كثفت مانشيتات الصحف القضايا "اللبنانية" التي تشغل المشهد السياسي في اللحظة الراهنة. ركزت "اللواء" على أن "الإشتباك القواتي – العوني يتوسَّع: مَن هجّر المسيحيّين في الجبل؟". وتوقعت "البناء" أن تتجه "الموازنة نحو مناقشات حامية نيابياً… وساترفيلد لن يخدع لبنان لا براً ولا بحراً!". أما "الأخبار" فقد سألت عـ "مَنْ يرمي الجيش في الحضن الأميركي؟"، وقالت إن "موازنة سلامة: مزيد من الفقر". كما تابعت "الأخبار" في مقال افتتاحي تقدماً متوقعاً في نيل المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي "حق" تجنيس أولادها. وقد تحدثت رئيسة «الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية»، السيدة كلودين عون روكز عن هذه القضية.
الأخبار
من يرمي الجيش في الحضن الأميركي؟
موازنة سلامة: مزيد من الفقر
تصرّ السلطة السياسية على دفع الجيش إلى الاعتماد على التسليح الأميركي حصراً. هذه السياسة الاتكالية الواضحة، تضع الجيش مستقبلاً أمام خطر الصدام مع الخيارات الأميركية، التي تراهن دائماً إما على صراع مع المقاومة اللبنانية أو على الأقل على تشكيل توازن بين سلاح المقاومة وسلاح الجيش (تقرير فراس الشوفي).
منذ سنوات، على الأقل منذ ما بعد معركة مخيم نهر البارد عام 2007، يتعامل الأميركيون مع الجيش اللبناني على أنه جزء من منظومة حلف «الناتو». ولا يلام الأميركيون في سعيهم لبناء شراكات مع جيوش صغيرة من «دول العالم الثالث»، في استراتيجيتهم الواضحة للهيمنة على العالم ومحاولات احتواء التمدد الروسي والصيني.
غير أن الاهتمام الزائد لوزارة الدفاع الأميركية بدعم الجيش اللبناني، يدفع إلى التساؤل عن أسباب هذا «السخاء»، والنتائج المرجوّة منه في السنوات المقبلة.
أما الأكثر غرابةً، فهو التسليم اللبناني الرسمي والسياسي، بـ«اتكالية» لبنان على المانح الأميركي، وحلفائه بدرجة أقل، كالبريطانيين ثم الألمان، مع ما يعنيه الأمر من انعكاس على واقع الجيش ودوره، في ظلّ موقع لبنان في الصراع مع العدو الإسرائيلي والحرص الأميركي المطلق على مصلحة إسرائيل.
ولكي تكتمل الصورة، شاءت الحكومة من دون اعتراض جدي لأيٍّ من الأفرقاء السياسيين، أو حتى من المؤسسة العسكرية، أن تُخرج النسخة الأخيرة من موازنة عام 2019 من دون بند تسليح الجيش، كجزء من الخطة الخمسية التي أُقرَّت قبل عامين بعد مؤتمر روما. ومع الحجّة القائلة بأن الموازنة لن تخدم إلا لنصف عام، وأن جزءاً من أموال تسليح الجيش دفعت في عام 2019، إلّا أن السلطة تستسهل أصلاً الاتكال على المسلِّح الأميركي، مع قلة اكتراث، شكليّاً على الأقل، بصورة المؤسسة العسكرية كحامٍ مستقل للسيادة والمصالح اللبنانية.
شكّلت معركة نهر البارد محطّة مفصلية في التحوّل الأميركي تجاه العلاقة مع الجيش اللبناني. فتاريخياً، كان الاعتماد اللبناني على فرنسا كمصدر أوّل للتسليح والعلاقة الاستراتيجية، حتى جاء عهد الرئيس أمين الجميّل ومدير الاستخبارات جوني عبدو. وُضع الجيش عندها في «العهدة الأميركية» تسليحاً وتدريباً وتنظيماً، وجرت إعادة هيكلة الأفواج والألوية خارج النطاق الجغرافي الذي كان يعمل به سابقاً. وفي زمن الوجود السوري في لبنان، لم تنقطع العلاقة العسكرية اللبنانية – الأميركية، وبقي مكتب التنسيق العسكري ناشطاً في وزارة الدفاع. ومع الخروج السوري من لبنان، وصدور القرار 1701 بعد عدوان تموز 2006، بدأ الاهتمام الأميركي بالجيش يتزايد، حتى دخل مرحلته الجديدة بعد أشهر على انتهاء معارك البارد. اللافت خلال معركة البارد، أن الأميركيين وقفوا على الحياد، لا بل امتنعوا عن تزويد الجيش بالسلاح، ولم يقدّموا حتى مجموعة من القناصات طلبها الجيش آنذاك، كان يحتاجها ضد عصابات «فتح الإسلام»، قبل أن تعود فرنسا وتقدم عدداً منها، بالإضافة إلى أعداد من الصواريخ والقنابل عبر الإمارات العربية المتحدة. فيما التزمت سوريا مدّ الجيش بآلاف الذخائر والقذائف وقطع غيار الآليات.
ولعلّ الاستنتاج بصعوبة القضاء على المقاومة في حرب تقليدية بعد فشل تجربة حرب تمّوز، أو عبر تشكيل قوى مسلّحة مناوئة كتجربة انقلاب 5 أيار 2008 الفاشل، دفع الأميركيين إلى اعتماد استراتيجية جديدة، بدعم القوى النظامية في الداخل، كالجيش وقوى الأمن الداخلي، بهدف تشكيل توازن مع قوة المقاومة.
ويؤكّد أكثر من ضابط تولوا سابقاً مناصب قيادية في الجيش أن «الأميركيين يعتبرون دعم الجيش اللبناني وتمتين العلاقة معه جزءاً من استراتيجيتهم في الشرق الأوسط، كما اعتبار لبنان موطئ قدم مهم على ساحل المتوسط». ويضيف أحد قادة الجيش السابقين أنه «في اعتقاد الأميركيين، تقوية بعض مؤسسات الدولة اللبنانية، وعلى رأسها الجيش، من ضمن استراتيجية بعيدة المدى، كفيلة بتفكيك الواقع الذي نشأ بعد اتفاق الطائف، والذي نتج منه تحوّل سلاح المقاومة إلى حالة شرعية متزاوجة مع مؤسسات الدولة العسكرية».
وهذه الاستراتيجية، أي تشكيل قوّة التوازن، لا يخفيها الأميركيون أنفسهم. لا بل أكثر من ذلك، في اعتقادهم، على ما يؤكّد أكثر من مصدر لبناني مقرّب من الأميركيين، أن «حزب الله يشعر بالتهديد مع ازدياد قوّة الجيش، ومستقبلاً سيخسر جزءاً من تأييد اللبنانيين عندما يظهر الجيش بمظهر القوّة، وعندها يصبح سلاح الحزب الذي تعاظم في لحظة ضعف الدولة، من دون مبرّر».
الرهان الأميركي من جهة، وحاجة الجيش اللبناني إلى السلاح من جهة أخرى، لا يغيران الواقع الحالي بالتزام جميع الكتل السياسية الأساسية في البلاد، على الأقل في البيانات الوزارية، التمسّك بسلاح المقاومة وضرورة بقائه جزءاً من أي استراتيجية دفاعية، حالية غائبة أو مستقبلية غير واضحة المعالم. إلّا أن التعاون العسكري الأميركي – اللبناني، والتسليم اللبناني بأحادية التسليح، باتا يرسمان سياسات جديدة في آلية عمل الجيش عبر أشكال إجرائية، تهدف إلى تغيير المناخ الذي ساد بشكل عام منذ اتفاق الطائف، على الرغم من التناقض القائم بين أهداف القيّمين على المؤسسة العسكرية حالياً، وتحديداً العماد جوزف عون ومعهم الرئيس ميشال عون وبين الأهداف الأميركية التي يُقدَّم الدعم إلى المؤسسة العسكرية على أساسها.
فالعنوان العام الذي يقوم عليه هذا الدعم، ينقسم إلى جزءَين: مساعدة الجيش على تطبيق القرار 1701، ومكافحة الإرهاب، من دون أي ذكرٍ للخطر الحقيقي الوحيد الآن (بعد اندحار الإرهاب) على لبنان وهو الأطماع الإسرائيلية. وعلى هذا الأساس، ينخرط الجيش في ورشة السيطرة على الحدود البرية عبر استحداث أفواج الحدود البرية (المنطق اللبناني اقتصادي لمكافحة التهريب وللحد من تهريب البشر، بينما المنطق الأميركي قائم على قطع التواصل مع سوريا)، والعمل على رفع عدد جنوده في منطقة جنوب الليطاني (بحسب القرار 1701، يصل عديد الجيش إلى 15 ألف جندي، ويجري العمل الآن على إنشاء «الفوج النموذجي» للحدود الجنوبية)، وعلى تدريب القوات وإعداد الخطط والمناورات التي تتعامل مع مكافحة الإرهاب كخطرٍ وحيد.
ومما لا شكّ فيه، أن التعاون الدائم مع قوات غربية، وتحديداً أميركية، في المناورات العسكرية، يحدّ من قدرة الجيش على القيام بأي مناورة تحاكي عدواناً إسرائيلياً على لبنان، على غرار المناورات الدائمة التي يجريها للتعامل مع الأخطار الإرهابية، كما كانت الحال عليه قبل 2005. فضلاً، عن أن الجيش لم يزوّد بأي سلاح يمكّنه من مواجهة السلاح الإسرائيلي، ولا يبدو أن في السلطة الحاكمة، من يفكّر فعلاً في تأمين مصادر تمويل أو تسليح جديّة تمنح الجيش قوّة على الأقل دفاعية في مواجهة العدو الإسرائيلي. ومع ذلك، تتنطّح بعض القوى في السلطة للمطالبة بسحب سلاح المقاومة، أو بالقول إن الجيش بات قويّاً بما يكفي للاستغناء عن سلاح حزب الله. في المقابل، يفتح حزب الله الباب أمام نقاش الغاية من سلاحه كما أبدى تعاونه في كل جلسات الحوار التي عقدت على مدار سنوات.
ويبدو لافتاً في الآونة الأخيرة، التركيز الغربي الدائم على الاستراتيجية الدفاعية، من خلفية إحراج الرئيس عون وحزب الله سياسيّاً، ووضع سلاح الحزب على طاولة التفاوض اللبنانية. علماً بأن الاستراتيجية القائمة حالياً، وبالبديهة السياسية، أي ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، هي التي أمّنت الانتصار في عدوان تمّوز، وهي كفيلة في أي حرب مقبلة بصدّ العدوان على لبنان. غير أن مصدراً لبنانياً مقرّباً من الأميركيين، يشرح خلفية الإصرار على الاستراتيجية الدفاعية، كواحدة من آليات الضغط على حزب الله لإرغامه على البحث عن تسوية لسلاحه ومقاتليه ودوره في الساحة اللبنانية عموماً، من ضمن صيغة لـ«حلّ نهائي شامل» في المنطقة على وقع «صفقة القرن» والضغوط على إيران وسوريا.
الجيش لبومبيو: لن نواجه حزب الله
تعي قيادة الجيش أن في الإدارة الأميركية اليوم من يعوّل على صدام، ولو محدوداً، بين الجيش اللبناني وحزب الله في المستقبل. إلّا أن مصادر عسكرية رفيعة المستوى، تؤكّد لـ«الأخبار» أن أحداً من العسكريين الأميركيين لم يطرح منذ تولّي العماد جوزف عون قيادة الجيش أي فكرة من هذا النوع. بل على العكس، يؤكّد المصدر أن عون، في زياراته الأربع للولايات المتحدة الأميركية، منذ توليه القيادة، يكرّر على مسامع الأميركيين أن «حزب الله مكوّن لبناني أساسي وأن الاتفاق السياسي في البلاد هو على اعتبار السلاح سلاحاً للدفاع عن لبنان بوجه العدوان الإسرائيلي». ويضيف المصدر أن «عون كان واضحاً في الاجتماع الذي عقد في وزارة الدفاع مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، بالتأكيد أن الصدام بين الجيش وحزب الله غير وارد، وأن ما من عاقل في لبنان يكرّر تجربة الحرب الأهلية». ويضيف المصدر أن «أجواء وزارة الدفاع الأميركية مغايرة تماماً لتلك التصريحات التي يطلقها المسؤولون الحاليون في الإدارة الأميركية، واللقاءات بين الجيش والعسكريين الأميركيين تنحصر في مهمات مكافحة الإرهاب». وفي السابق، وخاصة بعد معركة عرسال (اجتياح الجماعات الإرهابية للبلدة وخطف العسكريين عام 2014)، كان قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي ومدير الاستخبارات كميل ضاهر، يؤكدان للعسكريين الأميركيين وجود تنسيق بين الجيش وحزب الله في قتال الجماعات الإرهابية، ولم يكن الأميركيون يعترضون. على العكس من ذلك، كانوا يقولون إنهم يتفهّمون الوقائع اللبنانية. ففي هذا المجال تحديداً، لا يخاطب الأميركيون الجيش إلا بـ«نعومة مفرطة». غضبهم العاري يظهر عندما يُطلق جندي لبناني طلقة واحدة باتجاه جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتكون هذه الطلقة من ضمن المساعدات الأميركية، تماماً كما حصل يوم اشتباك العديسة في آب 2010. هذا الغضب هو النتيجة «الطبيعية» لـ«احتكار التسليح».
تراوح قيمة الدعم الأميركي للجيش سنوياً بين 120 و180 مليون دولار أميركي، على شكل مساعدات عسكرية متنوّعة وبرامج تدريب. وبحسب مصادر معنيّة، وبحسب الأرقام المعلنة من قبل الأميركيين، يبلغ الدعم المقدَّم إلى الجيش بين العامين 2006 و2018 نحو مليار و280 مليون دولار، أي بمعدّل أقل من 99 مليون دولار سنوياً.
هذه المبالغ تحوّلها وزارة الدفاع الأميركية إلى حساب صندوق خاص للجيش اللبناني، الذي يختار حاجاته من الأسلحة، طبعاً ضمن اللوائح المقبولة أميركياً، وتسدّد وزارة الدفاع الأميركية ثمنها لشركات السلاح من الصندوق المخصص للجيش.
وتنقسم آليات الدعم الأميركي على خمسة برامج، معظمها يُموَّل من موازنة وزارة الدفاع الأميركية بعد إقرارها في الكونغرس، بالإضافة إلى برامج التدريب. وعبر هذه البرامج، يحصل الجيش على قدرات مختلفة للقوات البرية والجوية والبحرية، وعلى تعزيز قدرات تتعلّق الدعم بالنيران والمناورة والقتال للقوات البرية ومضاد الدبابات والدعم الجوي القريب والاستطلاع والدعم اللوجستي وأمن ومراقبة الحدود.
وعبر برنامجي دعم للقوات الحليفة، حصل الجيش في عام 2018 على دعم بلغ 180 مليون دولار، ومن المقرّر أن يحصل هذا العام على دعم بقيمة 104 ملايين دولار. وتسلّم الجيش خلال السنوات الماضية ما مقداره 12 طوافة HUEY TWO و13 طائرة CESSNA وعدداً من صواريخ HELLFIRE وصواريخ COPPERHEAD M712 ومنظومات طائرات من دون طيار. ومن المتوقع أن يزوّد الجيش بطوافات قتالية في عام 2021. وفي المعدات البرية، تسلّم الجيش عدداً من المدرعات من الجيل الثالث وصواريخ مضادة للدروع، وللقوات البحرية 26 قارب اعتراض للتدخل السريع، و«قناص طرابلس»، وهو أكبر قطعة بحرية لدى القوات البحرية بطول 42 متراً، وكلفته نحو 40 مليون دولار أميركي.
اللافت في الأمر، أن الدعم الأميركي، على رغم تأمينه جزءاً كبيراً من حاجات الجيش لمهمات مكافحة الإرهاب والسيطرة على الحدود وفرض الأمن في البلاد، يجري بمبالغ تُعد بسيطة بمقاييس الموازنة العامة (99 مليون دولار سنوياً، أي أقل من الزيادة التي طرأت العام الماضي على النفقات التشغيلية لشركتي الهاتف الخلوي، بقرار من وزير الاتصالات)، ويمكن الدولة اللبنانية أن تؤمّنها من واردات داخلية شتى، لتحصين الجيش من الوقوع في فخّ التسليح الأوحد.
موازنة سلامة: مزيد من الفقر
حدّدت الحكومة هدفاً لموازنة 2019 يكمن في بلوغ مؤشرات رقمية مثل عجز الموازنة نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي والدين نسبة إلى الناتج… ورغم أن تنصيب هذه المؤشرات كأهداف يعدّ أمراً اعتباطياً، فقد تعهد لبنان للدائنين الدوليين في «سيدر» ببلوغها. وعند الاستحقاق، أي مشروع موازنة 2019، عقدت تحت سقف هذه المؤشرات 20 جلسة ناقشت اقتراحات بالجملة والمفرق وأنجز مشروع موازنة تقشّفية لا يستند إلى تشخيص العلّة، ويعجز عن رؤية خيارات المعالجة، بل ينطوي على تداعيات خطيرة، أولها خفض القدرة الاستهلاكية ورفع معدلات الفقر والبطالة (تقرير محمد وهبة).
أثناء مناقشة البيان الوزاري للحكومة، دار جدال واسع حول المستوى الذي يجب أن يبلغه عجز الخزينة نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي. الكل طالبوا بإدراج مقررات «سيدر» في البيان، أي التزام خفض العجز نسبة إلى الناتج بمعدل 1% سنوياً على خمس سنوات. يومها اعترض الوزير الطارئ على اللجنة الوزارية كميل أبو سليمان، مبرّراً بأن مقرّرات «سيدر» صدرت يوم كان عجز الخزينة نسبة إلى الناتج يبلغ 7.5%، إلا أنه ارتفع في 2018 إلى 11.5%، مقترحاً أن تكون الصيغة «ما لا يقلّ عن 1%»… لم يناقش أحد في مغزى هذا المؤشّر: لماذا على الحكومة أن تتعامل مع مؤشر كهذا على أنه هدف بحد ذاته؟ بأي خلفية؟ ضمن أي خطّة؟ أصلاً هل هو مبنيّ على تشخيص واضح ومتفق عليه لأزمة الاقتصاد اللبناني؟ هل يعلم أحد إذا كان الهدف مفروضاً على لبنان من الدائنين، أم أنها «بدعة» لبنانية نالت وعوداً بالإقراض؟
كل إجابة تقود نحو مسار مختلف عن الآخر. فإن كانت هذه المؤشرات الرقمية اقتراحاً جدياً ناقشته الحكومة اللبنانية وخلصت بنتيجته إلى تقديم التزاماتها تجاه الدائنين، فمن الطبيعي أن يصبح السؤال: لماذا اختلفوا على تطبيقه في مشروع موازنة 2019 الذي امتدّ على 20 جلسة؟ وإذا كان بلوغ هذه المؤشرات الرقمية هو عبارة عن إملاءات خارجية، فهل رضخت القوى السياسية من دون أي مفاوضات؟
يمكن استنتاج الإجابات مما حصل لاحقاً في مناقشات مشروع موازنة 2019 وما انتهى إليه من «تخبيص» على حدّ تعبير الوزير السابق شربل نحاس «لأن المشروع لا يشير إلى آلية بلوغ هذه المؤشرات الرقمية بعد مرور ستة أشهر من السنة أنفقت فيها مبالغ غير معروفة بعد، ولا الهدف الاقتصادي منها».
الأستاذ الجامعي ألبير داغر، يتبنّى نظرية مكمّلة بالمقارنة بين ما فُرض على دول الاتحاد الأوروبي مثل اليونان وإسبانيا والبرتغال وسواها حيث سجل تراجع الاقتصاد بسبب مشاريع التقشف في الإنفاق العام، وبين ما حصل مع لبنان في سيدر. «فقد كان هناك تأثير كبير للاتحاد الأوروبي في هذه الموازنة التي ركّزت على خفض الإنفاق العام من دون ربطه بأزمة ميزان المدفوعات. من شروط الحصول على أموال سيدر إجراء هذا الخفض».
ما يعزّز هذا الكلام، أن الإجراءات الواردة في مشروع موازنة 2019 جاءت مبعثرة وعشوائية وبلا سياق «لأنهم لم يتفقوا على أصل المشكلة، لا في سيدر ولا في غيره، بل اتفقوا على أنه يمكن الشحادة على ظهر النازحين السوريين، والتزام خفض عجز الخزينة بما يؤدي إلى أرقام نظرية عن العجز ونسبه أملاً بأن يفتح ذلك الباب أمام حصول لبنان على قروض سيدر التي ستشتري وقتاً إضافياً يسمح بدفع المشكلة إلى الأمام» وفق نحاس.
أما لو كان هناك اتفاق على أن المشكلة تكمن في ميزان المدفوعات (الفارق بين الأموال التي دخلت لبنان وتلك التي خرجت منه)، وعلى أن معالجتها من خلال «خنق» الاستيراد للتخفيف من نزف الدولارات إلى خارج لبنان، لكان شكل الاقتراحات والنقاش في مشروع موازنة 2019 قد أخذ طابعاً مختلفاً تماماً. ففي هذه الحالة، كان النقاش «تركّز على رسم خريطة طريق للتخفيف من الاستيراد وفرض ضرائب تحقّق هذا الهدف. ولكان النقاش تطرق أيضاً إلى الفئات التي ستصيبها هذه الضرائب وكيفية حمايتها أو التخفيف من تأثيرها عليها بالحدّ الأدنى، سواء كانت قطاعات منتجة أو فئات اجتماعية»، يقول نحاس.
«عملياً، بدت هذه الموازنة كأنها تستهدف خفض نسب العجز بطريقة تضرب القطاعات أو الشرائح الاجتماعية التي ليس لديها تأثير واسع على الطبقة السياسية فتنعكس على الذين يعدّون أقل قوّة ضغط للدفاع عن حقوقهم، فضلاً عن أنها لا تعالج المشكلة الهيكلية، أي فشل الاقتصاد في خلق فرص العمل وتشجيع القطاعات الإنتاجية»، بحسب الباحث سامي عطالله.
الاستدلالات على هذه «التخبيصة» كانت واضحة قبل انتقال النقاش في الموازنة من بيت الرئيس سعد الحريري إلى مجلس الوزراء. في البدء، عقدت اجتماعات ثنائية وثلاثية بين الحريري ووزير المال علي حسن خليل، وشارك في بعضها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وكانوا يتبادلون الاقتراحات مع القوى السياسية الأخرى، إلى أن جرى التداول بورقة تتضمن خيارات أساسية: قصّ 15% من كل الرواتب والأجور في القطاع العام لتوفير مليار دولار على الخزينة، مقابل رفع ضريبة الفوائد من 7% إلى 10% لتحصيل 500 مليون دولار من كبار المودعين والمصارف.
وفي مقابل إصرار رئيس الحكومة سعد الحريري، ووزير الخارجية جبران باسيل، على هذا الاقتراح، أبلغ حزب الله المعنيين أنه يرفض المسّ بالرواتب بشكل قاطع. بضربة واحدة، كان هذا الخيار يقطع أكثر من ثلي الطريق نحو الانتهاء من الموازنة بسرعة وبلوغ المؤشرات الرقمية التي التزمها لبنان أو فرضت عليه في «سيدر».
إزاء اعتراض حزب الله، ظهرت البدائل بالمفرق. وزير المال علي حسن خليل قدّم موازنة لا تتضمن المسّ بأصل الرواتب في القطاع العام، بل تترك المجال مفتوحاً للمسّ بالملحقات، علماً بأنه أبلغ مجلس الوزراء في الجلسات الأولى أنه على استعداد لتزويدهم بكل الدراسات المالية المتعلقة بالأثر الناتج من الاقتطاع من الرواتب في القطاع العام… بعدها جاء دور وزير الاقتصاد منصور بطيش في اقتراح زيادة الرسم الجمركي على كل الواردات بمعدل 3% على أن يُخصَّص جزء من إيراداته لدعم القطاعات الإنتاجية.
في الاجتماعات الأخيرة لمجلس الوزراء، نُحّي بطيش، وتقدّم باسيل، مبرزاً ورقة فيها اقتراحات بالجملة… إلا أن اقتراح زيادة الرسم الجمركي استحوذ على نقاش واسع بعدما رفضه رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس، مقترحاً زيادة الرسم بمعدل 2% على كل الواردات.
وكان لحزب الله موقف جذريّ من زيادة الرسم الجمركي، على اعتبار أنه يضرب القدرة الشرائية لكل اللبنانيين. ورأى الحزب أنه إذا كان القصد تأمين الدعم للصناعة، فالأولى أن تكون الزيادات الضريبية على المنتجات المستوردة التي لها بديل محلي. لم يدخل الحزب في نقاش على مستوى الرسم قبل حسم المبدأ، علماً بأن قيمة هذه المستوردات تبلغ 700 مليون دولار، أي إن الرسم عليها لن يجبي أكثر من 21 مليون دولار سنوياً… في النتيجة، فشل حزب الله (حتى الآن) حيث نجحت جمعية تجار بيروت بدعم قوي من وزراء التيار الوطني الحرّ ووزراء القوات اللبنانية والاشتراكي وتيار المستقبل، فأقرّ الرسم بمعدل 2%، من دون أن يكون هناك أي دعم للصناعة.
رغم ذلك، يشير عطالله إلى أن البدائل موجودة. «هناك دراسات تشير إلى أن تحسين تحصيل الرسوم الجمركية في المرفأ يتيح زيادة الإيرادات بما بين 300 و500 مليون دولار سنوياً. رسم الـ2% سيتحمّله المستهلك، فيما يمكن زيادة صادرات لبنان بقيمة 1.5 مليار دولار بسهولة. الإجراءات الموجودة في مشروع الموازنة هي محاولة لرفع الإيرادات بشكل عشوائي بصرف النظر عن تأثيرها على المستهلك وعلى القطاعات المنتجة».
المشكلة أن النقاش في مشروع الموازنة اتّجه، فجأة، صوب إيجاد بدائل تؤمن للدولة إيرادات وتزيد الانكماش، وتؤدي في الوقت نفسه إلى وقف نزف الدولارات من احتياطات مصرف لبنان. بهذا المعنى، بدأت تكرّ سبحة الاقتراحات. من أبرزها أيضاً رفع رسوم المغادرة على المطار. فمن المعروف أن اللبنانيين بدأوا يفضلون السياحة في تركيا وقبرص والدول القريبة نظراً لرخص أسعارها وتوافر «بيئة حاضنة للسياحة» فيها، ولكي يقوموا بذلك، عليهم أن يحملوا دولاراتهم إلى الخارج… فأتى رفع رسوم المغادرة ليدفعهم إلى التفكير مرتين في تمضية أيام عطلهم في الخارج.
ولم تكتمل إجراءات خنق الاستيراد عبر هذين الأمرين، بل كان مطلوباً أن تُخنق القدرة على الاستهلاك لكي يخفف بدوره من الاستيراد، بما أن النسبة الأكبر من المنتجات المستهلكة محلياً هي مستوردة. لذا، أقِرّ خفض الرواتب الإضافية في المؤسسات العامة، واقتطاع 3 في المئة من رواتب العسكريين لتمويل الطبابة والاستشفاء، وجعل الرواتب التقاعدية مشمولة بضريبة الدخل… وغيرها.
كل هذه الإجراءات تنسجم مع ما قاله قبل بضعة أشهر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، عن ارتفاع الطلب على القروض السكنية بسبب إقرار سلسلة الرتب والرواتب. وهذه السلسلة حمّلها عدد من الوزراء، في جلسات بحث مشروع الموازنة، مسؤولية زيادة عدد الموظفين الذين باتوا قادرين على تمضية إجازاتهم السنوية في الخارج، وبالتالي، إخراج المزيد من الدولارات من لبنان. ما قصده سلامة والوزراء أن التوسع في إنفاق الدولة أدّى إلى زيادة الطلب على الاستهلاك المستورد والمموَّل بالعملات الأجنبية. هذه العملات تأتي إلى لبنان عبر القطاع المصرفي الذي يمنحه مصرف لبنان أدوات الإغراء لجذبها بواسطة الهندسات المالية ورفع أسعار الفائدة. وهذه العملات تصبّ في النهاية كاحتياطات أجنبية لدى مصرف لبنان، وهي قابلة للاستنزاف بسبب الاستهلاك والاستيراد.
في الخلاصة، إن الموازنة التقشّفية، التي يمكن تسميتها موازنة رياض سلامة، «ستؤدي إلى ضرب الطلب الداخلي، تماماً كما حصل في مصر حيث ارتفعت معدلات البطالة بنحو 25%. هذه بداية الطريق في لبنان نحو ارتفاع معدلات البطالة. الانكماش الاقتصادي سيمتد على أكثر من سنة، والضغوط على الرواتب والأجور لم تنته بعد، بل ستكون خيار السلطة في السنوات المقبلة»، وفق داغر.
أما عطالله، فيرجح أن يكون الأثر سلبياً على النمو الاقتصادي وعلى البطالة. «الحكومة لا تحاول تشجيع الاقتصاد على خلق فرص العمل، بل على العكس من ذلك، تحاول قتل فرص العمل الحالية وتقليص الاستهلاك، ما يعني المزيد من الفقر وارتفاع معدلات البطالة».
لبنان يخضع لشروط صندوق النقد
من المفيد التذكير بتقييم صندوق النقد الدولي لورقة لبنان أمام مؤتمر سيدر. يومها أوضح الصندوق أن لبنان يحتاج إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للحفاظ على الثقة ودعم استقرار الاقتصاد الكلي. واقترح زيادة معدلات ضريبة القيمة المضافة، إلغاء الإعفاءات والتخفيضات، وتحسين الامتثال، وإعادة الضرائب المفروضة على المحروقات إلى معدلات ما قبل عام 2012، ووقف دعم الكهرباء تدريجاً.
وأشار الصندوق إلى أن البرنامج الاستثماري الضخم الذي تطلقه الحكومة اللبنانية بهدف تحفيز النمو الاقتصادي، وإفادة اللاجئين والمجتمعات المضيفة… لا يمكن تطبيقه من دون تغيير السياسات المعتمدة، مقترحاً «إدراج برنامج الاستثمارات العامّة ضمن إطار برنامج أوسع يتضمّن تعديلاً/تكليفاً مالياً وإصلاحات هيكلية. إن تنفيذ سلّة من السياسات التي تتضمّن، تعديلاً مالياً يصل إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، وإصلاحات هيكلية في قطاع الكهرباء والحكومة، بالتوازي مع تنفيذ برنامج الاستثمارات العامة، قد يحقّق نمواً أعلى ويخلق فرص عمل أكبر، وبكلفة منطقية تتماشى مع الزيادة الطفيفة في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي».
هكذا وُلدت المؤشرات الرقمية التي تبنّاها لبنان. موازنة 2019 تكاد تكون برنامجاً لصندوق النقد الدولي مع إعطاء لبنان مرونة في اتخاذ القرارات، فبدلاً من زيادة ضريبة القيمة المضافة، جرت زيادة الرسم الجمركي، وبدلاً من إطلاق مناقصات إنتاج الكهرباء، ستجري خصخصتها على نطاق واسع… والحبل على الجرار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللواء
قمتا مكّة تدعمان نهوض لبنان بعد إقرار الموازنة
الإشتباك القواتي – العوني يتوسَّع: مَن هجّر المسيحيّين في الجبل؟
اتجهت الأنظار إلى المملكة العربية السعودية التي وصلها الرئيس سعد الحريري على رأس وفد وزاري يضم الوزيرين جمال الجراح ووائل أبو فاعور لتمثيل لبنان في القمتين العربية والإسلامية الطارئتين اللتين ستعقدان في مكة المكرمة اليوم وغداً، بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز.. والمخصصة للبحث في تطورات المنطقة وتحديات التدخل الإيراني والإعتداءات على المملكة.
وكان في استقباله في مطار الملك عبدالعزيز الدولي الأمير بدر بن سلطان بن عبد العزيز نائب أمير منطقة مكة المكرمة، والأمين العام المساعد لمنظمة التعاون الإسلامي للشؤون السياسية عبد الله عبد الرحمن عالم، وأمين محافظ جدّة صالح التركي، ومدير شرطة منطمة مكة المكرمة اللواء عيد العتيبي، وسفير المملكة لدى لبنان رئيس بعثة الشرف وليد بخاري، وسفير لبنان لدى المملكة فوزي كبارة، ومدير عام مكتب المراسم بمنطقة مكة المكرمة أحمد عبد الله بن ظافر.
وكشف مصدر مطلع لـ«اللواء» ان مشاركة لبنان في القمتين، فضلاً عن تأكيد الالتزام اللبناني بالإجماع العربي، والوقوف إلى جانب المملكة في الدفاع عن سيادتها، ضد الاعتداءات والمؤامرات التي تحاك ضد الدول العربية والإسلامية.
وقال المصدر: وهذه المشاركة، على الرغم من الطابع الاستثنائي للقمتين، على خلفية الاعتداءات والتهديدات الإيرانية والحوثية والارهابية ضد المملكة ودول الخليج، ستتيح المجال امام الرئيس الحريري ولبنان لإظهار قدرته على النهوض، وطلب مساعدة أشقائه، سواء في ما خصَّ احتضان استقراره، أو دعم المشاريع التي أقرها مؤتمر «سيدر» الذي عقد بمشاركة سعودية وخليجية.
وأشار المصدر إلى ان مشاركة لبنان كانت فرصة لإبلاغ المستثمرين العرب وأصدقاء لبنان ان إقرار الموازنة يُشكّل فرصة لإعادة العافية إلى الاقتصاد اللبناني.
وتوقع المصدر ان يلقى استقرار لبنان دعماً متجدداً من قبل أشقائه العرب، والدول الإسلامية في إطار منظمة التعاون الإسلامي، لتعزيز استقراره، ومتابعة برنامج «سيدر» وترسيم الحدود البحرية والبرية.
الموازنة لم تصل
وباستثناء وصول الرئيس الحريري ليل أمس إلى جدّة خلا المشهد السياسي اللبناني أمس، من أية تطورات، سواء تلك المتصلة باحالة مشروع موازنة العام 2019، على المجلس النيابي، أو مفاوضات ترسيم الحدود البرية والبحرية، مع إسرائيل مع عودة مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد إلى تل أبيب حاملاً الموقف اللبناني من الطرح الإسرائيلي الجديد.
إذ ان مشروع الموازنة لم يصل بعد إلى دوائر المجلس النيابي، حيث يخضع حالياً لطبع 128 نسخة منه في وزارة المال، لتوزيعها على النواب قبل 48 ساعة من موعد أي جلسة نيابية، وهذا ما يفسّر أسباب تريث رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان في دعوة اللجنة للاجتماع الاثنين المقبل.
لكن الرئيس نبيه برّي توقع عقد جلسة لجنة المال يوم الاثنين لدرس فذلكة الموازنة، على ان تعقد جلسات متتالية بعد عيد الفطر، مؤكدا ان المجلس سيقوم بواجباته ويمارس دورة كاملاً في درس الموازنة.
وقال في لقاء الأربعاء النيابي، ان النقاش مفتوح في اللجنة، ثم في الهيئة العامة للموازنة وبنودها وسيأخذ مداه، مشيراً في الوقت نفسه إلى انه أعطى توجيهاته من أجل ان تعقد لجنة المال أكثر من جلسة في اليوم.
ومن جهة ثانية، أكّد برّي ان المجلس النيابي قادر على عقد جلسات تشريعية ورقابية خلال مناقشة الموازنة في لجنة المال، متوقعاً عقد مثل هذه الجلسات خلال مُـدّة العقد الاستثنائي المفتوح حتى موعد الدورة العادية في تشرين المقبل.
وفي تقدير مصادر نيابية، ان إشارة الرئيس برّي إلى ان النقاش المفتوح للموازنة سيأخذ مداه في لجنة المال ثم في الهيئة العامة، يعني انه ليس من مهلة محددة له تنتهي في آخر شهر حزيران، حسب المرسوم الذي أجاز للحكومة جباية الواردات وصرف النفقات على أساس القاعدة الاثني عشرية، إذ ان بإمكان المجلس تعديل هذه المهلة عند الانتهاء من الموازنة، طالما هو سيّد نفسه، كما ان إشارة برّي إلى انه بالإمكان عقد جلسات تشريعية ورقابية، خلال درس الموازنة في لجنة المال، تنسجم مع ما تضمنه مرسوم فتح العقد الاستثنائي للمجلس والذي حدّد برنامج أعمال هذا العقد بمشروع الموازنة ومشاريع القوانين المحالة على المجلس أو التي ستحال عليه، وسائر مشاريع القوانين والاقتراحات والنصوص التي يُقرّر مكتب المجلس طرحها.
وذكرت مصادر لجنة المال لـ«اللواء» انها لا تستطيع من الآن إعطاء انطباع عن سير مناقشات اللجنة للموازنة قبل ان تتسلمها بصيغتها النهائية، خاصة بعد التعديلات والاضافات الواسعة التي جرت عليها.
وأكّدت المصادر ان كل الكتل النيابية لديها ملاحظات وتحفظات وربما اعتراضات كبيرة على مشروع الموازنة، وهي ستعبر عنها بالتأكيد في جلسات لجنة المال في الهيئة العامة، إلا انها اشارت إلى ان المجلس مقيد لجهة القدرة على تغيير أرقام في الموازنة من دون تأمين بدائل عنها بموجب قانون، كما انه لا يجوز تعديل ضريبة أو الغائها إلا بقانون، ولا يمكنه أيضاً زيادة الاعتمادات المقترحة عليه في مشروع الموازنة.
وكشف نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم عن اعتراض وزراء الحزب على فرض ضريبة2 في المائة على كل المستوردات من الخارج باستثناء الأدوية، معتبرا هذه الضريبة، بأنها ضريبة على القيمة المضافة في شكل مقنع، ستؤدي إلى اضعاف قدرة المواطن بأمواله وقيمته الشرائية، مشيرا إلى ان نواب الحزب سيعارضون هذا البند في مجلس النواب وسنحاول تجميع أكبر عدد من النواب الذين يوافقون على عدم تمرير هذه الضريبة.
وكشف الشيخ قاسم ايضا ان الحزب يعارض ايضا الضريبة على المعاش التقاعدي، لأن هذا المعاش خارج الضريبة بالاصل، وهو نتيجة تجميع من رواتب العاملين في القطاع العام والعسكر، وهو سيحاول تعديلها. الا ان قاسم خلص إلى ان الموازنة مقبولة لوقف النزيف.
وكان الرئيس ميشال عون اعرب عن أمله في ان يتم إقرار الموازنة في مجلس النواب في أسرع وقت، لافتا إلى ان عملية النهوض الاقتصادي انطلقت، وسيكون للبدء بالتنقيب عن النفط والغاز بداية العام المقبل، الأثر الإيجابي على الاقتصاد.
وفيما أشار إلى ان إقرار مجلس الوزراء لمشروع موازنة 2019 ترك ارتياحاً في الأسواق المالية، رأى ان تطبيق الإجراءات والتدابير المنصوص عنها في الموازنة الجديدة من شأنه خفض العجز والتأسيس لموازنة العام 2020، حيث سيباشر الوزراء رفع موازناتهم إلى وزير المالية للمباشرة بدرسها واحالتها ضمن المهلة الدستورية الى مجلس النواب.
وأكّد عون خلال استقباله الهيئة الإدارية الجديدة لجمعية تجار جونية وكسروان- الفتوح، ان مشروع موازنة 2019 يتضمن إجراءات تُعزّز قطاعات الإنتاج في لبنان، لا سيما الصناعة والزراعة بهدف الانتقال المتدرج إلى الاقتصاد الإنتاجي بدل الاقتصاد الريعي الذي اعتمدته الحكومات المتعاقبة.
«القوات» و«التيار»
وفي سياق متصل، تفاعلت أمس الحرب الكلامية بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» على خلفية ملفات الموازنة وأموال المهجرين التي نبشت قبور الماضي، وسط معلومات عن وساطات بذلت لوقف السجالات واعادة المياه إلى مجاريها لكنها باءت في الفشل.
ومن ضمن هذه المحاولات الموقف الذي أعلنه رئيس حزب «القوات» سمير جعجع، حيث أكّد بعد الاجتماع الدوري لكتلة «الجمهورية القوية» بأن «آخر ما نريده ان نخلق إشكالية مع «التيار الوطني الحر»، مشيرا الىانه «لو أردنا هذا الأمر ما كنا دعمنا وصول الرئيس عون إلى الرئاسة»، لكنه ردّ على وزير المهجرين غسّان عطالله، من ان «القوات» هجرت مسيحيي الجبل، مؤكدا ان ما من عاقل يمكنه ان يصدق هذا الأمر، لافتا إلى ان هناك أماكن لا نريد ان نتجه إليها، ولكن إن اجبرونا سنتجه ونقول الحقائق كما هي. وتمنى على رئيس التيار الوزير جبران باسيل ان يعطي تعليماته ليكون الجواب على قدر السؤال وعدم نبش الماضي.
وقال: «إذا أرادوا ان نتحدث بالحرب فنحن من نملك أسرار الحرب فلا «تزكزكونا» والا ستسمعون الجواب»، إلا انه استدرك قائلاً: «نحن لم ننجز مصالحة مع التيار لنعود عنها، ولكن إذا هاجمنا أحد سنرد عليه».
وكان سبق موقف جعجع، مؤتمر صحافي عقده وزير المهجرين في الوزارة، ردّ فيه على زميله وزير الشؤون الاجتماعية ريشار قيومجيان، حول رصد مبلغ 40 مليار ليرة في موازنة وزارة المهجرين، محذراً من عرقلة خطة عودة المهجرين، منتقداً الطريقة الممنهجة التي خيضت التدخلات وكأن هناك سرقة موصوفة تحصل وكأن فساد الدولة كلّه تبين الآن.
وقال كان بالحري بمن يسأل اليوم ان يقف الى جانب المهجرين على الأقل منذ العام 2005، وكان الأحرى به ان يطالب بحقوقهم بدل ان يستغرب اليوم أين ستذهب الأربعين مليارا، علماً ان هذا المبلغ كان يدرج في كل موازنة بشكل طبيعي، من أجل قيام الصندوق بعمله الطبيعي.
ورد الوزير قيومجيان على عطالله، وقال عبر حسابه على «تويتر»: «لن اجادل غسّان عطالله في اصراره على نبش القبور، وعسى ان يدفن موتى العقول احقادهم رأفة بالشعب اللبناني».
مهمة ساترفيلد
اما بالنسبة لتحرك المفاوض الأميركي ساترفيلد، على صعيد مهمته المتعلقة حصراً بترسيم الحدود البرية والبحرية مع إسرائيل، فقد أوضح الرئيس برّي، في لقاء الأربعاء النيابي ان «الموضوع ليس ترسيم الحدود فحسب بل تثبيت الترسيم»، مشيراً إلى ان «الورقة اللبنانية الموحدة شكلت الضمان في هذه العملية، وليس في إمكان لبنان التنازل عن أي شيء فيها».
وأوضح ان الموقف الرسمي هو ان لبنان ضد تحديد مُـدّة للمفاوضات في هذا الشأن، مؤكداً ان «لبنان يتعامل بكل دقة وانتباه مع هذه المسألة».
يُشار الى ان ساترفيلد انتقل أمس إلى فلسطين المحتلة، ناقلاً الموقف اللبناني حيال تلازم ترسيم البر مع البحر في آن معا خلافا للموقف الاسرائيلي، ورفض جعل مدة المفاوضات محدودة بستة اشهر، اضافة الى بعض التفاصيل اللوجستية والتقنية المتعلقة بمكان المفاوضات والحضور ومستوى التمثيل. ويفترض ان يعود الى بيروت حاملا اجوبة اسرائيلية.
لكن مصادر رسمية اكدت لـ«اللواء» انه الى جانب بت الامور التقنية واللوجستية، هناك ضرورة رسمية لصدور تكليف رسمي لقوات «اليونيفيل» برعاية مفاوضات ترسيم الحدود سواء من مجلس الامن الدولي او الامين العام للامم المتحدة، لان مهمة «اليونيفيل» محصورة بموجب التكليف الرسمي لها بتطبيق القرار الدولي 1701 ورعاية مفاوضات تتعلق به فقط.
واوضحت المصادر ان هذا التكليف يمكن ان يصدر في اي وقت بعد انجاز ساترفيلد صيغة تفاهم على كل ما يتعلق بانطلاق المفاوضات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البناء
صفقة القرن تترنّح: المأزق الإسرائيلي ينفجر بحلّ الكنيست والذهاب لانتخابات مبكرة في أيلول
القضية الفلسطينية تفرض حضورها على قمم مكة بدلاً من مواجهة إيران
الموازنة نحو مناقشات حامية نيابياً… وساترفيلد لن يخدع لبنان لا براً ولا بحراً!
باءت بالفشل كل الحشود السياسية الأميركية إلى المنطقة لمواكبة الحشود العسكرية بفصائل متقدمة دبلوماسياً وجعل الأولوية لقمم مكة الخليجية والعربية والإسلامية المواجهة مع إيران، والترويج لصفقة القرن من بوابة الحشد لحضور مؤتمر البحرين تحت عنوان الاستثمار في السلام، فكل المؤشرات تدلّ على انتصار القضية الفلسطينيّة بتصدّر جداول أعمال المؤتمرات الثلاثة في ظل حرج خليجي شديد من ظهور أي معارضة نوعاً من التآمر الذي تسعى العواصم الخليجية لتفاديه، فخرج الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي ليعلن أن القضية الفلسطينية لا تزال أولوية المنظمة التي تشكلت في أعقاب إحراق المسجد الأقصى عام 1969، وهو المسجد الذي سيصبح تحت سيادة إسرائيلية قانوناً بموجب إعلان القدس عاصمة لـ»إسرائيل». وهذا أحد مرتكزات صفقة القرن التي جاء الأميركيون للتبشير بها، وأعلنوا الحرب السياسية والاقتصادية مع إيران لتغطية مشروعهم لتصفية القضية الفلسطينية، سواء بتهويد القدس أو بإلغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين. ويتوقع أن يشهد اليوم مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية عشية التحضير للقمة الحضور البارز للقضية الفلسطينية والمخاطر التي تتعرّض لها.
بالتوازي كانت الصفعات لصفقة القرن تتالى حيث أصيب المستوى السياسي الإسرائيلي بنكسة تمثلت بالفشل المتمادي في تشكيل ائتلاف حكومي جديد، ما أدى إلى التصويت إيجاباً على حل الكنيست لنفسه والإعلان عن الذهاب إلى انتخابات مبكّرة في أيلول المقبل، وهذا يعني بقاء كيان الاحتلال بدون قيادة فعلية حتى ذلك التاريخ. وبالتالي فقدان القدرة على تقديم أي دعم سياسي أو عملي يحتاجه الأميركي لمنح صفقة القرن ومشروعه لإنجاح الحركة باتجاه تسويقها المصداقية اللازمة.
لبنانياً، تسلك الموازنة طريقها إلى بدء المناقشات النيابية، مع توزيع نسخ من مشروع الموازنة على النواب مرفقاً بفذلكة الموازنة التي يفترض أن تصل للنواب يوم الإثنين، في ظل مناخات نيابيّة تحدثت عن نقاشات حامية تنتظر مشروع الموازنة، خصوصاً في بندَي الضرائب على الرواتب التقاعدية والرسوم على المستوردات، وفيما توقعت بعض المصادر النيابية أن تنتهي هذه المناقشات بإلغاء البنود المعترض عليها واستبدالها بعائدات زيادة رسوم أخرى، كرسم التخابر الذي تمّ صرف النظر عنه في مناقشات الحكومة، توقعت مصادر أخرى ربط هذه البنود بمهلة زمنية لسنتين أو ثلاث بموجب وضع تعهّد حكومي في محضر المناقشات بإلغاء هذه البنود بعد نهاية المدة باعتبار أن الموازنة أصلاً سنوية ولا تتضمن التزامات لأكثر من سنة، فيما قالت بعض المصادر الأخرى إن النقاش سيفتح الباب على تحويل رسوم المستوردات إلى سلسلة متحرّكة للرسوم الجمركية لحماية الإنتاج الوطني برسوم مناسبة على البضائع المنافسة قد تتخطى نسبة الموازنة الـ2 ويجري إلغاء الرسوم عن السلع التي لا إنتاج محليّ يعوضها وتنافسه في آن، بينما يجري إلغاء الضريبة على الرواتب التقاعدية، واستندت المصادر إلى ان تحالف كتلتي أمل وحزب الله سيجد حلفاء آخرين للسير في هذا الاتجاه.
على مسار التفاوض مع مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد ساترفيلد، قالت مصادر متابعة إن الانتباه اللبناني على مستوى الرئاسات والوزارات المعنية، وخصوصاً وزارتي الخارجية والدفاع، يقظ لأي مكر أو خداع أو تلاعب سواء في الشكل أو في المضمون، وأن كل مفردة يجري عرضها من الجانب الأميركي سواء كمقترح منه أو نقلاً عن الجانب الإسرائيلي خصوصاً يجري تمحيصها وتدقيقها تحسباً لأن تتضمن فخاخاً يراد منها تضييع الوقت أو التفاوض للتفاوض أو استدراج لبنان إلى مواقع تفاوضية تبتعد عن الهدف المرجو من عملية تثبيت الترسيم لحدود مرسمة وموثقة لدى الأمم المتحدة، وتسمّيها القرارات الأممية بالحدود الدولية للبنان مرفقة بها الخرائط التي توضح كل التفاصيل.
نواب: الموازنة ليست منزلة…
بعد إحالة مشروع موازنة 2019 من الحكومة الى المجلس النيابي تتجه الأنتظار الى ساحة النجمة، حيث من المتوقع أن تبدأ لجنة المال والموازنة اولى جلساتها لدرس الموازنة الاثنين المقبل، على ان تعقد جلسات متتالية حتى لو اقتضى الأمر جلستين في اليوم صباحية ومسائية بعد عطلة عيد الفطر. وقد تسلم رئيس المجلس النيابي نبيه بري 30 نسخة ورقية من المشروع بالصيغة التي أقرّها مجلس الوزراء على أن تطبع 128 نسخة وتوزع على النواب.
إلا أن مصادر نيابية أوضحت لــ»البناء» أن «الموازنة ليست منزلة ولا تتوقع الحكومة أن يبصم المجلس النيابي عليها كما هي، بل لديه الحق الكامل في درس ومناقشة كل بند ورفض بعض البنود أو تعديلها أو تقديم مقترحات جديدة للحكومة»، مشيرة الى أن «كتلاً سياسية عدة سجلت رفضها وتحفظها على العديد من البنود لا سيما المتعلقة بتخفيض الرواتب وفرض ضرائب جديدة»، علماً أن «المجلس ليس لديه الحق بزيادة أرقام الموازنة بل لديه الحق بتخفيضها وعند حصول خلاف مع الحكومة يمكن للمجلس أن يعيد أي بند للحكومة لإعادة درسه».
كما توقعت المصادر النيابية ان يتم تعديل بنود عدة كما أظهرت المناقشات داخل مجلس الوزراء، في اشارة الى كلام الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله من أن نواب كتلة الوفاء للمقاومة سيناقشون في كل بند ولن يوافقوا على كثير من البنود وإن التزموا قرار الحكومة رغم تحفظهم. وفي سياق ذلك أشارت مصادر نيابية في كتلة التنمية والتحرير لـ»البناء» الى أن «الكتلة سترفض في المجلس بنوداً ضريبية عدة لا سيما ضريبة الدخل على الرواتب التقاعدية و2 في المئة على السلع المستوردة والرسوم النوعية على بعض المنتجات المستوردة، لأنها ستطال بشكل أو بآخر المواطنين من ذوي الدخل المحدود، موضحة أن «وزراء حركة أمل اعترضوا في نقاشات مجلس الوزراء ومعهم وزراء حزب الله والمردة على هذه الأنواع من الضرائب والكتلة متمسكة بهذا المبدأ في المجلس النيابي وستصوت ضد الضرائب الجديدة»، إلا أنها « أوضحت أن «نسبة العجز المحققة حتى الآن جيدة في ظل الظروف الحالية»، لكنها شككت في «إمكانية التزام الحكومة بأرقام الموازنة نفسها وبألا تعود الى الإنفاق العشوائي ولديها سوابق في هذا المجال»، كما لفتت الى أن «آلية مساهمة المصارف في سد العجز في الخزينة وتخفيض الدين العام يلحظ مشروع الموازنة لا سيما رفع الضريبة على الودائع والمصارف من 7 الى 10 في المئة اضافة الى الزام المصارف والمصرف المركزي الاكتتاب بسندات الخزينة بفائدة 1 في المئة على أن تشملها ايضاً الضريبة على الودائع».
وأكد الرئيس بري في لقاء الاربعاء النيابي ان «المجلس سيقوم بواجباته ويمارس دوره كاملاً في درس الموازنة. وقال ان النقاش مفتوح في اللجنة ثم في الهيئة العامة للموازنة وبنودها وسيأخذ مداه، ونقل زوار بري عنه قوله لـ»البناء» إنه «مرتاح الى انتهاء النقاشات في الحكومة وارسال المشروع الى المجلس»، مشيراً الى انه اعطى توجيهاته من اجل ان تعقد لجنة المال اكثر من جلسة في اليوم. واكد ان المجلس النيابي قادر على عقد جلسات تشريعية ورقابية خلال مناقشة الموازنة في لجنة المال، متوقعاً عقد مثل هذه الجلسات.
ونقل الزوار «وجود تفاهم بين الرؤساء الثلاثة ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري على التنسيق والتعاون لإقرار الموازنة بأسرع وقت ممكن لتحسين صورة لبنان أمام المجتمع الدولي وتحسين الوضع الاقتصادي وللاستفادة من موسم السياحة المقبل».
وأشارت مصادر «البناء» الى أن التقرير الخاص بقطع الحساب عن عام 2017 سينجز خلال عشرة ايام وتقدم نسختان منه الى مجلسي النواب والوزراء لمناقشته مع موازنة 2019 على أن يتولى ديوان المحاسبة التدقيق بقطع الحساب من العام 1993 حتى 2018».
وتوقعت مصادر أن تشهد «الجلسات كباشاً كبيراً ومداخلات كثيفة للنواب لا سيما أن الجلسات ستنقل مباشرة على الهواء ما سيضع النواب والكتل والحكومة أمام مواجهة مباشرة مع الرأي العام والقطاعات الوظيفية وعامة المواطنين، كما توقعت أن يشهد الشارع اعتصامات وتظاهرات بالجملة بالتزامن مع انعقاد الجلسات».
وفي سياق ذلك، عقدت الجمعية العامة للقضاة اجتماعاً أمس غداة دعوتهم من قبل رئيس الجمهورية الى فك إضرابهم، انتهى من دون اتخاذ أي قرار بخصوص تعليق الاعتكاف، ما يعني تالياً انه مستمر في ظل عدم صدور أي بوادر إيجابية من السلطتين التشريعية والتنفيذية تجاه مطالب القضاة التي يعبر عنها هؤلاء في جمعياتهم العامة. ما دفع وزير العدل ألبير سرحال الى التعبير عن أسفه لرفض القضاء التجاوب مع تمنيات رئيس البلاد.
وأعرب الرئيس عون عن امله في ان يتم إقرار الموازنة في مجلس النواب في اسرع وقت، لافتاً الى ان عملية النهوض الاقتصادي انطلقت وسيكون للبدء بالتنقيب عن النفط والغاز بداية العام المقبل الأثر الإيجابي على الاقتصاد الوطني. وفيما اشار الى ان اقرار مجلس الوزراء لمشروع موازنة 2019 ترك ارتياحاً في الاسواق المالية، رأى ان تطبيق الإجراءات والتدابير المنصوص عنها في الموازنة الجديدة من شأنه خفض العجز والتأسيس لموازنة 2020، حيث سيباشر الوزراء رفع موازناتهم الى وزير المالية للمباشرة بدرسها وإحالتها ضمن المهلة الدستورية الى مجلس النواب. واكد أن مشروع موازنة 2019 يتضمن إجراءات تعزز قطاعات الإنتاج في لبنان ولا سيما منها الصناعة والزراعة، بهدف الانتقال المتدرج الى الاقتصاد الإنتاجي بدل الاقتصاد الريعي الذي اعتمدته الحكومات المتعاقبة.
بري: الورقة الموحّدة هي الضمانة
على صعيد آخر، تناول الرئيس بري آخر ما يتعلق بتحرك مساعد وزير الخارجية الاميركية السفير دايفيد ساترفيلد الذي غادر بيروت، فأوضح ان الموضوع ليس ترسيم الحدود فحسب، بل تثبيت الترسيم. وقال إن الورقة اللبنانية الموحدة شكلت وتشكل الضمانة في هذه العملية، وانه ليس بإمكان لبنان التنازل عن أي شيء فيها. واوضح ايضاً ان الموقف الرسمي هو ان لبنان ضد تحديد مدة للمفاوضات في هذا الشأن، مؤكداً ان لبنان يتعامل بكل دقة وانتباه مع هذه المسألة.
وأوضحت مصادر بري لـ»البناء» أن «رئيس المجلس عبر عن حذره إزاء الطروحات الاميركية نظراً للسوابق غير المشجعة في هذا الاطار»، مضيفة أن «لبنان اعطى موافقته المبدئية على شكل المفاوضات وفق الآلية المعتمدة بالاجتماع الثلاثي في الناقورة برعاية الامم المتحدة على أن يشارك الاميركي كوسيط»، ولفتت الى أن «الخلاف الحاصل هو حول مهلة التفاوض، حيث رفض لبنان الالتزام بمهلة معينة مدة ستة شهور كما يريد الاسرائيلي بل يريدها مهلة مفتوحة حتى التوصل الى اتفاق لا سيما أننا أمام عدو يستخدم المكر وتضييع الوقت لتمرير أهداف معينة»، وتضيف المصادر أن «الانتصار الذي حققه لبنان هو تسمكه بوحدة موقفه الذي أبلغه للاميركي بتلازم المسارين البري والبحري وبدء المفاوضات بالآلية التي طرحها لبنان»، مشددة على تمسك لبنان بالنقطتين ب 1 وب 2 في البحر الذي يعتمد عليهما كمنطلق للمفاوضات اضافة الى النقاط الـ 13 في البر، كاشفة أن «وحدة الموقف هذه فاجأت الأميركيين والإسرائيليين ما دفعهم الى التراجع الى الوراء خطوات». ونفت المصادر أن يكون ساترفيلد طرح مع بري ربط التفاوض بمصير سلاح حزب الله مشيرة الى «أن اي تفاوض خارج الإطار المتفق عليه هو أمر مرفوض من قبل لبنان»، وعلمت «البناء» أن ساترفيلد «سيعود خلال ايام الى لبنان من فلسطين المحتلة لاستكمال البحث مع المسؤولين اللبنانيين».
ونقل زوار عين التينة عن بري قوله «ان ما حققته وساطة ساترفيلد مجرد إيجابيات لا تغني من جوع. فالرجل حتى الآن لا يزال في موضع التساؤل والافتراض. اما الحديث عن شكل الوفد اللبناني المفترض لإجراء المفاوضات فمبكر جداً وقبل هذا وذاك على اسرائيل التجاوب او الاعتراف بالطرح اللبناني او الآلية المطروحة».
سجال التيار – القوات
في غضون ذلك خرج الخلاف بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية الى العلن بعدما بقي داخل جلسات مجلس الوزراء المغلقة، وذلك على خلفية ملفات الموازنة وأموال المهجرين، وسط معلومات عن وساطات بُذلت لوقف السجالات وإعادة المياه الى مجاريها تبدو باءت بالفشل.
فبعد سجال نائب القوات أنيس نصار ونائب التيار سيزار ابي خليل دخل رئيس القوات سمير جعجع على الخط، مهدداً بكشف ملفات الحرب الأهلية، وقال في مؤتمر صحافي له بعد اجتماع تكتل القوات «هناك أماكن لا نريد أن نتجه اليها ولكن إن جبرتونا سنتجه وسنقول الحقائق كما هي. فالتحلي بالمسؤولية يضر أحياناً». اضاف: «إذا أرادوا ان نتحدث بالحرب نحن من نملك أسرار الحرب، لا «تزكزكونا» وإلا ستسمعون الجواب، ولم ننجز مصالحة مع «التيار الوطني الحر» لنعود عنها وإن هاجمنا أحد سنرد عليه ولن نتجه لمشكلة مع التيار كتيار».
على صعيد آخر، أكدت وزيرة الطاقة والمياه ندى بستاني ، في تصريح عبر وسائل التواصل الإجتماعي أن «التخفيضات على رسوم الاشتراكات الجديدة هي بداية لسلسلة من الخطوات التي ستتّخذ لتسهيل تطبيق خطة الكهرباء ».