمنتديات الإسرائيلية يهيمن نقاش “الدولة اليهودية” على الأخذ والرد. أحد الحاخامات يهودا غليك كتب في مجموعة نقاش على تلغرام الأسبوع الماضي، “هناك خمس مناطق لن نتخلى عنها إذا أردنا إعلان الدولة اليهودية، سيناء والقدس والجليل والضفة الغربية والجولان، وعندها فقط يمكننا إعلان دولتنا ونأخذ استراحة من عناء المجادلين”. أعتقد ان كمية الاعجابات التي نالها هذا المنشور ومن ضمنها أعضاء في الحكومة تعبر بالفعل عن “سلام لن يستريح قبل إعلان دولة يهودية”، وهو ما عقب به الحاخام نفسه.

لا تسعى هذه القراءة إلى كشف سرّ أو إبهار القارئ بقدر ما تصور مقارنة بسيطة بين مفهوم دعاة السلام في المقلب اللبناني والعربي إجمالاً وبين مفهومه في إسرائيل، حيث الفجوة الكبرى بين العقل التوراتي والعقل العبثي الذي يرمي في فضاء مراكز الدراسات ما يريد سماعه بعض الغربيين، ويفرح “بالمختلف الغريب” الذي يقوله دون أساس سياسي أو تاريخي أو قانوني.

فتحت خطة دونالد ترامب لتهجير الغزيين النقاش مجدداً عن “السلام” في المنطقة، وجاء الرد العربي السعودي السريع سياسياً وإعلامياً بالتمسك بحل الدولتين على حدود العام 67 ليذكرنا سريعاً بوديعة رابين الذي قتل على يد زملاء نتنياهو، بل إن غالبية وزراء الحكومة الإسرائيلية الحالية كانوا من ضمن الحركة الاحتجاجية المنظمة في إسرائيل ضد رابين آنذاك وعلى رأسهم إيتمار بن غفير.

لا يهمّ كثيرا بالنسبة لمقاول مثل ترامب ما هو شكل السلام المزعوم، دولتان أو دولة واحدة أو حل لثلاث دول كما اقترح جون بولتون في صحيفة التلغراف قبل أيام، ما يهمه هو معالجة هذه القضية بشكل سريع ومربح، وتحت هذا السقف يتمسك نتنياهو بدولة يهودية تحمل العناصر الخمسة التي تحدث عنها الحاخام، هو يمسك أصلا بالجولان وجبل الشيخ والجليل والقدس، ويتوسع في الضفة بثبات ويوجه سهامه باتجاه سيناء بشكل متكرر، كان ٱخرها قول يحيئيل لايتر، السفير الإسرائيلي لدى واشنطن إن “مصر تخرق اتفاق السلام بيننا وقامت ببناء قواعد عسكرية هجومية في سيناء”.

في سوريا استراح أحمد الشرع لعنوان “السلام والاستقرار” في مقابلته الأخيرة مع بودكاست بريطاني، أما “معهد ألما” المعروف بالتسويق لأهداف إسرائيل الأمنية فقد نشر منذ عدة أيام دراسة تبحث في “كيفية موازنة الأهداف الإسرائيلية مع تركيا في سوريا”، حيث تخلص الدراسة إلى ضرورة “إيجاد آلية تنسيق تجنب الطرفين الصدام”.

بالتزامن اشتعلت في إسرائيل معركتان سياسيتان واحدة يقودها نتنياهو ضد رئيس الشاباك رونين بار الذي رد بفتح تحقيق في علاقة أحد مستشاري نتنياهو بدولة قطر، غامزاً من قناة استفادة رئيس الحكومة من التمويل القطري لحركة “حماس” أملا في تغذية بقائه وحربه، والثانية ضد التعيينات في المحكمة العليا التي تحاول الحكومة وضع اليد عليها قبل انفجار النقاش حولها من جديد. والنقاش في صلبه يدور حول إعلان الدستور الذي ترفض حكومة نتنياهو إعلانه إلا على “دولة يهودية” من سيناء حتى الجولان.

في لبنان، يسرح البعض في سرد هزيمة إيران وحليفها “حزب الله” تمهيداً لرفع راية “السلام والاستقرار”، بينما تموضع رئيس الجمهورية جوزف عون ورئيس الحكومة نواف سلام إلى جانب الخيار السعودي بالتمسك بحل الدولتين، الحل الذي لا يبدو قريباً بوجود حكومة نتنياهو، وهي أيضاً فجوة لا يفهمها بعض اللبنانيين المستعجلين إلى ضرورة مد اليد لإسرائيل، فكيف تمد يدك لمن يريد “دولة يهودية” فيما السقف العربي يتمسك بحدود ال67.

منذ أسبوعين نشرت مجلة “نيويوركر” المعروفة بتوجهاتها اليهودية التاريخية، دراسة طويلة تسوق فيها لتغير في المزاج اليهودي فيما خص السلام في المنطقة، وتبرز آراء بعض اليهود الذين يسعون لحل مع الفلسطينيين، أما رئيس المؤتمر اليهودي العالمي رونالد لاودر فأكد في لقاء مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تأييده العمل على السلام وفق حل الدولتين، وهو ما يبرز وجود توجه يهودي – لطالما دعمته الإدارات الديموقراطية الأميركية – لصياغة حل بعيداً عن مشروع نتنياهو الذي يدعمه غالبية مراكز القوى الدينية المتمسكة بالرواية التوراتية في إسرائيل.

خلاصة القول، أن التاريخ يعيد نفسه مرة أخرى، في ضفتنا من يمدون اليد ويستعجلون “أي سلام”، أما على الضفة الإسرائيلية فالسلام مسألة وجودية ستكون عاصفة سياسية في الجسم الإسرائيلي يذهب القول بالبعض أنها ستطيح بكل مشروع إسرائيل الذي دعاه يسوع الناصري يوماً ليتغذى على المحبة فقتله ورفعه صلباً ليشهر حياته ووجوده على القتل والدماء.

مالك الخوري، محلل سياسي عربي من لبنان

‏الخميس‏، 29‏ شعبان‏، 1446 الموافق ‏27‏ شباط‏، 2025

 

Please follow and like us:

COMMENTS