خاص ـ الحقول / الإيرانيون بقوة المثابرة والصبر، ومن باب العمل الدؤوب طيلة أربعة عقود، تسارعت في الألفين بشكل خاص، دخلوا أخيراً نادي البلدان النووية رسمياً، وباعتراف الدول الكبرى، ورغماً بالأحرى، عن الفرنسيين والبريطانيين بشكل خاص والأميركيين.
ويبدو أن مهلة دخول الاتفاق النووي في فيينا مرحلة التطبيق، بعد 90 يوماً من التصديق عليه في مجلس الأمن الدولي، كما قالت مصادر غربية، تعكس حسابات باحتمال سقوطه في التجاذبات داخل الإدارة الأميركية، والحرب التي سيواجهها في الكونغرس لإسقاطه، علما أن مجلس الأمن سيجتمع خلال أسبوع أو عشرة أيام للتصديق على الاتفاق، يبدأ بعدها العد العكسي لنفاذه، من دون أن يكون الإعلان عنه ملزما للإدارة الأميركية، التي ستنتهز المهلة لاستكمال الإجراءات الدستورية للتصديق عليه، ومن دون ذلك سيبقى اتفاق فيينا حبراً على ورق، لأنه كان معرضاً للسقوط من دون تعهد الرئيس الأميركي باراك أوباما باستخدام حقه الدستوري بنقض تصويت مجلس الشيوخ.
وجلي انه لم يكن كافياً أن يتوصل المتفاوضون في فيينا إلى الاتفاق، وان مصير الاتفاق الفعلي ينتظر جلاء المعركة التي تنتظره في أيلول المقبل في مجلس الشيوخ الأميركي، وأن ما جرى لم يكن سوى جولة أساسية للحل، ولكن خيارات تعطيل الاتفاق لا تزال قائمة.
والأرجح ألا يرى الاتفاق النور قبل مطلع الخريف المقبل، إذ يعود الكونغرس من عطلته مطلع أيلول، وعندما تنتهي مهلة الثلاثين يوماً التي سيستغرقها الكونغرس للتصويت ورفض الاتفاق حسب التوقعات، ستضاف إليها مهلة الأيام العشرة التي يحق لاوباما خلالها نقض التصويت المعارض.
وتتوقع مصادر غربية ديبلوماسية أن يعمل اللوبي الإسرائيلي والسعودي ما بوسعهما، وان يبذلا كل جهد ومال لمنع تمرير الاتفاق. وهناك احتمال أن يعمد المحافظون في إيران، كما تتحدث مصادر غربية، إلى محاولة إسقاط الاتفاق خلال التصويت عليه، لأنه يتعارض مع الأطر والقوانين التي صوت عليها مجلس الشورى قبل عشرة أيام، مع ترجيح أن يقف مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي على الحياد، والمراهنة ربما أن يتولى الأميركيون إسقاطه. ورحب الرئيس الايراني حسن روحاني بالاتفاق، مؤكدا أن إيران «حققت كل اهدافها»، وأن الاتفاق سيفتح فصلا جديدا من التعاون مع العالم بعد سنوات من العقوبات، معتبراً أن النتيجة «المرضية للجميع» ستحد تدريجيا من انعدام الثقة المتبادل.
اتفاق سياسي مركب، مع خمسة ملحقات و158 صفحة، و37 بنداً أساسياً. وهو اتفاق سياسي نافذ بعد 90 يوماً بعد تصديق مجلس الأمن عليه، أو ما يتفقون عليه من تاريخ للنفاذ، لتوسيع هامش المناورة في عملية تبنيه وطنياً، ولا سيما الولايات المتحدة، وهو ليس بمعاهدة تتطلب توقيعا.
الاختيار مهم جداً، أميركيا وإيرانياً. لأن الكونغرس وحده يملك صلاحية إبرام المعاهدات أو التصديق عليها، وهو ما كان سيهمّش دور أوباما في أي عملية تفاوضية. كما انه إجراء ينبئ عن القرار الرئاسي الأميركي المتخذ منذ منعطف اتفاق جنيف في تشرين الثاني العام 2013، بالذهاب نحو اتفاق مع إيران، وشل قدرة الكونغرس التعطيلية.
ورغم أن الاتفاق بات واقعاً، إلا أن اشتراط مهلة 90 يوماً من التصديق عليه في مجلس الأمن، يطرح مشكلة في تأخيره لرفع العقوبات عن إيران، وتحرير الأرصدة المجمدة، كما انه يضع الاتفاق تحت رحمة التجاذبات.
الإنجاز الإيراني غير المسبوق في دولة متوسطة، لم يجر في الخفاء، وإنما خلال أكثر من عقد من المفاوضات، تقدم الإيرانيون خلاله بعدة ضمت 148 طاردة بدائية لتخصيب اليورانيوم إلى 20 ألفا منها متنوعة، ومنشآت متقدمة، أهمها مفاعل «آراك» العامل بتكنولوجيا المياه الثقيلة. وما لن يستطيع الاتفاق انتزاعه من الإيرانيين ليس المنشآت، التي جرى تخفيض نشاطاتها بقوة لتقتصر على «نتانز»، بعد تعطيل «فورود» و «آراك»، ولا الطاردات المركزية التي ستعمل منها فقط النماذج الأقدم ولن تتجاوز الخمسة آلاف وستين طاردة، ولكنه القاعدة البشرية العلمية الواسعة، والتي أصبحت ثروة وطنية إيرانية تضم أربعة أجيال متتالية من العلماء والخبراء.
اتفاق فيينا عبارة عن لائحة طويلة من الممنوعات النووية وتحريم السلاح النووي. ربع قرن من الرقابة الدولية على استخراج اليورانيوم وطحنه لتحويله إلى «الكعك الأصفر اليورانيوم 238» المادة الأساسية التي يجري تصنيعها في الطاردات المركزية وتخصيبها، لمراقبة ومعرفة الكميات التي قد تنتجها إيران، مع محاصرة البرنامج من الخارج، وإلزام الدول التصريح عن أي تبادل مواد أو تكنولوجيا نووية مع إيران، وإبطاء للبرنامج في فرعيه الأساسيين: اليورانيوم المخصب عبر الطاردات المركزية، أو البلوتونيوم المصنع بالتفاعل في مياه «آراك» الثقيلة.
الطريق عبر اليورانيوم إلى القنبلة المحتملة ضيقت 20 عاماً من مراقبة صناعة إيران للطاردات المركزية، و15 عاماً من منع تخزين أكثر من 300 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 3.67 في المئة في إيران، وإلزامها بيع الفائض، وعدم تخصيب ما يتجاوز الـ3.67 في المئة، وعشرة أعوام من القيود على تطوير اليورانيوم المخصب كمية ونوعاً، و8 أعوام من حظر تطوير أي نماذج جديدة من آلات تخصيب اليورانيوم، وقيود إضافية على إنتاج أو تطوير صواريخ قادرة على حمل شحنة نووية، من بينها حظر إجراء تجارب حقيقية أو حاسوبية على نماذج من هذا النوع.
المهل تبدو طويلة، ولكن النشاط الحقيقي لن يتباطأ أكثر من ثمانية أعوام، يبادر بعدها الإيرانيون بموجب الاتفاق إلى استعادة الحق تدريجيا باستخدام نماذج متطورة من الطاردات المركزية، من طراز إيران 4 و5 و6 و7 و8، ستخزن حتى ذلك الحين في «فوردو». وخلال التجارب لن يكون بوسع الإيرانيين تزويدها بالمحركات، لمنعهم من العودة بسرعة إلى الإنتاج فيما لو قرروا الخروج من الاتفاق، والذهاب نحو خيار السلاح النووي في ظروف إقليمية ودولية مختلفة.
طريق البرنامج النووي بالبلوتونيوم أيضاً جرى تضييقها 15 عاماً، من حظر إقامة أي منشآت نووية إضافية كمنشاة «أراك» بغرض إنتاج البلوتونيوم، والمفاعل الأحدث سيتعرض لعملية تعديل في قلبه، وتصميمه بحيث ينخفض من 100 ميغاوات حرارية حالياً إلى 20 ميغاوات، وسيجري تضييق مساحة منصته الداخلية بحيث لا يتسع لكميات كبيرة من اليورانيوم، وتضطر المهندسين الإيرانيين، حتى في حال الخروج من الاتفاق إلى إبقاء اليورانيوم ستة أشهر، قبل تحويلها مجددا إلى بلوتونيوم قابل للتصنيع العسكري.
إن مجموع هذه الإجراءات، معطوفة على مهلة السنة الإجبارية لإيران كي يسمح لها بالخروج من الاتفاق، ستحد من قدرة الإيرانيين على صناعة سلاح نووي، خلال مهلة العام الضرورية المقدرة لذلك، وهي مهلة ضرورية للأميركيين والأوروبيين، كما يعتقدون، لفرض عقوبات والتوافق على تنظيم رد منسّق.
المهل اختيرت، ليس لوضع قيود طويلة المدى على البرنامج النووي والمنشآت فحسب، وإنما لتحطيم القاعدة العلمية البشرية الإيرانية، حيث يحتاج بناء كل صف جديد من العلماء إلى 15 عاماً من التكوين والخبرة والتجارب.
التنازلات الكثيرة التي قدمها الإيرانيون حفظت، مع ذلك، نواة البرنامج النووي الإيراني، وقدرته على الانطلاق بسرعة خلال ثمانية إلى عشرة أعوام. ويواصل الإيرانيون تجارب على نماذج متطورة، ولكن محدودة لإنتاج اليورانيوم، وتدريب علمائهم، والحفاظ على البنية التحتية. كما انتزعت حق إيران بتخصيب اليورانيوم، وهو حق ساجل فيه الإيرانيون طويلاً، من خلال تفسيرهم المبتكر لاتفاق التعاون مع وكالة الطاقة الدولية. كما أن العودة إلى عقوبات تلقائية، إذا ما خرقت إيران الاتفاق، تعرضت لتحديد واسع وتعطيل، عبر إنشاء لجنة للتحكيم، ومراقبة تنفيذ الاتفاق تعيدها إلى مجلس الأمن وتطرحها مجددا على التصويت.
وباستثناء منشأة «بارشين» العسكرية، لا يمكن للتفتيش الدولي أن يدخل أي منشاة أخرى إيرانية، من دون تنسيق مسبق مع الإيرانيين وعبر آليات محددة، للتأكد من خلوها من أي نشاط نووي غير مصرح عنه.
ولكن الأهم هو أن الإيرانيين، سيجدون خلال الأشهر الستة المقبلة، أرصدتهم المالية المجمدة محررة، وهي لا تقل عن 120 مليار دولار، فضلا عن أن إرجاعهم إلى نظام المبادلات المصرفية، سيتيح لهم استرجاع أكثر من 50 مليار دولار، من الفواتير النفطية المستحقة لهم بذمة الصين والهند واليابان وغيرها. وستبدأ عملية رفع العقوبات بعد دخول الاتفاق حيز التطبيق، لا سيما منها العقوبات الأوروبية والأميركية.
COMMENTS