تتخذ الجمهورية البوليفارية في فنزويلا موقعاً رئيسياً في خطوط الصراع التحرري العالمي ضد نظام الهيمنة الإمبريالي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية في أميركا اللاتينية والعالم. ومنذ 23 كانون الثاني / يناير الماضي، يتصاعد التوتر السياسي والعسكري في فنزويلا وحولها، بعدما حركت الإدارة الأميركية "الدمية غوايدو" للإنقلاب على حكومة الرئيس نيكولاس مادورو، وانخراط الإتحاد الأوروبي و"إسرائيل" في التحرك الإنقلابي. ثم هدَّد مسؤولون أميركيون بالتدخل العسكري لإسقاط النظام البوليفاري الإشتراكي في كراكاس، وتنصيب "الدمية غوايدو" رئيساً للبلاد بقوة الجيوش الإمبريالية. في هذه المقابلة الشاملة، يعرض سفير الجمهورية البوليفارية الفنزويلية في لبنان خيسوس غريغور غونساليس لرواد موقع الحقول، المشهد السياسي الداخلي وآفاقه، كما يشرح العوامل الإقليمية والدولية التي تؤثر في الوضع الفنزويلي ومستقبله.
هل يشكل مشروع المعارضة بديلاً سياسياً من الجمهورية البوليفارية التي تقودها حكومة الرئيس مادورو؟
نؤكد أن المعارضة ليس لديها أي مشروع للحكم أو لبناء الدولة تعرضه على الشعب، لأنها لم تستطع الاتفاق فيما بينها. بينما تملك الحكومة البوليفارية مشروعاً اجتماعياً اقتصادياً سياسياً لذلك. مشروع المعارضة الوحيد هو مشروع الولايات المتحدة، وهو : وضع اليد على ثروات فنزويلا.
لم يتفق قادة المعارضة ولا مرة فيما بينهم، بسبب طغيان مصالحهم الشخصية على المصلحة الوطنية. فكل منهم يريد المصلحة الشخصية والثروة الشخصية من أجل الوصول إلى السلطة. ولذلك، لا أحد منهم سيسمح لغيره بالوصول للسلطة. كل الخطوات التي اتخذوها ضد الثورة البوليفارية فشلت، بسبب عدم اتفاقهم الداخلي.
الشعب الفنزويلي يعي ماذا يحدث ويعرف الحقيقة. إن الطموح الفردي لكل مسؤول في المعارضة هو العقبة أمام تقدمها. وبالتالي، هذا يؤدي إلى انشقاقات داخلية في صفوف المعارضة، كلما أرادوا أخذ قرار معين. وهذا ما ينعكس على الوضع الداخلي ويسبب مشاكل فيه. مثلاً، حينما يتحرك طرف من المعارضة للتقرب من الحكومة وفتح حوار معها، فإن فريقاً آخر يرفض ذلك. وفريق ثالث يرفض الحوار ويقوم باعمال عنف في الطرقات. نحن نؤكد أن المعارضة في فنزويلا مثلما كانت دائماً، من زمان، هي نفسها : منقسمة ولا رأي واحداً لها على الصعيد الداخلي.
إن أوضح دليل على تصدع وانشقاق المعارضة الفنزويلية، هو أنها كانت مؤلفة طيلة الاشهر الماضية من [الرئيس الأميركي دونالد] ترامب و[مستشار الأمن القومي الأميركي] بولتون. والشخص الوحيد الذي يتكلم من المعارضة هو غوايدو، لكنه لا يفعل ذلك إلا بعد تلقيه اتصالاً من الولايات المتحدة. هذا هو واقع المعارضة الفنزويلية.
على الصعيد الداخلي أيضاً، تسعى قوى المعارضة منذ وقت طويل، لإضعاف القوى الفنزويلية التي تناضل ضد الامبريالية الأميركية. لكنها رغم كل ما فعلت، لم تقدر على توهين عزيمة الشعب الفنزويلي لخوض هذا النضال. كما أخفقوا حتى الان في دفع الشعب الفنزويلي نحو الحرب والعنف في الداخل. إن فنزويلا لا زالت مستقرة ويسري فيها النظام العام. نقول هذا رغم كل المشاكل الحياتية من الأغذية والأدوية، والإعتداء السبراني الأخير على محطات توليد الطاقة الكهربائية.
ما الهدف السياسي من تعتيم فنزويلا وحرمان شعبها من نعمة نور الكهرباء؟
أول مرة تعرضت فنزويلا لمثل هذه الهجمات العدوانية التي تقف وراءها الولايات المتحدة الأميركية، كانت في عام 2002. يومذاك، شن هجوم على المنشآت النفطية ومصفاة تكرير النفط لتخريب عمليات الإنتاج. وبالفعل، توقف إنتاج النفط كلياً، ما تسبب بخسارة خزينة شعب فنزويلا نحو 23 مليار دولار. يا ترى كم سيكلفنا العطل الكهربائي الحالي، لا نعلم بعد، لكننا متأكدون بأننا سنفوز. أولاً، بقوة وعزم ووعي الشعب الفنزويلي. ثانياً: لأننا، ونحن نشكر الله طبعاً، بلد كبير غني بالموارد الطبيعية، وكل هذه الإعتداءات تسبب خسائر كثيرة، لكن فنزويلا تملك الموارد للتعويض.
الهدف الأميركي الإمبريالي من تخريب قطاع إنتاج الكهرباء، كان دفع الشعب الفنزويلي للخروج ضد الحكومة إلى الشوارع. إلا أن هذا "السيناريو" لم يحصل. بالعكس فإن وعي الشعب قد أحبطه. تخيل أن الناس بقوا نحو يومين دون كهرباء. طعامهم وأغذيتهم وأدويتهم المبردة تفسد. ولا مصاعد تعمل في المباني. الإتصالات مقطوعة. وسائل النقل بما فيها المترو في شلل. كل شيء توقف. حتى إن كل شخص بات يشعر بأهمية الكهرباء. المرضى في المستشفيات طالهم الأذى وبعضهم توفي بسبب توقف آلات المعالجة وغرف العمليات. كما قررت الحكومة إغلاق المدارس والجامعات طيلة فترة انقطاع الكهرباء.
ما قصة الهجوم السبراني على منشآت إنتاج الكهرباء؟
الشركة الرئيسية للكهرباء اسمها "غوري"، وموقعها على نهر كاروني في جنوب فنزويلا، حيث تتوفر أكبر مصادر المياه. شيدت منشآت الشركة قبل نصف قرن، وكانت تنتج 80 بالمئة من حاجة البلاد للكهرباء. كما تغذي مناطق شمال البرازيل أيضا. مع ازدياد الحاجات لاحقاً، أنشأت الشركة عدة محطات كهرومائية بطاقة أقل. توربينات توليد الكهرباء صنعتها الشركة السويسرية ABB، وممثلية هذه الشركة لكل القارة الأميركية تقيم في كندا. الذي حصل كان هجوماً سبرانياً على منظومة إدارة ومراقبة منشآت توليد الكهرباء في شركة "غوري". أسفر الهجوم عن تخريب المنظومة، بحيث صارت ترتفع سخونة التوربينات من دون أن تكون قد سخنت فعلاً، ما يؤدي إلى "تضليل" حواسيب الإدارة والمراقبة، فيخف ضغط الماء على شفرات التوربين إلى أن تتوقف، ويتوقف إنتاج الطاقة الكهربائية.
جربت الحكومة تفعيل منظومة الإحتياط، فكانت تتم مهاجمتها وتتعطل فوراً. هذه الإعتداءات السبرانية المتكررة على منشآت توليد الكهرباء، شلّت الإنتاج تقريباً، وحرمت كل فنزويلا من الكهرباء، حتى اضطرت المستشفيات إلى استخدام المولدات. ولا شك بأن ما جرى هو عدوان خارجي وليس داخلي. هناك تحقيق جارٍ الآن، بشأن مسؤولية الشركة السويسرية عما حصل. لأن الهجوم الإمبريالي ضد فنزويلا يحمل سمات عالمية، إذ تقوم به مجتمعة الولايات المتحدة وكندا ودول أوروبا وغيرها. لذلك، من غير المستبعد أن يكون هناك تآمر بين شركة ABB السويسرية التي مقرها كندا وهذه الدول.
كنا نجرب معالجة المشكلة وإعادة تشغيل التوربينات بسرعة. أثناء ذلك وقعت ثلاث هجمات سبرانية متتالية، فامتد الإنقطاع نحو 48 ساعة. تم تأمين الكهرباء لبعض المناطق في الدولة ثم تعطلت. يتم التحكم، الآن، يدوياً بمنظومة إدارة ومراقبة منشآت إنتاج الكهرباء، لأنه في كل مرة حاولوا ضبط الوضع عبر إنترنت كانت المنظومة تنهار.
… من أحرق شاحنات المساعدات الإنسانية؟
حاول الأميركيون إلقاء المسؤولية على الحكومة الفنزويلية. مثلاً، صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، جمعت تقارير وفيديو عن كيفية احراق شاحنتين كانتا محملتين بمواد غذائية أميركية، حاول الدمية غوايدو إدخالها عبر الحدود مع كولومبيا باعتبارها "مساعدات إنسانية" من إدارة ترامب، التي تقود الإعتداء على بلدنا. وقد صورت الصحيفة ما جرى بأنه ناتج عن اشتباك، لأن الرئيس مادورو أمر بإحراق تلك الشاحنات، وان الشرطة البوليفارية هي التي احرقتها. الحقيقة، أن ارهابيي غوايدو هم الذين أطلقوا القذائف الصاروخية والرصاص على الجيش والقوات العسكرية، وقد وقعت إحداها على الشاحنتين فاشتعلتا، والبقية عادت إلى كولومبيا.
محاولة إلقاء المسؤولية على الرئيس مادورو في انقطاع الكهرباء أو حرق الشاحنات أو حتى التسبب بالفقر والبؤس للمواطنين، هي جزء من الحرب الأميركية على بلدنا، لأن واشنطن تريد منح غوايدو فرصة الإستثمار السياسي في آلام مواطنينا المدنيين. لا شك في أننا نواجه نوعاً من الحرب الهجينة. فالولايات المتحدة بدأت تطبق هذه الإستراتيجية الحربية ضد فنزويلا لأنها فشلت في المعارك التي خاضتها ضدنا إبان الفترة الماضية. الرئيس تشافيز قال لنا مراراً، نحن في حالة حرب وأنها حرب هجينة يتخللها معارك سياسية، اقتصادية، اتصالية، عسكرية، دينية. نحن في فنزويلا اختبرنا هذه الحرب في معارك الغذاء والدواء والكهرباء، وقد خسرها الأميركيون أمامنا. بيد أن الحرب لم تنتهِ.
هل تغيَّر الإصطفاف السياسي الداخلي بعد تحرك غوايدو وإعلانه تأييد العدوان الأميركي على فنزويلا؟
في وطننا يوجد قوى وقفت، دائماً، في صف الثورة. لدينا تحالف سياسي عريض هو التحالف الوطني، الذي يضم كل الأحزاب التي تدعم الثورة البوليفارية، مثل الحزب الشيوعي وأحزاب أخرى. على الصعيد الإجتماعي حجم ودور المنظمات الإجتماعية الثورية كبيران. في السابق كانت هذه المنظمات تعمل بصمت، أما الآن، فإنها عملها ضد الإمبريالية معروف وملموس، كما نشأت منظمات جديدة انسانية، طلابية، اجتماعية ودينية، ترفض العدوان الأميركي على الوطن وتقف بمواجهته.
لقد حصلت فنزويلا على الدعم السياسي في الخارج أيضاً. على مستوى أميركا اللاتينية، أولاً، وفي أوروبا والعالم. منظمات اجتماعية وسياسية نظمت تظاهرات وتحركات كثيرة ضد سياسة ترامب وتأييداً للرئيس مادورو. زارت وفود هائلة سفاراتنا في كل العالم، بما ذلك سفارتنا هنا في لبنان. كما جرت تظاهرات أمام وزارات الخارجية في الدول التي دعمت غوايدو. نعم، ظهرت منظمات جديدة مناهضة للإمبريالية. ولديَّ قراءة لهذه الظاهرة. فالمجموعات الهائلة التي تحتشد ضد سياسة الرئيس ترامب، تبين أن الإمبريالية الأميركية تخسر في شتى العالم، وأن الشعوب تتحداها ولم تعد تهابها. فالناس تخرج للشوارع وتتظاهر علناً، حتى في الولايات المتحدة حدث ذلك.
ما حكاية مصفاة النفط الفنزويلية التي صادرتها حكومة الرئيس ترامب؟
لقد وضعت الولايات المتحدة يدها على شركة ستيكو Citgo التي تملك مصفاة لتكرير النفط قائمة على الأراضي الأميركية. كانت هذه الشركة تنتج 600 ألف برميل يومياً. كما تزود بالوقود نحو 6000 محطة توزيع في الولايات المتحدة نفسها. والاميركيون يفكرون بهذا السيناريو من زمان وقد نفذوه الآن. المشكلة لديهم أن هذه المصفاة متخصصة في تكرير النفط الفنزويلي، ولا يمكن أن تكرر أي أنواع أخرى من النفط. والإحتياطات المخزونة في هذه الشركة تنفذ في آخر شهر نيسان المقبل. حينما ستقع الولايات المتحدة بدءاً من ذلك التاريخ، في مأزق. لذا، يعتقد بولتون أن مهمته جلب النفط من فنزويلا وأن يحول العائدات إلى غوايدو.
للتذكير، فإن هذه المصفاة التي تعمل بالنفط الفنزويلي كما قلنا، أنتجت ووزعت بأمر من الرئيس تشافيز نفطاً مجانياً للمواطنين الأميركيين الفقراء الذين تضرروا من إعصار كاترينا. وللعلم، فإن الأميركيين من ضحايا ذلك الإعصار لا زالوا مشردين حتى الآن، رغم تغير أربعة عهود رئاسية : بوش الإبن، وباراك اوباما الأول والثاني، وترامب حالياً. نفس الشيء حدث في جزيرة بورتوريكو هناك 3000 عائلة بدون كهرباء، بينما الولايات المتحدة "تهتم" بحقوق الإنسان الفنزويلي. أقول هذا للإشارة للتظاهرات الداعمة لفنزويلا في أميركا. لقد شهدنا تظاهرات كثيرة ترفض التدخل الأميركي في فنزويلا، وهذه التظاهرات نظمها أفراد الطبقة الوسطى والفقيرة الأميركية، التي كانت تستفيد من المساعدات الفنزويلية.
أكثر من ذلك، أذكِّر بأن الرئيس تشافيز عندما كان يزور الولايات المتحدة كان يزور المناطق والأحياء الفقيرة فيها. كذلك يفعل الرئيس مادورو الأمر عينه. وهذا السلوك المتعاطف أثر على الأميركيين الذين يقطنون في تلك المناطق والأحياء. وهؤلاء ليسوا قلة، إذ يبلغ عدد الفقراء الأميركيين نحو 40 مليون شخص، وهم كتلة بائسة يفوق عددها، مجموع عدد أفراد الشعب الفنزويلي البالغ نحو 32 مليون شخص.
إشرحوا من فضلكم، العلاقة ما بين الفعالية الإجتماعية للنظام البوليفاري والديموقراطية؟
أشرت في أول الحديث معكم إلى أن الحقيقة تحررنا، وألا شيء يرضي الضمائر سوى الحقيقة. الإعلام الأميركي والغربي يزعم أن مواطني فنزويلا يموتون من الجوع أكثر من مواطني اليمن، هكذا كتب بعضهم على صفحته على مواقع التواصل الإجتماعي، بعدما زار فنزويلا، حسبما قال. لكن مواطناً من الأرجنتين زار فنزويلا، وتجول في كراكاس ومدن وأماكن أخرى ونشر صوراً عن الفنزويليين في حياتهم اليومية العادية. أناس يعملون ويتنقلون ويأكلون ويشربون. كان يريد معرفة الحقائق ونشرها على موقعه. لقد نفذت وزارة المشاريع السكنية بناء 2,6 مليون منزل. لكن قبل ذلك، كان البرنامج الإسكاني لدينا ينفذ ببطء. وأتذكر مقابلة مع الرئيس تشافيز سألوه كم بيت سنشيد هذه السنة، فسأل الوزير المسؤول فأجابه برقم متواضع، حمل تشافيز على توبيخه قائلاً له : إذا بقينا على هذه الوتيرة سأموت ولن تحل قضية السكن. الواقع، أن عدد المساكن المقترح بناؤها كان صغيراً بالنسبة لحاجات الشعب. لا سيما وأن إعصاراً كبيراً كان قد ضرب البلاد فمات مواطنون وتضررت أبنية كثيرة وخاصة على الساحل، ما شرد نحو 11 الف عائلة، أي أكثر من 50 الف شخص. لذلك قررت الحكومة عام 2010، واستناداً إلى دراسة إحصائية تنفيذ مخطط إسكاني، يشمل ترميم 3 ملايين منزل، وبناء 3 ملايين منزل.
وقد بوشر بتنفيذ هذا المخطط في عام 2011، أنجز منها 2,6 مليون منزل والمشروع باقٍ حتى 2020. طبعاً، من 2010 حتى اليوم تكونت عائلات جديدة، وارتفعت الحاجة الإسكانية عما هو مقرر. وهذا سيعالج. الحكومة تقوم بإسكان ابناء الطبقات الوسطى والفقيرة بسعر كلفة المباني المشيدة. الحكومة تعمر على أرض ملك الدولة، وتسلم المنزل للعائلات بشروط تسهيلية. عبء تسديد قسط المنزل لا يتحمله الوالد وحده. كل العائلة تشارك في تسديد أقساط ثمن المنزل شهرياً. كل الأسرة تساهم في شراء منزل عائلي. إذا توفي الوالد العائلة تسدد الأقساط من دون فوايد لمدى طويل. علماً بأن الحكومة لم تسترجع ولا مرة منزلاً عجز سكانه عن الإيفاء بعقد البيع. لا شروط لاسترجاع المنزل، مثلما يحدث في الولايات المتحدة واسبانيا حيث تُشَرَّد العائلات من منازلها إلى الطرقات. في فنزويلا إذا عجزت العائلة عن الإيفاء بالدين تقدم الحكومة تسهيلات إضافية لها، حتى تتمكن من السداد.
في هذا التعاضد الإجتماعي الانسان هو الأهم. وهذا نتيجة لتأثير الرئيس تشافيز. لذلك، رغم كل شيء فعلته المعارضة، فلا يزال هناك 7 ملايين مواطن فنزويلي من أصل 20 مليوناً يصوتون للحكومة. ترتفع نسبة التصويت في الإنتخابات الرئاسة إلى 80 بالمئة. لكنها تنخفض في انتخابات البرلمان والمحافظات. آخر انتخابات في فنزويلا شارك فيها 23 حزباً. وهذه الأحزاب تنقسم بين فريق وطني، وفريق ثان مع المعارضة. بين هذين القطبين، هناك كتلة مواطنين لا تشارك في الإنتخابات. وهناك قسم يشارك بدون أن يكون نشطاً سياسياً. في هكذا سيناريو تحصل الحكومة على 40 بالمئة من الأصوات وهذا رقم ليس هيناً. لقد ربحت الثورة البوليفارية 23 جولة انتخابات من أصل 25 جولة أجريت في فنزويلا منذ 1998 حتى الآن. أحياناً كنا ننظم أكثر من دورة انتخابية في العام الواحد. نحن نفخر بأن فنزويلا يمكن أن تكون أفضل ديمقراطية على وجه الأرض.
ماذا حل بالمنظمات الإقليمية التي ساهم الرئيس تشافيز بإنشائها بين دول أميركا اللاتينية؟
إذا كانت بعض حكومات أميركا اللاتينية تقف، اليوم، ضد فنزويلا، فإن كل شعوب أميركا اللاتينية تقف بجانبها. في ولاية الرئيس تشافيز، أصبحت الحكومات التقدمية أغلبية في أميركا اللاتينية، وكانت تشمل أكوادور، تشيلي، بيرو، الأرجنتين، البرازيل، غوايانا، إضافة إلى فنزويلا ونيكاراغوا وكوبا. 9 دول من أصل 12 دولة في أميركا اللاتينية كانت تحت حكم اليسار، وكانوا في خط تشافيز، الذي نادى بوحدة دول أميركا اللاتينية. وهذا الخط كان مشابهاً لخط الرئيس جمال عبد الناصر الذي نادى بوحدة الدول العربية. لقد شنت الولايات المتحدة هجوماً مضاداً. نظمت انقلاباً حكومياً في باراغوي، هندوراس وبرازيل. كما حاولوا أن يفعلوا ذلك في الأكوادور وبوليفيا. ومع خسارة اليسار الحكم في الأرجنتين، تراجعت موجة الحكومات التقدمية، وحلت مكانها حكومات يمينة نيوليبرالية تابعة للولايات المتحدة الأميركية. هذا حكومياً. أما شعبياً فالأمر مختلف. الكتلة الشعبية المؤيدة للحكومات التقدمية، تذوق الآن، الطعم المر للسياسات النيوليبرالية. ولأنهم يرون ما يحدث في فنزويلا فإنهم يتظاهرون دعماً لفنزويلا ورفضاً للعدوان الأميركي عليها.
حلم تشافيز بالوحدة الأميركية اللاتينية، تجلى في ثلاث منظمات قارية، كان ممنوعاً على أميركا الشمالية (الولايات المتحدة وكندا) المشاركة فيها. هذه المنظمات، هي :
أولاً، "اتحاد أمم أميركا الجنوبية"/ Union of South American Nations (UNASUR)، يضم : الأرجنتين، بوليفيا، برازيل، تشيلي، أكوادور، كولومبيا، غوايانا، سورينام، أوروغواي، فنزويلا البوليفارية وبيرو.
ثانياً، "جماعة دول أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي" / Community of Latin Americain and Caribbiean States (CELAC)، ويضم : الأرجنتين، بوليفيا، تشيلي، كولومبيا، كوستاريكا، كوبا، دومينيكان، أكوادور، السلفادور، غواتيمالا، هندوراس، مكسيكو، نيكاراغوا، بناما، باراغواي، بيرو، أوروغواي، فنزويلا البوليفارية، برازيل، هايتي، أنتيغوا وبربودا، باهاماس، باربادوس، بليز، دومينيكا، غرينادا، غوايانا، جامايكا، سانتا لوسيا، سان كيتس ونيفيس، سان فانسان والغرينادين، ترينيداد وتوباغو، سورينام.
ثالثاً، "التحالف البوليفاري لشعوب قارتنا الأميركية" (أميركتنا) / Bolivarian Alliance for the Peoples of Our America (ALBA)، الذي يضم : أنتيغوا وبربودا، بوليفيا، كوبا، دومينيكا، غرينادا، نيكاراغوا، سان كيتس ونيفيس، سانتا لوسيا، سان فانسان والغرينادين، فنزويلا البوليفارية. كما يضم أعضاء مراقبين : هايتي، إيران، سوريا. وهناك أعضاء سابقين، وهم : هندوراس، أكوادور.
لقد اضطرب وضع هذه المنظمات، خاصة "اتحاد أمم أميركا الجنوبية"/ Union of South American Nations (UNASUR)، الذي تريد دوله إلغاءه بتعليمات من الولايات المتحدة. وقد دخلت هذه الدول في مجموعة ليما مع الولايات المتحدة وكندا في كانون الأول الماضي (2018). طبعاً، هذه المجموعة ليست منظمة إقليمية تجتمع وتتخذ قرارات. مثلاً، بعض دول مجموعة ليما دخل عن قناعة بها مثل برازيل. لكن المكسيك في وضع لافت للنظر. لأن الرئيس الجديد الذي انتصر على الحزبين التقليديين هو من قوى اليسار. وقد صح بأن حكومته لن تتدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة لأن ذلك مخالف للدستور المكسيكي. كما أعاد الرئيس الجديد توجيه السياسة الخارجية للمكسيك، فيما كان الرئيس السابق قد ضمها إلى مجموعة ليما.
المكسيك ثالث بلد من حيث الأهمية في أميركا اللاتينية. الأول هو برازيل (150 مليون نسمة). الثاني فنزويلا لغناها بالموارد. والثالث المكسيك، وهو البلد الأكبر بعدد السكان (143 مليون نسمة). الرئيس ترامب ومستشاره بولتون طلبا من الرئيس المكسيكي الجديد إعادة النظر بموقفه، لكنه اعتذر. وهذا ما جعل الأميركيين يباشرون بالضغط على اقتصاد المكسيك. بدأوا بتصنيفه في خانة سلبية. ثم فرضوا عقوبات كبيرة على مستثمرين مكسيكيين في أميركا للضغط على حكومة المكسيك.
كيف جرى العدوان الإقتصادي ـ المالي على بلدكم. وكيف تواجهونه؟
السيطرة على الارصدة والذهب هو جزء من الحرب الهجينة علينا من أجل خنقنا اقتصادياً. يريد الأميركيون إخضاع الحكومة الفنزويلية. لقد صنفوا فنزويلا بدرجة ـ 3 في الاستقرار الاقتصادي. وهذا التصنيف مهم للإقتراض. ارتفاع مؤشر الخطورة يعني أن ندفع فوائد أعلى. والمشتريات أغلى ثمناً. الحصار الأميركي ـ الأوروبي كلفنا من 3 سنين إلى الآن، نحو 7 مليارات دولار. لأن. هذه الحرب الاقتصادية تشمل تجميد الأموال في الخارج. الحكومة الفنزويلية لا يمكنها شراء أدوية، ممنوع. لأن حساباتها مجمدة. أو أن المصرف الوسيط يمنع تحويل الأموال. كثير من السفن لم تبحر بالإمدادات إلى فنزويلا لأن الحكومة ليس لديها السيولة النقدية لتسديد أكلاف شحنات أغذية. بل هناك سفن وصلت إلى سواحلنا، ولم تسلم حمولات البضائع لنفس السبب. عائدات النفط مجمدة، وقد منعوا ايصالها لفنزويلا. لذلكن يتم الآن، نقل مقر الوكالة الوطنية للنفط من برشلونة إلى موسكو. لأن أوروبا جمدت حسابات كراكاس المالية. بريطانيا رفضت تسليم الحكومة الفنزويلية الذهب السيادي المودع في مصرف إنكلترا في لندن. وهذا بسبب علاقتهم بالولايات المتحدة الأميركية. يقول المسؤولون البريطانيون، إنهم يريدوا أن يعرفوا كيف سيتصرف الرئيس مادورو بهذه الأموال، وكأنها ملكهم وليس ملك الشعب الفنزويلي. إذا شاء الرئيس مادورو أن يدفن هذا الذهب في أعمق حفرة في المحيط الأطلسي، فهذه ستكون مشكلة فنزويلا.
قبل هذا العدوان الإقتصادي المالي على بلدنا، كنا قد رأينا مثل هذا الأمر في كل النظام الإقتصادي العالمي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة من خلال صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاحتياطي الفدرالي الأميركي وعبر Society for Worldwide Interbank Financial Telecommunication (SWIFT)/ جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (سويفت). ما الحل لفنزويلا؟. لقد رأيناه في الصين وروسيا اللتان وضعتا نظاماً مالياً بينياً موازياً لنظام "سويفت" الأميركي، وذلك لإزاحة النظام المالي الأميركي المهيمن. كذلك العلاقات التجارية بين الصين وروسيا مع الهند وباكستان.
هل تتفضلون بتوجيه كلمة للقارئ العربي؟.
أشكر الشعوب العربية التي أظهرت تضامناً كبيراً مع فنزويلا. أتتنا وفود ووصلتنا رسائل دعم من جميع الأقطار العربية. من منظمات سياسية، نسائية، اجتماعية دينية. كما أشيد بالعزم الذي أظهرته الشعوب العربية في الكفاح ضد الإمبريالية. الشعب العربي قدم مثال لفنزويلا. المقاومة الفلسطينية التي تقاتل ضد الإمبريالية والصهيونية منذ 70 عاماً وأكثر. الشعب السوري قدم مثالاً لشعبنا. الرئيس بشار الأسد مع شعبه وجيشه وبدعم حلفاء من كبار مثل روسيا وإيران، هزموا الإمبريالية. هزموا الاميركيين على الأرض السورية. نحن بدورنا سنهزم الإمبريالية في بلدنا. لن يقدروا على هزيمة الثورة البوليفارية والشعب الفنزويلي. أريد أن أعبر عن دعمنا لكل الشعوب العربية التي تناضل ضد الهيمنة الأميركية، خصوصاً الشعب اليمني الذي يعاني من حرب السعودية ضد بلده. نحن مقتنعون بأننا، بمعونة الله، قادرون أن نهزم الإمبريالية. قلت في اللقاء الأخير الذي جمعني ببعض الأصدقاء في مدينة صور، وأكرر قولي بأن فنزويلا ستكون "مقبرة الغزاة" الأميركيين. فنزويلا باتت مثلاً للمعركة الأممية ضد الامبريالية الأميركية في أميركا اللاتينية.
أدار الحوار وحرره
علي نصّار وحسام شقير
بيروت، جل الديب، يوم الإثنين 11 آذار/ مارس 2019
أول تحديث 1311
ثاني تحديث، 31 آذار / مارس 2019، الساعة 0447