تضغط الولايات المتحدة على لبنان في لحظة داخلية / خارجية دقيقة. مخاض الموازنة لم يقترب من نهايته، والموظفون العسكريون والتربويون والقضاء، وهم الكتلة الإجتماعية الأكبر في الدولة، لا زالوا في "الشارع". الجولات المكوكية التي بدأها الديبلوماسي الأميركي ساترفيلد، في هذه "اللحظة"، هي نيران جانبية على الرئاسة الأولى والبرلمان والحكومة. معطيات وكالات التصنيف المالي الإمبريالية التي توقعت أمس، أن يصبح لبنان دولة مفلسة في عام 2022، هي نيران جانبية على الدولة والمجتمع أيضاً. الضغط الأميركي للإسراع بالتفاوض، هو مطلب "إسرائيلي" ملح. فجدول الأعمال الظاهر في جولات ساترفيلد المكوكية، هو ترسيم (بعض) الحدود البرية والبحرية، برعاية الأمم المتحدة ومتابعة الولايات المتحدة. أما جدول الأعمال الخفي الذي ينفذه ساترفيلد، فهو تفكيك الإستراتيجية الدفاعية الوطنية التي تتمثل بمعادلة الجيش والشعب والمقاومة متحدون ضد "إسرائيل". الإستراتيجية الدفاعية الناجحة التي ابتدعها لبنان هي الآن، وفي كل آن، تحت مرمى النيران المركزة الأميركية ـ "الإسرائيلية". هذا هو هو الهدف الأميركي ـ "الإسرائيلي" من إشعال "نيران" التفاوض، وشن "حرب المفاوضات". هذا هو السبب الذي يدفع المفاوض اللبناني إلى "إسكات" هذه النيران وإخمادها.
البناء
موسكو: لا «رقة» ثانية في إدلب… ومؤتمر البحرين يخالف القانون الدولي تجاه القضية الفلسطينية
ساترفيلد يثير تساؤلات بتمرير دعوات للتهدئة حول مقايضة النفط بالتوطين
«ستاندرد أند بورز» تشنّ حرباً استباقيّة على موازنة 2022 بالتبشير بالانهيار
في الحروب المتعددة التي تقودها وتخوضها واشنطن في المنطقة تبدو موسكو على أعلى درجات الحذر والتنبه، فهي تتابع بعناية ما يصدر بين واشنطن وطهران من مواقف، وتهتم بما حدث بينها وبين واشنطن في محادثات سوتشي التي جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف بوزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، والإشارات المتصلة بملفات النزاع في كوريا الشمالية وفنزويلا ومعاهدات الصواريخ والحرب السيبرانية، والحديث عن قمة أميركية روسية على هامش قمة العشرين الشهر المقبل في اليابان، بالتوازي مع حركة أميركية للضغط العسكري في الخليج والتهديد في سورية، والإسراع بخطوات تسويق صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية.
ردّت موسكو على الكثير من التكهنات غير البريئة التي تحدّثت عن توافق أميركي روسي حول صفقة القرن وحول محدودية العمل العسكري المتفق عليه في إدلب، بصورة أعادت تصويب المشهد الدولي، خصوصاً أن بعض المقربين من الكرملين تحدثوا عن عدم وجود قرار لدى الرئيس بوتين بعد بصدد مقترح عقد قمة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في اليابان، ومواقف موسكو جاءت تباعاً في ردود المندوب الروسي في مجلس الأمن الدولي على تحذيرات أميركية من «حلب أخرى في إدلب» بالقول إن «الأكيد هو أنه لن تكون هناك رقة أخرى في إدلب»، والإشارة للرقة تذكير بحرب الدمار الشامل والإبادة التي خاضتها القوات الأميركية تحت عنوان الحرب مع داعش. وبالتوازي صدر من موسكو أول تعليق على مؤتمر البحرين الذي دعت إليه واشنطن في سياق التمهيد لإطلاق مشروع صفقة القرن، فاعتبرت المؤتمر خروجاً عن السياق المتفق مع القانون الدولي في مقاربة القضية الفلسطينية ومحاولة لخلق مسار بديل وصفته الخارجية الروسية بالسعي الدؤوب إلى تبديل مهمة تحقيق حل سياسي شامل بحزمة من المكافآت الاقتصادية، وتمييع مبدأ إقامة دولتين للشعبين. وهو ما اعتبرته مصادر فلسطينية تبلغت دعم موسكو لموقف منظمة التحرير الفلسطينية بمقاطعة المؤتمر، تمهيداً لمقاطعة روسية ستكون لها أبعاد كثيرة على صدقية وقدرة المشروع الأميركي على نيل فرص النجاح.
بالتوازي مع الانتباه الروسي لما يدبر في المنطقة والعالم يبدو لبنان على موعد مع محاولات تلاعب أميركية إسرائيلية، تحتاج للمزيد من الانتباه. ففي ظل الإعلان عن حصيلة إيجابية لجولة معاون وزير الخارجية الأميركية ديفيد ساترفيلد تمثلت بقبول اميركي إسرائيلي للعرض اللبناني حول التلازم بين مسارات الترسيم براً وبحراً وقبول التفاوض غير المباشر برعاية أممية، نبهت مصادر متابعة مما تسرب من تمرير ساترفيلد لشرط التهدئة في قلب الحديث عن شروط النجاح لمهمته، وهو ما قراته المصادر دعوة الدولة اللبنانية للالتزام بعدم طرح مواقف تصعيدية ربما تكون ضرورية للبنان في ظل تقدم مشروع صفقة القرن وما يتصل بتصفية حق العودة للاجئين الفلسطينيين، حيث يشكل لبنان العقبة الرئيسية لهذا المشروع بالتوافق اللبناني على رفض التوطين الذي أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عزم المقاومة على جعله عنوان تحركها المقبل، فهل يعرض ساترفيلد ضمناً تحت عنوان التهدئة مقايضة النفط بالتوطين؟
مشروع التوطين الذي يشكل ركيزة صفقة القرن، التي ستطل من البحرين في الشهر المقبل، مع جولة تمهيدية في المنطقة سيبدأها جارد كوشنر صهر الرئيس الأميركي ومستشاره خلال الأيام المقبلة لا تبدو بعيدة عن المقاربات المالية التي تتعامل من خلالها بعض الوكالات الدولية المالية مع لبنان، بعدما شكل الموقف الصادر عن وكالة ستاندرد أند بورز التي تواصل تخفيض التصنيف الائتماني للبنان وتعميم صورة سوداوية عنه، سبباً للاستغراب في التعليق على موازنة 2019 ونسبة العجز فيها، بإعلان حرب استباقية على موازنة 2022 والتبشير بالانهيار، بينما اعترفت الوكالة بتخفيض نسبي للعجز في موازنة 2019 وهي لا تعلم شيئاً عن موازنات 2020 و2021 و2022، ولا يمكن قراءة موقفها إلا في سياق عدائي غير مبرر بالمعايير التقنية المالية، وما يستدعي وفق مصادر مالية الحاجة لتحرك لبناني عاجل يواجه محاولات الافتراء والتشويه التي يتعرض لها في الأسواق المالية بنية ممارسة ضغوط لا تتصل بالاعتبارات المالية الصرفة.
يتحرّك ملف ترسيم الحدود الجنوبية بسرعة وبقوّة مع حراك مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد الذي يتنقّل بين لبنان والأراضي المحتلة. وبينما أشارت أوساط سياسية مطلعة إلى عوائق جوهرية وأساسية لا تزال تحكم مسار ملف الترسيم وأن لا تفاهمات واتفاقات حول الموضوع حتى الساعة، واعتبرت الأوساط لـ»البناء» أن مسألة التلازم بين ترسيم الحدود البحرية والبرية، لم تُحسَم بعد لدى الإسرائيليين، وساترفيلد سيعود الى كيان العدو لاستكمال البحث على أن يعود الى لبنان مجدداً لاستكمال المشاورات والاتصالات.
وأمس واصل ساترفيلد جولته على المسؤولين في لبنان، فعاد الى بيروت من تل أبيب وجال على كبار المسؤولين، فزار ساترفيلد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في قصر بعبدا والتقى رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة أكثر من ساعة ليغادر من دون الإدلاء بأي تصريح. وعرض مع رئيس الحكومة سعد الحريري آخر التطورات المحلية والإقليمية والأوضاع العامة. وفي خلال اللقاء ابلغ ساترفيلد الحريري أنه مستمرّ بمهمته للتوصل الى اتفاق لإطلاق محادثات ترسيم الحدود البحرية.
وكان ساترفيلد بحث في قصر بسترس، مع وزير الخارجيّة والمغتربين جبران باسيل. في المفاوضات حول ملف الترسيم. وفي وقت غادر المسؤول الأميركي «الخارجية» من دون الإدلاء بأي تصريح، أفادت أوساط الخارجية أن ساترفيلد نقل للبنان الجواب الإسرائيلي وفقاً للطرح اللبناني الدي تقدّم به رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في موضوع المفاوضات في شأن ترسيم الحدود البحرية والبرية. والجو كان إيجابياً ولبنان تبلغ الموقف الاسرائيلي وفقاً لطرحه حول هذا الموضوع.
وفيما تشير مصادر مطلعة لـ»البناء» الى ان ساترفيلد أراد من جولته نقل الردّ الإسرائيلي الموافق على الطرح اللبناني لعدم الفصل بين ترسيم الحدود البرية والبحرية، فإن اللافت بحسب المصادر نفسها لـ»البناء» تراجع الأجواء الإيجابية في عين التينة، مع تريث الرئيس بري المصرّ على عدم ربط هذا الملف بأي ملف آخر يتصل بحزب الله وسلاحه، لافتة الى أن التقدم الذي سجل يتطلب حالياً الغوص في التفاصيل الصغيرة بدقة لعدم السماح ان يتم الخروج عن الطرح اللبناني الدقيق والواضح، ولذلك فإن لا شيء نهائيًّا بعد، لافتة الى ان الرئيس بري يعتبر ان التقدم ما زال يحتاج إلى خطوات أخرى في إطار المساعي الجارية. في مقابل بعض المعلومات التي ترى أن العمل بدأ على وضع اللمسات لعملية التفاوض بين لبنان وكيان العدو عبر الأمم المتحدة وبمتابعة أميركية.
وفي سياق متصل تتواصل الزيارات الأميركية الى قائد الجيش الذي عاد منذ نحو أسبوع من واشنطن، فإلى استقباله ساترفيلد حيث جرى البحث في الأوضاع العامة، التقى قائد الجيش أيضاً قائد القوات الجوية في القيادة الوسطى الأميركية اللواء Joseph Guastella، وبحث الجانبان سبل التعاون على صعيد تدريب القوات الجوية وتجهيزها.
ويتوقع أن يطلّ الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان، ليتناول ملفات ترسيم الحدود الجنوبية، النازحين السوريين، مواجهة مخطط التوطين فضلاً عن ملفات أخرى محلية وإقليمية. تتصل بما يسمّى صفقة القرن.
إلى ذلك وقع الرئيس العماد ميشال عون مرسوم فتح دورة استثنائية لمجلس النواب تبدأ من اول حزيران وتستمر حتى 21 تشرين الاول المقبل بانتظار ان يتم تحديد موعد لانعقاد اول اجتماع للجنة المال والموازنة للبدء بنقاش مشروع الموازنة. وكان وقّع الرئيس عون مرسوماً بإحالة مشروع قانون الموازنة العامة والموازنات الملحقة للعام 2019 الى مجلس النواب، كما وقع مرسوماً بإحالة مشروع قانون الى مجلس النواب يُجيز جباية الواردات وصرف النفقات على اساس القاعدة الاثنتي عشرية حتى 30 حزيران المقبل.
واعتبرت سفارة فرنسا في لبنان أن موافقة مجلس الوزراء على الموازنة للعام 2019، يشكل مؤشراً إيجابياً لتنفيذ لبنان للالتزامات التي اتخذها خلال مؤتمر سيدر.
وأشارت الى أن الموازنة لن تصبح نهائية قبل أن يعتمدها مجلس النواب، آملة أن يتم هذا الاعتماد في أسرع وقت ممكن، مشيرة الى ان التنفيذ الفاعل لمؤتمر سيدر يتطلب وضع آلية مراقبة صلبة وشفافة، لافتة الى ان «فرنسا ستبقى إلى جانب لبنان تشارك بشكل كامل في تنفيذ مقررات مؤتمر سيدر، التي من شأنها أن تمكنه من تنفيذ الإصلاحات اللازمة لمواجهة تحديات الغد، وخصوصاً في ما يتعلق بالحوكمة.»
وفي السياق، رجّحت مصادر معنية لـ»البناء» أن يقوم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في زيارة لـ»البناء» بعد إقرار الموازنة في البرلمان، وليس قبل ذلك، مشددة على ان فرنسا مهتمة بمتابعة الاهتمام اللبناني بالإصلاحات المطلوبة منه لمواكبة مؤتمر سيدر، مع اشارة المصادر الى ان مواكبة مقررات سيدر تفرض تشكيل لجنة متابعة فرنسية لبنانية لمراقبة كل التفاصيل وحسن تنفيذ المشاريع ومعرفة ماهيتها وكيفية صرف الأموال.
من ناحية أخرى برز تصنيف وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال» للبنان، حيث اشار الى أن خطة ميزانية لبنان لخفض عجزه المالي إلى 7.6 بالمئة من أكثر من 11 بالمئة العام الماضي قد لا تكون كافية في حد ذاتها لتحسين ثقة المودعين والمستثمرين غير المقيمين، والتي تراجعت في الأشهر الأخيرة. وكانت «ستاندرد آند بورز» وضعت لبنان عند تصنيف B- مع نظرة مستقبلية سلبية في أول آذار.
وفي السياق نفسه، رأت مصادر نيابية لـ»البناء» أن هذه الموازنة التي ستشهد نقاشات مطوّلة داخل جلسة مجلس النواب لا تتضمن الإصلاحات المطلوبة، فهي تفتقد الى الإجراءات المتصلة بخطة ماكينزي المفترض أن تضع حداً للعجز في المدفوعات، معتبرة أن هذه الموازنة لم تأت أيضاً على الشراكة بين القطاعين العام والخاص، علماً أن القطاع العام أثبت فشله في إدارة قطاعات الكهرباء والاتصالات والمرفأ، مشدّدة على أن هذه الأمور سوف يتم الغوص فيها في الهيئة العامة لا سيما أن هذه الموازنة التي لم تمسّ بالرواتب ذهبت بعيداً في فرض ضرائب ستطال كل القطاعات العامة من دون أن يأخذ الوزراء بعين الاعتبار ذوي الدخل المحدود والطبقة المتوسطة.
ورأى وزير الخارجية جبران باسيل أن الخفض في العجز جيّد، لكن أقلّ بكثير مما كان يمكن تحقيقه معتبرا أن الأهم هو الالتزام به. وقال بعد اجتماع تكتل لبنان القوي: «نتحفظ بشكل كبير حول ما جرى بالنسبة لموضوع زيادة مداخيل الاتصالات وقدّمنا إجراءات واعتقدنا أننا حققنا إنجازاً، لكنها عادت وشطبت». وأوضح أن موضوع قانون استعادة الأموال المنهوبة لم يمر مؤكداً أن التكتل سيقدمه في اجتماعه اما قبل العيد او بعده مباشرة. وأشار الى أن التحدي هو الحفاظ على ما تمّ تحقيقه، لافتاً الى أنه «إذا أراد كل فريق في الحكومة أن يخرج في مجلس النواب عما اتُفق عليه فلن يبقى شيء من الموازنة».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأخبار
الموازنة غير كافية لاستعادة الثقة!
تشكيك دولي في الاجراءات الحكومية والتوقع المعلن للعجز
مهمة ساترفيلد: لبنان يتحسّب للفخ
تنتظر الموازنة العديد من الألغام في المجلس النيابي، بعد المسار المتعثّر في الحكومة. أولى تلك العقبات هي الضريبة على المتقاعدين والتدبير رقم 3. وفيما تشيع الأطراف السياسية أجواءً إيجابية، استمر التشكيك في تحقيق مشروع الموازنة الشروط المطلوبة دولياً.
بعد جهد جهيد ونقاشات مستفيضة في الحكومة، وصل يوم أمس مشروع موازنة 2019 إلى المجلس النيابي. وفيما يبدي رئيس الحكومة سعد الحريري ارتياحاً لناحية الانتهاء من النقاشات في الحكومة، من ضمن ارتياح عام تعبّر عنه القوى السياسية إرضاءً لضغوط القوى الدولية وداعمي مؤتمر «سيدر»، جاء موقف الوزير جبران باسيل أمس متوقّعاً بترحيبه الحذر، واعتباره أن «ما تمّ تحقيقه في الموازنة كثير، لكن ما لم يتمّ تحقيقه أكثر».
ومع الأجواء الإيجابية التي تحاول السلطة تعميمها، إلّا أن الضغط الدولي مستمرّ، عبر التشكيك في الإصلاحات التي تضمنتها الموازنة. وبدا لافتاً أمس في ذات السياق، الموقف الذي أعلنته سريعاً وكالة التصنيف «ستاندرد أند بورز»، أن «خطة الموازنة في لبنان لخفض العجز لا تكفي لاستعادة الثقة». وقالت الوكالة إن إعلان خفض العجز إلى 7.6 بالمئة من الناتج المحلي، بعدما تجاوزت عتبة الـ11 في المئة العام الماضي، «قد لا يكون كافياً في حد ذاته لتحسين ثقة المودعين والمستثمرين غير المقيمين، التي تراجعت في الأشهر الأخيرة». وأضافت، بحسب وكالة «رويترز»، أن «عدم تحقيق الهدف الجديد أمر وارد، ولا سيما أن أي إجراءات لخفض التكاليف ستطبق فقط في النصف الثاني من العام». وقالت المحللة المسؤولة عن لبنان في «ستاندرد أند بورز»: «تشير تقديراتنا إلى عجز مالي في 2019 عند حوالى عشرة بالمئة… في غياب تعزيز جوهري للإيرادات وإجراءات خفض النفقات، نتوقع أن تواصل نسبة الدين العام للبنان الارتفاع لتتجاوز 160 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2022 من 143 بالمئة في 2018».
ورشة الموازنة التي تنتظرها نقاشات شرسة في المجلس النيابي، ستكون حكماً عرضة لتجاذب كبير مع محاولات نوّاب كل كتلة فرض ما لم تستطع فرضه في الحكومة، وتحويل السجال إلى مادةٍ للمزايدات الإعلامية والاتهامات أمام الشاشات. وكل هذا الهرج والمرج المتوقّع، سيكون على وقع التحرّكات الشعبية في الشارع، واعتراض شرائح واسعة في البلاد متضرّرة من المشروع بصيغته الحالية، مع احتمال أن تكون التحركّات والإضرابات أوسع من تلك التي جرت أثناء النقاش الحكومي. فالنقاش في الغرف المغلقة في بعبدا أو السرايا بين الوزراء، يختلف تماماً عن النقاشات داخل المجلس النيابي، حيث يقدّم النّواب مداخلاتهم تحت ضغط ناخبيهم.
وفيما لم تُحسم بعد وجهة الكتل، إلّا أن العديد من البنود من المتوقّع أن تسقط أو تُعدَّل بنحو كبير، ولا سيّما مسألة فرض ضريبة 3% على معاشات التقاعد، وخاصة بعد ارتفاع اعتراض الجيش والأجهزة الأمنية والمتقاعدين العسكريين على هذا التوجّه. كذلك الأمر بالنسبة إلى بند فرض ضريبة 2% على الاستيراد، التي يعترض عليها حزب الله وحركة أمل وتيار المردة، لخطورة تسببها بارتفاع أسعار شبيه بما تسببه زيادة الضريبة على القيمة المضافة، ولكونها تطاول الشرائح الفقيرة والمتوسطة بنحو عشوائي. وفي الأيام الماضية، بدا وكأن التيار الوطني الحرّ في وارد إسقاط ضريبة الـ3% على المتقاعدين، ومعه حزب الله، فيما يستمر الحريري والقوات اللبنانية بالإصرار عليها. وبحسب المعلومات، فإن وفداً من قوى الأمن الداخلي زار الحريري أمس، وتمنّى عليه التراجع عن هذه الضريبة في المجلس النيابي، ودعّم الوفد طلبه بالإشارة إلى ما وصل إليه من أنباء عن تراجع التيار الوطني الحرّ عن هذا البند، إلّا أن الحريري رفض ذلك، وأكّد للوفد أنه اتخذ قراراً في الحكومة ولن يتراجع عنه ولو تراجعت الكتل الأخرى.
وعُقد أول من أمس أيضاً اجتماع لقادة الأجهزة الأمنية في وزارة الدفاع، بهدف توحيد الموقف من موضوع التدبير رقم 3، لعرضه على رئيس الجمهورية في أول جلسة لمجلس الدفاع الأعلى. وبحسب المعلومات، جرى التوافق بين قادة الأجهزة على أن يبقى «التدبير رقم 3» سارياً على العسكريين في القطعات العملانية، بينما يسري «التدبير رقم 2» على العسكريين الإداريين.
تقنياً، يتوقّع رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان، أن يتسلّم نص المشروع اليوم من رئيس المجلس نبيه برّي، على أن يبحثه خلال مهلة 48 من موعد تسلّمه، عملاً بالنظام الداخلي.
وبحسب كنعان، هناك احتمالان للبدء بجلسات اللجنة النيابية: الأوّل هو عقد جلسة يوم الاثنين المقبل قبل عيد الفطر، أو أن يتمّ تأجيل عقد الجلسة الأولى إلى ما بعد العيد، بسبب انشغالات النواب في مناطقهم. إلّا أنه يرجّح عقد جلسة يوم الاثنين لتسريع البدء بالنقاشات في المجلس وإنجاز الموازنة خلال مهلة الشهر التي فرضها توقيع رئيس الجمهورية ميشال عون مرسوماً يتضمّن مشروع قانون يهدف إلى الإجازة للحكومة الصرف على القاعدة الاثني عشرية حتى نهاية حزيران (بصورة مخالفة للدستور الذي يمنح الحكومة حق الإنفاق وفق القاعدة الاثني عشرية في الشهر الأول من العام حصراً).
ويتخلّل الجلسة الأولى إجمالاً استماع اعضاء لجنة المال والموازنة لمداخلة من وزير المال، يطرح فيها فذلكة الموازنة وأرقامها وملخّصاً عاماً عنها، وبعدها تجري جدولة الجلسات للبدء بنقاش التفاصيل. وعلى ما يؤكّد كنعان لـ«الأخبار»، فإنه ستجري جدولة الجلسات صباحاً ومساءً لإنجازها في أقرب فرصة ممكنة، رافضاً إعطاء توقّع لمدة استمرار الجلسات، مستنداً إلى «مواقف الكتل ومسار النقاشات التي قد تطول بحسب التجربة».
لكنّ كنعان يشير إلى أن خطة لجنة المال والموازنة هي النقاش المتأني لكل المسائل، من المواد القانونية إلى الفصل الضريبي والبرامج واعتمادات الوزارات، مع «مسار رقابي متشدد، ومقارنة لمدى التزام الحكومة واحترامها لتوصيات اللجنة والـ39 بنداً إصلاحياً التي طرحناها في 2017 و2018، على أساس التغيير البنيوي وتصحيح الأرقام والحسابات الجارية».
ويرفض كنعان التنبؤ بمواقف الكتل، معتبراً أنْ «لا مصلحة لأحد بالعرقلة، ونتمنى أن لا تتحوّل الجلسات إلى بازار مزايدة».
مهمة ساترفيلد: لبنان يتحسّب للفخ
يتواصل الحراك الأميركي بين لبنان والعدو الاسرائيلي، وتتكثف اللقاءات التي يعقدها دافيد ساترفيلد، والرسائل حول ترسيم الحدود البرية والبحرية. مرحلة جديدة دخلتها الإتصالات بعد موافقة كيان العدو على التلازم بين البر والبحر. يبقى الجواب الذي ينتظره لبنان حول المدة الزمنية للتفاوض التي يريدها أن تكون مفتوحة (تقرير ميسم رزق).
شهدت بيروت منذ بداية العام سلسلة زيارات لمسؤولين أميركيين، توّجها حضور وزير الخارجية مايك بومبيو للحث على ترسيم الحدود مع فلسطين المحتلة. منذ ذلك الحين صارت العاصمة اللبنانية محطة شهرية لمساعده لشؤون الشرق الأدنى دايفيد ساترفيلد.
وبنتيجة هذه الزيارات، بدأت المساعي الفعلية لإطلاق مسار التفاوض مع كيان العدو. استوجب الأمر تحرك ساترفيلد على خط بيروت – تل أبيب، من دون أن يتوقف الأميركيون عن تخطي الخطوط الحمراء، ومحاولة فرض تسويات تراعي الخاطر الإسرائيلي. غيرَ أن توحّد الموقف اللبناني حول الآلية أعادهم خطوة الى الوراء، فقبلوا ومعهم الإسرائيلي ببعض ما كانوا قد رفضوه سابقا. مهما كانت أهداف هذا التراجع وأسبابه المباشرة – التي حتماً تصُبّ ضمن المصلحة الإسرائيلية – يبقى أن المسؤولين اللبنانيين يؤكدون أنهم متنبهون لأي فخ منصوب.
قبلَ نحو أسبوعين، أتى ساترفيلد حاملاً أجواء «إيجابية». هكذا قيل يومها. لكن المعلومات كانت تؤكد خلاف ذلك، إذ «لا إتفاق بشأن نقاط الخلاف الأساسية، وأبرزها رفض العدو للتلازم في ترسيم الحدود بين البر والبحر، واقتراحه تبادل الأراضي، والخلاف على النقاط التي سيتم الإنطلاق منها للترسيم». الإيجابية الوحيدة، كانت في «قبول التفاوض برعاية الأمم المتحدة».
غادر ساترفيلد الى اسرائيل حاملاً «كدسة» من الملاحظات اللبنانية، ثم عاد أمس وفي جعبته «جديد». فما الذي حمله ساعي البريد الأميركي الذي لم يتوقف يوماً عن النطق باسم اسرائيل؟ هل هو جاد؟ أم أن الزيارات المتكررة ليست الا محاولة خادعة لطمأنة لبنان في موضوع الترسيم والإستخراج النفطي بهدف تثبيت الـ1701 على الجبهة اللبنانية، بالتوازي مع تنفيذ ما رُسم وخطط له إقليمياً ودولياً لفلسطين والمنطقة؟
الجو هذه المرة مختلف، عكسه رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي جالس ضيفه الأميركي ما يقارب ساعة ونصف ساعة، فأكد أن «الجانب الإسرائيلي وافق على أهم نقطة وهي التلازم بين البر والبحر. وطبعا إجراء المفاوضات في الناقورة برعاية الأمم المتحدة وضيافتها، وبحضور وسيط أميركي». وأشار بري أمام زواره أمس الى أن «هناك تقدماً بحاجة الى مزيد من الخطوات»، كاشفاً أن هناك نقطة غير متوافق حولها وهي "المدة الزمنية للتفاوض». ففي وقت يريد الجانب الإسرائيلي حصرها بستة أشهر، يصر لبنان على أن تكون مفتوحة، «كي نمنع العدو من المناورة في الوقت المحدد من دون الوصول الى نتيجة، وهذه المهلة يمكن أن تنتهي في يومين أو سنة». وأضاف رئيس المجلس أن «ساترفيلد أكد أنه سيتصل بالجانب الإسرائيلي أو يزوره لنقل الموقف اللبناني ومن ثم يعود بالجواب».
هل نحن أمام اللمسات الأخيرة؟ يشير الرئيس بري الى «أننا ننتظر الجواب الأخير وحينها سنطلع الجيش على الإتفاق كي ندخل مرحلة تنفيذه». وماذا عن بعض اقتراحات العدو، كتبادل الأراضي، أي تخلي الجانب الإسرائيلي عن جزء من أراضي بلدة العديسة يلامس الطريق العام الرئيسي للبلدة، في مقابل حصوله على ما يوازيه من الأرض اللبنانية تبعاً لمتطلبات أمنية وعسكرية لجيش الاحتلال، أجاب بري بأن «طرحهم قائم وموقفنا معروف، وبالتأكيد سيعاودون البحث به على الطاولة»، مشيراً في الوقت عينه إلى أن «مزارع شبعا خارج البحث».
وفيما لم تفصل بعض الأوساط النزاع الحدودي البري والبحري بين لبنان والعدو عن مسار «صفقة القرن»، ومحاولة «سحب الذرائع من أمام حزب الله للاحتفاظ بسلاحه»، وتنفيذ الإتفاق ليكون قوة دفع لإطلاق الحوار حول استراتيجية وطنية للدفاع تحصر السلاح بيد الدولة، أشار بري الى أن السبب الوحيد والأساسي الذي يجعل الجانب الإسرائيلي مستعجلاً هو «المصلحة الإقتصادية». بمعنى أنه «يبحث عن شركات دولية للتنقيب عن الغاز والنفط، ولن يكون هناك شركات في حال لم يتم الإتفاق بين البلدين نتيجة الشعور بعدم الأمان. ولو كانت لدى اسرائيل شركات متخصصة في هذا المجال لما سأل عن الترسيم».
وكان ساترفيلد التقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل. وبحسب مصادر متابعة للملف، لم تقترِب المفاوضات حول آلية ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة من خواتيمها، لكنها لم تعد في الأمتار الأولى. خطورة المسألة أو دقتها تكمن في أنها «سلة متكاملة. إما أن يوافق الإسرائيلي على الشروط اللبنانية كلها، ومنها ما هو مبدئي ومنها ما هو تقني، وإما لا تفاوض». والطرف اللبناني، بحسب المصادر، يسعى إلى اتفاق على آلية ليس فيها «خرم ابرة» يستطيع أحد التسلل منها لإفشال التفاوض، مشيرة الى «ضرورة البقاء متيقظين، وعدم الوثوق بالوسيط الأميركي».
تشدُّد ساترفيلد في «واشنطن ليكس»
حتى اليوم، لم يتبين بعد سبب المرونة المستجدة في موقف الولايات المتحدة الأميركية من ترسيم الحدود البرية والبحرية. فمنتصف الشهر الماضي، كان الموقف الأميركي الرسمي الذي تبلغه لبنان من ديفيد ساترفيلد نفسه، لا يزال متشدداً، ومتبنياً وجهة النظر الإسرائيلية بالكامل، ويرفض أي بحث في أي اقتراح خلاف ذلك. خلال لقائه وفداً لبنانياً ضمّ كلاً من النائبين إبراهيم كنعان وياسين جابر، ومستشار رئيس مجلس النواب علي حمدان، (نشرت «الأخبار» يوم 24 نيسان 2019، المحضر الرسمي للاجتماع – الصادر عن سفارة لبنان في واشنطن – تحت عنوان «واشنطن ليكس 2»)، قال ساترفيلد إنه تحدث إلى وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو وإلى كبير مستشاري الرئيس دونالد ترامب، جاريد كوشنير، لتوحيد الموقف باسم الإدارة الأميركية من ملف الحدود. واختصر الموقف الأميركي بتأكيد أن دور الأمم المتحدة سيكون لوجستياً وحسب. وقال إن الدعم الخارجي مشروط بتغيير مواقف حزب الله، وترسيم الحدود الجنوبية مشروط بالقبول بالولايات المتحدة وسيطاً وحيداً وبخط هوف (ما يعني التنازل عن نحو 360 كلم مربع من المياه اللبنانية)، وبفكّ الربط بين الحدود البحرية والحدود البرية، مهدداً بأن على لبنان أن يبحث عن وسيط آخر إن لم يقبل بهذه النقاط. ورفض ساترفيلد حينذاك، بصلافة، الاطلاع على دراسة قانونية عن وضع الحدود، ما دفع حمدان إلى أن يؤكد له أن أي مسؤول لبناني، وأياً من الرؤساء الثلاثة، لن «يتفاوض على كرامة لبنان». غيرَ أن مداولات اللقاءات التي يجريها ساترفيلد حالياً تؤكد تراجع الولايات المتحدة عن دفتر شروطها، ما يطرح علامات استفهام كثيرة حول الخلفيات، خصوصاً أنها تأتي بالتزامن مع تطورات المنطقة، بدءاً من التوتر في الخليج، وصولاً الى التحضير لـ«إطلاق صفقة القرن» من بوابة مؤتمر البحرين الاقتصادي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللواء
الموازنة تُنعِش سندات الدولار.. وأولوية الحكومة وقف الإعتراضات المطلبية
الحريري إلى مكة اليوم لتمثيل لبنان في القمّتين.. وأجوبة مرنة يحملها ساترفيلد حول الترسيم البحري
بعد إقرار الموازنة، جاء دور المراسيم اللازمة: مرسوم إحالة مشروع قانون الموازنة إلى مجلس النواب، ومرسوم استمرار الصرف على القاعدة الاثني عشرية حتى آخر حزيران ومرسوم فتح دورة استثنائية لمجلس النواب، لدراسة وإقرار الموازنة تستمر حتى 31 ت1.
كل ذلك، في وقت تركزت فيه الأنظار على توجه لدى أحزاب السلطة ومنظماتها وتياراتها لإنهاء إضراب أساتذة الجامعة، الذين لم يلمسوا ايجابيات مباشرة تجاه مطالبهم، والذين اقترح وزير الاتصالات محمّد شقير في جلسة مجلس الوزراء اجراء حسومات يومية من رواتبهم الأمر الذي استدعى رداً مباشراً من وزير التربية والتعليم العالي اكرم شهيب، الذي أكّد في بيان اعلامي ان «الوزير الصديق شقير كان حاضراً خلال جلسة مجلس الوزراء التي طرح فيها الموضوع وسمع اعتراض ورفض الوزير شهيب القاطع حول هذه المسألة وكيف ان وزير المالية علي حسن خليل ايده في الرفض».
بالتزامن كان الرئيس ميشال عون يبلغ مجلس القضاء الأعلى ان «اعتكاف القضاة غير مبرر، ويضرب هيبة القضاء»، في محاولة لإنهاء هذه الخطوة غير المسبوقة.
واليوم، يتوجه الرئيس سعد الحريري إلى مكة لتمثيل لبنان في القمتين العربية والإسلامية لمواجهة تحديات التدخل الإيراني والاعتداءات على المملكة العربية السعودية وأوضاع المنطقة، واللتان تعقدان في الرياض يومي الخميس والجمعة في 30 و31 أيّار الجاري.
وأكّد مصدر مطلع لـ «اللواء» ان الموقف اللبناني ينطلق من ثابتتين: الإجماع العربي، الذي لبنان جزء منه، والنأي بالنفس عن الصراعات الجارية.
مراسيم استباقية
ووفقاً لما توقعته «اللواء» أمس، فقد وقع رئيس الجمهورية ميشال عون مرسوم إحالة مشروع قانون الموازنة العامة والموازنات الملحقة للعام 2019 على مجلس النواب، مقروناً بمرسومين الاول: قضى باحالة مشروع قانون على مجلس النواب يجيز للحكومة جباية الواردات وصرف النفقات على أساس القاعدة الاثني عشرية حتى 30 حزيران المقبل، والثاني يفتح دورة استثنائية للمجلس ابتداء من الأوّل من حزيران ولغاية 21/10/2019 تاريخ بدء الدورة العادية الثانية للمجلس، وذلك لكي يتمكن المجلس من درس مشروع الموازنة ضمن المدة المحددة والتي يجوز للحكومة الصرف فيها على أساس القاعدة الاثني عشرية، وقبل ان يعود لها الحق بالصرف وفق الموازنة في حال تمّ التصديق عليها في آخر شهر حزيران.
وسبق صدور كل هذه المراسيم مقرونة بتوقيع رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ووزير المال علي حسن خليل، مشاورات بين الرئيسين عون ونبيه برّي، وايضا بين عون والحريري، وشملت المشاورات أيضاً رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان، الذي وقع التقرير النهائي للتوظيف العشوائي المخالف للقانون واحاله إلى الرئيس برّي. وتناولت هذه المشاورات تحديد موعد انعقاد اول اجتماع للجنة للبدء بدرس مشروع الموازنة، والذي يرجح ان يكون مطلع الأسبوع المقبل.
وبانتظار وصول مشروع الموازنة إلى المجلس، حيث يتوقع ان يشهد جولات جديدة من المنازلات النيابية لن تخلو من مزايدات شعبوية، بحسب وزير الخارجية جبران باسيل، قد تؤثر على صمود نسبة العجز في الموازنة إلى الناتج المحلي، فقد صدرت مجموعة مؤشرات خارجية إيجابية على إقرار الموازنة، كان أهمها ما نقلته وكالة «رويترز» عن «اي.اتش.اس.ماركت» من تسحن في أرقام سندات لبنان الدولارية في أوّل يوم عمل، ربما يؤشر الى ان المخاطر المالية المحيطة بالبلد بدأت تتقلص.
وقالت «رويترز» ان تكلفة تأمين، الانكشاف على الديون السيادية اللبنانية انخفضت بينما ارتفعت السندات الدولارية للبلاد بعد أن وافقت الحكومة على موازنة 2019 التي تتضمن تخفيضات كبيرة في الإنفاق وانخفضت تكلفة التأمين على ديون لبنان لأجل خمس سنوات 23 نقطة أساس من إغلاق الاثنين إلى 847 نقطة وارتفع إصدار سندات لبنان المقومة بالدولار المُستحق في تشرين الثاني 2019 ما يزيد عن 0.7 سنت للدولار، بينما ربح إصدار آذار 2020 نحو 0،6 سنت».
ومن المؤشرات الإيجابية ايضا، ترحيب السفارة الفرنسية في لبنان بموافقة مجلس الوزراء على الموازنة، ما يُشكّل مؤشراً ايجابياً لتنفيذ لبنان الالتزامات التي اتخذها خلال مؤتمر «سيدر».
وأكّد البيان ان «فرنسا ستبقى إلى جانب لبنان تشارك بشكل كامل في تنفيذ مقررات مؤتمر CEDRE، التي من شأنها ان تمكن لبنان من تنفيذ الإصلاحات اللازمة لمواجهة تحديات الغد، وخاصة في ما يتعلق بالحوكمة، ويتطلب التنفيذ الفاعل لمؤتمر CEDRE وضع آلية مراقبة صلبة وشفافة، ونأمل بشدة أن يبدأ العمل بها قريباً».
لكن وكالة «ستاندرد اند بورز جلوبال» للتصنيفات الائتمانية خالفت هذه الإيجابيات، مشيرة إلى ان خفض نسبة العجز في موازنة لبنان إلى 7،6 بالمائة لهذا العام قد لا تكون كافية لاستعادة الثقة التي تضررت في البلد المثقل بالديون.
وقالت محللة لبنان الرئيسية لدى ستاندرد آند بورز ذهبية سليم جوبتا بالبريد الإلكتروني «الإعلان (عن خفض العجز إلى 7.6 بالمئة من أكثر من 11 بالمئة العام الماضي) قد لا يكون كافيا في حد ذاته لتحسين ثقة المودعين والمستثمرين غير المقيمين، والتي تراجعت في الأشهر الأخيرة».
وأضافت أن عدم تحقيق الهدف الجديد أمر وارد، لاسيما أن أي إجراءات لخفض التكاليف ستطبق فقط في النصف الثاني من العام.
وقالت جوبتا «تشير تقديراتنا إلى عجز مالي في 2019 عند حوالى عشرة بالمئة… في غياب تعزيز جوهري للإيرادات وإجراءات خفض النفقات، نتوقع أن تواصل نسبة الدين العام للبنان الارتفاع لتتجاوز 160 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2022 من 143 بالمئة في 2018».
مواقف
اما وزير المال علي حسن خليل، فرأى في أوّل إطلالة إعلامية له بعد إقرار الموازنة في الحكومة، ان ثمة مشاكل بنيوية في الدولة لا يُمكن ان تعالج بمشروع الموازنة، وتحديداً بما يتعلق بدور القطاع العام، مبدياً اعتقاده بأن هذه الموازنة ارست واحدة من القواعد الأساسية وهي تكليف الإدارات والوزارات لإعادة النظر بملاكاتها وتكليف لجنة محددة لرسم التوصيف الوظيفي الجديد لهذا القطاع.
وأوضح أنه في مقابلة مع برنامج «حوار مع الأنباء» تم إعادة النظر بالرواتب وبالتعويضات الإضافية التي كانت تراكم مبالغ كبيرة»، مشيراً إلى أن «النقاش بدأ بدور الوظيفة العامة واعادة النظر بكل الهيكلية الادارية».
وأشار خليل إلى أنه اقترح «حسم خمسين في المئة على مخصصات السلطات العامة، وثمة وجهة نظر في مجلس الوزراء، وأنا لست معها، وهي أنه يوجد إدانة لأناس يتقاضون أقل من المدراء العامين وإذا ما حصل تصويت من جديد سأصوت على حسم هذه النسب».
ولفت إلى أنه «بغض النظر عن «سيدر» وعن رأي المجتمع الدولي نحن اليوم بمواجهة الموازنة، كان هناك عجز كبير تحقق في الـ 2018 وتجاوز الـ 11،4 ونحن مضطرون ان نعيد جزءاً من التوازن في وضع المالية وتخفيض قدر الإمكان من النفقات وزيادة الواردات، والمهم اليوم هو التحدي أمام الحكومة وكيف سنلتزم به دون ان نزيد الانفاق وأن نعمل بشكل جدي».
ومن جهته، رأى رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل ان ما تحقق في الموازنة كثير ولكن ما لم يتحقق أكثر، لكن بالمحصلة منعنا الانهيار، الا ان الأمر ليس كافياً لتحقيق النهوض الاقتصادي، مشدداً على ان الموازنة لا تكتمل إلا باقرارها في مجلس النواب وتطبيقها، مبدياً تخوفه ممّا يُمكن ان يحصل في المرحلة المقبلة في مجلس النواب من مزايدات شعبوية قد تضرب الكثير مما حققناه على أكثر من مستوى.
وأشار باسيل، عقب اجتماع «تكتل لبنان القوي» إلى ان تخفيض العجز إلى 7،5 في المائة هو أمر جيد، لكنه أقل بكثير مما كان يُمكن تحقيقه، وهو لا يزال نظريا والاهم هو ان نلتزم به.
وأوضح: ارفقنا بالموازنة بنودا اقتصادية وقرارات اقتصادية وحديث عن رؤية ولكن لا يُمكن القول ان الموازنة مبينة على رؤية اقتصادية، مشككاً فيما تمّ إدخاله من إصلاحات سواء بالنسبة إلى التهرب الضريبي والجمركي، وخفض النفقات ووقف مكامن الهدر، وقطع الحساب ومن كسر أمور كانت محرمات، لأنه لا يُمكن القول انه سيكون هناك التزام من الجميع، مستشهداً أن لا ضمان في تنفيذ فض العجز في الكهرباء إلى 2500 مليار.
اما كتلة «المستقبل النيابية، فقد اشارت في بيانها الأسبوعي إلى ان مشروع الموازنة يُشكّل قاعدة متينة للانطلاق بالبرنامج الحكومي لاستثمار وتطوير البنى التحتية كما جرت الموافقة عليه في مؤتمر «سيدر»، معتبرة بأن التحدي الجدي المطروح على الدولة حكومة ومجلساً نيابيا هو عدم استنفاد هذه الفرصة المتجددة وإغراقها بسيلٍ من المزايدات الكلامية على صورة ما جرى في تجارب سابقة، وفي مراحل عدة خطفت من طريق اللبنانيين فرصاً عديدة للاصلاح الاداري واقفال مزاريب الهدر والفساد.
اعتكاف القضاة
إلى ذلك، أعلن الرئيس عون ان «استقلال السلطة القضائية لا يبرر مطلقا اعتكافها عن احقاق الحق وتعطيل العدالة»، مشيرا الى ان «استمرار اعتكاف عدد من القضاة على ابواب عطلة قضائية يضرب هيبة القضاء ويزيد معاناة المتقاضين ويرفع منسوب الخطر على حقوقهم». ودعا مجلس القضاء الاعلى الى «معالجة الوضع القائم حفاظا على سمعة القضاء من جهة وحرصا على استقلاليته من جهة اخرى، لاسيما ان مشروع موازنة 2019 أبقى على الكثير من المكتسبات المعطاة للقضاة ما ينفي اسباب استمرار الحركة الاعتراضية».
واستناداً إلى موقف الرئيس عون، صدر عن وزير العدل البرت سرحان نداء دعا فيه القضاة الى العودة عن الاعتكاف الذي اعلنوه منذ فترة، مطمئناً اياهم انه لم يتم المساس بأوضاعهم كقضاة خارج السياق العام لسياسة التقشف وتخفيض عجز الدولة.
مهمة ساترفيلد
في هذه الاثناء، انتقل الاهتمام الرسمي إلى المهمة التي يقوم بها مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد، حول ترسيم الحدود اللبنانية البرية والبحرية، في ضوء الجواب الذي حمله إلى بيروت من تل أبيب في شأن إطلاق المفاوضات والتي بات معروفاً انها ستتم برعاية الأمم المتحدة وعبر اللجنة الثلاثية التي تجتمع دورياً في الناقورة، لكن هذه المرة في حضور ومساعدة من الجانب الأميركي لتسهيل وتسريع الوصول إلى حلول مرضية لكلا الجانبين.
وبحسب المعلومات، فإن الجواب الذي حمله ساترفيلد معه من تل أبيب، يُؤكّد موافقة الحكومة الإسرائيلية على التفاوض مع لبنان برعاية الأمم المتحدة، حول عملية الترسيم البري والبحري، وعبر الوساطة الأميركية، ولكن على أساس ان يتم التفاوض اولا على الحدود البرية، ومن ثم على الحدود البحرية، وهو ما لم يوافق عليه الجانب اللبناني، ما حتم على الديبلوماسي الأميركي القيام بجولة مكوكية جديدة بين بيروت وتل أبيب، تقول المعلومات انها لن تتأخر نظرا لأن الجانب الإسرائيلي مستعجل على التفاوض.
وكان ساترفيلد الذي عاد إلى بيروت أمس، في جولة تفاوضية ثالثة، قد التقى الرؤساء الثلاثة عون وبري والحريري ووزير الخارجية جبران باسيل وقائد الجيش العماد جوزف عون، قبل ان ينتقل لاحقا إلى تل أبيب.
ولوحظ ان اللقاء الاطول تمّ بين ساترفيلد والرئيس برّي والذي استغرق أكثر من ساعة، لكن المعلومات التي خرجت من عين التينة تفيد ان التقدم الذي يسجل في مسار المفاوضات لا يزال بحاجة إلى خطوات أخرى، وعزت تريث عين التينة في الحديث عن ايجابيات إلى ان «لبنان يتطلع إلى ان تكون نهاية المسار التفاوضي مع إسرائيل واضحة كما البداية، أي ألا يكون هناك ربط بين سلاح «حزب الله» والتلازم في ترسيم الحدود.
اما أوساط قصر بسترس فأفادت ان ساترفيلد نقل إلى لبنان الجواب الإسرائيلي وفقاً للطرح اللبناني الذي تقدّم به رئيس الجمهورية في موضوع المفاوضات لترسيم البحرية والبرية، وان لبنان تبلغ الموقف الإسرائيلي وفقاً لطرحه، والجو كان ايجابياً.
واكدت مصادر مطلعة لـ«اللواء» على أجواء المفاوض الأميركي ان التقدم الذي تحقق في ملف ترسيم الحدود ان اسرائيل وافقت بالتفاوض على الترسيم البحري كذلك وافقت على قيام دور للامم المتحدة انما سيحدد ماهيته لاحقا . ولفتت المصادر الى. ان موضوع الترسيم البري يبقى قيد البحث عما اذا كان متلازما مع البحري ام لا.
ولاحظت ان الأمور لم تنته ولذلك عاد ساترفيلد الى اسرائيل كي يتابع مساعيه مكررة ان موضوع تلازم الترسيمين البحري والبحري ليس محسوما.
واشارت الى ان الجانب الاسرائيلي وافق على مشاركة. الأمم المتحدة لكن طبيعة المشاركة (استضافة، مشاركة، التزامات الخ) غير واضحة بعد.
واكدت ان ساترفيلد سيتوجه الى الأراضي الفلسطينية المحتلة لتوضيح بعض النقاط وانه اذا حصلت موافقة على التلازم يعود. اما إذا لم تحصل فإن واشنطن ستواصل مساعيها.
وخلصت المصادر إلى القول ان هناك حلحلة لكنها تستوجب عملا وجهدا.
وفي السياق، قالت مصادر ديبلوماسية ان ساترفيلد عاد بأجوبة يُمكن وصفها بالمرنة، لا سيما في ما خصَّ الأفكار المطروحة للبدء بترسيم الحدود البحرية، من زاوية ان لا خلافات كبيرة حول الحدود البرية وترسيمها، بعد وضع الخط الأزرق، وخط الهدنة عام 1949.