مراسل عربي يكتب من نيويورك عن المواجهة الروسية ـ الأطلسية في جورجيا وأبخازيا

لو كور غراندميزون : فرنسا تأخرت كثيراً بالإعتراف بجرائمها في الجزائر
خيسوس غريغور غونساليس : فنزويلا البوليفارية ستكون مقبرة الغزاة الأميركيين
طوفان الأقصى : تراجع معدّلات الشعور بالانتماء إلى الدولة في “إسرائيل” (استطلاع رأي)

عندما أراد مندوب جورجيا لدى الأمم المتحدة، أراكلي ألاسانيا، وصف التحدي الذي تواجهه حكومته من إقليم أبخازيا قال للمراسلين: «هناك أسلحة في أبخازيا تتجاوز ما لدى سوريا من ترسانة عسكرية». أسلوب واضح في التقرب من دبلوماسيين ومراسلين غالباً ما يبصرون العالم بالمنظار الإسرائيلي. وجورجيا في حاجة ماسة إلى كل دعم دولي، وهي تشعر بأن ساعة المواجهة مع روسيا تدنو بسرعة.

أبخازيا تقع عند سلسلة جبال القوقاز الشمالية الغربية. وتحدها روسيا شمالاً وشرقاً، والبحر الأسود غرباً، وجورجيا جنوباً، وهي حليف قوي لموسكو. وربما شكلت الخط الأحمر الروسي الأخير في وجه زحف حلف شمال الأطلسي شرقاً للسيطرة على درب الحرير النفطية. إنها منطقة تزداد أهمية في المعادلة الاستراتيجية الدولية خلال حقبة ما بعد الحرب الباردة.

ليست وحدها أبخازيا التي تعارض سياسة الحزب الحاكم في جورجيا بزعامة ميخائيل ساكاشفيلي الطامح إلى عضوية حلف شمال الأطلسي. بل هناك معارضة جورجية قوية في الداخل تجلّت الأسبوع الماضي عندما أقفلت الشوارع في تظاهرات شعبية عارمة احتجاجاً على نتائج الانتخابات التي جرت في 21 أيار الماضي. الحزب الحاكم المدعوم أميركيّاً فاز بنسبة 60 في المئة من الأصوت في انتخابات وصفها مراقبون دوليون بأنها «لم تراع الأصول الديموقراطية». وباتت لدى الحكومة غالبية نيابية تضمن عقد الجلسات واتخاذ القرارات حسب ما تشاء.

لكن الوضع ليس بهذه البساطة، فموسكو تبدو مصممة على منع سقوط جورجيا الكامل في كنف الحلف الأطلسي. وفي 20 نيسان الماضي أسقطت طائرة روسية من طراز «ميغ 29» طائرة استكشاف جورجية من دون طيار كانت تحلِّق في سماء أبخازيا. رفعت جورجيا حينها القضية إلى الأمم المتحدة وطالبت روسيا بالتعويض عن ثمن الطائرة الصغيرة المزودة بأجهزة تصوير عالية الدقة.

القوات الانفصالية في أبخازيا نفت أن تكون روسيا هي التي أسقطت الطائرة، وقالت إنها أسقطت حتى الآن سبع طائرات من هذا النوع، لأن جورجيا تتجسس على الإقليم وتخطط لغزوه من ناحية ممر وادي كودوري الجبلي القريب من الحدود الجورجية الروسية. لكن مندوب جورجيا لدى الأمم المتحدة رد نافياً، وقال ـــــ وإن بطريقة غير مباشرة ـــــ إن بلاده لا تملك القدرة على غزو أبخازيا المدججة بالسلاح والمدعومة بقوة من روسيا.

ممر كودوري سيكون نقطة التماس الحقيقية للحرب المقبلة بين أبخازيا نيابةً عن روسيا، وجورجيا نيابةً عن الحلف الأطلسي. فلقد طالب برلمان أبخازيا في 4 آذار الماضي تعليق المفاوضات مع جورجيا «حتى تنسحب من وادي كودوري الأعلى». وناشد القوات الأبخازية تحرير الوادي وممره عبر القوقاز.

وفي 6 آذار أعلن الاتحاد الروسي أنه في حلّ من أي التزامات سابقة مع الدول الأعضاء في رابطة الدول المستقلة بشأن التسوية بين جورجيا وأبخازيا. وناشد الدول أن تحذو حذوه. خطوة فسرت بفتح روسيا الباب على مصراعيه أمام التعاون العسكري المطلق مع القوات الأبخازيّة. وفي 21 آذار الماضي، دعا مجلس الدوما إلى تعزيز العلاقات مع الجالية الروسية في أبخازيا وتقديم الدعم لها «وخاصة في ضوء سعي جورجيا للانضمام إلى منظمة حلف شمال الأطلسي، وفي ضوء إعلان كوسوفو الاستقلال من جانب واحد».

أما مندوب روسيا في الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، فكان صارماً مهدّداً عندما قال بعد جلسة مغلقة في مقر الأمم المتحدة الجمعة الفائت، وضمته ومندوب جورجيا إلى جانب أعضاء مجلس الأمن، «إن إرسال طائرة استطلاع من دون طيار إلى سماء منطقة الصراع هو خرق لاتفاقية موسكو لعام 1994 واستفزاز من جورجيا».
وبموجب اتفاقية موسكو، تحتفظ روسيا بقوات في أبخازيا كجزء من قوة السلام الدولية التي تعرف «ببعثة مراقبي الأمم المتحدة في جورجيا» (يونميج). على أن ألاسانا رد بالقول إن طائرة استطلاع تحمل آلة تصوير «لا تختلف عن مصور صحافي».

تشوركين سخر من هذا الرد، وقال إن طائرة الاستكشاف يمكن أن تستخدم في توجيه الرماية وتحديد الأهداف العسكرية وتهديد سلامة قوات «يونميج» الدولية. كما نفى أن تكون الطائرات الروسية هي التي نفذت عملية الإسقاط. وتحدى الأمم المتحدة والولايات المتحدة والدول المتحالفة مع جورجيا في أن تقدم دليلاً على ما تقول.

الجورجيون باتوا يشعرون بأن الروس يخططون فعلياً للزحف نحوهم بمساندة من المعارضة الجورجية في الداخل والانفصاليين الأبخاز والأوسيتيين. وهم لا يتلقون من الغرب سوى دعم
سياسي خجول. وإذا ما بدأت المعركة الحقيقية، فإن التأييد الغربي سيقتصر على عبارات التنديد، ولن يرقى حتى إلى مستوى إصدار قرارات أو بيانات منددة من مجلس الأمن الدولي بسبب موقف روسيا صاحبة حق النقض والمدعومة من مجموعة من الدول الأعضاء. ومن المستبعد أن تخاطر أي دولة غربية باحتكاك عسكري مباشر مع روسيا عند حدودها الجنوبية الغربية. لذلك أبدى مندوب جورجيا في اجتماع نيويورك مرونة تعكس حقيقة توازن القوى. وقال بعد الاجتماع الذي عقد في مجلس الأمن بناءً على طلب بلاده: «طلبنا من الروس سحب الحشود العسكرية والتراجع عن إقامة علاقات شرعية مع سلطات الأمر الواقع في أبخازيا التي تمارس تطهيراً عرقياً، وقبلنا بوقف طلعات طائرات الاستطلاع في أجواء أبخازيا». وعرض الحوار مع المعارضة في أبخازيا على قاعدة الشراكة وتعيين نائب للرئيس من الإقليم ومنحه حكماً ذاتياً بعد إعادة المهجرين الجورجيين إلى ديارهم.

وبعد رضوخ جورجيا للإرادة الروسية، ولو جزئياً، لم يعد يسع الولايات المتحدة إلا أن تقبل التسويات، وإن أبقت نبرتها عالية، حيث قال نائب المندوب الأميركي، أليخاندرو وولف، مضخماً إسقاط طائرة الاستكشاف: «هذا تطور بالغ الخطورة واستفزازي إلى أبعد الحدود. وهو يمثّل بوضوح خرقاً لسيادة جورجيا وتهديداً لوحدة أراضيها».

أما المندوب الروسي، فقد أبدى استياءً من عدم موافقة أعضاء المجلس على حضور ممثلين عن إقليمي أبخازيا وجنوب أوسيتيا الانفصاليين. وتمنى أن يحدث ذلك في جولة المفاوضات المقبلة. وذكّر أعضاء مجلس الأمن بأنهم منحوا الانفصاليين الألبان في كوسوفو منبراً دوليّاً ولم تقف روسيا عقبة في هذا الأمر. وطالبهم بالكيل بمكيال واحد. الجورجيون بدورهم يقولون إنه إذا سمح الروس لإقليم أبخازيا بالاستقلال، فعليهم أيضاً أن يسمحوا لإقليم الشيشان بالشيء نفسه.

فصول النزاع بالكاد بدأت، وعندما تنطلق المدافع غرب القوقاز سيصعب على أي طرف الاقتراب، حتى لو كان بقوة حلف شمال الأطلسي، فالدب الروسي رسم على الأرض خطاً أحمر متحديّاً من يفكر بتجاوزه.

واشنطن مستاءة من تعزيزات روسيا في أبخازيا
أعلنت الولايات المتحدة، أوّل من أمس، «استياءها»، بعد قرار السلطات الروسية إرسال تعزيزات عسكرية إلى منطقة أبخازيا الانفصالية في جورجيا. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركيّة شون ماكورماك، في بيان له، إن واشنطن «مستاءة» من إعلان وزارة الدفاع الروسية إرسال مزيد من القوات العسكرية، بما في ذلك وحدات لبناء سكك حديد للقطارات في المنطقة «من دون موافقة الحكومة الجورجية». وكانت وزارة الدفاع الروسية قد أعلنت أنها سترسل وحدة عسكرية لإصلاح بنى تحتية مرتبطة بسكك الحديد في أبخازيا، موضحة أن هذه الوحدة لن تكون مسلحة. وقال رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين إنه «يوافق على خطة تحصل بمقتضاها منطقة أبخازيا الانفصالية في جورجيا على حكم ذاتي لا على الاستقلال التام». وفيما وصفت روسيا عملية نشر القوات بأنها «مساعدة إنسانية»، اتهمت وزارة الخارجية الجورجية روسيا بمحاولة غزو منطقة أبخازيا الساعية للانفصال عنها.(أ ف ب)

Please follow and like us:

COMMENTS