تابعت الصحف مساعي "التهدئة السياسية" وإجراءات التحقيق القضائي في حوادث "البساتين" ـ "قبر شمون" التي وقعت أول أمس. من شأن ذلك تخفيف التوتر المجتمعي الذي سببته جولة الإشتباك الدامي بين طرفي "الجبهة الباسيلية ـ الجنبلاطية". الخطاب الطائفي ما يزال يثقل على المواطنين. تقاذف المسؤوليات السياسية متواصل. "الباسيليون" و"الجنبلاطيون" يتبادلون الإتهامات من دون تراجع أو اعتذار. في هذه الأجواء يمضي الجيش والقوى الأمنية في تظليل الأمن الدولتي وعزله عن النزق الطائفي لكلا الطرفين. بحيث لا تهدد خلافاتهما الإستقرار العام وأمن المواطنين.
الأخبار
الاشتراكي: الجيش يتصرّف بهمجية!
جنبلاط وباسيل: لا تراجُع!
بدأت يوم أمس مساعي لملمة ذيول جريمة البساتين، باجتماع عقده المجلس الأعلى للدفاع، وخلص فيه إلى حتمية فرض «هيبة الدولة» وتقديم المطلوبين إلى العدالة. أولى نتائج الاجتماع كانت قيام الجيش بمداهمات ليلية أوقف خلالها عدداً من المطلوبين، ما استدعى انفعالاً اشتراكياً عبّر عنه بيان للحزب، اتهم فيه الجيش بالبربرية والهمجيّة!
كان يوم أمس مخصصاً لتخطي قطوع الجبل. استنفار سياسي بدأ صباحاً باجتماع المجلس الأعلى للدفاع، وبقرار حاسم بضبط الأمن وبتوقيف جميع المطلوبين، مع إجماع، في الوقت نفسه، على ضرورة التهدئة، وعدم إقحام الأجهزة الأمنية بالخلافات السياسية. إلا أن ذلك لم يمنع من استمرار التوتر في قرى عديدة في الجبل، حيث قطعت الطرقات في أكثر من منطقة، مع مطلب واحد: رامي سلمان وسامر أبو فراج لن يدفنا قبل تسليم المتهمين.
وفيما أثنى النائب طلال ارسلان على مقررات المجلس، فقد طالب في مؤتمر صحافي سبق لقاءه بالرئيس ميشال عون بتحويل الجريمة إلى المجلس العدلي، معتبراً أن من الطبيعي عندما يتعرض وزير لمحاولة اغتيال أن يحال الملف إلى المجلس العدلي. وأضاف: «لا يكلمني أحد عن دفن قبل تحويل القضية إلى المجلس». وهو أمر لا يزال يدرس، خاصة أن مطالبات عديدة أتت في هذا السياق. وتردد أن رئاسة الجمهورية تؤيده، ولا سيما أن المستهدف هو وزير في الحكومة وعضو في تكتل لبنان القوي.
اجتماع بعبدا كان شهد إجماعاً على ضرورة ضبط الأمن واعتبار أن ما حصل يشكل استهدافاً لهيبة الدولة وليس مسموحاً أن تكون أي منطقة مقفلة أمام أي لبناني، خاصة أمام الوزراء والنواب. واعتبر رئيس الجمهورية أن ما حصل كان يمكن أن يودي بحياة أربعة وزراء ونائبين كان يمكن أن يكونوا في الموكب نفسه. وشدد على ضرورة فرض هيبة الدولة.
من جهته، أكد الرئيس سعد الحريري وجوب التعامل مع الأمور بروية. وهو إذ أشار إلى خطورة ما حصل، إلا أنه اعتبر أن خلفيته ليست أمنية أو عسكرية بل سياسية، والبلد لا يحتمل أي توتر، لافتاً إلى أنه «لا داعي للخطابات والتشنج، ولا أعرف لماذا تشد غالبية القوى السياسية العصب، كما لو أننا على أبواب انتخابات». كلام الحريري استدعى رداً من الوزير سليم جريصاتي، معتبراً أن الاستقرار السياسي موجود لكن المسألة بحاجة إلى تحرك أمني وقضائي لاستعادة هيبة الدولة، كما حصل في طرابلس عندما طوّق الجيش عملاً إرهابياً. لكن قائد الجيش جوزف عون تدخل ليشير إلى أن مسألة الحدث الإرهابي في طرابلس مختلفة عن الأزمة الحالية.
مقابل كل التوتر الذي ساد الجبل، لم يظهر النائب السابق وليد جنبلاط أي رغبة في التهدئة، فيما بدا قراراً مسبقاً بالمحافظة على مستوى عال من التوتر، علماً بأنه كان بإمكانه أن يقوم ببعض الأمور الشكلية التي تسهم في الحد من زيادة الشرخ. ولليوم الثاني على التوالي، لم يقم بأي مبادرة لخفض حدة التشنج، فلا اتصل بأرسلان معزياً، ولا أعلن موقفاً متضامناً مع أهالي الضحايا. والأسوأ أنه لم يحد عن جدول أعماله، فسارع الحزب إلى الإعلان عن لقاءاته في الكويت، كما لو أن شيئاً لم يكن.
ومقابل الصمت الجنبلاطي، ترك الكلام إلى مفوضية الإعلام في الحزب الاشتراكي، التي أصدرت بياناً باهتاً، أكدت فيه تجديد الحزب تمسكه بدور الأجهزة القضائية ومرجعية الدولة وضرورة أن تأخذ التحقيقات مجراها بشفافية ونزاهة. وشدد على أنه لن ينجر إلى أي سجالات سياسية أو إعلامية ترمي إلى إذكاء النيران وتأجيج التوتر في منطقة الجبل. كما أكد ثقته الكاملة بالجيش اللبناني مقدراً ومثمناً تضحياته ودوره الوطني في حماية الاستقرار والسلم الأهلي، ومشدداً على رفض أن يدق أي إسفين بين الحزب وبينه. كذلك كان لافتاً ما نشرته الأنباء من اتهام للغريب بإطلاق النار بنفسه.
ثقة النهار بالجيش، سرعان ما انقلبت ليلاً إلى تشكيك في دوره، على خلفية قيامه بمداهمات في قرية البساتين، أسفرت عن توقيف عدد من المتهمين. وقد قرئت هذه المداهمة التي جاءت تنفيذاً لقرار المجلس الأعلى، على أنها تجريد لجنبلاط من القدرة على اختيار التوقيت وتهيئة الظروف التي يراها مناسبة لتسليم المطلوبين. فكانت النتيجة بياناً شديد اللهجة من وكالة داخلية الغرب في الحزب التقدمي الاشتراكي اعتبرت فيه أن «ما يجري في منطقة الغرب والشحار من مداهمات وملاحقات وخرق لحرمة المنازل أقل ما يقال فيها أنها بربرية وهمجية وتكشف عن نوايا سيئة وكيدية تجاه هذه المنطقة العزيزة وأهلها الشرفاء». وأضاف البيان أن «تطبيق القانون وتنفيذ الاستنابات القضائية يجب أن يطبق على كل الناس من دون أي تمييز وضمن الاصول والقواعد القانونية المرعية الإجراء».
في المقابل، أكد رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب أن تحرك الجيش إنما جاء ليثبت أن قرار الدولة حاسم في رفض سيطرة الميليشيات على مصير الجبل. كما أشار إلى أن البدء بتوقيف المتورطين سيساعد في إقناع الأهالي بدفن الضحايا، بعدما أكدوا رفضهم القيام بواجب الدفن قبل توقيف المتورطين.
التوتر الجبنلاطي ليس مرشحاً للتراجع، خاصة مع توقع المزيد من الخسائر، ومنها في ملف التعيينات، حيث وُعد ارسلان ووهاب بأن تكون لهما حصة من التعيينات الدرزية، علماً بأن ارسلان كان قد أكد، في مؤتمره الصحافي، أن التوتر الجنبلاطي سببه مالي أيضاً، كاشفاً أن الأخير سبق أن طالب بحصة في معمل الترابة التابع لآل فتوش، وقد جرى ذلك في اجتماع عقد برعاية الرئيس نبيه بري.
ومن دون أن يغوص في اتهام الجيش بالتقصير، اعتبر أرسلان أن «ظهور الجيش في الجبل كان ضعيفاً جداً بالرغم من التحريض الذي مورس ضد زيارة الوزير باسيل». وقال: لا نشكك في انتمائنا وحرصنا على المؤسسة العسكرية، ولكنْ هناك أمور غير طبيعية تحصل، ولهذا لن أدخل في الأسماء لأنني التزمت بوعد مع وزير الدفاع».
جنبلاط وباسيل: لا تراجُع!
من المبكر القول إن كلام المجلس الاعلى للدفاع حول دور القضاء والامن في إنهاء ذيول حوادث عاليه قادر على ان يطوي صفحة ما حصل سياسياً وأمنياً. ففي السياسة والامن والقضاء هناك الكثير ليقال. لكن الاكيد ان للقضاء والامن دوريهما الاساسيَّين في كشف حقيقة ما حصل وتوفير المعطيات اللازمة للتحقيق، تمهيداً لدور سياسي، ليس من مسؤولية المجلس الاعلى للدفاع، علماً بأن هذا المجلس عرض كل الاجواء التي رافقت ما حصل من معلومات ونقاش سياسي وامني، مع العلم أن وجهة نظر الحزب التقدمي الاشتراكي غائبة عن هذا المجلس، ما يعني ان النقاش الحقيقي يفترض ان يتم على مستويين، رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي يشكل دوره مرتبة اعلى من كون الحادثة حصلت مع صهره وتياره السياسي، وبما يتعدى ايضاً اللقاء مع احد اطراف النزاع دون غيره. والمستوى الثاني مجلس الوزراء الذي يضم الطرفين المعنيين، اضافة الى ان من مسؤولية الحكومة وضع يدها على هذا الملف، خصوصاً في ظل مطالبة رئيس الحزب الديموقراطي طلال ارسلان بإحالة القضية على المجلس العدلي، وهذا أمر يقرره مجلس الوزراء (تقرير هيام القصيفي).
الا ان الموقف السياسي لجنبلاط لن ينحصر بمجلس الوزراء. فجنبلاط، كما توافرت اجواء أمس، في صدد تهدئة الوضع والاحتكام إلى القضاء وحده، لكن على طريقته. وهو يعي انه نجح في شد عصب جمهوره في اليومين الاخيرين، بعدما تحولت معركته السياسية من خلاف مع التيار الوطني الحر، الى معركة تجمع كل «حلفاء سوريا في لبنان» في صف واحد ضده. وموقف الاشتراكي مبني على أن جنبلاط فتح بابه للتيار وسلم رئيس الجمهورية منصباً وزارياً، واحتكم اليه، فأتاه بوزير مقرب من دمشق. واستقبل وزير المهجرين غسان عطا الله وأيّد مصالحة سيدة التلة، لكن رئيس التيار هاجمه في عقر داره، ووزير المهجرين سرعان ما رد تلفزيونياً بأن المسيحيين يخافون من النوم في الجبل، ونواب التيار لا يوفرون فرصة لمهاجمة الاشتراكي. والعتب الجنبلاطي الحقيقي هو ان «التيار أتى بنواب ووزراء لا يعرفون اهمية مراعاة الجبل، ليس لجهة تبعات الحرب فحسب، بل لانهم لا يعرفون خصوصيته وتاريخه، ويتصرفون بطريقة تسيء الى المصالحة الحقيقية»، علماً بأن الاشتراكي أوعز الى كل المعنيين أمس في المنطقة بضرورة منع اي تصعيد وسحب اي عنصر توتر، لا سيما في منطقة بحمدون، والتواصل مع المعنيين على الارض من فاعليات لحصر ذيول الحادث.
وبقدر ما شدّ جنبلاط عصب جمهوره، فإن الواقع على الارض يحتاج الى جهود حثيثة سياسية وأمنية لتطويقه، من دون التقليل من اهمية فتح قناة التواصل والحوار. فكل من تواصل مع الرئيس سعد الحريري سمع منه كلاماً واضحاً حول مسؤولية الخلافات السياسية عما حصل. كان الحريري حاسماً في إبعاد المسؤولية عن اي جهاز أمني أو عسكري أو الكلام عن تقصير ما. كان واضحاً بإشارته الى ان الخلافات السياسية أوصلت لبنان الى هذا الحد من الاحتقان، وانه يجب تطويق ذيول الحادثة في الامن والقضاء، وفي السياسة ايضاً.
كلام الحريري لم يكن منعزلاً عن محاولته التواصل مع وزير الخارجية قبل تطور الاشكالات في عاليه، وكان دوره وكلامه حاسمين في تجاوب باسيل معه وقطع زيارته والعودة الى بيروت، رغم ان الوزير صالح الغريب أصرّ عليه استكمال الجولة وعدم قطعها.
أمنياً، اتخذ الجيش تدابير فورية قبل انعقاد المجلس الاعلى، ونفذ انتشاراً واسعاً وإجراءات فورية في المناطق التي وقعت فيها الحادثة وتلك التي شهدت توتراً ايضاً. كذلك بدأ التنسيق بين الجيش والاجهزة القضائية المختصة في ما يتعلق بملاحقة المتورطين في الحادث، علماً بأن درجة الاستنفار الامني كانت عالية جداً في جبل لبنان يوم السبت، بعدما توافرت للأجهزة الامنية من مخابرات جيش ومعلومات الامن العام وقوى الأمن، معلومات منذ ليل الجمعة ــ السبت حتى يوم الزيارة، عن توتر متنقل، وتبلغت كل القيادات الامنية والسياسية المعنية بها، وابلغ بها ايضاً رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وباسيل. ينفي معنيون أن يكون أي جهاز توقع تماماً إمكان تطور الاشكالات الى ما حصل، لكن الاجهزة كانت تبلغت الإعداد للتظاهرات، وان إلقاء قنبلة صوتية في كفرمتى وملاحقة شخصين متهمين بها، ومن ثم إلقاء قنبلة قرب كنيسة منصورية بحمدون في الليلة نفسها واطلاق قذيفة ليل السبت، كانت مؤشرات مقلقة. وهذا يعني انه كان يمكن تفادي تطورها اذ لم تحصل الزيارة الى كفرمتى او على الاقل تم الالتزام بالمسار الذي رسم لها اي زيارة مخيم صيفي من دون التوسع في الزيارات التي طرأت عليها لاحقاً. لكن باسيل كان واضحاً في جوابه، وهو الذي كرره أمس، بعد غيابه العلني وتركه نوابه ووزرائه يهاجمون الاشتراكي، بأن الدستور يكفل له حق الزيارات وابداء الرأي، وانه لا يمكن لأي طرف منع طرف آخر من زيارة أي منطقة وهو مصر على عدم التخلي عنها. لم يأخذ باسيل بالنصيحة، لانه اعتبر بحسب سياسيين معنيين انها فرصة كي يسجل كسراً لأعراف جنبلاط، ثم تهيب استكمالها حين ارتفعت حدة ما تبلغه من الحريري وقادة الاجهزة الامنية بضرورة العودة الى بيروت. وبخلاف ما قاله النائب سيزار ابو خليل عن سرايا الجيش التي كانت برفقة الوفد، فالجيش وضع كما في كل حدث او جولات رسمية قوات من الجيش موزعة اما على الطرق او في اماكن الاحتفالات والحدث، علماً بأن برنامج الزيارة كان يشمل نحو ست محطات كان الجيش وقوى الامن قد استعدا لها وفق برنامج دقيق ونشرا قواتهما فيها. اما المواكبة الثانية لباسيل فهي جهاز امنه الخاص وهو جهاز كبير ولا يتبع لقيادة الجيش او لاي جهاز امني.
بعد الجبل يستعد باسيل لزيارة طرابلس. وهو وإن كان مُصراً على استكمال جولاته، إلا أن الاكيد ان ما حصل معه هو الاول بهذا الحجم منذ بداية العهد وتوليه شؤونه الرئاسية، لن يوقفه لأن أي خطوة تراجعية قد يستفيد منها خصومه وتؤثر في مساره. لكن حجم ما حصل هزّه فعلياً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللواء
مجلس الوزراء أمام مأزق إحالة حادث قبرشمون إلى المجلس العدلي
الحريري لإبعاد الأجهزة الأمنية عن الخلافات السياسية .. وأرسلان يحمل بعنف على جنبلاط
كان يوم أمس يوماً آخر: راحت فكرة الانفعال، وجاءت لحظة الإجابة عن الأسئلة المقلقة: ما الذي حدث؟ ولماذا؟ وكيف يمكن تجاوز ما حصل؟ والحؤول دون تكراره؟
من قرارات مجلس الدفاع الأعلى إلى الانتشار العسكري في مناطق الاحتكاكات، عادت الأمور إلى طبيعتها، وسط تصعيد في الموقف لرئيس الحزب الديمقراطي الامير طلال أرسلان الذي اشترط أولاً إحالة حادثة إطلاق النار على المجلس العدلي، فضلاً عن سقوط ضحايا، ابرزهم اثنان من مرافقي الوزير الذي تعرض موكبه لاطلاق نار صالح الغريب.
سبق موقف أرسلان زيارة إلى قصر بعبدا، ولقاء مع الرئيس ميشال عون، الذي ترأس اجتماعاً للمجلس الأعلى للدفاع، انتهى إلى قرارات بإعادة الأمن وتوقيف المطلوبين واحالتهم إلى القضاء، الذي باشر التحقيقات باشراف مدعي عام التمييز بالانابة القاضي عماد قبلان، الذي عاين الأرض التي وقع عليها الحادث الأمني.
وعلمت «اللواء» ان اتصالات تجري بعيداً عن الأضواء لمعالجة الموقف قبل الوصول إلى الجلسة. ففيما يطالب فريق الوزير أرسلان بحصر الإحالة إلى المجلس العدلي بحادث قبرشمون، ومحاولة اغتيال وزير يطالب الفريق الجنبلاطي بأن تشمل الإحالة كل حوادث الجبل، بما في ذلك حادث الشويفات، الذي أدى إلى مقتل أحد أعضاء الحزب الاشتراكي واتهم الحزب الأمير أرسلان بإخفاء القاتل حينها.
وحتى ساعات الصباح الأولى، استمرت الاتصالات، قبل جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقررة في السراي الكبير، ويسبقها استقبال وزيرالدفاع الفرنسي، على ان يستقبل الوفد الأميركي ديفيد ساترفيلد لاحقاً.
وتأتي الاتصالات على خلفية النقاشات والتباينات التي حصلت في اجتماع مجلس الدفاع الأعلى.
وقالت مصادر من داخل الاجتماع ان تبايناً حصل بين رئيسي الجمهورية والحكومة بشأن المعالجات، فيما طالب رئيس الجمهورية الأجهزة القضائية والأمنية باستكمال الإجراءات اللازمة والضرورية وفقا للأصول والأنظمة المرعية الاجراء والقيام بالتوقيفات اللازمة، دعا رئيس الحكومة إلى التهدئة مشددا على ضرورة المعالجة السياسية اللازمة وعدم إقحام الأجهزة العسكرية والأمنية بالخلافات السياسية.
الجبل بين التهدئة والتصعيد
في غضون ذلك، بقيت ذيول احداث منطقة قرى قضاء عاليه محط اهتمام ومتابعة سياسية وأمنية كثيفة من أجل احتواء تداعياتها ومنع أي ردود فعل، خاصة بعد إعلان أهل الضحيتين رامي سلمان وسامر أبو فراج عدم تسلم جثمانيهما قبل تسليم مطلقي النار إلى السلطات القضائية، وقطعوا طريق بعلشمية – بحمدون بالاطارات المشتعلة فترة من الوقت قبل ان يُعيد الجيش فتحها، فيما تفقد مدعي عام التمييز بالوكالة القاضي عماد قبلان مسرح الجريمة في قبرشمون واشرف على التحقيقات وعلى عمل الأدلة الجنائية، بينما واصلت وحدات الجيش تكثيف دورياتها في بعض القرى التي شهدت توتراً، واسهمت كل هذه الإجراءات في استعادة المنطقة هدوءها، ولكن على حذر، في ظل استمرار التوتر والتصعيد السياسيين وتباعد نظرة المسؤولين إلى المعالجات على الأرض.
وكان اللافت على هذا الصعيد، هو ما توافر من معطيات لدى المجلس الأعلى للدفاع، من ان احداث الجبل كان مخططاً لها، وكان عبارة عن محاولة اغتيال مزدوجة تستهدف الوزيرين جبران باسيل وصالح الغريب، وانه لهذا السبب برز اتجاه نحو إحالة الحادث الذي اودى بحياة مرافقي الوزير الغريب إلى المجلس العدلي، وتقرر ان يعهد إلى مجلس الوزراء الذي سيجتمع اليوم بحث هذا الموضوع واتخاذ القرار في هذا الشأن، باعتباره يمس بأمن الدولة، علماً ان هناك شكوكاً في كيفية جمع الوزير الغريب مع وزير التربية والتعليم العالي اكرم شهيب على طاولة واحدة اليوم، خاصة بعد اتهام رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال ارسلان له بالتحريض على الفتنة في الجبل، وتسميته «بمصاص الدماء»، وتأكيده على ان الغريب سيطرح اليوم في جلسة مجلس الوزراء إحالة ما حدث إلى المجلس العدلي، بالتزامن مع هجوم غير مسبوق على رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.
واستبق أرسلان هذا الطرح، بزيارة الرئيس ميشال عون في بعبدا، برفقة الوزير الغريب، واطلعاه في حضور الوزير سليم جريصاتي على الملابسات التي رافقت الأحداث التي وقعت في الجبل.
وفي حين قالت مصادر رسمية ان الرئيس عون تفهم خطورة ما حدث، داعياً إلى التهدئة العامة عبر السياسة والقضاء والأمن، أوضح أرسلان انه تمنى والغريب إحالة ما وصفه «بمحاولة اغتيال وزير الدولة لشؤون النازحين إلى المجلس العدلي»، كما وضع بتصرف الرئيس عون عددا من المعلومات المتوافر لديه عمّا حصل.
وأفادت بعض المعلومات ان أرسلان اودع عون أسماء بعض الضباط الذين اعتبرهم مقصرين في مناع ما حصل.
وكان أرسلان ينوي في المؤتمر الصحفي الذي عقده ظهراً في خلدة كشف اسماء هؤلاء، ومن بينهم مدير المخابرات العميد طوني منصور، لكنه قال انه تلقى اتصالاً من وزير الدفاع الياس بوصعب تمنى فيه عليه عدم تسمية الضباط، وانه رضخ لطلبه، لكنه قال ان الجيش لا يستطيع الاستمرار في مزارع مذهبية داخل تركيبته، متمنياً على العماد جوزف عون ان لا يصدق كل المستندات المرسلة إليه.
واستأخر أرسلان مؤتمره لحين انتهاء اجتماع المجلس الأعلى للدفاع، فشكر الرئيس عون على مبادرته بدعوة المجلس إلى الاجتماع، واخذه قرارات أساسية، معيداً الفضل في ذلك إلى رئيس الجمهورية. ووصف بيان المجلس بأنه «حاسم» ووضع يده على الجرح بأن ما حصل هو تهديد مباشر للسلم الأهلي.
ورأى ان ما حصل كان مخططاً له وليس صدفة، وانه تمّ التحضير له قبل يومين، لافتا إلى انه بات يملك أسماء عدد غير قليل من المتهمين بإطلاق النار، وان هذه الأسماء باتت لدى الأجهزة الأمنية.
مجلس الدفاع
اما اجتماع المجلس الأعلى للدفاع، الذي انعقد برئاسة الرئيس عون وحضور رئيس الحكومة سعد الحريري والوزراء المعنيين وقائد الجيش والأجهزة الأمنية والقضائية، فقد قرّر «اتخاذ قرارات حاسمة بإعادة الامن الى المنطقة التي شهدت الاحداث الدامية ومن دون ابطاء او هوادة، وتوقيف جميع المطلوبين واحالتهم الى القضاء، على ان تتم التحقيقات بسرعة باشراف القضاء المختص، وذلك وأداً للفتنة وحفاظا على هيبة الدولة وحقنا للدماء البريئة، واشاعة لاجواء الطمأنينة لدى المواطنين والمصطافين والسياح، في ظل توافق سياسي يظلل الامن في كل بقعة من لبنان ويحصنه. وابقى المجلس قراراته سرية وفقا للقانون».
وأفادت مصادر مواكبة لاجتماع مجلس الدفاع لـ«اللواء» ان الحاضرين توقفوا مطولاً وعلى مدى ساعتين، عند الحادثة الخطيرة في قبرشمون، وعرضت كل التقارير بشكل مفصل عن جميع الملابسات، وجرى التركيز على الحؤول دون استغلال ما جرى لغايات أخرى والتحرك سريعاً في اتجاه التحقيقات المختصة وعودة الاستقرار إلى مناطق الجبل وفرض الإجراءات اللازمة.
وكشفت المصادر ايضا ان المعطيات التي توافرت تظهر وجود محاولة اغتيال مباشرة للوزير صالح الغريب لا بل اكثر من ذلك محاولة اغتيال مزدوجة لأن الوزير غريب في خلال توجهه الى لقاء الوزير باسيل في شملان لم يعترضه احد في الطريق اما في عودته ظنوا ان الوزير باسيل معه فحصل ما حصل.
وفي المعلومات المتوافرة انه بعد حديث الرئيس عون عن الركائز التي حددت في البيان شدد على المعالجة الأمنية والقضائية حتى لا تتكرر مثل هذه الحادثة ومنع اي استغلال لها. وافادت المصادر نفسها انه جرى التأكيد على ان المتابعة السياسية للملف تأتي بالتزامن مع المعالجة الأمنية والقضائية. وقد شدد الرئيس عون على اهمية استتباب الوضع الأمني وطلب التشدد في الأجراءات المتخذة وعدم التهاون مع اي امر.
اما الرئيس الحريري الذي ايد كلام رئيس الجمهورية لفت الى وجوب ان تحصل مواكبة سياسية للأجراءات الأمنية اذ ان هذه الأجراءات وحدها لا تكفي كما اكد على وجوب التهدئة في ظل التحديات التي تواجهها البلد.وفهم ان حديث الحريري عن الخلافات قصد به الخلاف الأرسلاني _ الجنبلاطي.
وكشفت هذه المصادر ان الوزير باسيل عرض لملابسات ما جرى وصولا الى الغاء زيارته، وقال انه على الرغم من دعوته لأكمال الزيارة فضل قطعها تحسسا منه بالمسؤولية الوطنية وعدم التذرع بأي امر، مؤكدا على التشدد بالأجراءات على انواعها.
وقالت ان المعطيات تقاطعت بشكل واضح عند وجود مجموعات مسلحة على الأرض وسطوح الأبنية في مكان الحادث الذي كان يستهدف اغتيال الوزيرين الغريب وباسيل.
توضيح باسيل
وفي السياق، قالت مصادر مطلعة على موقف الوزير باسيل لـ«اللواء» انه سعى ويسعى لوأد الفتنة في الجبل، ولم يكن في كلامه في الكحالة ما يستدعي محاولة اغتيال الوزير الغريب.
وتحدثت هذه المصادر عن ما اسمته محاولة استدراج لإغتياله خاصة ان معلومات وردت الى وزراء «التيار الحر» من مسؤولين في الحزب التقدمي تُطمئن باسيل الى ان الطريق مفتوحة امامه، ما دفع الوزير الغريب الى ملاقاته في شملان وكانت الطريق غير مقطوعة، ثم ظهرت المظاهر المسلحة فجأة، وتم اطلاق النار على موكب الغريب بعد عودته ظناً من المسلحين ان باسيل معه».
واضافت المصادر: ان باسيل قال كلاما ايجابيا جدا في صوفر خلال افتتاح مركز التيار في البلدة، عن العيش المشترك والحوار والتلاقي، فلماذا لم يتوقفوا عند هذا الموقف واتخذوا من بعض العبارات في الكحالة حجة لتبرير فعلتهم؟
ورأت المصادر «ان البعض كان يريد خلق مشروع فتنة في الجبل عبر توتير الوضع الامني، لكن الوزير باسيل أخمده بتأجيل زيارته الى كفر متى». وقالت: ان التيار حزب عابر للطوائف وبامكان الاخرين ان يكونوا احزابا عابرة للطوائف لكنهم فضلوا ممارسة سياسة المناطق الاقطاعية المقفلة.
وألمحت المصادر الى ان وزراء التيار الحر سيؤيدون مطلب إحالة احداث الجبل الى المجلس العدلي.
.. والاشتراكي يرد
من جهته، آثر رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط الصمت وعدم الدخول في سجالات حول احداث الجبل، وأفادت مفوضية الإعلام في الحزب، انه زار أمس دولة الكويت حيث استقبله اميرها الشيخ صباح الأحمد يرافقه وفد ضم وزير الصناعة وائل أبو فاعور والوزير السابق غازي العريضي والنائب هادي أبو الحسن ونائب رئيس الحزب للشؤون الخارجية دريد ياغي.
والتقى جنبلاط ايضا رئيس الحكومة الكويتية الشيخ جابر المبارك الصباح في حضور وزير الخارجية الشيخ صباح خالد الحمد الصباح ووزير الديوان محمّد أبو الحسن.
ولم يعرف ماذا كانت هذه الزيارة تمت قبل يومين أو أمس، علما ان الوزير أبو فاعور زار أمس الرئيس الحريري في السراي واطلعه على وجهة نظر الحزب الاشتراكي بشأن حادثة قبرشمون، نافيا ان يكون مناصرو الحزب نصبوا كمينا لا للوزير باسيل ولا للوزير الغريب.
وبحسب المعلومات، فإن أبو فاعور قال للحريري ان باسيل تعرض لأهل ومناصري الحزب الاشتراكي واثار غضبهم واستفزهم عندما أعاد إلى الأذهان معركة سوق الغرب، وانه أكّد بأن الحزب هو تحت القانون، ورد الحريري بأنه يعمل على تهدئة الأوضاع، مؤكدا ان لا أحد فوق القانون، وان العدالة ستأخذ مجراها.
ولاحقاً، أصدرت مفوضية الإعلام في الحزب الاشتراكي بيانا، أكدت فيه ان ما حصل في منطقة الشحار ليس وليد لحظته، إنما نتيجة تراكمات بدءاً من حادث الشويفات مروراً بغيرها من المحطات، مشددا بأن الحزب لم يكن يوما الا تحت سقف القانون، وسيكون كذلك في هذه الأحداث المؤلمة، لكنه ذكّر بأن ثمة مطلوبين للعدالة في قضايا أخرى أبرزها قضية الشويفات ما يزالون متوارين عن الأنظار بحمايات سياسية داخل وخارج الحدود، مؤكدا ان العدالة لا تكون مجتزأة تطبق في مكان ويتم التغاضي عنها في مكان آخر.
وجدد الحزب تمسكه بدور الأجهزة القضائية ومرجعية الدولة وضرورة أن تأخذ التحقيقات مجراها بشفافية ونزاهة، مشدداً مرة جديدة على أنه لن ينجر إلى أي سجالات سياسية أو إعلامية ترمي إلى إذكاء النيران وتأجيج التوتر في منطقة الجبل، الذي لطالما كان حريصاً عليه وعلى حمايته في كل المحطات والمنعطفات.
وتوجه إلى باسيل، مؤكداً أن كل المناطق اللبنانية مفتوحة ومناطق الجبل أيضاً مفتوحة داعياً إياه لإعتماد الخطاب الموضوعي من باب الحرص، ليس فقط في الجبل بل في باقي المناطق. وقال: « حبذا لو يرتفع بعضهم لممارسة الخصومة بشهامة ورجولة بعيداً عن الشتائم والتعابير السوقية».
.. وبري على الخط
ومن جهته تابع رئيس مجلس النواب نبيه بري تداعيات اﻻحداث المؤلمة التي حصلت في الجبل وانعكاساتها على اﻻوضاع العامة، واجرى لهذه الغاية سلسلة من اﻻتصاﻻت لتطويق ذيول ما حصل. وقال معلقاً: الوقت اﻻن هو للإحتكام للعقل والحكمة وبذل كل مستطاع من أجل الحفاظ على الوحدة واﻻستقرار العام ولنا ملء الثقة بعقلاء الجبل اﻷشم. وليأخذ القضاء دوره في التحقيق حتى النهاية».
وقال وزير المال علي حسن خليل أن الرئيس بري أخذ على عاتقه ترميم ما جرى من أحداث الاسبوع الماضي.
الموازنة انتهت
في الاثناء، انهت لجنة المال والموازنة اقرار موازنة 2019، بعد انجاز في الجلسة الصباحية موازنة وزارة الطاقة والمياه، في حضور وزيري المالية خليل والطاقة والمياه ندى البستاني ومن ضمنها سلفة بقيمة 2500 مليار للكهرباء.
وفي الجلسة المسائية، انجزت موازنات المال والخارجية والإتصالات ، مع تعليق بعض البنود المتعلقة بمساهمات متنوعة طلبا لتفاصيل من وزارة الإتصالات، على ان تخصص جلسة خاصة لأوجيرو بالتزامن مع بت المواد المعلقة.
واوضح رئيس اللجنة النائب ابراهيم كنعان ان الموازنة انتهت، وستعقد جلسة اخيرة لدراسة المواد المعلقة من المرجح ان تكون غدا، وعددها 28، على ان يرفع تقريره الى رئيس المجلس مطلع الأسبوع المقبل، الذي سيحدد بدوره جلسة المناقشة بعد توزيع التقرير على النواب، في حدود منتصف تموز.
ساترفيلد: لا جديد
الى ذلك اكدت مصادر دبلوماسية لـ«اللواء» ان الموفد الاميركي المكلف رعاية المفاوضات بين لبنان والكيان الاسرائيلي لتحديد الحدود البرية والبحرية ديفيد ساترفيلد سيصل الى بيروت بعد ظهراليوم، وسط اجواء غامضة ومبهمة حول ما سيحمله من العدو، مشيرة الى انه لا تقدم حتى الان في مسار مهمته والامور لا زالت متوقفة عند موضوعي الرابط بين الترسيم البري والبحري ومدة التفاوض.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البناء
إيران تخطت سقف الـ 300 كلغ لليورانيوم… وتنتظر تعديلات أوروبية على «أنيستكس»
الجيش والقضاء يباشران التحقيقات… والحكومة أمام امتحان الإحالة إلى المجلس العدلي
أرسلان يتّهم بعض الأجهزة بالتلاعب… و«القومي» لحماية السلم الأهلي ورفض المناطق المغلقة
لولا أحداث الجبل لكان العدوان الإسرائيلي على سورية من أجواء الجنوب اللبناني الذي سهر معه الجنوبيون ليل أول أمس، هو عنوان الاهتمام الأول في الرأي العام، حتى طغت عليه المخاوف من تصعيد أمني يعيد أجواء الحرب الأهلية، وغيّبته متاعب التنقل على الطرق المقطوعة، بينما المنطقة لم تعبر بعد اللحظة الحرجة التي يفرضها التصعيد الأميركي في الحرب المالية على إيران، والذي لا يزال حائلاً دون توسيع مساحة الآلية المالية الأوروبية «أنيستكس»، التي بقيت محكومة بمبادلة النفط الإيراني بالمشتريات الغذائية والطبية، رغم ما تتيحه بعد انضمام الصين وروسيا إليها من فرص تجارية لإيران بعد إعلان الصين العودة لاستئناف شرائها النفط الإيراني، لكن إيران بدت غير معنية بهذه المغريات ومتمسّكة بنيل حقها الذي نصّ عليه الاتفاق النووي من تبادل حر مع أوروبا، وضعته في كفّة ووضعت في الكفة الموازية، الفقرة السادسة والثلاثين من الاتفاق التي تعتبر أنه في حال أخفق الفرقاء المعنيون بالتزاماتهم في الاتفاق فإن لإيران الحق بالخروج من التزامات موازية فيه، وفقاً لما قاله وزير الخارجية الإيرانية في تغريدة على «تويتر» رداً على الموقف البريطاني، الذي حذر إيران من تخطيها سقف الثلاثمئة كيلوغرام من اليورانيوم المخصب، والتلويح بالخروج من الاتفاق، بعدما أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران تخطت فعلياً في مخزونها من اليورانيوم المخصب سقف الثلاثمئة كيلوغرام المنصوص عليه في الاتفاق. وقال الناطق بلسان وزارة الخارجية الإيرانية، إن هذا التخطي هو خطوة أولى في تخفيض الالتزامات الإيرانية ببنود الاتفاق، لكنها خطوة قابلة للتراجع إذا استجابت أوروبا لما يجب عليها فعله بموجب الاتفاق على الصعيد التجاري والمالي.
المزيد من التصعيد متوقع بانتظار الأيام الستة التي تفصل إيران عن الخطوة الأشد صعوبة في الخروج من مظلة الاتفاق النووي والمتمثلة بالعودة في السابع من الشهر الحالي إلى التخصيب المرتفع التخصيب فوق سقف الـ 3,7 الذي لا زالت إيران تلتزمه، وهو ما وصفه رئيس حكومة كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو بالاقتراب الإيراني من امتلاك قنبلة نووية. وفي قلب هذا التصعيد تبقى الآمال معقودة على نجاح مساعٍ مستمرة بالتواصل الإيراني الأوروبي للوصول إلى تفاهم يتيح عودة إيران إلى الالتزام بالاتفاق مقابل التزامات أوروبية أشد وضوحاً.
لبنانياً، خيّمت تداعيات ما جرى في قبرشمون في قضاء عاليه على المشهد السياسي والأمني، حيث استمر تبادل الاتهامات بين ثنائي التيار الوطني الحر والحزب الديمقراطي اللبناني من جهة، والحزب التقدمي الاشتراكي من جهة مقابلة، مدعوماً من بعض خصوم التيار الوطني الحر على الساحة المسيحية. وكان في التداول خطاب يقول إن ما جرى محاولة اغتيال مدبّرة تحت سقف التهديد للسلم الأهلي ما لم يتم الالتزام بحصرية الزعامة الجنبلاطية في الجبل، وخطاب آخر يقوم على اعتبار حركة وخطاب الوزير جبران باسيل سبباً للاستفزاز الذي تسبب بردود الفعل في الشارع. ومع الخطابين روايتان للحادث، رواية تقوم على قيام مرافقي الوزير صالح الغريب بإطلاق النار في الهواء أمراً مشروعاً لفتح الطريق أمام موكبه للمرور وتصف الرد بنار قاتلة لمرافقيه وعلى سيارته محاولة اغتيال مدبّرة. ورواية تقوم على اعتبار إطلاق مرافقي الوزير للنار ولو في الهواء سبباً كافياً لتبرير ما جرى بعد ذلك. وبين الخطابين والروايتين انعقد المجلس الأعلى للدفاع وقرّر الإسراع بالتحقيقات والانتشار الأمني وفتح الطرقات، وينعقد مجلس الوزراء اليوم وأمامه دعوة لإحالة الحادثة إلى المجلس العدلي باعتبارها تهديداً للأمن والسلم الأهلي، وهو ما سيثير جدلاً واسعاً من وزراء الحزب الاشتراكي الذين ربطوا التعاون في التحقيقات بتسليم مرافق النائب طلال أرسلان المتهم بحادثة الشويفات، وكان ارسلان قد عقد مؤتمراً صحافياً حمل خلاله رئيس الحزب الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط ووزير التربية أكرم شهيب دون أن يسمّيهما مسؤولية الدماء التي سقطت، وغمز من قناة بعض المسؤولين الأمنيين بالتلاعب وتقديم معلومات مغلوطة لقائد الجيش. وقال بعد لقائه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إنه وضع الأسماء والتفاصيل بين يديه، بينما شدّد الحزب السوري القومي الإجتماعي في بيان له تعليقاً على حادثة قبرشمون، على التمسك بالسلم الأهلي داعياً للالتفاف حول الجيش اللبناني، محذراً من منطق المناطق المغلقة.
اعتبر الحزب السوري القومي الاجتماعي في بيان لعمدة الإعلام أنّ أمن الجبل واستقراره، من أمن كلّ لبنان، وليس من حق أيّ طرف، تحويله إلى مناطق لهذه الجهة أو تلك، لأنّ الجبل كان ولا يزال، عنواناً للقيم والوحدة والإخاء، وفي استقراره استقرار لكلّ البلد.
وأدان بشدة استهداف موكب وزير شؤون النازحين صالح الغريب، مقدّماً أحرّ التعازي بالشهداء الذين سقطوا، متمنّياً الشفاء العاجل للجرحى، مؤكداً أنه يشدّ على أيادي عائلات الشهداء تضامناً وللتحلي بالصبر والحكمة لتجاوز هذا المصاب الجلل.
وأكد الحزب، أنّ السلم الأهلي هو سرّ بقاء لبنان، وأنّ تهديد السلم الأهلي، يُعيد عقارب الساعة الى الوراء ويدخل البلد مجدّداً في أتون الحروب العبثية، حروب لطالما دفع اللبنانيون أثمانها باهظة.
ودعا اللبنانيين كافة، «لا سيما أهلنا في الجبل الأشمّ، أن يحتكموا إلى القانون وإلى منطق الدولة. فالدولة هي المسؤولة عن حفظ الأمن وصون الاستقرار وحماية السلم الأهلي. وهي اليوم وبكلّ أجهزتها مطالبة بإجراء تحقيق شفاف وكشف المتورّطين وإنزال أشدّ العقوبات بكلّ من يثبت تورّطه في العبث بالأمن والاستقرار وحياة الناس».
وشدّد الحزب، على «أهمية الدور الذي يؤدّيه الجيش اللبناني، في مواجهة الاحتلال والإرهاب، وفي السهر على أمن البلد والناس. فالجيش هو ضمانة الاستقرار وصمام أمان للسلم الأهلي، وإننا نناشد الجميع، الالتفاف حول هذه المؤسسة التي بوعي قيادتها وفاعلية دورها، استطاعت أن تحمي لبنان من انزلاقات خطيرة. وكلنا ثقة بدور هذه المؤسسة العسكرية وقدرتها على تحصين البلد وتثبيت الاستقرار».
وبقيت الأحداث الأمنية في الجبل واجهة المشهد الداخلي، لجهة أبعادها وتداعياتها.
وقالت مصادر الحزب الديموقراطي لـ«البناء» إن «الوزير أكرم شهيب كان على علم بزيارة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الى الجبل وتم التنسيق معه بالإجراءات التي يتم اتخاذها للزيارة ما يُسقط فرضية عدم إبلاغ الحزب الاشتراكي بالزيارة». وأوضحت المصادر «أن ما حصل هو عملية اغتيال مدبّرة للوزير الغريب». وتروي المصادر بحسب شهود عيان ما حصل كالتالي: «عندما ألغى باسيل زيارته الى عاليه عاد الغريب الى منزله. ففوجئ بقطع الطريق من مناصري الاشتراكي فترجل عناصر حماية موكبه لفتح الطريق وما لبث أن بدأ إطلاق النار كالمطر من على أسطح المباني على الموكب. فخاطب الغريب الذي كان يقود سيارته بنفسه المسلحين من نافذة السيارة، وقال لهم لماذا تقطعون الطريق؟».
ولفتت الى أن «المسلحين أطلقوا النار على الرؤوس وأصيب مقعد الغريب بـ 14 رصاصة وكان بجانبه مدير الداخلية وعضو الهيئة التنفيذية في الحزب الديموقراطي». واتهمت المصادر رئيس الاشتراكي وليد جنبلاط بـ»إصدار أوامر مباشرة لاغتيال الغريب لإحداث فتنة في الجبل». ولفتت المصادر الى «وجود عشرات الأشخاص المدججين بالسلاح ينتشرون على أسطح المباني والطرقات»، وأكدت أن «المتورّطين معروفون بالصوت والصورة». وكشفت معلومات «البناء» أن «لدى الأجهزة الأمنية كل معطيات ووقائع الحادثة عصر السبت الفائت وتم الاتفاق في مجلس الدفاع الأعلى على بدء التحقيقات وجلب مَن يظهره التحقيق الى العدالة ولن يكون هناك غطاء على أحد». وتم الطلب بحسب معلومات «البناء» من «الحزب الاشتراكي تسليم المطلوبين المعروفين من قبل الأجهزة الأمنية وهم من المنطقة وجوارها كانوا على استعداد قبل يومين من الزيارة لمواجهة موكب باسيل ومَن معه»، كما علمت أن مجلس الوزراء يتجه الى إحالة الجريمة الى المجلس العدلي. وهذا ما تم بحثه بين رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة سعد الحريري قبيل اجتماع الدفاع الأعلى».
كما تضيف مصادر الديموقراطي لـ«البناء» أن «رسالة النائب طلال ارسلان الى قائد الجيش تتعلق ببعض ضباط المخابرات في منطقة عاليه الذين يزوّدون القيادة بتقارير محرفة»، موضحة أن «تمسك جنبلاط بسيطرته على المراكز والتعيينات الدرزية لا يستأهل إراقة دماء الدروز». ولفتت الى حالة عارمة من الغضب تعمّ عاليه وبلدة الشهيدين، مشيرة الى أن «لم يُحدّد موعد التشييع والدفن قبل تسليم القتلة وإحالة القضية الى المجلس العدلي».
إلا أن ما تداوله سياسيون ووسائل إعلامية أشد خطورة، إذ تشير المعلومات الى عرض أحد قادة الأجهزة الأمنية رواية عن الحادث وهي ان الغريب كان قد مر من مكان الحادث ذهاباً إلى شملان ولم يتعرض لأي هجوم ولكن مناصري الاشتراكي كانوا له بالمرصاد بطريق العودة ظناً منهم أن باسيل كان معه في الموكب ما يعني أن الهدف كان اغتيال باسيل، علماً أن مصادر الديموقراطي استبعدت هذه الرواية لكون باسيل ألغى زيارته الى عاليه».
في المقابل نفت مصادر الحزب الاشتراكي أي اتجاه لدى الحزب لتسليم المطلوبين للأجهزة الأمنية. ونفت أن يكون الحزب تبلّغ من قبل الأجهزة الأمنية أو القضائية أسماء يجب تسليمها». وقالت مصادر الاشتراكي لـ«البناء» «ننتظر المسار القضائي للبناء على الشيء مقتضاه ونضع هذه القضية في عهدة القضاء، ونحن تحت سقف القانون لكن هل الآخرون تحت سقف القانون؟». في إشارة الى حادثة الشويفات.
وعن إحالة الجريمة الى المجلس العدلي قالت: «لنرَ ما هي المبررات والحيثيات ونعطي موقفنا في مجلس الوزراء»، موضحة أن «ما حصل هو تراكم من الاستفزاز والغضب وليست رسالة الى رئيس الجمهورية، بل كنا بموقع الدفاع عن النفس بالسياسة وغير السياسة»، لافتة الى كلام باسيل عن معارك سوق الغرب مضيفة أن «القصة أبعد من التعيينات، بل عملية محاصرة ممنهجة ومخططة ومحاولة اغتيال سياسي تستهدف موقع وزعامة جنبلاط ووجود البيئة التي يمثلها الاشتراكي مع إشارتها الى أن الحزب لم يستأثر بالمواقع الدرزية، بل بعض المواقع كانت تذهب الى غيره».
وكان الحزب الاشتراكي أكد في بيان «أن ما حصل في منطقة الشحار ليس وليد لحظته، إنما نتيجة تراكمات بدءاً من حادثة الشويفات ، مروراً بغيرها من المحطات وصولاً إلى الخطاب الفئوي الذي دفناه سوياً مع البطريرك صفير في مصالحة الجبل التي ستبقى متجذرة وقوية». وذكّر بأن «ثمة مطلوبين للعدالة في قضايا أخرى أبرزها قضية الشويفات لا يزالون متوارين عن الأنظار بحمايات سياسية داخل وخارج الحدود. وبالتالي، دعا إلى تسليمهم وإخضاعهم للعدالة وفق ما تنص القوانين مذكراً بتجاوبه مع مبادرة رئيس الجمهورية ».
وعن علاقة جنبلاط مع الحريري وتأثير الجريمة على اللقاء المرتقب بينهما، لفتت الى ان «العلاقة مستقرة الآن ولم يُحدد اللقاء كي يتم تأجيله والمساعي مستمرة لعقد اللقاء، لكنها بينت أن الخلافات الاساسية التي أدت الى الخلاف لم تعالج حتى الآن».
وفي مؤتمر صحافي عقده في خلدة اتهم أرسلان الوزير شهيب من دون أن يسمّيه بأنه «المحرّض وصاحب الفتنة هو نائب الفتنة الذي يجلس على طاولة مجلس الوزراء ولا يحترم ابسط قواعد العيش المشترك وسلامة المواطنين وسلامة أهله وناسه. ما حصل فتنة مخطط لها وتم التحريض عليها قبل يومين من قبل «أوباش» قطّاعي طرق لا يمكنهم تحمل الرأي الآخر». وتساءل أرسلان «هل الجبل هو من ضمن حكم الدولة أو خارج حكم الدولة؟!»، واضاف: «ليكن معلوما للجميع أن لحمنا ليس طرياً وليس هناك أكبر من دارة خلدة لا لدى الدروز ولا لدى غيرهم»، مشيراً الى أن «التوجه الإقطاعي والسلبي والتلطي وراء الناس لا يدل الى الرجولة بل الجبن».
وكان أرسلان يرافقه الغريب زار الرئيس عون وعرضوا الأحداث الأمنية لمدة ساعتين.
في المقابل أكد النائب سيزار أبي خليل ، أننا «لا نريد تحجيم أحد، لكن على الحزب الاشتراكي ان يقبل ان هناك غيره بالمنطقة، والمنطقة لن تعود إقطاعاً لأحد»، مشيراً الى أنه «يجب احترام التعددية اللبنانية وخصوصية الجبل أنه لا توجد أحادية فيه». مشيرًا إلى أنه «لدينا 4 نواب ووزيران في منطقة عاليه».
وكان المجلس الأعلى للدفاع انعقد في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية للبحث في حوادث عاليه. وشدد عون خلاله على «أن ركائز الجمهورية هي ثلاث حرية المعتقد وحق الاختلاف وحرية الرأي والتعبير عن الرأي»، وطالب «الأجهزة القضائية والأمنية باستكمال الإجراءات اللازمة والضرورية وفقا للاصول والانظمة المرعية الإجراء والقيام بالتوقيفات اللازمة في الاحداث الامنية التي وقعت أمس في عدد من قرى قضاء عاليه». في المقابل، دعا رئيس الحكومة الجميع الى التهدئة مشدداً على ضرورة المعالجة السياسية اللازمة وعدم إقحام الاجهزة العسكرية والامنية في الخلافات السياسية. واتخذ المجلس قرارات حاسمة بإعادة الأمن الى المنطقة التي شهدت الأحداث الدامية ومن دون إبطاء او هوادة وتوقيف جميع المطلوبين واحالتهم الى القضاء، على ان تتم التحقيقات بسرعة بإشراف القضاء المختص». وعرض قائد الجيش المعلومات المتوفرة لدى الجيش والخطوات التي اتخذها وأبقى مجلس الدفاع قراراته سرية وفقاً للقانون.
بدوره تابع رئيس مجلس النواب نبيه بري تداعيات الأحداث وأجرى لهذه الغاية سلسلة من ا تصا ت لتطويق ذيول ما حصل. وقال معلقاً: «الوقت الآن هو للاحتكام للعقل والحكمة وبذل كل مستطاع من أجل الحفاظ على الوحدة وا ستقرار العام، ولنا ملء الثقة بعقلاء الجبل ا شم». وختم: «ليأخذ القضاء دوره في التحقيق حتى النهاية».
لجنة المال
في غضون ذلك، واصلت لجنة المال درس موازنة 2019 الذي يتوقّع أن تكون آخر جلسة لها اليوم، وعقب الجلسة التي حضرتها وزيرة الطاقة ندى بستاني، قال رئيسها النائب إبراهيم كنعان «أقرت سلفة الخزينة المعلّقة من جلسة سابقة بقيمة إجمالية تبلغ 2500 مليار ليرة، لتتمكن من سد العجز الناجم بمعظمه عن ارتفاع اسعار المحروقات، بعدما حصل نقاش استعرض خلاله الزملاء النواب كل نواحي موضوع الكهرباء من الخطة الى مجلس الإدارة والهيئة الناظمة، ومن بينها موعد تعيين مجلس ادارة مؤسسة كهرباء لبنان وكيفية حصول هذا التعيين، حيث أشارت وزيرة الطاقة إلى أنها ستقترح الأسماء حتى ولو لم يحصل تطور إيجابي او تعاون على صعيد التوافق بين القوى السياسية ليتمكن مجلس الوزراء من التعيين». وأعلن كنعان عن «اقرار موازنة وزارة الطاقة والمياه مع طلب ايضاحات أكثر بما يتعلّق بالرواتب والأجور وبالمستشارين وبدلات الأتعاب والمكافآت والمساهمات التي لها علاقة بجهات خاصة، لتحديد ما إذا كانت تخفي اي توظيف مقنّع بعد القانون 46 لشطب الاعتمادات».
ورداً على سؤال أكد كنعان أن «إحالة قطوعات الحسابات من واجب الحكومة. وهي مقصّرة بذلك حتى اللحظة».
الى ذلك، وبعد تقارير عدة لوكالات التصنيف العالمية تشكك بقدرة الحكومة على معالجة الوضع الاقتصادي من خلال إقرار الاصلاحات في الموازنة، اكدت شركة البيانات «رفينيتيف» ان «السندات الدولارية للبنان ترتفع بعد شراء قطر سندات لبنانية وإصدار 2037 يقفز أكثر من 3 سنتات إلى ذروته منذ أوائل أيار».