يتحرك الوضع اللبناني على “بارومتر” الأزمة السورية. الإنقسام الدولي والإقليمي بين أنصار الحل السياسي و”مجانين” الحل العسكري يوسع الخروق بسياسة النأي بالنفس، وقد يمزقها الجنون قريبا. لأن بعض “الخليجيين” والأتراك، يصرون على زرك هذا الوطن الصغير بين خطوط النار.
معالم الحدود تضمحل!
أصبحت الجبهات السورية الداخلية مفتوحة نحو الدول المجاورة. ليس سرا أنه باستثناء لبنان، فإن حكومات الأردن والعراق وتركيا، وكذلك “إسرائيل”، “تناور” منذ أسابيع عبر حدودها، لتتلافى آثار التصعيد السياسي والعسكري المتوقع بين الحكومة السورية ومعارضيها في المرحلة المقبلة.
ويرى ديبلوماسي من دول “بريكسا” أن “معالم الحدود بين لبنان وسوريا تضمحل، رويدا، في بؤر التوتر المذهبي المتخمة بالمسلحين والأعتدة والنازحين والمهربين : وادي خالد في الشمال. عرسال في الشرق. شبعا في الجنوب الشرقي. وصيدا ـ عين الحلوة في جنوب الوسط”.
و”يتسبب المناخ الإقليمي في اهتزاز الأوصال اللبنانية. فقد ازداد القلق السعودي من أن تبدأ إيران دعم ربيع عربي في دول الخليج. حيث يتضح عجز المحور السني : السعودية، قطر، وتركيا، عن هزيمة النظام السوري، وضرب حكومة المالكي في العراق، وتركيب نظام موال في اليمن، وإعادة سعد الحريري إلى السلطة في لبنان”.
التصميم السعودي يغلق مثلث الضغوط
ويحذر الديبلوماسي المذكور من أن “المجتمع السياسي اللبناني بات محشورا بين مثلث ضغوط إقليمي خطير : الأزمة السورية الطاحنة. السعودية الخائفة من أن تصير المرشحة للثورة السياسية إذا ما وقع الحل السياسي في سوريا، ولذلك، فإنها ترفع درجة التوتر المذهبي في دول الهلال الشيعي. وإسرائيل التي لم تتخل عن استراتيجية التقسيم المذهبي، وهي ما شددت عليها وصايا مؤتمر هرتسيليا الأخير (آذار 2013)”.
وأشار إلى “استغراب خبراء في وزارة الخارجية الأميركية رافقوا الوزير جون كيري إلى المنطقة في الشهر الماضي، من الموقف السعودي المهووس (obsédé) بإمكانية فرض الحل العسكري في سوريا. عبر شحن الأسلحة والمقاتلين إلى سوريا”.
فـ”مطلع السنة الجارية، مولت الرياض والدوحة اتفاقا سريا مع دول أوروبية، هي : بولندا، أوكرانيا، كرواتيا، لكي تصدر أسلحة فردية وقاذفات صواريخ بقيمة 800 مليون يورو إلى مسلحي المعارضة السورية. ويجري شحن هذه الأسلحة بطائرات الخطوط الجوية التركية، والأردنية، عبر مطار pleso في زغرب، حيث تبيع الحكومة أعتدة الجيش اليوغوسلافي السابق المتوفرة في كرواتيا بكميات هائلة”.
ويضيف أن “تصميم السعودية على خوض قتال وجودي في الشام، يفسر تمويلها شحن أكثر من 5 آلاف تكفيري إلى تركيا، عبر مطار عدن في اليمن، للجهاد في الشام. بل إن سلطات الرياض افرجت عن ألف معتقل من إرهابيي القاعدة، ومنحتهم العفو، شريطة أن يتوجهوا للقتال في سوريا. كما شهدت كواليس القمة العربية في الدوحة ابتزازا ماليا لبعض الدول الفقيرة، إذ وافقت على احتلال المعارضة السورية المسلحة مقعد سوريا في جامعة الدول العربية، مقابل تسديد الرياض والدوحة اشتراكاتها المالية المتأخرة لصندوق الجامعة”.
عودة الحريرية العسكرية؟
ويكشف هذا الديبلوماسي “البريكساوي” عن أن “السياسة الإقليمية السعودية، تجر لبنان إلى مستنقع الإضطراب الأمني والعسكري. فقد جن جنون بعض المسؤولين السعوديين لما اطلعوا على تصريح الوزير جون كيري يوم 12 آذار الماضي، الذي دعا فيه المعارضة السورية المسلحة للجلوس إلى طاولة الحوار مع الرئيس بشار الأسد. فالأجهزة الإستخبارية الملكية التي يقودها هؤلاء المسؤولون، ترعى مشروعا سريا لتمكين سعد الدين الحريري من بناء جيش لبناني حر، بأساليب مشابهة لما جرى في ليبيا وسوريا والعراق. وهذا الجيش يعمل لتحقيق هدفين : الأول، التحالف مع الجيش السوري الحر، وتشريع أنشطته المعادية للنظام السوري على الأراضي اللبنانية وانطلاقا منها. الثاني، تكوين قوة عسكرية تتولى كسر التوازن العسكري الداخلي مع حزب الله، ولا تتوانى عن توجيه ضربات إليه، وفقا للضرورة المذهبية”.
يتابع هذا الديبلوماسي المقيم في بيروت، أن “هيكل جيش الحريري سيعتمد على ضباط متقاعدين وآخرين يناصرونه، وهذا ما يفسر الحملة التي شنتها قوى سنية موالية للسعودية وقطر وتركيا على الجيش اللبناني، ودوره الوطني الجامع، طيلة المرحلة السابقة، إلى حد تورط مسلحي هذه القوى في قتل ضباط وجنود أو الإعتداء عليهم، أثناء الخدمة، وخارجها، مبررين الإعتداءات بذرائع مذهبية”.
السلفية الوهابية لتوريط الكتلة الفلسطينية …
ويلفت هذا الديبلوماسي إلى أن “بعث هياكل الحريرية العسكرية، لأول مرة منذ 7 أيار 2008، لا ينفصل عن التمويل السعودي لمجموعات السلفيين الوهابيين في لبنان، وبعض دول المنطقة، تحت ستار التنافس مع حكم الإخوان المسلمين فيها”.
وقال : “لسنا متأكدين من أن عناصر جبهة النصرة في لبنان، وهم لبنانيون وسوريون وفلسطينيون، تابعون لتنظيم القاعدة، لكنهم يؤيدونه فعلا. ومعلوماتنا تشير إلى حصول النصرة، وسائر مجموعات السلفية الوهابية على تمويل وتسليح جيدين. حتى إنه قد بات بحوزة بعضها مدافع هاون من عيار متوسط، ومدافع عديمة الإرتداد، ورشاشات ثقيلة”.
ونبه الديبلوماسي “البريكساوي” من أن “الحريرية العسكرية ستحمي هذه المجموعات، على الأقل في المرحلة الأولى. وذلك، لأن جبهة النصرة التي يغلب على عضويتها فلسطينيون، مثل فتح الإسلام، وجند الشام، أو كتائب عبدالله عزام، ستمكن السعودية والحريري من اجتذاب أكثرية الكتلة الفلسطينية السياسية والمسلحة إلى جانب الجيش اللبناني الحر، ودفعها إلى خطوط التوتر المذهبي المحلي والإقليمي”.
وختم متسائلا : “هل قررت الأجهزة الإستخبارية السعودية تحويل لبنان إلى ساحة مواجهة مع إيران والعراق وسوريا. وهل أنها ستنجح في ضرب الإستقرار الداخلي أم ستقدر الأطراف اللبنانية الفاعلة على وأد هذه المحاولة في مهدها”.
COMMENTS