خاص ـ الحقول / بعد ايام قليلة من سيطرة “داعش” على مدينة الموصل، أعلن مسعود برزاني “إلحاق” مدينة كركوك بالكيان الكردي الإنفصالي في شمال العراق “بشكل نهائي”. لم تظهر بعد ردود أفعال عراقية وإقليمية على انتفاع البرزانيين الأكراد من جرائم الحركة الإرهابية الصاعدة في العراق (والمشرق العربي)، ولكن هذه الخطوة الإنتهازية، بل اللصوصية، تكشف عن تحالف القوى الكردية الإنفصالية العراقية مع كل أعداء الأمة العربية، وأولهم الكيان الصهيوني / “إسرائيل” من أجل تقسيم أراضي العراق وموارده.
يلاقي “إعلان البرزاني” حول كركوك البيئة العربية ـ الإقليمية التي تهدد وحدة العراق وسلامة أراضيه، حاليا. وهو يشكل جزءا من مخطط أوسع يريد إعادة الإحتلال الأميركي إلى العراق وتقسيمه مذهبيا وأقواميا على أساس “دستور بريمر” أو “مشروع بايدن”، وإخضاع الشعب العراقي لحكومة ـ ألعوبة، تنفذ أوامر أنقرة والرياض وواشنطن ولندن. ويستعد محور المقاومة والإستقلال العربي ـ الإقليمي ـ الدولي (الممتد من موسكو وطهران إلى دمشق وبيروت وغزة) لنصرة القوى الوطنية العراقية لإفشال هذا المخطط.
وسط هذه المنازلة الكبرى يجب تتبع حركة الإنفصاليين الأكراد، وتحديدا تجرؤهم على التلطي خلف “إسرائيل”. هذه نقطة هامة. لأن “إعلان برزاني” بضم كركوك تلازم مع وصول “النفط الكردي” إلى “إسرائيل”، إذن، “الإعلان” عن تشكيل محور “أربيل ـ تل أبيب”، أي نهاية مرحلة العلاقة السرية بين أكراد العراق و”إسرائيل”. صار البحث في “آفاق العلاقات الكردية ـ الإسرائيلية” جزءا من أي بحث في مستقبل هذه المنازلة.
هذا التطور الجديد في العلاقات العربية ـ الكردية، وربما، بل وبالتأكيد، العلاقات الإيرانية ـ الكردية، هو جزء من الحرب العربية ـ الإقليمية ـ الدولية الراهنة لإعادة تشكيل توازنات الإقليم العراقي ـ السوري /اللبناني/ الأردني/ الفلسطيني. في هذا السياق، وبانتظار مقالات وبحوث عربية، عراقية وسورية خصوصا، من المفيد الإطلاع على نص كتبته كسينيا سفيتلوفا، محللة الشؤون العربية في “القناة الإسرائيلية الروسية التاسعة” وعضو “المعهد الإسرائيلي للسياسات الأجنبية الإقليمية” عن “العلاقات الإسرائيلية ـ الكردية”، تحديدا في “كردستان العراق”. وجاء في النص :
في الوقت الذي تنزف به الدولة العراقية، تحترق وربما أيضاً تلفظ أنفاسها الأخيرة في هذه اللحظات، يستمر أكراد العراق في زيادة قوتهم. ترمز السيطرة قبل عدة أسابيع على مدينة كركوك الغنية بالنفط الى بداية عهد جديد بالنسبة لأكراد العراق الذين طالبوا بغداد على مر السنين بإقامة نظام منظم لمشاركة الأرباح من الذهب الأسود”.
“لكن الآن على أكراد العراق التوقف عن الإنتظار لأنه في الواقع العراقي اليوم، الصبر ليس مفتاح الفرج وإنما خطأ. الخطوة التالية كانت تصدير النفط للزبائن المعنيين، فحسب وكالة الأنباء رويترز، الشحنة الأولى من النفط الكردي رست في ميناء أشكلون في جنوب “إسرائيل”. هؤلاء الذين تابعوا العلاقات “الإسرائيلية” ـ الكردية على مر العقود الأخيرة لم يتفاجأوا من الخطوة. العلاقات التاريخية بين “إسرائيل” والأكراد بدأت منذ بداية سنوات الستينيات من القرن الماضي، عندما كان عملاء استخبارات “إسرائيليون” يعملون في مناطق كردستان العراق ويساعدون السلطات المحلية”.
إن “نسبة التعاون بين الطرفين زادت بشكل ملحوظ بعد سقوط صدام حسين، حيث دخل مقاولون إسرائيليون وشركات إسرائيلية الى كردستان العراقية، والأنباء عن قيام وحدات كوماندوس “إسرائيلية” بتدريب قوى البشمركة الكردية في الصحف العراقية أصبحت أمراً اعتيادياً. لكن، لم يتم إقامة علاقات رسمية، وامتنع مسعود برزاني، رئيس الحكومة القومية الكردية، في زيارة قام بها مؤخراً عن لقاء أي “إسرائيلي” من جماعات الضغط اليهودية (اللوبي).
وأحد أسباب هذا التأخر هو علاقة أكراد العراق مع إيران، التي تعتبر لاعباً مركزياً في المنطقة والتي لا توافق على التقارب بين أكراد العراق و”إسرائيل”. قد يكون هذا هو السبب وراء الرفض القاطع الذي نشرته الوزارة الكردية لشؤون الموارد الطبيعية رداً على بيعها النفط لـ”إسرائيل”. مصدر داخل الوزارة قال لشبكة الإعلام الكردية “روداو” انه “لم نقم أبداً ببيع نفط لـ”إسرائيل” بصورة مباشرة أو غير مباشرة”.
بالإضافة الى ذلك، وبالرغم من أوجه الشبه والمنافع في العلاقة، “إسرائيل” لم تهدد علاقاتها مع تركيا عن طريق إقامة علاقة قريبة جداً مع الأكراد أو دعم صراعهم من أجل الحريّة. لكن الآن، عندما تغيرت الظروف الجيو ـ سياسية بصورة كبيرة، قد يقوم الطرفان بإعادة النظر وإعادة حساب مسار العلاقة بينهما”.
و”قبل عدة سنوات بدأ إصدار مجلة تحمل عنوان “إسرائيل ـ الكرد” في مدينة أربيل شمال العراق. تم نشر هذه المجلة باللغتين العربية والكرديّة وتضمنت العديد من الأخبار حول تاريخ “إسرائيل” والسياسة. محررو هذه المجلة عرضوا فكرة ان اليهود والأكراد هم أكثر من جيران، وأنهم في الواقع أقرباء ذوو جد مشترك ـ الأب الروحي التوراتي ـ إبراهيم.
وجهة النظر هذه منتشرة بين الأكراد في كردستان العراق حيث يؤمن العديد بأن إبراهيم كان من أصول كرديّة. لكن الإعجاب بـ”إسرائيل” لا ينتهي عند إبراهيم”.
يرى الأكراد وجه الشبه بين أنفسهم و”إسرائيل”، بكونهم دولة غير عربية محاطة بأعداء يعارضون إستقلالها. التقدم التكنولوجي، قوة الجيش والطبيعة المتغيرة للمجتمع الإسرائيلي تجذب الأكراد الذين لم يتوقفوا أبداً عن الحلم بدولة كردية مستقلة. ويعتقد الداعمون للتقارب مع “إسرائيل” انه يمكنهم تقديم شيء ما للدولة اليهودية ـ شراكة قريبة مبنية فقط على أساس مصالح مشتركة وقيم متبادلة. هذه الشراكة قد تخلق في يوم من الأيام ميزان قوى جديدا في الشرق الأوسط وهذا التطور قد يساعد “إسرائيل” كثيراً.
في هذا السياق من المثير للاهتمام النظر الى الوضع في كردستان السورية، حيث يحاول الأكراد أيضاً إقامة منطقة حكم ذاتي. مسودة طرحت للدستور الكردي، لا ترى بالشريعة الإسلامية أساساً للتشريع، على عكس الدستور في الدول العربية. في الوقت الذي تزداد فيه شعبية منظمات إسلامية متطرفة مثل “الدولة الإسلامية في العراق والشام” بين السكان السنة في سوريا والعراق، يتجه الأكراد عادة نحو نسخة معتدلة من الإسلام ويطمحون الى دولة معاصرة تحصل فيها النساء على حقوق مساوية للرجال.
إن “إسرائيل” ليست أهم ولا أقرب حليف لأي دولة كردية مستقبلية. من ناحية اقتصادية، كردستان العراقية تعتمد على تركيا، النفط الكردي يتم نقله بواسطة أنابيب الى ميناء جيهان في تركيا. تركيا هي أكبر سوق لأي إنتاج كردي، ومن أكبر المستوردين للبضاعة الكردية. لكن إيران مهمة أيضا بالنسبة للأكراد في العراق وذلك نظراً لكونها جارتها ولأنها دولة ذات نسبة عالية من المواطنين الأكراد.
مسعود برزاني قام مؤخراً بزيارة إيران لمناقشة تقدم “داعش” في العراق ومناقشة اتخاذ خطوات محتملة ضد الإسلاميين. إيران لديها مصلحة في احتواء الأكراد في العراق من أجل الامتناع عن أي تصعيد قومي في المناطق الكردية الموجودة داخل أراضيها. الأكراد في العراق يطمحون الى الحصول على استقلال لكنهم يريدون الامتناع عن أي مواجهة مباشرة مع قوة إقليمية قوية مثل إيران. ما هي تبعات مثل هذه الاعتبارات على العلاقة بين “إسرائيل” والأكراد؟.
يبدو حالياً يبدو أن الطرفين سيزيدان من حجم العلاقات بينهما، لكن الطبيعة السريّة لهذه العلاقات ستستمر. في حال حقق الأكراد في العراق هدفهم بالاستقلال في نهاية المطاف، فإن دولتهم، على الأقل في البداية، ستكون ضعيفة جداً بحيث لن تقيم علاقات رسمية مع القدس، لذلك في الوقت الحالي، لن تكون هنالك سفارة “إسرائيلية” في كركوك ـ المدينة المعروفة بأنها “قدس الأكراد”.
COMMENTS