غارة ترامب الصاروخية على مطار الشعيرات، وظهور احتمال التدخل العسكري الأمريكي ضد حكومة الجمهورية العربية السورية، "أنعش" طابور "وكلاء" واشنطن. كل دول المنظومة "الشرق أوسطية" التي تدعم الإرهاب وتحركه، لا سيما "إسرائيل"، تركيا، السعودية (و"التعاون الخليجي") هللت للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
يثبت قصف البوارج الأمريكية في البحر المتوسط قاعدة جوية للجيش العربي السوري في المنطقة الوسطى، بأن "حروب الإرهاب" قد اخترعتها إدارة أوباما كـ"حروب بالوكالة" عن "أمريكا ـ إسرائيل". بغية "إعادة بناء" المنظومة "الشرق أوسطية" وتجديدها. وذلك، بالإستناد على "خبرات" الجيوش الأمريكية في العراق عام 2003 والجيش "الإسرائيلي" في لبنان عام 2006.
لكن الولايات المتحدة لم تنجح بفرض "الأقلمة" (regionalisation) على سوريا ـ لبنان، ولا على العراق، من خلال "حروب الإرهاب". وبما أنها "حروب بالوكالة"، فإن عار الفشل الأمريكي فيها، يقع على عاتق دول "الشرق أوسطية" المذكورة. وهي أخذت، بالفعل، تنوء تحت أعبائه. وما توالي نتنياهو وسلمان وأردوغان على تمجيد غارة الشعيرات، إلا دليلاً ملموساً على طمعهم بـ"حضور الأصيل بدلاً من الوكيل" فيها. لأنهم يأملون بأن يعود ترامب بالولايات المتحدة أعواماً إلى الوراء، فيدمج "حروب الإرهاب" بالحروب النظامية؟.
من منظور الإستراتيجية العسكرية لكل من "إسرائيل" وتركيا والسعودية، لم تحقق "حروب الإرهاب" أهداف هذه الدول، ولا هدف واشنطن، بتجديد بنية المنظومة الإقليمية "الشرق أوسطية" وإعادة فرض الهيمنة الأمريكية ـ "الإسرائيلية". ويبرز هذا الإخفاق أو العجز "الشرق أوسطي" في المؤشرات التالية :
ـ فقدت "إسرائيل" حصانة الجبهة الداخلية، وخسرت صلابة الجبهة الخارجية امام كتلة سوريا ـ لبنان، وقطاع غزة. بعد فشل غزو لبنان في تموز 2006، شدَّد "تقرير فينوغراد" على أن "إسرائيل لن تستطيع البقاء في هذه المنطقة أو العيش فيها بسلام وهدوء من دون أن تعتقد هي نفسها، فضلاً عن محيطها، بأن جيشها قادر على الانتصار (في أيّ حرب)، وأنها تملك قدرات عسكرية ومناعة اجتماعية تسمحان لها بردع أعدائها، وأنها عند الحاجة، قادرة على إلحاق الهزيمة بهم". لقد حُرِمَتْ "إسرائيل" من هذا اليقين، إو أنها فقدته تماماً.
ـ تزداد كلفة تركيا "الأطلسية" وتتدنى قيمتها عكسياً مع امتداد آجال "حروب الإرهاب" ضد سوريا العربية المستقلة. لقد وصل خطاب الكراهية الدينية والقومية الذي يبثه حكم الفرد "الإخواني" في تركيا والمشرق (والمغرب) العربي، لتوفير الشرعية السياسية والأيديولوجية للجماعات الإرهابية المسلحة، إلى ذروته الآن. وبدأ أردوغان يرمي به الإتحاد الأوروبي وإيران وروسيا وشعوب القوقاز والبلقان. إصرار أردوغان على سياسة "الصراع المفتوح" مع حكومة الجمهورية العربية السورية، يوسع اتجاهات الفوضى داخل الدولة التركية نفسها. وكلنا نرى كيف تترنح تركيا فوق نيران الحرب الأهلية المفتوحة بين الأكراد والأتراك في جنوب شرق الأناضول، وكيف تتعمق هوَّة الإستقطاب القومي ـ المذهبي فيها. أما المنطقة السورية التي احتلها الجيش التركي، لإرضاء رغبات "الحاكم الإخواني"، فتبدو أشبه بفخ استراتيجي مطبق عليه.
ـ علقت السعودية بالنار في جبال اليمن. احتمال الخروج من هناك "بسلام" ضئيل. ابن الملك يلهي رعايا والده عن هذا المأزق الكياني، بأنباء تافهة مثل أن "السعودية تسجل اسمها في قائمة أكبر مدن الترفيه في العالم عام 2022". يغافلهم عن رؤية عواقب الإستراتيجية التدميرية ضد اليمن، على توازن الوضع الإجتماعي ـ السياسي في السعودية. إذا أخذنا البطالة المقنعة وفضائح "السعودة الوهمية" لسوق العمل، ماذا سنرى؟. عدد السعوديين العاملين في القطاع الخاص، بلغ حوالي 1,6 مليون شخص، في شهر ايلول/ سبتمبر 2016. نصف هؤلاء العاملين (48 في المئة، بالضبط) تتراوح رواتبهم ما بين 1500 ريال (÷ 3.7496 = 400 دولار أمريكي) إلى 3000 ريال (÷ 3.7496 = 800 دولار أمريكي)!.
هذه المؤشرات تفسر أسباب تضخم حماسة تل أبيب وأنقرة والرياض للغارة الأمريكية على مطار الشعيرات. "الوكلاء" متحمسون لجر إدارة ترامب إلى إدماج "حروب الإرهاب" بالحروب النظامية. يريد "الإسرائيليون" والأتراك والسعوديون "ركوب ظهور" الجيوش الأمريكية لتغيير ميزان القوى الإقليمي الراهن في صالحهم؟. هذه أوهام. تجارب المقاومة الوطنية في العراق ولبنان ضد الغزو الأمريكي والغزو "الإسرائيلي"، وتجربة الجمهورية العربية السورية ضد "جيوش الإرهاب"، تجزم بأنها أوهام.
ترينا حظائر الطائرات المدمرة وبقايا المحركات والهياكل المحترقة فوق مدرجات المطار، كيف أن الجمهورية العربية السورية التي تتصدى لـ"حروب الإرهاب"، كانت ولم تزل للسنة السابعة، العقبة الكأداء التي منعت إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما من "استثمار" هذه الحروب في "ترميم"، أو إعادة بناء المنظومة "الشرق أوسطية". الآن، تجيء إدارة ترامب لتلوح من الشعيرات بالعودة ـ ثانية ـ إلى حروب الجيوش النظامية، لإدراك ذلك الهدف.
القصف الأمريكي على الشعيرات "أنعش"، بالفعل، طابور "الوكلاء". ترك انطباعاً لديهم بأن واشنطن مستعدة للصراع "على حافة الهاوية". هذا "الإنتعاش" لوحظ أيضاً في الجماعات الإرهابية مثل "جبهة النصرة" و"تنظيم الإخوان" وبقية عصابات التيار التكفيري التي أشادت "بخطوة ترامب". حتى "الدولة الإسلامية/داعش" أفادت منها.
الإستعداد الأمريكي للعودة إلى شن الحروب النظامية، ـ وهو ما أوجب على مليك السعودية سلمان "شكر ترامب على عمله الشجاع وجدد دعمه للهجوم الأميركي على سوريا"، يستدعي الإلتفات صوب "الجانب الآخر من التاريخ". إذ أن كلمة واشنطن لم تكن الوحيدة. فقد رد عليها حلفاء سوريا. أعلنوا كلمتهم بعد غارة ترامب على مطار الشعيرات. قالوا بوضوح "للأصيل والوكيل" معاً : إن "أمريكا تعلم قدراتنا على الرد جيداً". فهل يتخطى الرئيس الأمريكي "الخطوط الحمر" التي رسمها هؤلاء الحلفاء أمامه وأمام "الوكلاء" الفاشلين؟.
….. ….. …..
لكن قبل الغرق بالتفكير في سيناريوهات الحرب، التي يحلم بها حكام تل أبيب وأنقرة والرياض، الذين يظنون بأن غارة الشعيرات هي حرب، أو أنها فاتحة حرب، علينا ألا ننسى بأن رئيس أمريكا ترامب هو "بيزنس مان" حقيقي. صحيح أن هذا الـ"بيزنس مان" يحمل مسدساً قوياً، لكنه وهو يفعل ذلك، يرغب، بحسه العملي، في أن "يغرف" الأصول السعودية المستثمرة في الخارج. ولا شك بأن ترامب أطلع على تحليل بيانات مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما"، التي يشير إلى أن قيمة أصول السعودية المستثمرة خارجياً قد بلغت نحو 3.5 تريليون ريال (حوالي تريليون دولار) في نهاية عام 2016، مقارنة بـ 3.7 تريليون ريال بنهاية عام 2015.
هيئة تحرير موقع الحقول
الإثنين، 14 رجب، 1438، الموافق في 10 نيسان، 2017
الإثنين، 14 رجب، 1438، الموافق في 10 نيسان، 2017، آخر تحديث 10:06