“مناضلون شيوعيون مغاربة” يكتبون عن “الخارجين من جلودهم”

“توتال إنِرجيز” الفرنسية : أعمالنا مستمرة في روسيا
الديموقراطية والحقيقة : “ويكيليكس” تفضح أسرار الحكم “الإخواني” في تركيا
Argelia llama a la Comunidad Internacional a interesarse en el Conflicto del Sahara Occidental

خاص ـ الحقول /

“لقد قبضوا كلهم

وأحطهم من يدافع عن قبضة المال

مدعيا أنها الماركسية أم العرافة”.

مظفر النواب

أسدلت نهاية التسعينيات من القرن الماضي الستار على مسار حافل من التراجعات والارتدادات النظرية والسياسية عن تراث الحركة الماركسية-اللينينية ونهجها الثوري، مسار كان عنوانه التخلي عن مصالح البروليتاريا مقابل صحن من عدس، وقد توج هذا المنحدر بالمخاض الذي سمي بـ”تجميع اليسار الجديد” الذي ولد الأقزام السياسية الثلاثة المعروفة والتي أخذت مكانها الطبيعي مع سائر القوى الاصلاحية. بالإضافة إلى التيارات التحريفية التي تكونت في الجامعة كصدى لمسلسل التراجعات هذا، وذلك بأكثر من شكل، وهذه حقائق معروفة عراها أزيد من عقد من النضالات الإيديولوجية والسياسية كشفت المواقع وأسقطت الأقنعة. ويبدو أن التطورات الأخيرة تنم عن “تجميع” جديد فريد، لـ”يسار” لا يقل عنه جدة وفرادة. “يسار” لا “يتجمع” هذه المرة ليسير في النهج الاصلاحي البرجوازي الصغير، بل في طريق الرجعية الصريحة والدفاع المباشر عن نظام الاستعمار الجديد وعملاء الامبريالية. والسؤال الأصعب والأكثر ملحاحية إزاء هذا الوضع، ليس عن الشروط التي أملت تكون هذا “اليسار” الرجعي وحسب، بل وأيضا الأسباب التي دفعت جماعة من أدعياء الماركسية والشيوعية إلى الانخراط في هذا المسار التصفوي بهمة ونشاط. إن طرح هذه المسألة إذن لا ينحصر في كشف الأدوات التي يوظفها النظام القائم وأسياده الإمبرياليون والصهاينة، في شن الهجمات تلو الهجمات ضد الحركة الجماهيرية في هذه المرحلة الدقيقة والحرجة التي تجتازها حاليا، بل أيضا بحث علاقة هذه التطورات بشروط الأزمة الراهنة للحركة الشيوعية في المغرب، والتي أفرزت هذه التقيحات والدمامل الانتهازية، المعلنة عن وجهها الحقيقي في اللقاء التأسيسي لما سمي بـ”حركة أمل” بالرباط يوم الأحد 8 فبراير 2016، والسالكة خط التنكر لجماهير شعبنا وشهدائه وقضيته: إنه خط التسوية والتصفية.

1- النضالات الجماهيرية وأزمة النظام والحلول الجديدة لعملاء الإمبريالية:

بعد افتضاح دور القوى الظلامية كأدوات طيعة في يد الإمبريالية والأنظمة الرجعية العربية، حريصة على تطبيق املاءات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وتنفيس أزمة الإمبريالية على كاهل الجماهير الشعبية، وفي مواجهة الغليان الجماهيري المتزايد، فإن بعض هذه الأنظمة قد لجأت إلى دمى جديدة لتمثيلها وامتصاص الغضب الشعبي العارم ضد القوى الظلامية: إنها الأحزاب الليبرالية. في هذا السياق بتونس، كان تأسيس حزب “نداء تونس” في 6 يونيو 2012 ليوضع الباجي قايد السبسي على رأس النظام بعد سنتين من ذلك. أما في المغرب، وبعد انكشاف عورة ظلاميي “العدالة والتنمية” فيعمل النظام القائم على إعداد حزب “الأصالة والمعاصرة” لكي يلعب دور احتواء وتدجين الحركة الجماهيرية النامية نضالاتها يوما بعد آخر. وإذا كان حزب “الأصالة والمعاصرة” قد لحقه بالغ الضرر مع صعود حركة 20 فبراير إذ توالت الانسحابات منه بسبب علاقاته البادية للعيان بالقصر، فإنه قد انتعش من جديد في الآونة الأخيرة وذلك عبر مدخل نضاله المزعوم ضد القوى الظلامية، على نفس نغمة ليبراليي “نداء تونس” جميعا عبر الإدانة المتكررة لجرائم الظلاميين – خاصة التي حدثت في السنوات الأخيرة مثل اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي بتونس، وجرائم تنظيم “داعش” بالعراق وسوريا – والدعوة إلى فصل الدين عن الدولة وإقامة دولة “مدنية علمانية” والتشدد ضد “أسلمة المجتمع” و”الدولة الدينية”، وقد راكم حزب الأصالة والمعاصرة أيضا في هذا الصدد، رصيدا لا يستهان به.

إن ما ميز رصيد “الأصالة والمعاصرة” هذا في ممارسة الدجل والتضليل على الجماهير، هو أنه في حين أعلن “نداء تونس” -إبان انتفاضة جماهير القصرين وسيدي بوزيد وغيرها من المناطق المهمشة مطالبة بالتشغيل ورفع التهميش- عن كون “اليسار المتطرف” لا يقل خطورة عن “الإسلام السياسي المتطرف” فإن حزب “الأصالة والمعاصرة” قد أعلن نفسه ليس من “اليسار” وحسب، ولكن نصيرا حتى لما يعتبر في المغرب “يسارا متطرفا”، أي الطلبة القاعديين. وفي هذا الصدد اتجه الحزب نحو: بلورة مفهوم “يسار الوسط” ليعطي مضمونه الخاص لتموقعه “اليساري” المزعوم من جهة، ثم إعلان الدفاع عن القاعديين بصيغة “التصالح مع الحركة القاعدية” و”إعادة فهمها” من جهة أخرى. وكل ذلك من أجل تدعيم شرعيته في مناهضة القوى الظلامية والتنديد بجرائمها والمطالبة بـ”العلمانية” و”الدولة المدنية”. وواضح أن مثل هذه المناورات والألاعيب قد أحدثت بلبلة خطيرة استطاع من خلالها حزب القصر وأجهزة المخابرات أن يخلط بها الأوراق في حقول متعددة ويصطاد كذلك العديد من “الكوادر” التائهة فكريا وسياسيا تدعم دجله وديماغوجيته بتجربتها السياسية في أوساط “اليسار” وتوسع نفوذه وانتشاره.

إن حزب الأصالة والمعاصرة يطرح “يسار الوسط” كطريق نحو تجاوز النقاش بين “الإصلاح السلفي” و”الإصلاح الليبرالي”، ومناهضة “المحافظين” في ظل انتكاسة المشروعين القومي والإشتراكي، ولأجل اكساب الشرعية لهذا الطرح يلح على نقد “اطروحات اليسار التقليدي” وأزمة هذا “اليسار” في التعامل مع الماركسية، وبهذا يبدو وكأنه الساهر على مهمة “تجديد” الماركسية وإعادة بث الروح العلمية والنقدية في صفوف “اليسار” والتي غيبتها عقود من “التكلس” و”الجمود” و”المقولات” و”البديهيات”. وهذا بالإضافة إلى الدعوة لأجل “اعادة فهم الحركة القاعدية” باعتبارها “ليست ابنا عاقا” وباعتبار دورها في “استتباب الثقة” و”المحافظة على الأمن”. وبهذا فان حزب “الأصالة والمعاصرة” لا يقوم فقط بخلق موقع وهمي جديد داخل “اليسار” بصيغة “يسار الوسط” الرجعي، وإنما يريد أيضا بناء مضمون رجعي للقاعديين أنفسهم، وذلك دائما إلى جانب الهجوم المستمر على القوى الظلامية من موقعه الرجعي نفسه.

لقد ازدادت حاجة النظام القائم لحزب الأصالة المعاصرة ليلعب دوره المنوط به، بشكل متزايد خلال الآونة الأخيرة. فبعد انتفاضة جماهير الشمال (طنجة، تطوان، العرائش…) ضد شركة “أمانديس” والنضالات البطولية التي خاضتها الجماهير الشعبية ببني تدجيت وتالسنيت وتنجداد وغفساي وغيرها من مناطق انتفض أبناؤها ضد واقع التهميش والبطالة، وذلك إلى جانب المعارك التي خاضها الممرضون المعطلون ثم الطلبة الأطباء، وصولا إلى معركة الأساتذة المتدربين التي لا تزال مستمرة وفي تطور متزايد، يغذيها السخط المتنامي في صفوف الأساتذة الممارسين على مخطط “اصلاح التقاعد” الذي يهدف النظام من ورائه للإجهاز على مكتسبات جديدة. وهذا إلى جانب المعارك النضالية للحركة الطلابية في مختلف المواقع الجامعية: وجدة، مكناس، فاس، تازة، الرشيدية، أكادير… وقد جند النظام، لأجل ضرب الحركة الجماهيرية في مختلف روافدها هاته، بالإضافة إلى قمعه المباشر، شتى أصناف عملائه من القوى الرجعية، وهذا ما يلاحظ من خلال جهود القوى الظلامية لنسف معركة الأساتذة المتدربين وحرفها عن مسارها، وكذلك لأجل ضرب الحركة الطلابية هو ما تجسد مثلا، خلال مؤامرة 24 أبريل 2014 بموقع فاس – ظهر المهراز، وهجومها على الجماهير الطلابية بموقع فاس – سايس بعد ذلك. في الوقت الذي تعمل القوى الشوفينية الرجعية بدورها على محاصرة المعارك النضالية ومناضلي الحركة الطلابية وذلك ما كشفته مؤامرة 23 يناير 2016 بموقع مراكش والتي عمل النظام على الدعاية المكثفة لها عبر أبواقه الإعلامية وبتواطئ ومساهمة القوى الإصلاحية والتحريفية.

في هذا المخاض الصعب وهذه العاصفة العاتية من النضالات الجماهيرية فإن حزب “الأصالة والمعاصرة” هو البديل الأمثل بالنسبة للنظام والامبريالية، عن القوى الظلامية التي افتضح أمرها شعبيا وتلطخت أيديها. وفي هذا الاتجاه عمل حزب “الأصالة والمعاصرة” على اعداد صفوفه لهذا الدور وذلك عبر تشديد هجومه على القوى الظلامية والتنديد بجرائمها والقيام بخطوات ميدانية في هذا الاتجاه لبناء شرعيته عليه. وهذا الوضع يطرح ضديا، على كافة المناضلين الثوريين، التقدم في فضح النظام القائم وعملائه بمختلف تلاوينهم. إن الأحزاب الليبرالية المسماة “حداثية” لا تختلف عن القوى الظلامية من حيث الجوهر فكلها تطمح لتأبيد الاستعمار الجديد، تأبيد التبعية للإمبريالية، فلا يصح بأي شكل من الأشكال التذيل لها بذريعة النضال ضد القوى الظلامية. إن الموقف من مناورات الليبراليين عبر “الدولة المدنية” و”فصل الدين عن الدولة” و”الحداثة” و”التقدم”، وادراك طابعها الرجعي هو مرتبط عضويا باستيعاب المناضلين للماركسية-اللينينية بعمق وبالتالي لمحتوى الثورة في المرحلة الراهنة: الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية. إن الاستيعاب هذا وتجسيد المهام المرتبطة به ليس قضية أفراد أو مجموعات بل هو مرتبط بواقع الحركة الشيوعية ككل، وهذا بحد ذاته سؤال محوري سنقف عليه بعد قليل.

2- تأسيس “حركة أمل” كحلقة مضافة في المسار الرجعي لمحاصرة الحركة الجماهيرية:

إن السياق الذي أملى على النظام القائم اعداد حزب “الأصالة والمعاصرة” للظهور بمظهر البديل للقوى الظلامية، هو نفسه السياق الذي جعل من تأسيس ما يسمى بـ”حركة أمل” يوم 6 فبراير 2016 ضروريا. إن النظر في خطاب هذا المولود الجديد يكشف أنه لا يختلف بأي شكل من الأشكال عن خطاب الأصالة والمعاصرة ليس فقط من حيث مضمونه الرجعي الليبرالي وحسب، بل وأيضا من خلال محاولته الظهور بمظهر تيار متفرد في “اليسار”، بمظهر يسار “جديد” أكثر جدة من “اليسار الجديد” نفسه! وذلك ما عبرت عنه من خلال تسجيلها لـ”تراجع الدور التأطيري للنخب السياسية” و”ارتفاع المد الظلامي” وضرورة “تقوية الديمقراطية” و”خلق جسر بين الحركة الاجتماعية والمشهد السياسي” و”تسييد منظومة للقيم داخل المجتمع تنتصر لحقوق الانسان” و”تقوية الانتظامات الذاتية للمواطنين عبر آليات المنتديات المواطنة”.

إن المولود المسمى بـ”حركة أمل” لا يختلف في مضمونه السياسي الرجعي عن سابقيه مثل حركة “ضمير” و”حركة لكل الديمقراطيين” التي أفرزت حزب “الأصالة والمعاصرة”، ولكنه على مستوى الوظائف والخدمات التي سيقدمها للنظام القائم ولحزب الأصالة والمعاصرة، يضيف شيئا جديدا. إنه الاختراق المباشر للحركة الجماهيرية عبر خلق إطار وسيط ما بين الأصالة والمعاصرة من جهة، وما بين نضالات الجماهير من جهة أخرى. هذا الإطار سيلعب دور برزخ يقبع فيه كافة “المناضلين” فاقدي البوصلة فكريا وسياسيا يؤمن في الآن نفسه بعض الراحة النفسية باعتبارهم “يناضلون ضد القوى الظلامية” كما أنهم ليسوا داخل الأصالة والمعاصرة، وذلك في انتظار انتقالهم إليه لاحقا. وكذلك يكونون، من موقعهم ذاك، أداة لهذا الحزب وللنظام ككل من أجل اختراق الحركة الجماهيرية وتلغيمها وتوسيع نفوذ الأصالة والمعاصرة داخلها. وهذا معناه من الاتجاه الأول: تدعيم حزب البام بـ”الكوادر” التي عبرها يستطيع توسيع نفوذه وتدجين نضالات الجماهير واحتوائها. ومن الاتجاه الثاني: تلغيم هذه النضالات بالعناصر التي هي في طريقها لتكون “كوادر” مستقبلية للحزب، وبالتالي تبدأ في أداء مهامها قبل أن تلتحق به وبغض النظر عما إذا التحقت به أم لا. فتسدي هذه الحركة من الذهاب والإياب في مجموعها الخدمات الجلى للنظام القائم ضد الحركة الجماهيرية، أي ما عبرت عنه “أمل” بصيغة: “خلق جسر بين الحركة الاجتماعية والمشهد السياسي”.

فكما أن الفرق بين “الأصالة والمعاصرة” و”حركة أمل” ليس سوى مسألة اسم، فان الوظائف التي يسديها كل منهما للنظام لا تختلف سوى في “برمجة زمنية ومكانية” للقائمين بها. لأن السؤال الجوهري عن المضمون السياسي لهذه “الحركة” الجديدة هو ما يجعل النقاش حول الأشخاص المساهمين فيها أو المؤسسين لها متجاوزا، رغم أن قسما لا يستهان به فعلا من روادها هم من سماسرة جمعيات “التنمية البشرية”. وهو ما يطرح، مجددا، على كافة الثوريين فضحها باعتبارها لا تختلف من حيث الجوهر والوظيفة عن حزب الأصالة والمعاصرة، بل هي منه أخطر نظرا لأنها تهدف (عبر دورها كـ”جسر”) لجعل “البام” أقرب إلى أوساط مناضلي الشعب والطاقات المناضلة، والذي لا يشكل بدوره مع القوى الظلامية سوى وجهين لعملة واحدة: خدمة النظام القائم وأسياده الإمبرياليين والصهاينة.

ولكن المناضلين الثوريين هم مطالبون الآن بنضال آخر هو ضد النداءات الانتهازية اليمينية لتركيز الصراع في المرحلة ضد القوى الظلامية كمدخل للتذيل ليس فحسب للقوى الإصلاحية، ولكن أيضا للقوى الرجعية من ليبراليي “الأصالة والمعاصرة” و”أمل” وغيرها. بل إن جماعة من أدعياء الماركسية والشيوعية والإنتماء إلى الفكر الثوري قد قاموا بخطوات ميدانية واضحة في هذا الاتجاه عبر حضورهم للقاء “حركة أمل” بالرباط، ومهما اختلفت المبررات والذرائع لهذا الحضور، فإنه يعني سياسيا ما يعنيه على مستوى العلاقة بالقوى الرجعية والنظام القائم: تصفية المهام الثورية والانتقال إلى صف الرجعية بشكل واضح مفضوح. ولكن خط التسوية والتصفية هذا، في شكله الأكثر فجاجة، لم يكن بدون سابقة، وليس وليد اللحظة فهو نتاج مسار طويل من الانعطاف يمينا لدى أصحابه من جهة، وشروط محددة تعيش في ظلها الحركة الشيوعية المغربية راهنا، من جهة أخرى.

3- نضال الحركة الشيوعية ضد نهج التسوية والتصفية ضرورة تاريخية للحركة الجماهيرية:

لقد بدأت النداءات نحو تصفية المهام الثورية للحركة الماركسية-اللينينية المغربية في الآونة الأخيرة، تنتعش تحت يافطة “وحدة اليسار” و”العمل الجبهوي”… الخ. وذلك بالتكرار بأن اللحظة الراهنة تعرف تغول القوى الظلامية وزحف النظام على العديد من المكتسبات مما يستدعي بناء “جبهة ديمقراطية تقدمية” ضد النظام والقوى الظلامية مع كافة الأطراف المحسوبة على “اليسار” أي القوى الإصلاحية والتحريفية. وهذه الدعوة في هذه الشروط -في وضع التفسخ النظري والتشرذم التنظيمي للثوريين وغياب التنظيم الثوري الذي يمكن على أرضية برنامجه السياسي الحديث عن أي عمل وحدوي في مستوى بناء جبهة مع هذه الأطراف السياسية – إنما تعني عمليا جعل المناضلين الأفراد ميدانيا في خدمة برامج القوى الإصلاحية والتحريفية والتخلي عن مهام بناء الاستقلالية الفكرية والسياسية والتنظيمية للطبقة العاملة، وفي هذا الإطار تم الدفاع بشدة عن لقاء 7 نونبر 2016 بمقر “النهج الديمقراطي” بالرباط والتي تمخض عما يسمى بـ”لجنة متابعة أسئلة ومهام اليساريين بالمغرب”، والذي جرت المشاركة فيه تحت اسم “البرنامج المرحلي” وهي سخافة كافية لتوضح درجة التيه التي يتخبط فيها من يريد بناء الوحدة الجبهوية ولا برنامج ولا تنظيم له.

وهذا المنحدر اليميني قد تطلب من أصحابه القيام بجميع التنازلات لابتغاء ود القوى الإصلاحية، بما فيها المشاركة النشيطة في الدعاية الإعلامية ضد “العنف و”الجريمة” بموقع مراكش والذي سخر فيه النظام عملاءه من القوى الشوفينية الرجعية لمباشرة حلقة جديدة من المؤامرة ضد الحركة الطلابية، ويسهل فهم هذا الموقف أيضا إذا ما ربطناه بالدعوة لتركيز النضال ضد القوى الظلامية. وفي هذا السياق عملوا على ترويج مجموعة من النقاشات الخطيرة والغريبة عن جسم الحركة الشيوعية من قبيل التركيز في الدعاية على الحكومة والمطالبة بإسقاطها وحل البرلمان وغير ذلك والتي أكدت على دخول أصحابها نفق الإفلاس الفكري والسياسي التام، وهو الذي توج بالمشاركة في لقاء “حركة أمل” والذي كان معناه معانقة القوى الرجعية بشكل مفضوح، من حيث أن دمية الأحزاب الليبرالية ومشتقاتها، والتي تقدمها الإمبريالية وعملائها كبدائل عن الظلاميين، قد تحول ضيقو الأفق إلى جزء منها، أي من جسد الدمية. ليس هذا وحسب، بل والانخراط في ما يؤديه المولود الجديد “أمل” من وظائف وخدمات للأصالة والمعاصرة والنظام القائم، أي أنهم يسهمون، بهمة ونشاط، في “خلق جسر بين الحركة الاجتماعية والمشهد السياسي”.

فالنضال الحازم ضد نهج التصفية هذا ليس “تخوينا” ولا “تجريما” ولا “تشتيتا للصفوف”، لأن الخيانة وجريمة الانتقال إلى صف النظام والإمبريالية قائم موضوعيا وفيه اتضحت “الصفوف” الحقيقية، وهي تتضح وتتمايز يوما بعد آخر، ففي هذا النضال يتصلب عود الحركة الشيوعية وتحاصر الضبابية الفكرية والسياسية وهي البيئة التي تنتعش فيها هذه الانحرافات وتتقوى. فالنضال من أجل الوضوح الفكري والسياسي لن يقود فحسب إلى عمق استيعاب الحركة لأهدافها ومهماتها السياسية والتنظيمية، بل وأيضا إلى تصليب التزام المناضلين بهذه الأهداف والمهمات على قاعدة القناعة الإيديولوجية الراسخة، أما “المناضلون” الموسميون والاستعراضيون، “المناضلون” الذين يحلمون بالراتب والسفر والزواج و”الاستقرار”… فهم النموذج الأمثل لضعف الإلتزام الإيديولوجي والسياسي، والذي ينتعش بقوة في شروط التفسخ النظري فيكون أصحابه الأكثر استعدادا لخيانة القضية الثورية والانتقال إلى صف الرجعية. إن الخوف من الصراع الإيديولوجي ومن بناء الوضوح الفكري والسياسي صلب الحركة تحت يافطات الود والوئام الرفاقيين والنضال الميداني وغير ذلك، إنما هو الخوف الذي يؤدي الى النتائج التي يخاف منها فعلا بالنسبة للحركة الشيوعية: أي تعميق وضعية الأزمة، تعميق التفسخ النظري والضبابية السياسية والتشرذم التنظيمي. ومن الواضح أن الإرتماء في الجمعيات “التنموية” التي كانت طريق أصحابه نحو “حركة أمل” والقوى الرجعية ككل، يجد مقدماته في العديد من الاتجاهات الانتهازية داخل الحركة الشيوعية والتي تستميت في الدفاع ليس فحسب عن بناء الحزب الثوري من داخل الاطارات الجماهيرية، بل ومن خلال النضال الحقوقي أيضا والتي استحال عندها نضالا ثوريا لا ينتقص من ثوريته غير هيمنة حزب “النهج الديمقراطي” البغيضة على “الجمعية المغربية لحقوق الانسان”. وهذا ما يستتبع أن النضال من أجل الوضوح الفكري والسياسي يتطلب أيضا النضال ضد الاتجاهات التي تعمل على تكريس واقع التفسخ النظري وإعادة انتاجه باستمرار.

وهذا النضال ليس انعزالا بالحركة الشيوعية عن نضالات الجماهير الشعبية بل هو بالعكس، بالنسبة للحركة الجماهيرية ضرورة تاريخية. فإذا كان عزل ومحاصرة نهج التسوية والتصفية يستمد ملحاحيته في رهانات النظام القائم على “حركة أمل” لأجل اكمال وظيفة “الأصالة والمعاصرة” وزرع عناصر منها كاللغم داخل الحركة الجماهيرية يعملون على خدمة أهداف النظام داخلها في تحوير الصراع إلى ثنائية الليبرالية / الظلام وبالتالي حرف نضالات الجماهير عن آفاقها الثورية والديمقراطية في المرحلة الراهنة، فإن هذه العملية تتطلب فضح النظام القائم وأزلامه وتوعية الجماهير الشعبية بأعدائها الحقيقيين والدعاية للمشروع الثوري في أوساط الحركة الجماهيرية بمختلف فئاتها وقطاعاتها. ومستوى هذا العمل يتطور وفق درجة نضج الوضوح الفكري والسياسي صلب الحركة الشيوعية وتجاوز واقع التفسخ النظري والتبعثر التنظيمي. وعلى هذا الصعيد نستوعب بالفعل، كيف يكون النضال ضد الامبريالية بدون النضال ضد الانتهازية جملة فارغة من أي محتوى، وكيف يفتح النضال ضد الانتهازية والتصفوية آفاقا أرحب للحركة الجماهيرية، تتحدى فيها مؤامرات الرجعية وتحطمها، وتتجاوز عبرها الأفق الضيق للإصلاحية نحو طريق المستقبل الوحيد الممكن: الطريق الثوري.

Please follow and like us:

COMMENTS