متلازمة “الإخوان” والعنف : شبح فوق الرؤوس المصرية .. وماذا بعد؟

لوكيانوف : روسيا قررت أن تختبر قوتها بإيثار، وأن تغدو عامل التغيير الأساسي فى العالم
15 سنة على “خطاب ميونيخ ” :بوتين يعلن بداية حقبة جديدة في تاريخ العالم
حلمي شعراوي يكتب عن "إفريقيا فى المواجهة الصينية ـ الأمريكية" 

خاص ـ الحقول / جرت العادة أن تتم المقارنة بين مصر والشقيقة سوريا إن سارت الأمور في مصر إلى الأسوأ؛ ولكني رأيت فيما يرى النائم (وكأنه “كابوس” أو “شبح مفزع”) أن هناك أوجه تشابه ثلاثة بارزة بين ما يحدث بالفعل فى العراق الشقيق وبين ما يحتمل أن يحدث فى مصر، إذا سارت الأمور على عواهنها الراهنة. وهذه الأوجه الثلاثة كما يلى :

أولا: أن يخرج جزء من أراضى البلاد من حيز السيادة الوطنية للدولة إلى جهة أو جهات أخرى ذات منشأ محلى ، تتلقى نوعاً أو أنواعا من الدعم (الخارجى) بلا شك ، مستندة إلى تأويل معين لآيات الجهاد فى القرآن ولبعض من السنّة النبوية الشريفة وقسم من التراث الفقهى. ووجه الشبه هنا أن ما يسمى بتنظيم (الدولة) يسيطر جزئياً – أو كلياً – على نحو أربع محافظات في الشمال الغربي من الإقليم العراقي، ويبلغ ما يسيطر عليه ما يقرب من 40% من المساحة الإجمالية للدولة، أو أكثر أو أقل قليلاً .

ونحن فى مصر مهددون بفقدان السيادة على جزء من بلادنا هو شبه جزيرة سيناء ، وشمالها بصورة أكثر تحديداً، من جراء التهديد العسكرى والأمنى الذى تشكله جماعات مرتبطة بصورة أو أخرى بتنظيم (الدولة)، وتستند إلى تأويل معين للدين .

أما وجه الشبه الثانى المحتمل بين العراق ومصر، فهو أن تعيش العاصمة والمدن الكبرى، وبعض من البلدات الصغرى أيضا، تحت وطأة تهديد دائم، مولد للشعور المضنى بالرعب، من جراء أعمال العنف المنظمة المتفرقة ، وخاصة منها التفجيرات متنوعة القدرة التدميرية . ويخرج المواطن من بيته الآمن صباحاً، فلا يدرى إن كان سيعود سالماً إلى أهله ، أم يصيبه مكروه أكيد .

وجه الشبه الثالث المتخيّل أن تضطر الأحداث المتعاقبة، تعاقب الأيام والليالى، النظام الحاكم، للمزيد ثم المزيد من الاعتماد على القوة الأمنية المحض، من أجل العمل على استكمال بسط السيادة على إقليم الدولة، حتى لقد يصبح النظام معزولاً عن مجتمعه أو شبه معزول. وتلك حال العراق قبل اجتياح (تنظيم الدولة ـ داعش) وحلفائها لمدن الشمال الغربى فى العراق دون مقاومة تذكر تقريبا من قبل القوات النظامية. وهو احتمال بعيد التحقق فى الحالة المصرية بالنظر إلى إنجاز دستور معدل وانتخاب رئيس جديد والتهيّؤ لتشكيل برلمان منتخب؛ ولكن ما الحال لو سارت الأمور على وتيرتها الأسوأ عبر الوقت، وخاصة مع تفاعل وتفاقم التهديد القادم من الحدود الغربية مع ليبيا، ومع انتقال ” التوجه نحو العنف” لدى بعض الفرقاء السياسيين في مصر إلى طور جديد في معرض التجسيد التجريبي المتصاعد؟ وهل نأمن عوادى الأيام أن يصيبنا منها المكروه الشديد؟

انعطافة للإخوان المسلمين

بمناسبة ما أشرنا إليه عن تحولات العنف، يلاحظ أن تيار “الإسلام السياسي” عموما، وجماعة “الإخوان المسلمين” خصوصا، يمرّان هذه الأيام بانعطافة حادة فى تاريخهما، إ ذْ هما، أو هي بالتحديد، على وشك التحول من “تنظيم سياسي” إلى تنظيم لممارسة العنف ، أي من تنظيم يعتمد “العمل السياسى” سبيلاً للوصول إلى السلطة – شأن أى “حزب سياسى”- إلى تنظيم مسلّح أو شبه مسلح ينزع نزوعا غالبا إلى التركيز على الممارسة الفعلية الموسعة للعنف المجسد كأسلوب رئيسي للعمل من أجل الوصول إلى مبتغاه. وتتم هذه الانعطافة الموشكة على أيدى الجيل الجديد من “القيادات الشابة” فى (الجماعة) ، والتى ورثت جيل “الآباء” القابع فى السجون، مع تحول باتجاه الهيكل التنظيمى اللامركزى كنمط رئيسى لاتخاذ القرارات داخل التنظيم ، بدلاً من الهيكل المركزى التقليدي الجامد الذى لم يعد ملائماً فى ظل الظروف المستجدة من الغياب القسرى “للآباء المعلمين”.

فهل أن هذه الانعطافة الموشكة باتجاه العنف، وهيمنة القيادات الشابة ، وإيكال شطر رئيسي من القرارات (المصيرية) إلى الهياكل المحلية والمناطقية فى ربوع مصر المختلفة – هل تمثل الاستجابة الصحيحية لأزمات الجماعة والوطن؟ لا نظن ذلك بالقطع فى ظل وضع ينذر بقرب الوصول الشديد إلى “نقطة اللاعودة” النهائية بين “الجماعة” و”النظام” فى مصـر ، بما فى ذلك من انعكاسات غير محمودة العواقب على كل حال .

فماذا عسانا أن نفعل على صعيد الحركة السياسية في مصر لتفادي المأزق المحتمل؟

مخارج التطور الديمقراطي: مهام عاجلة

تناولنا غير مرة ما يتوجب على القوى السياسية القيام به فى الظرف السياسى – و العسكري-الراهن فى مصر، وخاصة من حيث ضوء ضرورة استئناف النظر فى تكوين جبهة وطنية متحدة من القوى السياسية الفاعلة لتشكل ظهيراً للوضع السياسى القائم بعد الثلاثين من يونيو2013 ، وأنه لا مندوحة عن ذلك ، كفرض عين لا مهرب منه ولا منأى عنه، كما يقولون، وأن ذلك ينبغى أن ينهض حجة دامغة أمام كثيرين ارتأوا أن يكونوا من المعارضة لنظام أو وضْع هم من سعوا إليه وأقاموه ، بشكل و بآخر، وكيف لنا أن نكون معارضة منذ اليوم الأول لمن جئنا به، ولمّا نمنحه، بعد، فرصة وفسحة زمنية كافية لإثبات نواياه، وتأسيس إنجاز مؤكِّد للشرعية عبر الوقت .

وفيما يلي نقدم عدداً من الحجج المكملة ، كواجبات ملقاة بالدرجة الأكبر على كاهل الدولة ، ولو على سبيل “سدّ الذرائع” كما يقال فى قواعد الاجتهاد الشرعى، وكذلك درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح.

أولا : ضرورة إعادة النظر فى القوانين والقرارات وآليات العمل فى المنظومة القضائية، وخاصة ما يتعلق منها بما يأتي:

1. طريقة التعيين فى السلك القضائى، وخاصة من حيث “الحد الأدنى” لتقديرات النجاح للحاصلين على المؤهل الجامعى من كليات القانون، المتقدمين للالتحاق بوظائف معاوني و وكلاء النيابة العامة.

2. إعادة النظر فى جواز تعيين العاملين بسلك الشرطة في وظائف القضاء، وذلك ما جرى عليه العمل خلال السنوات الأخيرة من عمر “النظام المباركي” المخلوع .

3. النظر في مدى حجيّة الأخذ بتحريات الشرطة فى الدعاوى القضائية التى تكون هى طرفاً فيها.

4. قيام “المجلس الأعلى للقضاء” بعقد حلقات نقاش داخلية، بطريقة “العصْف الفكرى”، حول القضايا ذات البعد السياسي المنظورة أمام القضاء، أو التي نظرت بالفعل أو تم إصدار الأحكام بشأنها، خلال الفترة المنقضية منذ 25 يناير 2011 حتى الآن، وكانت محل خلاف في الرأي على صعيد النخبة و الجماهير، أى ما يمكن أن تسمى (قضايا الرأى العام) لاسيما: محاكمة مبارك وابنيْه ورفاقه ؛ و محاكمة (أحمد دومه)-من “شباب الثورة” البارزين- في قضيتيْه الأولى و الثانية ؛ و الدعاوى الخاصة بخرق “قانون التظاهر”؛ و قضية مقتل الناشطة (شيماء الصبّاغ) بمناسبة التجمع في ذكرى ثورة يناير مؤخرا.

5. مدى ملاءمة التوسع فى إحالة البلاغات المقدمة للنيابة العامة بمقتضى ما يسمى (الحسبة) إلى “محاكم الأمور المستعجلة” للفصل فى دعاوى تعتبر (قضايا موضوع) من الطراز الأول، واتخاذ بعض الأحكام الصادرة سنداً لإصدار تشريعات متفرقة من جهاز الدولة مثل الحكم باعتبار “جماعة الإخوان المسلمين” ثم حركة “حماس” منظمة إرهابية .

ثانيا : إعادة النظر فى طـرق عمل جهاز الشرطة، من داخل الجهاز نفسه، خلال فترة ما بعد الثلاثين من يونيـــو 2013، وخاصة حول ما يظهر من أن بعض رجال الشرطة تتحكم فيه نزعة (الانتقام والثأر)، نظراً لما حلّ بالجهاز بعد ثورة يناير .

ثالثا : ضرورة إجراء حوار مجتمعى ، وحوار ثقافى وأكاديمى فى أوســاط النخبة وفي أروقة “مجلس النواب” القادم، حول بعض النصوص الدستورية المهمة ، وخاصة ما يتعلق منها بصلاحيات المجلس الأعلى للقوات المسلحة بشأن الموافقة على تعيين وزير الدفاع ، وإدراج موازنة القوات المسلحة ضمن الموازنة العامة للدولة كرقم عام فقط دون تفاصيل ، وإحالة بعض الدعاوى إلى “القضاء العسكرى” . ويتصل بذلك : التشريعات الصادرة مؤخراً والتى تسمح بإحالة المتهمين فى قضايا تتعلق بحماية المنشآت العامة إلى “القضاء العسكرى” .

رابعا : ضرورة إعادة النظر، بطريقة تتسم بالفاعلية والإنجازيّة، مع مراعاة عنصر الزمن، فى حالة المحبوسين على ذمة القضايا الخاصة بممارسة العنف والتظاهر بدون ترخيص ، وهم بالآلاف المؤلّفة ، وظروف احتجازهم ومعاملتهم داخل مراكز الاحتجاز أو الحبس : وذلك بالإفراج عنهم فى حالة عدم وجود أدلة كافية للإدانة، أو الإفراج المشروط فى حالة وجود الأدّلة، أو الإحالة إلى القضاء فوْر انتهاء التحقيقات.

مباديء حاكمة

عدا عن المهام العاجلة، نعيد التذكير بجملة حقائق تشكل المبادىء الحاكمة للتطور الديمقراطى في الفترة المقبلة من التاريخ المصري، لوضع الأمر فى نصابه الصحيح، كرؤوس أقلام فحسب:

1. جدلية الاستقرار والديموقراطية، من حيث إمكانات المبادلة النسبية المشروطة والموقوتة بين “الاستقرار المجتمعي” و “التطور الديمقراطي”، فى ضوء أدبيات علم “التنمية السياسية” منذ الستينات من القرن المنصرم، باعتبار “الاستقرار” شرطا أوليا، ومتطلبا ضروريا لإمكان بناء نموذج فعال للممارسة السياسية.

2. ضرورة العمل على توفير الشروط الاقتصادية للديموقراطية مجسدة في “التنمية الشاملة”، انطلاقا – و لو في حدود معينة- من الارتباط بين درجة “الحرمان الاقتصادي” ومعدلات المشاركة السياسية بما فيها السلوك التصويتي و حق الاقتراع.

3. العمل على توفير الشروط الاجتماعية للديموقراطية، ممثلة خاصة في العدل الاجتماعي، أو “الخبز والكرامة” كما ذكر (يوسف صايغ)، انطلاقا من الترابط العضوي بين “رغيف الخبز” و “تذكرة الانتخاب”، كما أشار “الميثاق الوطني” في ذروة المد الناصري عام 1962.

4. تأكيد النظر إلى التطور الديموقراطي كتطور كفاحى تاريخى من أجل رفع الأوزان النسبية للطبقات الشعبية فى مجال الحركية المجتمعية عبر الزمن.

Please follow and like us:

COMMENTS