كسب الرئيس المكلف سعد الحريري جولة لاهاي. ابتعد عن لعبة التصعيد الأميركية ـ "الإسرائيلية" التي تهيمن على المحكمة الدولية للبنان. اختار الحريري لعبة التموضع المحلي، بالإقتراب من محور "تفاهم مار مخايل". وهو، بذلك، خفف ضغط التجاذب الإقليمي ـ الدولي عن مهمته الدستورية المولج بها. كما كسب ربع جولة في ملف إعادة النازحين السوريين، بإبلاغه السفير الروسي بقرار تعيين ممثلي لبنان في اللجنة المشتركة مع روسيا المكلفة بمتابعة الملف. وأبلغه بأسمائهم. وقد حسَّن هذا القرار موقع الحريري في لعبة التموضع المحلي. وهكذا، يكون الحريري قد تجاوز قطبي حلف المعرقلين (ج ـ ج) بخطوة وربع. والأرجح أن "أنتين" بيت الوسط التقط تغيراً ما في موقف السعودية من سوريا. اما في المختارة ومعراب فـ"الأنتينات" كأنها ضعيفة …
اللواء
لبنان يجتاز «قطوع المرافعات» وأولوية الحريري الإستقرار
حزب الله يتخوَّف من التلاعب بالليرة.. و«التيار» يشتبك مع تحالف «جنبلاط – جعجع»
في أوّل إشارة عن الوضع الحكومي، وهو يقترب من ختام شهره الرابع، بعد عودته إلى بيروت آتياً من لاهاي، حيث حضر جلسات اليوم الأوّل من المرافعات الختامية في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، تحدث الرئيس المكلف سعد الحريري عن «حلحلة» في الموضوع الحكومي، وأنه قد آن الأوان لأن نصل إلى الخلاص.
واعتبر بالتزامن مع كلام نقل عن الرئيس نبيه برّي بأنه لا يجوز الاستمرار في حال الترف في تأليف الحكومة، في ظل الأوضاع الاقتصادية، انه «يجب ان لا يوضع تشكيل الحكومة كتحدٍ بين الأفرقاء، بل علينا النظر للتحديات الاقتصادية والاجتماعية والإقليمية التي تواجهنا».
وإذا كان الرئيس الحريري بعث من لاهاي برسالة تطمين حول حرصه الأكيد على الاستقرار في لبنان، وسعيه الدؤوب للحفاظ عليه، وانه لم يسعَ يوماً للثأر، «فالرئيس الحريري سقط وشهداء 14 آذار لحماية لبنان لا لخراب لبنان»، فإن أوساط حزب الله، تبرئ الرئيس المكلف من «اللعب بالنار»، لكن «المعلومات التي وصلت للحزب ولجهات سياسية موازنة تُشير إلى رهان حقيقي على استخدام اتهامات المحكمة رسمياً لشخصيات من الحزب لخضّ الشارع اللبناني، وافتعال أزمة «سنية – شيعية»، على المستويين السياسي والشعبي مع كل ما يترتب عليها من تأخير في ملف تشكيل الحكومة»..
ومن ضمن المعلومات، فإن ثمة جهات خارج لبنان تعمل «لتضييق الخناق على لبنان وحزب الله، والبنوك التي تتعامل مع رجال الاعمال الشيعة بشكل خاص، بما يؤدي لتراجع قيمة الليرة اللبنانية امام الدولار، والعملات الاجنبية».
سياسياً، وعلى وقع «الثأر الوظيفي» بين «التيار الوطني الحر» والحزب التقدمي الاشتراكي، والذي يطال موظفين، ذنبهم الوحيد انتماؤهم الطائفي، وصفت المصادر العونية (O.T.V) رئيس حزب «القوات اللبنانية» بـ«حصان طروادة» الذي يعمل على «نحر الرئيس القوي» باسم وكلائه الخارجيين، متهماً اياه بتعطيل الحكومة «لصالح إرادة الخارج».
حركة مشاورات
وكانت عودة الرئيس الحريري من لاهاي، بعد ان حضر جزءاً من المرافعات الختامية للادعاء في غرفة الدرجة الأولى للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، قد حركت مشاورات تأليف الحكومة العتيدة، وشهد «بيت الوسط» حركة لافتة على هذا الصعيد، بقيت وقائعها بعيدة من الإعلام، فيما اعرب الحريري نفسه عن اعتقاده بوجوب حلحلة بالنسبة للعقد التي تحول دون تشكيل الحكومة، لم يفصح عن طبيعتها، وان كان أكّد انه «آن الأوان لأن نصل إلى الخلاص»، وان «لا يوضع موضوع تشكيل الحكومة كتحد بين الافرقاء، بل يجب النظر إلى التحدي الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وإلى جميع التحديات الإقليمية التي تواجهنا، باعتبارها هي الأساس، اما توزيع الحقائب فهو أمر تفصيلي».
وأكّد الحريري في دردشة مع الصحافيين، قبل ترؤسه اجتماع كتلة «المستقبل» النيابية الحاجة إلى بعض التعديلات في شأن الصيغة التي قدمها للرئيس ميشال عون مطلع الأسبوع الماضي، لافتاً إلى انه سيتابع المشاورات مع الرئيس عون بعد عودته من السفر، ومع الجميع، مكرراً التأكيد بأن مجلس النواب هو الذي يجب ان يقرر أمر ضرورة ان تحترم الصيغة الحكومية نتائج الانتخابات، نافياً ان يكون الرئيس عون في وارد إرسال رسالة إلى المجلس النيابي لحضه على تشكيل الحكومة، معتبراً ان هذا الأمر لم يعد يثار حالياً، بعد ان تمّ الحديث عنه منذ فترة، مشدداً على ان الدستور واضح بالنسبة لعدم إعطاء الرئيس المكلف مهلة لتأليف الحكومة، خلافاً لما قاله الرئيس حسين الحسيني، لافتاً إلى ان الدستور يعطي مهلة بالنسبة إلى البيان الوزاري، من أجل نيل الحكومة الثقة، لكن تشكيلها أمر آخر.
كتلة «المستقبل»
اما كتلة «المستقبل»، فقد أكدت في بيانها على «اعتبار الصيغة التي تقدّم بها الرئيس المكلف إلى رئيس الجمهورية هي صيغة متوازنة، تشكّل قاعدة للحوار والتشاور لما يجب ان تؤول إليه التشكيلة النهائية».
وقالت «ان أبواب الرئيس المكلف في ضوء ذلك ستكون مفتوحة على كافة وجهات النظر والاقتراحات التي تتقدّم بها الأطراف السياسية المعنية»، مشيرة إلى انه «خلاف ذلك سيبقى الدوران في الحلقة المفرغة قائماً، وستتحمل كافة القيادات السياسية مسؤولية الذهاب إلى الفراغ وجني نتائجه السلبية على الاستقرار».
ورأت أن «الغلو في طرح المعايير والمطالب المتبادلة لن يفتح الأبواب امام تشكيل حكومة متوازنة، سيما وان الدستور واضح في تحديد آليات التأليف وإصدار المراسيم، وهو لم يأت لا من قريب أو من بعيد على ذكر أية معايير سياسية وعمليات حسابية».
وفي مجال آخر، أعلنت الكتلة عن «تأييدها للموقف الذي أدلى به الرئيس الحريري امام مقر المحكمة في لاهاي. ورأت فيه موقفاً حكيماً ومسؤولاً يرقى لمستوى الجهود التي يبذلها في سبيل لبنان وحمايته من أعاصير الفتن والحروب التي هبت على المنطقة».
وقال عضو كتلة «المستقبل» الدكتور عاصم عراجي لـ«اللواء» ان الرئيس الحريري ابلغ المعنيين انه لن يشكل الا حكومة وفاق وطني ووحدة وطنية، لذلك لن يشكل حكومة من دون الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية.
واعتبر عراجي ان مواقف الرئيس الحريري في لاهاي بالنسبة لحزب الله، تؤكد حرصه على لملمة الوضع الداخلي وحفظ الاستقرار وتشكيل حكومة لا تستبعد اي طرف.
واشار عراجي الى ان الامر يتطلب بعض الوقت لانهاء المشاورات. خاصة مع تمسك الاطراف كل بمطالبه. لكن الوضع الاقتصادي لم يعد يحتمل.خاصة وضع المزارعين والصناعيين المتوقف تصريف انتاجهم بسبب اقغال المعابر من سوريا الى دول الخليج.
برّي
ومن جهته، كشف رئيس المجلس النيابي نبيه برّي ان الأمور بالنسبة إلى الحكومة ما زالت على حالها، مؤكداً أن «لا مبرر على الإطلاق للتأجيل او التأخير، ولا نستطيع ان نعيش حالة الترف في تأليف الحكومة نظرا الى الأوضاع التي بات يعرفها الجميع خصوصا بالنسبة للوضع الإقتصادي».
وأشار خلال لقاء الاربعاء النيابي» الى انه كان بادر للمساعدة في الدفع باتجاه ولادة الحكومة وهو ما زال مستعدا لبذل المزيد من الجهد في هذا الإطار».
وفي موضوع المطار نقل النواب عن بري انه لا يستغرب ان يكون بعض ما حصل هو مفتعل، «وان ما يحصل من معالجات اليوم في المطار هو نوع من المهدئات، والمعالجة الحقيقية تعيين الهيئة الناظمة وتطبيق القوانين».
وخلال «اللقاء» طالب النائب علي عمار باستحداث وزارة للتخطيط، فرد الرئيس بري بالقول: «في لبنان استحدثوا تسميات وزارات سيادية ووزارات خدماتية ووزارات عادية، بينما في بلدان العالم هناك وزارة خدماتية واحدة هي وزارة التخطيط لكونها الوزارة المحورية».
وأكد أحد النواب ان الرئيس برّي بصدد الدعوة إلى جلسة تشريعية قبل نهاية الشهر الحالي إذا بقي الوضع الحكومي على حاله.
عون
وفي مجال آخر، عاد الرئيس عون مساء أمس إلى بيروت من زيارة استمرت ثلاثة أيام إلى ستراسبورغ، ألقى خلالها كلمة امام البرلمان الأوروبي وأجرى مجموعة لقاءات مع رئيس البرلمان انطونيو طاياني، ومفوض شؤون سياسة الجوار، في الاتحاد الأوروبي يوهانس هاف ومفوضة السياسة الخارجية في الاتحاد فيدريكا موغريني، تمحورت جميعها على موضوع النازحين السوريين والقرار الأميركي في شأن وقف تمويل وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».
وكان الرئيس عون أكّد في كلمته امام البرلمان الأوروبي ان لبنان يسعى إلى تأمين العودة الكريمة والآمنة للنازحين إلى ديارهم ويرفض أي مماطلة في هذا الشأن ويؤيد كل دعم لحل مسألة النزوح السوري إلى أراضيه، على غرار المبادرة الروسية، ويرفض ربطها بالحل السياسي الذي قد يطول امده.
وأكّد عون، خلال لقائه موغريني على ان عودة النازحين أصبحت ضرورية بالنسبة إلى لبنان، لا سيما وان مجموعات منهم تغادر تدريجياً إلى المناطق المستقرة في سوريا، وهناك مجموعات أخرى تستعد أيضاً للمغادرة، فيما لفتت موغريني إلى ان الاتحاد الأوروبي يتعاطى مع ملف عودة النازحين بروية ريثما يتضح المشهد العسكري في سوريا، وكشفت ان اجتماعاً اوروبياً سيعقد على المستوى الوزاري، على هامش انعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك يخصص للبحث في مسألة عودة النازحين، متمنية على الرئيس عون ان يُشارك لبنان في هذا المؤتمر الذي ستحضره أيضاً دول معنية سبق ان شاركت في اجتماع بروكسل، بحيث يكون استكمالاً لها.
ثم اثار عون موضوع وقف تمويل «الأونروا» متخوفاً من ان يكون ذلك مقدمة للتوطين، فاعتبرت موغريني انه يُشكّل عاملاً خطيراً بالنسبة إلى القضية الفلسطينية، كاشفة بأن الاتحاد الأوروبي قرّر رفع مساهمته في موازنة «الأونروا» وكذلك الدول الأوروبية.
لجنة النازحين
وكان موضوع عودة النازحين السوريين، قد حضر في لقاء الرئيس الحريري مع السفير الروسي في لبنان الكسندر زاسبكين الذي كشف بأن الحريري أبلغه عن تعيين لبنان لأعضاء اللجنة المشتركة الروسية – اللبنانية في هذا الشأن.
وتضم اللجنة، بحسب المعلومات، مستشار الرئيس الحريري للشؤون الروسية جورج شعبان، النائب السابق أمل أبو زيد ممثلاً وزارة الخارجية، إضافة إلى ممثّل عن وزارة الدفاع والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم.
اما اللجنة الثلاثية اللبنانية – الروسية – السورية فتضم عن لبنان امنيين فقط برئاسة اللواء إبراهيم.
وأوضح الحريري للصحافيين ان اللجنة التي تحدث عنها زاسبكين هي من أجل المتابعة والتنسق مع الجانب الروسي حصراً، اما اللجنة الأمنية فستكون أمنية بحتة، ولم يتم تشكيلها بعد وستتألف من الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام.
المحكمة الدولية
إلى ذلك، شكلت المواقف التي اعلنها الرئيس الحريري في لاهاي من موضوع محاكمة المتهمين الأربعة باغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري بعدما أكّدت المذكرة الختامية للادعاء امام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بأنهم ينتمون لحزب الله، وان للجريمة ابعاداً سياسية تتصل بالنزاع الذي كان قائماً مع النظام السوري في حينه، موضع تنويه واشادة من جانب فريق كبير من اللبنانيين وامتعاض من جانب آخر.
وعندما سئل الحريري، أمس، عن هذا الموضوع، اجاب: «من اغتال رفيق الحريري سيدفع الثمن عاجلاً أم آجلاً في النهاية، المهم البلد، نحن نريد اكمال مسيرة رفيق الحريري وفي نفس الوقت نحن نعي التحديات، العدالة هي العدالة».
وبالنسبة إلى الاختلاف في وجهات النظر، قال: «هناك انقسام فماذا نفعل؟ هل نخرب البلد أو نعمل على المحافظة عليه؟ هناك أشخاص يريدون خراب البلد وغيرهم يريدون إصلاحه واستقراره، وأنا من الأشخاص الذين يسعون لاستقرار البلد ومجرد معرفة الحقيقة هو مدخل العدالة».
ولفت إلى ان المحكمة اتبعت حرفية كبيرة جداًِ في عملها، وهي واقع يجب على الجميع أن يتعامل معها».
وكانت المحكمة استكملت أمس ولليوم الثاني جلسات المرافعة الأخيرة في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وعرض الادعاء أدلة اسناد الهواتف الى المتهمين حسين عنيسي وأسد صبرا وحسن مرعي.
وكان تركيز الادعاء خلال الجلستين على حركة اتصالات المتهمين من ايلول 2004 الى 14 شباط 2005 يوم اغتيال الرئيس الحريري، وقسم خطوط الهواتف حسب الالوان. كما ركز على النقاط الجغرافية التي تواجد فيها المتهمون.
والبارز في جلسة بعد الظهر، ان الادعاء ربط بين توقيت «اطفاء» هواتف مرعي الثلاثة في فترة «اختطاف» ابو عدس في 16 كانون الثاني 2005، وكذلك هواتف عنيسي وصبرا»، مؤكدا ان هواتفهم كانت غير مشغلة في الوقت الذي اختفى فيه ابو عدس». واشار الى توقف هذه الشبكات والاتصالات بعد 14 شباط 2005 تاريخ اغتيال الحريري.
وكانت جلسة امس الأول استهلت بمرافعة الاتهام قبل أن يتحدث ممثلو الضحايا ثم الدفاع. وكانت البداية لفريق الادعاء الذي تمسك بقوة بالأدلة التي تعتمد على بيانات الاتصالات الهاتفية والرابطة التي تجمع المتهمين من خلال صلتهم بـ«حزب الله» اللبناني.
والمرافعات الختامية، هي ملاحظات شفهية يدلي بها كل من الفريقين، أي الادعاء والدفاع والممثلين القانونيين عن المتضررين، أمام غرفة الدرجة الأولى في المحكمة، كما أكدت المتحدثة باسم المحكمة وجد رمضان مشيرة إلى أن «كل فريق يقدم تقييمه للأدلة والشهادات التي تقدمت وتم قبولها خلال فترة المحاكمة التي دامت أربع سنوات، وكل فريق يتحدث عن الأسباب التي تبرر النطق بالحكم لصالحه».
وأشارت رمضان إلى أن حضور الحريري في المحكمة، أمس، جاء بصفته متضرراً مشاركاً في إجراءات المحاكمة، لكن حضوره «أعطى زخماً واهتماماً إعلامياً أكبر».
وسيستمر سماع المرافعات الختامية حتى 21 أيلول، ومن المتوقع ان يبدأ الدفاع مرافعاته غداً الجمعة، ولم يُحدّد موعد النطق بالحكم، لكن من المتوقع ان يكون في العام المقبل.
البناء
محور المقاومة يستردّ زمام المبادرة في العراق… ومساعٍ تركية مع روسيا لآلية متفق عليها لإدلب
بيان الادعاء في المحكمة الدولية خال من الأدلة… والحريري لأولوية حماية الاستقرار
عون يحصد تأييداً أوروبياً في ملف النازحين… وباسيل يحذّر في القاهرة من لعنة التاريخ
تزامنت التطورات في المنطقة لصالح محور المقاومة، بعد نهاية الانقلاب المدبّر في العراق سياسياً وأمنياً، كما قال مصدر قيادي في محور المقاومة لـ «البناء»، فما بعد محاولة ضرب محور المقاومة من باب خراب البصرة نجح المحور باسترداد زمام المبادرة أمنياً وسياسياً في بغداد، عبر مجموعة خطوات متسارعة وحاسمة، انتهت إلى تغيير المشهد السياسي والأمني، ووصول الرسائل اللازمة إلى كل المعنيين. وقال المصدر إن الوضع في العراق مطمئن، وإن رئيس الحكومة المقبل سيكون ضمانة موثوقة لقوى المقاومة، بغضّ النظر عن الاسم.
بالتوازي أكدت مصادر متابعة لمعركة تحرير محافظة إدلب في سورية أن التمهيد الناري مستمر بلا توقف، وأن استهداف مواقع الجماعات الإرهابية يتم على مدار الساعة وفقاً لإحداثيات دقيقة وبوسائل نارية فعالة، وبما يجنّب المدنيين الخسائر، وأن التحضيرات للعمل البري ليست للاستعراض الإعلامي، ولا تحديد ساعة الهجوم وفي أي محور وضمن أي سيناريو سيكون موضوعاً للتداول قبل حدوثه. وأضافت المصادر أن الأتراك يحاولون التوصل مع الروس لآلية معينة تفتح باب التعاون في العملية العسكرية، مقابل تجزئتها على مراحل، ومنح ضمانات للجماعات التي تعمل تحت العباءة التركية حول دورها المستقبلي، والبحث بمستقبل الوجود العسكري التركي بعد العملية، وحدوده وجغرافيته ودوره. وقالت المصادر إن كل شيء تتم مناقشته ضمن ثلاثة ثوابت لا مساومة عليها، وهي أن عملية التطهير العسكري للمنطقة من الوجود الإرهابي يجب أن تتم وأن ينتشر الجيش السوري بنهايتها في المناطق التي يتمّ تحريرها، وأن وحدة سورية غير قابلة للتفاوض، كل صيغة تكرّس تقسيم أمر واقع أو إدارات أمنية لجماعات مسلحة لجزء من الجغرافيا السورية غير وارد، وثالثاً أن السيادة السورية غير قابلة للتجزئة، ففي النهاية يجب أن يكون واضحاً أن كل القوات التركية يجب أن تغادر الأراضي السورية.
لبنانياً، نالت المحكمة الدولية فرصتها لإقناع اللبنانيين، أو تشويش الرأي العام على الأقل، وسقطت سقوطاً مدوياً، بهشاشة نص الادعاء العام الذي بقي على مدى يومين يمارس الاجترار الكلامي للحديث عن شبكات الاتصالات وأرقام هواتف، من دون أن يقدم أي دليل يعتد به قضائياً لدعم الاتهام الموجه لعدد من كوادر وعناصر حزب الله، فلا تحليل حمض نووي، ولا بصمات، ولا جثة انتحاري، ولا شهود، ولا إثباتات على التحرك الجغرافي، ولا على الصلة بقضية أحمد ابو عدس، ولا على مصيره، ووفقاً لمصادر قانونية سقف ما تؤدي إليه مطالعة الإدعاء هو الحصول على موافقة محكمة تحترم نفسها للبدء بالتحقيق، وليس لاعتماده أساساً لنهاية التحقيق وتوجيه الاتهام، بينما جرى إهمال كل الفرضيات الجدية الأخرى التي تبدأ من قضية شهود الزور المثبتة، والانطلاق منها للتساؤل عن إمكانية وجود صاحب المصلحة بتضليل التحقيق للتغطية على المجرم الحقيقي، وفرضية الاحتمالات الأخرى الإسرائيلية والأميركية، والتنظيمات الإرهابية، والسياق السياسي البديل القائم على كون جريمة الاغتيال خريطة طريق لتطبيق القرار 1559، وكلها فرضيات تجاهلها التحقيق وتغاضى عن الإجابة عليها الادعاء العام.
الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري علق على أعمال المحكمة التي شارك في يومها الأول، بالدعوة لمنح الأولوية للمصلحة اللبنانية، وللحفاظ على الاستقرار، وهو ما لقي الترحيب من أكثر من مرجع لبناني، بينما كان كلامه عن تشكيل الحكومة بأنه يأخذ ملاحظات رئيس الجمهورية بجدية للتشاور حولها مع الأطراف المعنية بتشكيل الحكومة.
لبنانياً أيضاً، سجل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون نجاحاً في كسب التأييد الأوروبي في ملف النازحين السوريين، بينما نجح وزير الخارجية جبران باسيل في لفت الأنظار في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة لخطورة تجاهل ملف الأونروا، وقضية اللاجئين الفلسطينيين، محذراً من التخاذل الذي سيلاحق العرب بلعنة الأجيال والحق والتاريخ.
الحريري: البلد أهم من المحكمة…
لم تُسجّل الأيام القليلة الماضية أي تقدّم على صعيد تأليف الحكومة، إذ إن زيارة رئيس الجمهورية ميشال عون الى ستراسبورغ ووزير الخارجية جبران باسيل الى القاهرة والرئيس المكلف سعد الحريري الى هولندا وضعت الملف الحكومي على رف الإنتظار، لتحلّ مكانه ملفات توازيه أهمية كملف النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين بعد وقف الولايات المتحدة المساعدات عن «الأونروا» وسط تركيز الرئيس عون في كلمته أمام البرلمان الأوروبي على عودة النازحين الآمنة الى ديارهم والتمسك بالمبادرة الروسية من دون انتظار الحل السياسي ودعوة الأوروبيين الى تأمين المساعدات للأونروا.
وأيضاً تقدم ملف المحكمة الدولية، ففي حين كانت أطراف عدة تتخوّف من تداعيات وقائع المحاكمة الجارية في المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري في ظل ربط جهات محلية وخارجبة تأليف الحكومة بقرارات المحكمة، كان لافتاً موقف الحريري الذي قطع الطريق على أي احتمال من هذا النوع انطلاقاً من مصلحة لبنان، كما قال ولإدراكه جيداً بأن قراراتها لن تغير المعادلة الداخلية، لا سيما وأن التطورات في المنطقة ليست لصالح المحور الأميركي السعودي. وبالتالي استغلال المحكمة لن ينعكس ايجاباً على الحريري واستمراره في رئاسة الحكومة.
ونصحت مصادر في 8 آذار قيادات 14 آذار بعدم تضييع الوقت بالرهان على أن تحدث نتائج قرارات المحكمة تغييراً في المشهد السياسي والحكومي، موضحة لـ»البناء» أنه «مهما كانت نتائج المحكمة فلن تحدث مفاعيل على الأرض لا في السياسة ولا في الأمن، إذ إن الاستقرار الداخلي بالنسبة لرئيس الجمهورية ولحزب الله وفريق المقاومة خط أحمر ولم يعُد مسموحاً اللعب فيه، مذكرة بتحذير الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله المقتضب الذي قال للمراهنين: «لا تلعبوا بالنار». ووصفت المصادر موقف الحريري بالواقعي والايجابي لكنها أشارت الى أن «السيد نصرالله قطع بموقفه هذا دابر أي استثمار داخلي على المحكمة»، ولفتت الى أن حزب الله «لم يفاجأ بموقف الحريري الإيجابي»، مشيرة الى أن «أي كلام غير ذلك أشبه بالانتحار السياسي ولا مصلحة للحريري ولا أي فريق بذلك». ووضعت المصادر «توقيت تحريك المحكمة في إطار تجميع أميركا أوراق الضغط في المنطقة للحد من خسارتها، فعمدت الى اللعب بالوضع السياسي والأمني في العراق وتريد أن تعمل ذلك في بيروت، لكن المصادر اعتبرت أن موازين القوى الإقليمية تحول دون نجاح الولايات المتحدة والسعودية بضرب لبنان».
أما الحريري الذي تابع جلسات المحكمة فقال رداً على سؤال حول اتهام حزب الله مباشرة باغتيال والده: «بالنسبة لي البلد هو الأهم. وعندما أكون في هذا الموقع يجب أن أضع مشاعري جانباً»، مؤكداً ضرورة انتظار القرار النهائي للمحكمة «وهدفنا أن نعيش سوياً في بلدنا لبنان»، وأشار أمس في تصريح آخر من بيت الوسط أن «من اغتال رفيق الحريري سيدفع الثمن عاجلاً أم آجلاً في النهاية، المهم البلد. نحن نريد إكمال مسيرة رفيق الحريري، وفي نفس الوقت نحن نعي التحديات، العدالة هي العدالة». واضاف: «هناك اختلاف في وجهات النظر وانقسام فماذا نفعل؟ هل نخرب البلد او نعمل على المحافظة عليه؟ هناك أشخاص يريدون خراب البلد وغيرهم يريدون إصلاحه واستقراره، انا من الاشخاص الذين يسعون لاستقرار البلد، ومجرد معرفة الحقيقة هو مدخل العدالة».
بري: أنتظر حلّ العقدة المسيحية
في ما ما خصّ تأليف الحكومة، من المتوقع أن يجري الرئيس المكلف جولة مشاورات مع جميع القوى السياسية لإجراء بعض التعديلات على الصيغة الحكومية الأخيرة بحسب ما علمت «البناء»، وذلك على وقع السجالات الحادة على محاور بعبدا ميرنا الشالوحي – كليمنصو ومعراب، وسط هجوم لاذع شنه النائب وليد جنبلاط على العهد. ولفت الحريري في معرض رده على سؤال حول الحديث عن ضرورة احترام الصيغة نتائج الانتخابات إلى أن «مجلس النواب هو الذي يقرر ذلك»، ما يطرح السؤال التالي: ماذا لو رفعت الأكثرية النيابية عريضة الى رئيس الحكومة المكلّف تطلب منه بموجبها مراعاة التوازنات النيابية واحترام التكليف والإسراع في التأليف؟ هل سيخضع الحريري لإرادة الأكثرية النيابية؟
وفي سياق ذلك، كشف رئيس المجلس النيابي نبيه بري أنه سيوجّه دعوة لجلسة تشريعية الأسبوع المقبل، مشيراً الى أنه «استنفد كل مساعيه مع حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر حيال توزيع الحقائب، إلا انه لم يتوصل الى أي نتيجة»، وأشار بري بحسب ما نقل عنه نواب لقاء الأربعاء لـ «البناء» الى «أنه أبلغ المعنيين انه سيتكفل بحل العقدة الدرزية عندما تحل المشكلة المسيحية، نافياً بشكل قاطع أن يكون طرح أي حلّ لعقدة الوزير الدرزي الثالث بتوزير النائب أنور الخليل وكل ما كتب في الصحف لا صحة له وهو حتى الساعة لم يتدخل بهذا الموضوع حتى تحل العقدة المسيحية»، أما في ما خصّ العقدة السنية، فأشار رئيس المجلس الى «ضرورة تمثيل سنة المعارضة بوزير على الأقل». كما نقل عنه النواب أن الأمور بالنسبة الى الحكومة «ما زالت على حالها ولا مبرر على الإطلاق للتأجيل او التأخير»، مضيفاً «لا نستطيع ان نعيش حالة الترف في تأليف الحكومة نظراً الى الأوضاع التي بات يعرفها الجميع خصوصاً بالنسبة للوضع الاقتصادي».
ولم يتطرق رئيس المجلس الى موضوع المحكمة الدولية، علماً أن نواب كتلة التنمية والتحرير أجمعوا على أن «موقف الحريري جيد ويستحق التهنئة، لأنه قطع الطريق على أي محاولة للمس بالاستقرار الأمني في لبنان».
وأشارت مصادر مطلعة لـ»البناء» الى أن «صيغة الحريري الأخيرة لن تمر بأي شكل من الأشكال لجهة حصرية التمثيل الدرزي بالنائب السابق وليد جنبلاط واحتكار التمثيل السني بتيار المستقبل ومنح حصة وزارية للقوات أكبر من حجمها النيابي الى جانب إعطاء ثلاثي المستقبل القوات الاشتراكي 13 وزيراً ما يحدث اختلالاً فاضحاً في تمثيل كل من فريقي 14 و8 آذار في الحكومة والمجلس النيابي». وترى المصادر بأن «الرئيس عون وضع الرئيس المكلف أمام خيارين، فإما تعديل الصيغة بما يراعي التوازنات وإما لجوء عون إلى الإجراءات الدستورية»، وتشير الى أن «الحكومة تسلك طريقها الى التأليف بعد أن تسقط الرهانات على تطورات خارجية، متوقعة «تقدماً في النصف الثاني من تشرين الأول بعد أن يجتاز لبنان قطوع المحكمة وتبلور الوضع في الإقليم لا سيما في موضوع إدلب».
وأكّد الحريري انّ «هناك صيغة قدمت والرئيس طلب تعديلاً عليها وأنا اعرف ما هو وتجب مشاورة الجميع في هذا الإطار». وقال في دردشة مع الصحافيين: «لا يجب ان يشكل تأليف الحكومة تحدياً بين الأفرقاء، بل علينا أن ننظر إلى البلد من باب التحديات الحياتية».
خطة ترامب للتوطين
في مقلب آخر، كشف وزير الاستخبارات والمواصلات الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، عن خطة طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بشأن توطين اللاجئين الفلسطينيين في دول في الشرق الأوسط.
وذكر كاتس، في تغريدة على «تويتر»: «أرحب بمبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في الأردن وسورية ولبنان والعراق»، وذلك دون شرح أي تفاصيل أخرى للمبادرة.
لجنة عودة النازحين
على صعيد آخر، أبلغ الرئيس الحريري السفير الروسي في لبنان الكسندر زاسيبكين، تعيين لبنان لأعضاء اللجنة المشتركة الروسية – اللبنانية لمتابعة المبادرة الروسية لعودة النازحين. وتضم اللجنة بحسب المعلومات مستشار الحريري للشؤون الروسية جورج شعبان، النائب السابق امل ابو زيد ممثلاً وزارة الخارجية إضافة الى ممثل عن وزارة الدفاع ومدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم.
وكان الرئيس عون تطرّق خلال كلمته في البرلمان الاوروبي الى مسألة النزوح السوري، فأشار الى أنه «من أكثر تداعيات حروب دول الجوار ثقلاً علينا»، مطالباً «بتفعيل قرارات الدعم المادي التي اتخذت خصوصاً في مؤتمر بروكسيل برغم تحفظنا على بعض ما جاء في بيانه الختامي، والمتعلق خصوصاً بمسألة العودة الطوعية للنازحين وربطها بالحل السياسي، وانخراطهم في سوق العمل في الدول التي نزحوا اليها». وقال: «إن لبنان يسعى لتأمين العودة الكريمة والآمنة للنازحين إلى ديارهم، ويرفض أي مماطلة في هذا الشأن، ويؤيد كل دعم لحل مسألة النزوح السوري المكثف إلى أراضيه، على غرار المبادرة الروسية، ويرفض ربطها بالحل السياسي الذي قد يطول أمده». ولفت الى «ان الشعب الفلسطيني لا يزال منذ العام 1948 يعيش في المخيمات في دول الشتات، وخصوصاً في لبنان، بانتظار الحل السياسي وتنفيذ القرار 194، وها هي ملامح هذا الحل بدأت تظهر بعد 70 عاماً من الانتظار، منبئة بمشروع التوطين»، محذراً من أن المجتمع الدولي «كأنه يعتمد سياسة وهب ما لا يملك لمن لا يستحق».
الجمهورية
باريس: ألِّفوها.. برِّي: لا تتأخروا.. قاسم: إعــتمدوا النسبية.. باسيل: سنهزم التوطين
عاصفة «التوطين» تتجه نحو لبنان وتهدّد كيانه، هذا هو العنوان الأخطر الذي تكشّف في الساعات الماضية، مع إعلان اسرائيل عن خطة اميركية لتوطين الفلسطينيين في لبنان. هذا التطور البالغ الخطورة، يأتي في وقت تحبس المنطقة أنفاسها، وصار «فتيل إدلب» على وشك الاشتعال، مع ارتفاع وتيرة الاحتمالات الحربية، ما يضع المنطقة برمّتها امام مرحلة جديدة من خلط الاوراق، التي ينطوي بعضها على تطورات دراماتيكية وتحوّلات تهدّد أكثر من ساحة على امتداد الشرق الاوسط.
عاصفة التوطين هذه، كشفتها تل ابيب، عبر تغريدة لوزير الاستخبارات والمواصلات الاسرائيلي يسرائيل كاتس، ليل امس الاول، رحّب فيها بما قال إنها «مبادرة أطلقها الرئيس الاميركي دونالد ترامب لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في الاردن وسوريا ولبنان والعراق»، من دون أن يوضح الوزير الاسرائيلي موعد طرح ترامب لهذه المبادرة.
وفيما لم يصدر أي تأكيد رسمي لوجود هذه المبادرة، وخصوصاً من الجانب الاميركي، لم يصدر ايّ نفي لِما كشف عنه كاتس، علماً انّ تغريدته تأتي في ظل تنامي الحديث عن توجهات اميركية رسمية لتصفية قضية اللاجئين وتقليص أعدادهم، ويندرج في سياقها اعلان واشنطن في الفترة الاخيرة وقف تمويل «الاونروا».
امام هذا المشهد الخطير، يبدو لبنان وكأنه في عالم آخر، غافل عمّا يجري من حوله في منطقة باتت على مقربة من النار، وعمّا يتهدّد كيانه من بوابة التوطين، وهو الأمر الذي يوجب الحد الأعلى من اليقظة، وإعلان حال الطوارىء الوطنية لرد هذا الخطر. ربما كان هذا يحصل لو كان لبنان يُدار من طبقة سياسية مسؤولة تبادر في لحظة الخطر الى بناء التحصينات حوله، لكن ليس غريباً ان تجري مياه التوطين من تحت أقدامه، في ظل طبقة سياسية تتحكّم به، وتسعى بأنانيّاتها، وبإعلاء مصالحها فوق كل اعتبار، الى «تَناتُشه»، والعودة به الى زمن المتاريس الطائفية والمذهبية.
باسيل لـ«الجمهورية»
وفي اوّل رد فعل لبناني على هذا الامر، قال وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل لـ«الجمهورية»: هذا الموقف ليس جديداً ولا مستغرباً، نحن معتادون على مواقف من هذا النوع تتخذها اميركا واسرائيل، وانا كنت دائماً أنبّه الى هذا الامر، وآخر تنبيه لي كان امام الجامعة العربية قبل يومين، واكرر انّ العجز العربي يشجّع على الانتقال من وقف تمويل «الاونروا»، الى الخطوة التالية. انّ نيّتهم معروفة، ولكن بالنسبة لنا لو انّ العالم كله قبل بالتوطين، فنحن لن نقبل به ابداً، وكما هزمنا إسرائيل بإزالة احتلالها، سنهزمها بمشروع التوطين، وبحق العودة الذي سيبقى مقدساً».
وكان باسيل قد أكد خلال الاجتماع الطارىء لوزراء الخارجية العرب في القاهرة «انّ وضع القضية الفلسطينية يزداد سوءاً ووضعهم يزداد ترهّلاً في دعمها، خصوصاً مع توالي الضربات الآتية من صفقة القرن «أو أقله السكوت عنها»، معتبراً «أنّ مرحلة إسقاط حق العودة وإبقاء اللاجئين في الدول المضيفة تمهيداً لتوطينهم ودفن قضيتهم الى الأبد بدأت مع القرار الأميركي بوقف المساهمة في موازنة «الأونروا».
ولفت الى «انّ تفكيك الدولة هدفه القضاء على فكرة الدولتين أساس عملية السلام، وبالتالي لكي لا يكون هناك سلام بل استسلام، فلسطيني وعربي»، سائلاً: «هل نبقى كذلك أو نقوم بعملٍ ما، أقلّه أن نغطّي العجز الذي سبّبه القرار الأميركي؟ فالمسألة ليست قدرة مالية أو مِنّة مالية بل هي واجب سياسي وإنساني وأخلاقي». وقال: «لستُ مع نظرية المؤامرة لكنني لستُ أعمى لكي لا أرى مخططاً يتمّ إمراره في لحظة عجز عربي هَبّت رياحه في ربيع لم يُزهر سوى دمار ونزوح، ولست أخرساً لكي لا أتكلم عنه». وأكد «أنّ هناك فرصة إيجابية للمبادرة واتخاذ قرار يستعيدون فيه الدور العربي، ولا يتخلّون عنه في فلسطين كما هو حاصل الآن في سوريا».
المحكمة
الى ذلك، حرّكت الساعات الماضية الداخل في 3 اتجاهات، ففي الاتجاه الأول انصبّ التركيز على رصد الصدى اللبناني لِما يتصل بكلام اسرائيل عن «مبادرة التوطين الاميركية». وفي الاتجاه الثاني، انصبّ على متابعة وقائع جلسات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، التي دخلت مراحلها النهائية على طريق إصدار حكمها في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والواضح انّ الادعاء يلقي التهمة على مجموعة من «حزب الله» نفّذت الاغتيال لمصلحة النظام السوري. وكان اللافت للانتباه في هذا المجال، هو الموقف الذي وصف بـ«العقلاني والمسؤول» الذي أطلقه الرئيس سعد الحريري من امام باب المحكمة في لاهاي، وفصل فيه بين سعد الحريري ابن الشهيد رفيق الحريري وبين سعد الحريري رئيس الحكومة اللبنانية، وأكد من خلال هذا الفصل انه يضع مشاعره الشخصية جانباً.
وعندما قيل له انّ المحكمة قد تتهم «حزب الله» او احد قيادييه باتخاذ قرار الاغتيال، قال الحريري: «خلال شهر سيصدر الحكم، وانا لا اعرف ماذا سيكون القرار النهائي، فلننتظرْ ونرَ، ولا نستبق الأمور. في النهاية نحن في بلد نعيش فيه مع بعضنا البعض، ونريد ان نعيش مع بعضنا البعض لمصلحة البلد».
لا تأليف
امّا الاتجاه الثالث، فكان الدوران في حلقة المراوحة المتحكمة بمسار تأليف الحكومة.
ولا جديد يبشّر به الرئيس المكلف، بل انه اعتبر انها تتشكل عندما يتوقف جميع الفرقاء عمّا سمّاه «الطمع بالحقائب». وواضح انه استنفد جهوده في اجراء الاتصالات ووضع المسودات، الّا انها اصطدمت بالحائط الرئاسي، ولم تحصل على سِمة الدخول الى حيّز التنفيذ والتطبيق من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي يحجب توقيعه على ايّ من تلك المسودات، لأنها كما قال «غير متوازنة»، اي انها لا تراعي المحددات التي وضعها، والتي تجعل الحكومة مكتملة شروط التوازن وقابلة للولادة او بالأحرى «أهلاً» للولادة.
«القوات»
الى ذلك، رفضت مصادر «القوات اللبنانية» إصرار البعض على إلقاء المسؤولية عليها واتهامها بالتعطيل في وقت تعتبر انها «أكثر الاطراف التي قدّمت تسهيلات للتعجيل في التأليف، فيما ينتهج البعض منذ البداية سياسة واضحة هي استهدافها في محاولة لإحراجها فإخراجها، وبالتأكيد هذا امر لن ينجح، ولن يدفعها الى تغيير موقفها والتنازل عن الحق الطبيعي لها.
وقالت المصادر انّ «القوات» لم تلمس حصول اي تطور في ملف الحكومة، اذ لم يتم ايّ اتصال بها او اي مشاورات معها. ويبدو انّ الامور ما زالت تقف عند لحظة تقديم الرئيس المكلف مسودة تشكيلته الاخيرة. وجدّدت تمسّكها بموقفها وبرفضها اي محاولة لتحجيمها وعدم تراجعها عن سقف التقديمات والتنازلات، واعتبرت انّ الكرة ليست في ملعبها، «فعلى الطرف الآخر ان يقدّم من جهته ما يقتضي تقديمه». واكدت انه اذا ظلت الامور متروكة على قاعدة دفعها و«الاشتراكي» الى التنازل، فمعنى ذلك أن لا ارادة في التشكيل، وانّ هناك إصراراً على ربط التأليف بعوامل خارجة عن معرفتها وهذا لا يعنيها، بل ما يعنيها هو الاسراع في تاليف الحكومة.
صرخة إقتصادية
الجمود السلبي في التأليف، دفع الهيئات الاقتصادية والعمالية الى إطلاق صرخة في وجه الطاقم السياسي، لـ«مغادرة حربهم على المغانم وتشكيل حكومة إنقاذية للوضع الذي تتهده كارثة اذا ما استمر على ما هو عليه».
هذه الصرخة صدرت عن اجتماع استثنائي طارىء عقد في الساعات الماضية في غرفة التجارة، في حضور ممثلين عن الهيئات الاقتصادية، وأرباب العمل والنقابات والمهن الحرة والاتحاد العمالي العام. واللافت انّ الجميع بكل اتجاهاتهم، عبّروا عن خشية كبيرة وقلق بالغ من انحدار الوضع الى مراحل في منتهى السوء والسلبية. وحمّلوا المسؤولية للسياسيين ودعوهم الى الخروج من خلافاتهم السياسية، واتهموهم صراحة بـ»انهم يختلفون على المغانم، والبلد يكاد يصبح حطاماً، بل صار على حافّة هاوية وكارثة إن لم يتم تدارك الوضع قبل فوات الاوان». وأكدوا «انّ الوضع بات يتطلّب العلاج السريع»، وانّ «المطلوب خطة اقتصادية مالية إنقاذية حقيقية وإصلاحات جدية، وليس خطة عبر زيادة ضرائب وزيادة رسوم، ولا تتوخى سوى ضرب المواطن المسكين والشركة التي بالكاد مستمرة».
باريس: عجّلوا بالحكومة
هذه الصورة الاقتصادية المقلقة، التي تحضّ على التعجيل بتأليف الحكومة، برزت في موازاتها حركة فرنسية لإحداث خرق في الجدار المسدود، حيث عبّرت باريس عن رغبتها الشديدة في ان يتمكن لبنان من تأليف حكومته، في أقرب وقت ممكن.
هذه الرغبة، نقلها السفير الفرنسي في لبنان برونو فوشيه الى رئيس مجلس النواب نبيه بري، وأكّد له اهتمام فرنسا الحثيث بالوضع في لبنان، وانها تتابع مسار تأليف الحكومة، وتأمل بلوغ المسؤولين اللبنانيين التفاهم حولها من دون أي إبطاء، وذلك لمصلحة لبنان.
وبحسب الاجواء التي عكسها فوشيه، فإنّ تأليف الحكومة لا يشكل فقط عاملاً محصِّناً للاستقرار في هذا البلد، بل انه يستجيب للضرورات اللبنانية، التي تستوجب التعجيل بالحكومة، خصوصاً ما يتّصل بكل المشكلات ولاسيما الوضع الاقتصادي وضرورة إنعاشه، إضافة الى الضرورات الملحّة المرتبطة بمؤتمر «سيدر».
وعلمت «الجمهورية» انّ مجموعة من المشاريع المرتبطة بالمؤتمر ستُدرج في جدول اعمال الجلسة التشريعية لمجلس النواب التي قرر بري ان يدعو إليها قبل نهاية الشهر الجاري.
قدح وذم!
إلّا انّ الواقع على الارض السياسية يُظهر انّ الجمود المستحكم بمسار التأليف مصحوب بتوترات تهدد بتفاقم الأمور أكثر، ولاسيما مع اشتعال «حرب التغريدات» بين «الحزب التقدمي الاشتراكي» من جهة و«التيار الوطني الحر» وفريق رئيس الجمهورية من جهة ثانية، والتي تخللها قصف سياسي عنيف وتبادل اتهامات وعبارات تجاوزت السياسة الى القدح والذم، وصولاً الى حد استخدام أوصاف استحضرت «علوج» وزير الاعلام العراقي في زمن صدام حسين، محمد سعيد الصحّاف، كما فعل النائب السابق وليد جنبلاط في تغريدة أطلقها ضد فريق رئيس الجمهورية، وأنهاها بقوله «بئس الساعة التي أتت بهم الى الحكم».
رسالة عون
في هذه الاجواء، عاد رئيس الجمهورية ميشال عون الى بيروت عند الحادية عشرة من مساء أمس وما زالت قيد التداول فكرة ان يوجّه رسالة الى المجلس النيابي، بغية حضّ الحريري على التعجيل بتشكيل الحكومة.
واذا كان عون لم يحسم بعد قراره في توجيه الرسالة، مُكتفياً بالاشارة الى انّ هذا الامر ممكن على اعتبار انّ توجيه هذا النوع من الرسائل حق دستوري له، الّا انّ مصادر مجلسية بارزة قالت لـ«الجمهورية»: «انّ لرئيس الجمهورية الحق في مراسلة مجلس النواب ساعة يشاء، وثمّة حديث جدي عن إمكان مبادرته الى هذه الخطوة. ولكن اذا ما وجّه رسالة الى المجلس تحت عنوان حَضّ الرئيس المكلف على التعجيل بتشكيل حكومة، فهو من جهة «يقطعها» مع الرئيس المكلف وينعى إمكانية التفاهم معه، ومن جهة ثانية فإنّ الرسالة إذا وصلت الى مجلس النواب، فإنها ستسلك طريقها لكي تتلى أمام الهيئة العامة لمجلس النواب، ومن ثم سيفتح باب النقاش حولها، وفي حال سارت الامور على هذا النحو، فإنّ أقصى ما يمكن ان يصدر عن المجلس حيالها هو «توصية» لا أكثر ولا أقل، ومعروف انّ التوصية لا تتمتّع بصفة الالزام».
لكنّ الأخطر بحسب المصادر، «هو انّ الرسالة ستفتح باب النقاش حولها بين النواب في الهيئة العامة، وهذا معناه انّ هناك من سيؤيدها، وهناك من سيعارضها وينتقدها، ويبدأ الكلام العشوائي عن الدستور والصلاحيات. وفي الخلاصة، إضافة الى ما يعانيه البلد حالياً من توترات وانقسامات ومكايدات، فإنّ الرسالة ستحدث سجالاً كبيراً وانقساماً أكبر يصعب احتواؤه، يعني أننا نكون امام مشكلة فنصبح امام مشكلة أكبر».
بري لـ«الجمهورية»
هذا التعطيل المستمر، وما يرافقه من توترات وتشنجات وخطاب طائفي، قال عنه بري لـ«الجمهورية» إنه «يقدّم صورة غير مطمئنة وتثير القلق وتسيء للبلد ولا تخدم الاستقرار، ولا يجوز ابداً ان تصل الامور الى هذا الحد».
وفي توصيفه لوضح التأليف، قال: «الحالة مقفلة على الآخر، ولا يوجد اي تقدم ولو خطوة، ويبقى ان نأمل في ان تسير الامور في الاتجاه الصحيح».
وكرّر قوله: «مشكلتنا التي جعلتنا نعاني، والتي هي السبب الاساس لمعاناة البلد هي انعدام المواطنية، فعندما نشعر بهذه المواطنية ونعرف معناها ينتهي كل شيء، ولا تبقى هناك مشكلة في هذا البلد». اضاف: «مع الأسف، المسبِّب الاساس لهذه المشكلة، هو الغرب الاميركي والاوروبي، الذي رسم الشرق على طريقته، وصاغ كيانات المنطقة بطريقة مفخخة في داخلها، بحيث منحها من حيث الشكل ما سمّاها ديموقراطيات، الّا انها في مضمونها ملغومة بالطائفية والمذهبية، ولبنان مثلاً، من هذه الكيانات، أوجدوا له دستوراً ونظاماً ديموقراطياً، لكنهم قبل ان يخرجوا منه فَخّخوه، وفرضوا ان يكون رئيس الجمهورية مارونياً، ورئيس مجلس النواب شيعياً ورئيس الحكومة سنياً، فأيّ معنى للديموقراطية هنا اذا كانت ركيزتها طائفية؟ منذ ذلك الحين أوجدوا هذه المشكلة الطائفية، ومع الأسف عندنا أرض خصبة لهذا الزرع، وأكاد اقول ان ليس في لبنان ديموقراطية سوى بالاسم. والآن أنظروا الى العراق حالياً، انهم يسعون الى إخضاعه لهذا النوع من الديموقراطية «المغمّسة» ليس فقط بالطائفية، بل بالمذهبية الكريهة».
قاسم لـ«الجمهورية»
وفي الملف الحكومي، قال نائب الامين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم لـ«الجمهورية»: «عُقد الحكومة معروفة ومحصورة، وعلى رأسها مشكلة تمثيل «القوات»، فإذا كان الاستنساب هو الطريق للوصول الى تشكيل الحكومة، فالواضح بعد مرور 3 اشهر انّ هذا الطريق غير مُجد، لذلك من المهم الاتفاق على معيار يكون أساساً للتشكيل، وعندها تتشكّل الحكومة».
اضاف: «أفضل معيار يُقنع، ويكون قابلاً للتطبيق، هو نسبية التمثيل الحكومي انسجاماً مع نسبية التمثيل النيابي، وبغير المعيار المتفق عليه، يبدو انّ الامور ستتأخر».
واكد قاسم «انّ البلد لم يعد يحتمل، والوضع الاقتصادي يحتاج الى معالجة في غرفة العناية الفائقة، ومصالح الناس متعثرة ومتضررة، والبدء الفعّال بمكافحة الفساد يمر عبر الحكومة، وحاجات البلاد المختلفة تتطلّب ان نسرع في التشكيل، ولدينا نعمة كبرى يجب الّا نفرط بها، وهي نعمة الاستقرار الامني، في محيط غير مستقر في المنطقة والعالم، فلنحوّل هذه النعمة الى خيار الاستقرار السياسي من خلال تشكيل الحكومة واكتمال عقد المؤسسات في الدولة. فكل الناس يقرأون ويسمعون، ولم تعد المبررات كافية للتأخير، فليتمّ وضع الحل على سكته الصحيحة لننهض بلبنان امام التحديات».
وعن احتمالات عدوان اسرائيلي، قال قاسم: «لا يبدو انّ ظروف اسرائيل تسمح بعدوان حالياً على لبنان. فهي من ناحية مردوعة، وهي من ناحية اخرى تعلم مدى جهوزية المقاومة، ومن ناحية ثالثة لها ظروفها السياسية والعسكرية التي تجعلها في اهتمامات لا تصل الى حدود المبادرة الى الحرب في هذه المرحلة، ونحن كـ«حزب الله»، على الرغم من هذا التحليل السياسي، نعمل بالاحتياط ونُبقي على جهوزية كاملة لأي احتمال طارىء او مفاجىء». وشدّد على انّ «كل عمل تقوم به الاجهزة الامنية اللبنانية بشكل وقائي لوضع حد للارهاب، بأصنافه المختلفة هو عمل جيد».
النفط… مهدد
في مجال آخر، علمت «الجمهورية» انّ بري أثار مع السفير الفرنسي ملف النفط البحري من زاوية محاولة اسرائيل للتنقيب ضمن المياه البحرية اللبنانية. ولفتَ الى خطورة هذا الاعتداء الاسرائيلي، مؤكدا انّ لبنان لا يمكن ان يقبل بذلك، ولا التخلي عن حقه في مياهه وثروته النفطية. ورفض المحاولات الرامية الى منع لبنان من الاستفادة من ثروته، عبر سَعي بعض الاطراف الى تأجيل التنقيب في البلوكات التي لزمها لبنان، لمدة سنة.
وقالت مصادر معنية بهذا الملف لـ«الجمهورية»: «انّ بري سعى من خلال إثارته هذا الموضوع مع السفير الفرنسي لكي تأخذ شركة النفط الفرنسية العملاقة «توتال» علماً بموقف لبنان، علماً انّ هذه الشركة وقّعت في شباط الماضي عقداً للتنقيب عن النفط والغاز في المياه اللبنانية ضَمّ تحالف شركات يضمّها مع شركة «ايني» الايطالية، و«نوفاتك» الروسية و«توتال» نفسها، وانّ البدء بحفر أول بئر سيتمّ خلال العام 2019.
وعلمت «الجمهورية» انّ لدى بري توجّهاً لإبقاء هذا الملف في صدارة اهتمام الدولة اللبنانية، ولحشد الدعم لموقف لبنان في الحفاظ على حقوقه وسيادته ومنع المساس بها.
وضمن هذا السياق، تمّ التأكيد خلال الاجتماع العسكري الثلاثي اللبناني ـ الاسرائيلي ـ الدولي (اليونيفيل)، الذي عقد في الناقورة الاسبوع الماضي، على موقف لبنان المتمسّك بسيادته على اراضيه ومياهه البحرية وثرواته النفطية، ورفض محاولات إسرائيل المَس بها او الانتقاص منها، مع التشديد على موقف الجيش اللبناني الحازم لجهة مواجهة أي اعتداء إسرائيلي على هذه الحقوق».
وفي السياق، قالت مصادر رئاسية لـ«الجمهورية»: «أولوية رئيس الجمهورية هي الحفاظ بكل السبل على هذه الثروة الوطنية، التي هي حق لكل الشعب اللبناني وأجياله المقبلة».
وحول الأمر نفسه، قال مسؤول كبير في «حزب الله» لـ«الجمهورية»: «حزب الله» تبنّى موقف الدولة اللبنانية في كل المسائل المرتبطة بالحدود البرية والبحرية، وما تقرره الدولة اللبنانية بأركانها الثلاثة نعمل على أساسه، ونكون جزءاً لا يتجزأ من الدفاع عن الموقف الذي يحمي حقوق لبنان كاملة وغير منقوصة».
الأخبار
عون: لست مستعجلاً ولن أتراجع
التيار والاشتراكي يفترسان القطاع العام: كل ديك على مزبلة!
علاقة الحريري ــ حزب الله «أفضل من أي وقت مضى»!
الأزمة الحكومية، وحالة الفوضى التي تعيشها البلاد على كلّ الصعد، تبدو مناسبةً لإمعان القوى السياسية في تحويل مؤسسات الدولة والقطاع العام إلى أسلحة بوجه خصومها ومكاناً لتنفيس الحقد الطائفي والمذهبي والصراع على الحصص بين القوى السياسية التي تدّعي تمثيل مصالح طوائفها، فيما هي تجيّر مصالح الطوائف والأفراد والبلاد لمصالحها الذاتية.
فـ«المسخرة» التي يرتكبها كلّ من التيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي منذ أيام، بتحقير مبدأ الوظيفة العامة والقطاع العام، عبر طرد كل جهة موظّفين يتبعون للطرف الآخر، تكاد تكون غير مسبوقة في لبنان بتاريخه المليء بالفوضى والمحاصصة، ولم تصل الأمور إلى هذا الانحطاط في مؤسسات القطاع العام، ربّما منذ الاستقلال، وحتى في زمن الحرب الأهلية.
بدأت الحكاية عندما اتخذ وزير التربية مروان حمادة، قراراً بإعفاء الموظفة في وزارة التربية هيلدا خوري من إحدى مهماتها في الوزارة. ومع أن الاشتراكي وحمادة يتذرّعان بأن خوري كانت تشغل أكثر من منصب في الوزارة خلافاً للقانون، وأن قرار الوزير هدفه إداري تنظيمي، إلّا أن الخطوة لا تخرج عن سياق الصّراع المستمر بين العونيين والاشتراكي في المؤسسات العامة، وصراع النفوذ داخل وزارة التربية تحديداً، التي يشتكي الاشتراكيون من أن نفوذ النائب، وزير التربية السابق، الياس بو صعب لا يزال هو الأكثر تأثيراً فيها.
وأمام خطوة الاشتراكي الكيدية، لم يجد العونيون سوى خطوة لا تقلّ انحطاطاً عمّا قام به حمادة، عبر إصدار وزير البيئة طارق الخطيب قراراً بنقل مدير محمية أرز الباروك نزار الهاني، المحسوب على الاشتراكي، إلى مهمات أخرى في الوزارة، فيما نُقل الموظّف في مؤسسة كهرباء لبنان رجا العلي إلى مهمات أخرى أيضاً في المؤسسة. هكذا إذاً، يفترس العونيون والاشتراكيون مؤسسات الدولة، ويقضمونها من أمام المواطنين العاديين رويداً رويداً، يفرضون تقاسمها بالقوّة، ويثبّتون انقسامها بالفعل، وكأن المطلوب إعلان موت ما بقي من هيكل الدولة المركزية، وحرمان المواطنين إياها نهائياً، لمصلحة تفرّد كلّ ديك… على مزبلة!
في سياق آخر، لم تدفع العرقلة الحكومية ومرور الوقت على تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة، برئيس الجمهورية ميشال عون إلى التراجع عن مواقفه. أمام العرقلة، يبدو عون أكثر إصراراً على ما طرحه رئيس التيار الوطني الحرّ جبران من «معايير» في تشكيل الحكومة، بعد تشكيلة رفع العتب التي قدّمها الحريري أخيراً.
ورفضُ عون للشروط التي تريد تكبيله لم يعد سرّاً. فرئيس الجمهورية بات واضحاً أخيراً ولا يخفي أمام زوّاره أن المعرقلين يسعون إلى ضرب العهد وإيقاع الضرر به بالتأخر بالتشكيل، «لكنّني لست مستعجلاً، ولن أتراجع»، يقول الرئيس.
في المقابل، تبدو لعبة عضّ الأصابع مفيدة للحريري، الذي يدرك «ما تبغاه» السعودية، من منع التشكيل بشروط عون أو بالمعادلات الجديدة، لكنّه يحرص أيضاً على رمي مسؤولية العرقلة على فريق عون، من دون أن يتبنّى المطالب السعودية في العلن. ويستفيد الحريري من حالة الجمود الإقليمي، ليؤخّر التشكيل بالتماهي مع رغبة السعوديين، وفي نفس الوقت، منع فريق عون وخصومه الآخرين من تغيير المعادلة نهائياً في آلية تشكيل الحكومات في ما بعد الطائف، مستغلّاً أيضاً عدم رغبة الفريق الآخر في الصدام الكبير مع السعودية والأميركيين عبر البحث عن بديل له لتولّي رئاسة الحكومة.
هو إذاً سباق «من يصرخ أوّلاً؟» بين الحريري وعون، وما يمثّل كل منهما في السياسة الإقليمية والدولية، في الوقت الذي تدخل فيه الأزمة السورية خواتيمها و«صفقة القرن» بداياتها. فهل بات لبنان جزءاً من معادلة الملفّات الإقليمية، وجزءاً من حلولها وأزماتها، بعد أن حُيّد إلى حدٍّ كبير طوال السنوات الماضية؟
علاقة الحريري ــ حزب الله «أفضل من أي وقت مضى»!
مرّت العلاقة بين رئيس الحكومة سعد الحريري وحزب الله، بمراحل اتّسمت تارة بالعداوة وتارة أخرى بربط نزاع. مصادر مطلعة على خط هذه العلاقة تؤكّد أنها «أفضل من أي وقت مضى»، كاشفة أن «الاتصالات بين الحريري والمعاون السياسي للسيد حسن نصرالله الحاج حسين الخليل لا تتوقف، وهي تناقش في كل الملفات الكبيرة والصغيرة» (مقال ميسم رزق).
للمرّة الثانية يُعلن الرئيس سعد الحريري من أمام المحكمة الدولية في لاهاي موقِفاً «مُهادناً» تجاه حزب الله. فيما كان فريق الادّعاء يسرُد مزاعمه بتورّط عناصر من الحزب في عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، أتى ردّ «وريث» الدمّ أكثر واقعية من الجميع. وضعَ مشاعره جانباً كما قال، وأكد أنه «لا يسعى للثأر».
يعلَم رئيس الحكومة المكلّف أن عيوناً إقليمية ودولية كثيرة كانت شاخصة إليه. نظرة لم تمنَعه من الإعلان صراحة بأن البلد أهم من أي شيء آخر. أراد الإيحاء بأنه يولي «الأمن والاستقرار» أهمية كبيرة، غيرَ أن الحفاظ على موقِع رئاسة الحكومة يبقى أولوية الأولويات عنده في هذه المرحلة. وهو يعلَم أن هذا الهدف لا يُمكن أن يتحقّق أو يكون من دون علاقة مُستقرة مع الحزب.
منذ إبرام التسوية الرئاسية سعى الحريري مِراراً إلى إطلاق رسائل تجاه الضاحية. واحدة سلبية يُقابلها ثلاث تحمِل الإيجاب. اعتبر في مرة منها أن «مشاركة حزب الله في الحكومة توفّر استقراراً سياسياً للبنان»، رافضاً أي أفكار خاصة المواجهة معه (مقابلة مع صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية).
ومنذ تكليفه تشكيل الحكومة للمرّة الثانية بعد انتخاب العماد ميشال عون للرئاسة، اتسمَت العلاقة بين الحريري وحزب الله بـ «ربط نزاع» حيناً والتناغم حيناً آخر. لدرجة أن مسار التشكيل شهد منازعات سياسية مع مختلف الأطراف باستثناء الحزب. وهي حالة دفعت بمستقبليين للتعليق عليها أكثر من مرة بقول ساخر: «الحريري والحزب هما الطرفان الأكثر اتفاقاً هذه الأيام». ما يهمس به العالمون بأجواء وادي أبو جميل – على قلّتهم – يطرح منذ فترة تساؤلات جدية حول شكل العلاقة الراهنة. وهي أسئلة تجيب عليها مصادر رفيعة المستوى في فريق 8 آذار بالتأكيد أن «لا قطيعة بين الحريري وحزب الله».
هذه الإجابة لا تعني أبداً النقاش الدائم في ما يتعلّق بتشكيل الحكومة والحصص والحقائب والصيغ الوزارية وحسب. فالمصادر قصدت باللاقطيعة القول أن «الحريري ينسّق ويناقش كل الملفات الكبيرة والصغيرة مع القيادات العليا في حزب الله»، كاشفة عن أن «الاتصالات بينه وبين المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الحاج حسين الخليل لا تتوقف». وفي ظل ما تردّد عن لقاءات يعقدها كوادر من الصف الثاني في التيار والحزب، نفت المصادر هذا الأمر مشيرة إلى أن «العلاقة محصورة بين الحزب والحريري كرئيس للحكومة، من دون أن يُترجم ذلك إعادة لفتح قنوات الحوار بينهما على المستوى الحزبي». إلا أن ذلك «لا يمنع من إحياء الحوار الثنائي الذي كان قائماً بينهما برعاية رئيس مجلس النواب نبيه برّي».
بناءً على ما تقدّم يُفتح باب التساؤل على مصراعيه. هل ما يفعله سعد الحريري يعني خروجه من العباءة السعودية التي طالما «تلحّف بها»؟ رئيس الحكومة وفق تفسيرات المصادر ذاتها «أعجز من أن يقاطع المملكة العربية السعودية أو أن يعلن انسحاباً مطلقاً من الرياض». وفي الوقت عينه «يعلم بأن بقاءه في المشهد السياسي يفرض عليه التعامل مع الحزب بالشكل الذي هو عليه الآن»، وذلك لاعتبارات عدّة:
أولاً، يريد الحريري البقاء في منصبه الحكومي أطول وقت مُمكن، مستفيداً من التسوية المبرمة مع الرئيس عون.
ثانياً، يعلَم رئيس الحكومة بأن بقاءه في الرئاسة الثالثة مستحيل من دون تفاهم مع حزب الله، والاكتفاء بتحييد الملفات الخلافية جانباً.
ثالثاً، لا يُمكن الحريري أن يأخذ خياراً آخر، وهو الذي يراقب جيداً التغيرات في المنطقة، والتي تصّب في مصلحة محور المقاومة من سوريا إلى العراق ثم اليمن. وبالتالي ليس من مصلحته أن يدخل في اشتباك مع محور إقليمي ضد آخر.
رابعاً والأهم من وجهة نظر المصادر أنه «وعلى رغم أن السعودية تبقى ضرورة استراتيجية بالنسبة إليه، غير أن تجربة الحريري الفاشلة في خوض معركة ضد حزب الله في الداخل تثنيه عن تكرارها، لذا يتبع سياسة تهدوية بات مقتنعاً بأنها تصُبّ في مصلحته.
هل يلاقي حزب الله رئيس الحكومة في منتصف الطريق؟ وأين يقف اليوم في الاشتباك المشتعل بينه وبين رئيس الجمهورية وفريقه، خصوصاً في ظل ما يُحكى عن إمكان سحب التكليف منه؟ تجزم المصادر بأن «الرئيس عون ليس في هذا الوارد، ولا حزب الله أيضاً»، مؤكدّة أن «رئيس الجمهورية لم يفتح هذا الموضوع ولم يناقشه مع الحزب على الإطلاق».
من جهة أخرى، بات من المؤكّد أن الحريري الذي تجاهل المحكمة الدولية طيلة أعوام مضَت، لم يذهب إلى جلسات المرافعة الختامية لفريق الادعاء متحدياً أحداً، ولا موجّهاً رسالة إلى أي فريق لبناني آخر، وتحديداً حزب الله. هو بالدرجة الأولى يجِد نفسه «مُضطراً إلى القيام بذلك لأسباب لها علاقة بجمهوره أولاً». حضور رئيس الحكومة الجلسات «هو من البديهيات السياسية». بهذه الجملة يختصر أصحاب الرأي العملاني في تيار المُستقبل سفره. داخل الأخير ثمّة رأي يرتفع ويقول أن «من الأهداف الأساسية التي يركّز عليها رئيس الحكومة هذه الأيام عدم السماح لأي طرف داخل طائفته بالمزايدة عليه»، خصوصاً بعد أن «دفعت سياسة الوزير جبران باسيل والرئيس عون كل المعارضين للحريري في الطائفة السنية للعودة إليه والالتفاف حوله. حتى الوزير السابق أشرف ريفي أيّد الحريري». ومن جهة أخرى هي «رسالة إلى حلفائه في الداخل والخارج بأنه باقٍ في موقعه على رغم ربط النزاع مع الحزب». ما يقوم به هو «أمرٌ طبيعي يتفهّمه حزب الله جيداً» من وجهة نظر تيار المُستقبل. وهذه النظرة يبررها كثر بأن «الحريري لن يحوّل ما سيصدر عن المحكمة إلى أزمة تؤدي إلى انفراط التسوية أو الاتفاق السياسي مع حزب الله».