اللواء
المصارحات والإجراءات في بعبدا تجنّب لبنان أزمة مالية!
الخطوة المقبلة مصالحة بين حزب الله والتقدمي في عين التينة.. ومجلس وزراء خاطف اليوم
بانتظار جلسة مجلس الوزراء اليوم، وما ستسفر عنه من قرارات، كانت النتائج الفورية لجلسة «المصارحة والمصالحة» في بعبدا، التي كان للرئيس نبيه برّي دوراً محكماً في هندستها، وإخراجها الى النور، انه قاد النائب وليد جنبلاط سيارته بنفسه في قبرشمون، وأعلن النائب طلال أرسلان ان بصدد عقد مؤتمر صحفي اليوم، لشرح موقفه مما جرى والاعتبارات التي دفعته إلى المشاركة في اللقاء، على ان تعقب المصالحة هذه لقاء يرعاه الرئيس برّي أيضاً في عين التينة بين ممثلين لكل من الحزب التقدمي الاشتراكي وحزب الله، ينهي أسابيع من التوتر، قبل أو بعد إطلالة السيّد حسن نصر الله، السبت المقبل، في إطار الاحتفال بتوقف العمليات الحربية في 14 آب 2006.
وإذا كان العامل الاقتصادي لعب الدور الحاسم في ترتيبات الاجتماعات، فإن المفاعيل لم تتأخر اذ ارتفعت السندات الحكومية اللبنانية المقومة بالدولار أمس بعد تقارير عن اجتماع لزعماء البلاد بهدف تحقيق انفراجة في الأزمة السياسية التي أصابت الحكومة بالشلل.
وارتفع إصدار 2030 بما يزيد على 1 سنت في الدولار ليصل إلى أعلى سعر في أسبوع، فيما صعد أيضا إصدار 2032 أكثر من سنت، وفقا لبيانات تريدويب (رويترز).
وقال مسؤولون كبار إن الاجتماع الذي عُقد امس يمهد الطريق أمام مجلس الوزراء للانعقاد للمرة الأولى منذ حادث إطلاق نار أسفر عن سقوط قتلى في 30 حزيران. وتسبب غياب الحوار السياسي في تعقيد المحاولات الرامية إلى المضي قدما في تنفيذ إصلاحات ضرورية لتجنيب البلاد أزمة مالية.
فرض الكتمان نفسه على المشاركين في لقاءات المصارحات والإجراءات، واكتفى الرئيس نبيه برّي قبل المغادرة، بوصف ما حدث بأنه «إنجاز»، في وقت اعرب فيه جنبلاط، وهو يهم بالمغادرة انه مرتاح لأجواء اللقاء.
وفي معلومات «اللواء» ان الرئيس برّي سمح بالافراج عمّا توصلت إليه اتصالاته بعد منتصف الليل، وكانت أقفلت المساعي، قبل هذا التاريخ، بعد تغريدتين لكل من جنبلاط وارسلان.. وذلك بقبول اقتراحه، الذي كان اوقف محركاته، عندما اصطدمت بمجموعة من المعاندات السياسية، من دون ان يلغي المبادرة أو ينسحب من المعالجات.
وعليه، يعود مجلس الوزراء اليوم للانعقاد، لكن على نحو خاطف، بعد مرور ما لا يقل عن 40 يوماً على تعليق اجتماعاته غداً.
ضمانات المصالحة
وبالرغم من التكتم الشديد مساء امس على مجريات اللقاء الخماسي في قصر بعبدا، افادت المعلومات ان المصالحة قامت على الاساس الذي عمل عليه الرئيس بري واللواء عباس ابراهيم منذ مدة، اي على اساس ان تتابع المحكمة العسكرية تحقيقاتها وتقرر بناء لذلك اي قضاء سيتابع جريمة البساتين، فيما يكون مجلس الوزراء قد استأنف اعتبارا من اليوم جلساته لمتابعة المواضيع التي توقف عندها قبل اربعين يوماً، تاريخ جريمة البساتين في 30 حزيران وتعذر انعقاد جلسة مجلس الوزراء في 2 تموز، خاصة ان اللقاء جاء عشية سفر رئيس الحكومة الى واشنطن بعد عطلة العيد التي سيمضيها مع عائلته في السعودية، وجاء بعد بيان السفارة الاميركية في بيروت، الذي حث الاطراف ضمنا على المعالجة السياسية والقضائية المستقلة، فيما الهاجس الاهم في كل هذه التحركات والمواقف هو انقاذ الوضع الاقتصادي والمالي للبلد، ووقف التوتير الامني والسياسي.
وعُلم انه بعد فشل مساعي الخميس التي لم تنجح، جرى تواصل بين الرئيسين عون وبري تم خلاله الاتفاق على مواصلة المسعى وتكليف بري بمتابعتها وطرح بري ان تعقد جلسة المصارحة تليها المصالحة. وجرت الاتصالات مجددا الى ان وافق حنبلاط وارسلان مقابل ضمانات او تطمينات للرجلين، يجري الاتفاق عليها في الاجتماع. بما يُطمئن جنبلاط الى عدم استهدافه، ويُطمئن ارسلان الى عدم طي ملف الجريمة ومحاسبة المرتكبين. وشارك حزب الله بالاتصالات مع ارسلان. (راجع القصة الكاملة ص ٢)
وفيما عبّر جنبلاط بعد لقاء بعبدا عن ارتياحه لأجواء اللقاء ولم يدلِ بأي تعليق برغم اتصال «اللواء» به مراراً، وفيما وصف الرئييس بري ما جرى بانه «انجاز»، امتنعت مصادر الحزب اليموقراطي عن التعليق وقالت: انها ستصدر الموقف المناسب في الوقت المناسب. لكن لوحظ ان النائب ارسلان خرج من اللقاء مبتسما ومرتاحا..
وقالت مصادر مطلعة لـ«اللواء» ان اجتماع «المصارحة والمصالحة» كما اتفق على وصفه في قصر بعبدا اتسم بالمسؤولية والحرية، فكانت المصافحة والمصارحة ثم المصالحة، لكن الرجلين لم يتبادلا القبلات، واقتصر لقاؤهما على المصافحة لدى مشاركتهما في الاجتماع الخماسي، مع العلم انهما قبيل انعقاد اللقاء انتظرا كل منهما في قاعة جانبية، وشوهد أرسلان يحمل معه مغلفاً أصفر اللون. على أن يعقد مؤتمراً صحفياً اليومس.
وأفادت المصادر نفسها ان الاجتماع تناول المواضيع المرتبطة بحادثة قبرشمون – البساتين والوضع الذي نشأ على الأرض وكل التفاصيل، واصفة ما جرى بجلسة المصارحة بالصمت.
وأشارت هذه المصادر إلى ان القضاء العسكري سيتابع تحقيقاته وهو أمر متفق عليه، ويرضي المطلب القضائي، في حين ان مطلب عدم إحالة حادث قبرشمون إلى المجلس العدلي يرضي الحزب التقدمي الاشتراكي، لكن المصادر نفسها أوضحت ان عودة انعقاد جلسات مجلس الوزراء هو مطلب الرؤساء عون وبري والحريري بعدما بلغ ما بلغ إليهم من معطيات ورسائل وتحذيرات من بقاء البلد من دون حكومة.
ونفت المصادر ان يكون الاجتماع قد تناول أي إسقاط للحق الشخصي.
وعلم ان اتصالات ليلية قادها المعنيون استمرت حتى فجر أمس بهدف إنجاح مبادرة المصالحة، وتم الاتفاق في الاتصال الليلي الذي تمّ بين الرئيسين عون وبري على تفعيل ما كان طرحه رئيس المجلس سابقاً في موضوع إنجاز مصالحة بين جنبلاط وارسلان في موازاة التحقيقات التي تجرى في قضية قبرشمون.
وتردد انه تمّ التوافق على ان يتلو الرئيس الحريري بيان المصالحة الذي حمل عنوان المبادرة: القضاء العسكري يتولى التحقيق وفق القوانين والأنظمة المرعية الاجراء، وفي ضوء نتائج التحقيقات يتخذ مجلس الوزراء القرار المناسب.
وكان الرئيس برّي قد وصف ما تحقق «بالانجاز» فيما أبدى جنبلاط ارتياحه لما جرى واكتفى أرسلان بالابتسامة. اما الوزير جبران باسيل فشوهد في قصر بعبدا أثناء الاجتماعين، لكنه لم يُشارك في أي منهما.
وقالت مصادره انه مع ترحيبه بكل مصارحة يُؤكّد على الآتي:
«- وضعت الامور في نصابها: مصارحة ومصالحة بين جنبلاط وأرسلان ولم ينجح احد في تحويل الصراع الى طائفي في الجيل.
– نحن معنيون بأن يأخذ القضاء مساره ولا شروط عندنا من الأساس.
– سياسباً معنيون بتأكيد الحق السياسي للجميع في حرية التحرك في اي منطقة لبنانية ولن نقبل بأي استئثار او احتكار او عزل لأي منطقة او مكون ونؤكد على حيثيتنا النيابية والشعبية في الشوف وعاليه».
مال واقتصاد
وبالتوازن مع لقاء «المصارحة والمصالحة» الذي جمع جنبلاط وارسلان، برعاية الرؤساء الثلاثة، شهد قصر بعبدا اجتماعاً ذا طابع مالي واقتصادي، على مستوي رفيع من الأهمية بقصد تعزيز الاستقرار السياسي المالي، ووضع الإجراءات والترتيبات اللازمة للخروج من الأزمة التي يعيشها البلد.
وللتأكيد على أهمية هذا الاجتماع الذي شارك فيه وزراء المال علي حسن خليل والاقتصاد منصور بطيش وشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي، ورئيس لجنة المال النيابية النائب إبراهيم كنعان وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيس جمعية المصارف سليم صفير والمدير العام لرئاسة الجمهورية انطوان شقير، حرص الرئيس الحريري على ان يتلو بنفسه البيان الذي صدر عن المجتمعين، ولا سيما انه كان من نتائجه الأولى، معطوفاً على مصالحة جنبلاط- أرسلان، ارتفاع قيمة السندات الدولارية اللبنانية، في إشارة يفترض ان تنعكس ايجاباً على التصنيف الائتماني الذي ستصدره وكالة «موديز» في 23 الشهر الحالي مستفيدة من تنقية الأجواء السياسية، في البلاد والعودة لانتظام عمل المؤسسات، وفي مقدمها مجلس الوزرء.
وفي البيان تأكيد على التزام المجتمعين باستمرار الحفاظ على استقرار سعر صرف الليرة والاستقرار الائتماني، والاتفاق على جملة من الخطوات بتفعيل الاقتصاد وتعزيز وضع المالية العامة، والمباشرة بمناقشة تقرير «ماكنزي» ومن هذه الخطوات: إقرار موازنة 2020 في مواعيدها الدستورية والالتزام بتطبيق دقيق لموازنة 2019، وضع خطة تفصيلية للمباشرة بإطلاق المشاريع الاستثمارية المقررة في مجلس النواب والبالغة 3،3 مليار دولار، إضافة إلى مشاريع «سيدر»، والالتزام بالتطبيق الكامل لخطة الكهرباء بمراجعها المختصة، وإقرار جملة من القوانين الإصلاحية، ومنها: المناقصات العامة، التهرب الضريبي، الجمارك، الإجراءات الضريبية والتنسيق مع لجنة تحديث القوانين في المجلس النيابي، وكذلك تفعيل عمل اللجان الوزارية، واستكمال خطوات الإصلاح القضائي وتعزيز عمل التفتيش المركزي واجهزة الرقابة، والتشدد في ضبط الهدر والفساد وإعادة النظر بالمؤسسات غير المجدية والغاؤها وفقاً لما تقرر في القوانين السابقة.
وفيما وصف بيان الاجتماع بأنه شبيه ببيان وزاري جديد شديد الاقتضاب، كشفت مصادر مطلعة، ان الاجتماع كان مقررا سابقا، وبشكل منفصل عن لقاء المصالحة، ويصب في سياق التنسيق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في المراحل المقبلة، في ضوء وجود ملفات تستدعي ذلك.
وبحسب مصادر وزارية فإن حضور برّي الاجتماع أعطى قيمة للتعاون بين هاتين السلطتين، في حين لفت الوزير خليل، في ردّ عن سؤال عن ترابط اجتماعي المال والمصالحة، إلى ان ما من استقرار اقتصادي من دون استقرار سياسي، ملاحظا ارتفاع أسعار السندات الدولارية اللبنانية قبل الاجتماع وصدور البيان وقد يتأثر بذلك التصنيف الائتماني.
اما الرئيس عون فقد اعرب عن ارتياحه لنتائج الاجتماع المالي والاقتصادي الذي عقد في قصر بعبدا، مشددا على ضرورة التعاون لتحقيق ما تم الاتفاق عليه خلال الاحتماع.
وبالنسبة الى اجتماع المصارحة والمصالحة، أكد الرئيس عون انه بعد انجاز المسار الامني لمعالجة حادثة قبرشمون من خلال اعادة الامن والامان الى المنطقة، وتولي القضاء العسكري التحقيق في الجريمة وفق المسار القضائي، تمت اليوم مقاربة المسار السياسي من خلال اللقاء الذي عقد في القصر والمصارحة التي تلتها مصالحة، وبذلك تكون المسارات التي حددها الرئيس عون منذ اليوم الاول الذي تلا الجريمة ، قد تكاملت امنيا وقضائيا وسياسيا، والقضاء العسكري سيواصل تحقيقاته وفي ضوء نتائجها يتخذ مجلس الوزراء القرار المناسب.
وقالت المصادر ان الملف أصبح برمته قيد المعالجة بايدي مؤسسات السلطة سياسيا وامنيا وقضائيا.
مبنى تاتش
وبالنسبة لملف مبنى «تاتش» لفت وزير الاتصالات محمد شقير في مؤتمر صحفي تناول فيه هذا الموضوع إلى ان «هذا المبنى أصبح أشهر من مبنى برج خليفة»، موضحا انه «كنت أمام 4 خيارات الأوّل ألا أقوم بشيء والخيار الثاني هو شراء أرض في «سوليدر» وبناء مبنى والخيار الثالث كان الاستئجار وقد تبين أنه يكلف 75 مليون دولار لكنّنا إتخذنا قراراً بالشراء».
ورأى ان «هناك أصوات كثيرة خرجت وهناك أشخاص أعداء لهذا الوطن وتطلق شعارات لمحاربة الفساد، وما شجّعني على خطوتي هو ما قيل في جلسات الموازنة بحيث كان الجميع يطالب بالتملّك وأنا فعلت ما يمليه علي ضميري وبما يصبّ في مصلحة الدولة«.
وأكد انه «وفّر على الدولة من خلال خطوة شراء المبنى انه كان واضحا انه بعد 10 سنوات وبسبب كلفة الايجار سنكون صرفنا 94 مليون دولار من دون مقابل أما اليوم ومن خلال خطوتي ستمتلك الدولة هذا المبنى بعد 10 سنوات» وساقوم مرة جديدة بخطوة مماثلة مع شركة «الفا».
وشدد على انه «لم أرسل أي شيء رسمي لوزير المال، وانه تكلم معه بإحدى الجلسات وتكلم مع الرئيس الحريري ووزير المال وكل القوى السياسية تعلم بالموضوع».
وقال أن «الملف بات في القضاء وليأخذ القرار المناسب، كل التهجم اليوم فارغ ولن يؤثر علي نحن نتقدم ونستطيع ان نتطور».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البناء
سجال رئاسي أميركي فرنسي حول إيران… وتصعيد سعودي في اليمن باغتيال شقيق الحوثي
مصالحة بعبدا تطوي حادثة قبرشمون والتعطيل الحكومي بمبادرة من بري
المحكمة العسكرية للتحقيق… والقرار للحكومة بعدها… والضمانات للجميع
وسط تجاذب عاد إلى الواجهة بين أنقرة وواشنطن حول ما أعلن من اتفاق على المنطقة الآمنة وتحذيرات تركية من المماطلة، فيما الجيش السوري يواصل عملياته في منطقة إدلب، ظهر السجال الفرنسي الأميركي الرئاسي حول إيران فيما كان المسؤولون في طهران يركزون خطابهم على التهديد بردود قاسية ستطال كل من تثبت مشاركته في تغطية أي حضور إسرائيلي في الخليج. وكان الرد الفرنسي الرئاسي سريعاً على كلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب أول أمس عن سوء الأداء لبعض مَن يتحدثون بلسان واشنطن كوسطاء وقيامهم بنقل رسائل مغلوطة وسلبية لا تريد واشنطن أن تفهم بصورة خاطئة في إيران وتعقد فرص التفاوض، فقالت باريس إنها لا تستأذن أحداً في علاقاتها الدولية وإنها متمسكة بالاتفاق النووي ولا تتبع أحداً في سياساتها. وفي وقت لاحق أعلنت الخارجية الفرنسية أنها لا ترى فائدة من إضافة مشاركة أميركية في صيغة تفاهم النورماندي حول أوكرانيا.
لبنان، كان مسرح الحدث هذه المرة، مع تسارع المساعي التي توّجت بلقاء للمصارحة والمصالحة بين رئيسي الحزب التقدمي الاشتراكي والحزب الديمقراطي اللبناني، حيث حضر إلى بعبدا بحضور رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وبرعايته رئيس مجلس النواب نبيه بري صاحب المبادرة، ورئيس الحكومة سعد الحريري، والنائب السابق وليد جنبلاط والنائب طلال إرسلان لطي ذيول حادثة قبرشمون، وقالت مصادر متابعة إن اللقاء كان ناجحاً في المكاشفة والتوصل للتفاهمات، حيث نال الجميع الضمانات التي يريدها من الرؤساء الثلاثة، فضمن إرسلان عدم إقفال الملف في المحكمة العسكرية وترك الباب مفتوحاً أمام فرصة الإحالة إلى المجلس العدلي، بالإضافة إلى تكريس مكانته كشريك في الثنائية الدرزية مقابل جنبلاط، وضمن جنبلاط بالمقابل فتح الباب لحوار سياسي لهواجسه الأمنية والسياسية حول موقعه السياسي والطائفي في التعيينات، مباشرة من رئيس الجمهورية وبصورة غير مباشرة من حزب الله الذي نقل موقفه وحرصه الرئيس بري، وصولاً لضمانة ترتيب علاقته لاحقاً بالحزب، بينما شكل التوافق على دفع التحقيق الذي يجري في المحكمة العسكرية لبلوغ نتائجه دون ضغوط إعلامية وتدخلات سياسية ليبنى على النتائج ما ينبغي بما في ذلك فرضية الإحالة إلى المجلس العدلي، دون الحاجة لتصويت أو توافق مسبق، وترك الأمر لتقدير الرؤساء الثلاثة برضى الطرفين.
الحكومة المعطلة من أربعين يوماً ستستأنف اجتماعاتها اليوم قبيل سفر الرئيس الحريري إلى واشنطن لمواجهة ما تحضره مؤسسات التصنيف المالي والائتماني من أوراق ضغط تستند إلى تدهور الوضع السياسي وانقطاع العمل الحكومي مزوّداً هذه المرة بالحل السياسي الذي خرج من بعبدا، بينما أقفل الباب على التصعيد والمخاطر المرافقة والمحتملة، سواء تجاه التدخلات التي أظهرت بداياتها المواقف الصادرة عن السفارة الأميركية، أو تجاه الفوضى السياسية والأمنية التي ظهر أن التصعيد في الأزمة والخطاب يفتح الباب لتوسّع إطارها وصولاً للخروج عن السيطرة، والأهم هو أن القلق من بلوغ نهاية الشهر وصدور التقارير الدولية السلبية كان سيفتح الباب لحراك سياسي داخلي يستعدّ له بعض الأطراف تحت عنوان رفض التسوية الرئاسية وإطلاق عنوان جديد للمرحلة تحت شعار الفصل بين الدولة وحزب الله. وقالت مصادر متابعة إن ما جرى أغلق «صندوق باندورا» الذي قد يحتوي كل الأفاعي والشياطين في ما لو بقي مفتوحاً.
اتخذ القرار بوضع حد نهائي لتداعيات حوادث البساتين بعد شهر وعشرة أيام، فعقد أمس لقاء المصارحة والمصالحة الذي احتضنه القصر الجمهوري وجمع الى رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال ارسلان. وخلص الاجتماع إلى المصالحة بين جنبلاط وارسلان إثر الخلاف الحاصل بينهما جراء حادثة قبرشمون.
وأعلن الحريري بعد اللقاء عن عقد جلسة لمجلس الوزراء اليوم في قصر بعبدا، مؤكّدًا أنّ المصالحة تمت وأنّنا من اليوم نفتح صفحة جديدة للتعاون من أجل مصلحة الوطن. واعتبر رئيس مجلس النواب نبيه بري أنّ ما حصل اليوم إنجاز.
وفيما غادر أرسلان مبتسماً من دون الإدلاء بأي تصريح أكّد جنبلاط أنّه مرتاح لإجراء لقاء المصارحة والمصالحة في قصر بعبدا.
وكان رئيس المجلس النيابي نبيه بري قد أعاد تفعيل محركاته ليل أول أمس على أكثر من خط وفق مبادرته الاولى، بهدف عقد لقاء المصارحة والمصالحة في بعبدا واقتناعاً منه ان الوضع لا يحتمل المزيد من التعطيل بالتوازي مع لعب حزب الله دوراً لدى النائب ارسلان، اقتناعاً منه بأهمية المصالحة والمصارحة، وفي الوقت عينه ضرورة محاسبة مرتكبي الجريمة. وبالتوازي مع مساعي رئيس الجمهورية التي تصبّ في النتيجة ذاتها، مع تأكيد مصادر بعبدا في هذا السياق لـ»البناء» ان مسار المصارحة لا يلغي المسار القضائي الذي سيأخذ مجراه بعيداً عن مجلس الوزراء والتحقيقات القضائية ستبصر نتائجها النور ولن يستطيع أحد أن يعرقلها.
ولفتت مصادر الديمقراطي اللبناني لـ»البناء» على أن «اللقاء الذي جمع في بعبدا المير طلال وووليد بيك هو لقاء سياسي، لن يلغي أبداً المسار القضائي لحادثة قبرشمون، فالقضية سوف تبقى قيد المتابعة، ومجلس الوزراء اليوم سوف يبحث في المسألة من دون أن يأتي على ذكر التصويت على إحالة القضية الى المجلس العدلي، لأن المحكمة العسكرية التي باتت القضية في عهدتها ستنظر في القضية وإذا ارتأت أن تحول الحادثة إلى المجلس العدلي سوف تحوَّل واذا لا فنحن نثق بالقضاء وبأحكامه»، لافتة الى ان اللقاء الذي عقد في بعبدا كان لقاء مصارحة ومن شأنه أن يهدئ الأجواء في الجبل، خاصة أن المسار القضائي والأمني لهذه الحادثة مستمر من أجل جلاء الحقيقة.
أما مصادر الحزب التقدمي الاشتراكي فتقول لـ»البناء» إن الأجواء كانت إيجابية، لافتة الى ان ما جرى كان قد تقدم به رئيس المجلس النيابي بعد الحادثة حيث دعا الى لقاء مصالحة، غير أن البعض رفضه بداية ليعود ويقبل به، معتبرة أننا اليوم امام التحدي الاقتصادي الذي يفرض على الجميع التعاون لمنع هزيمة لبنان اقتصادياً ومالياً. وحول ارتياح الاشتراكي لمسار التطورات وأنها جاءت لمصلحته تقول المصادر: وليد بيك لم يهدف الى تسجيل انتصار على أحد، وما كان يدعو إليه هو يتمثل بعدم رمي الاتهامات لأسباب وغايات سياسية، خاصة أن البعض سارع الى إطلاق المواقف والاتهامات مستبقاً التحقيقات. واذ تشير المصادر الى انها لا تريد ان تفتح ملف الاحداث الماضية، تقول نحن الآن في جو تهدئة.
واشارت مصادر نيابية في تيار المستقبل لـ «البناء» الى أن الأهم في لقاء بعبدا هو تخفيف الاحتقان السياسي والطائفي والعودة الى طاولة مجلس الوزراء بعد تعطيل عمل الحكومة لأكثر من شهر، لافتة الى أن «الرئيس الحريري تعاطى بهدوء وانفتاح وحكمة في كل مراحل هذه الأزمة وأصرّ منذ وقوع الحادثة على المصالحة والحوار»، منوّهة بـ»الدور الذي قام به الرئيس نبيه بري ومساعدة وتفهم الرئيس ميشال عون الذي رعى المصالحة وهذا ما ساهم في التوصل الى حل لمصلحة البلد».
ولفتت المصادر إلى أن «استمرار هذه الأزمة والسجالات كانت ستؤدي الى فتنة في الجبل لوجود غليان بين المكوّنات لولا تداركها في اللحظات الأخيرة وإجراء مصالحة وسحب فتيل التوتر من الشارع إلى القضاء وإلى التفاهم السياسي».
وأكدت المصادر على «العلاقة الجيدة بين عون والحريري ما يؤكد استمرار التسوية الرئاسية ولا اتجاه أو نية لدى أحد على المسّ بها لأنها المعادلة الأساسية التي تحمي الاستقرار السياسي والمالي في لبنان». واوضحت أن «المصالحة تشكل مرحلة جديدة ومنطلقاً لاستئناف عمل الحكومة واقرار الموازنة وتنفيذ مقررات «سيدر» ووضع خطط لانقاذ الوضع الاقتصادي».
وكان سبق اجتماع المصارحة والمصالحة ترؤس رئيس الجمهورية في قصر بعبدا، بحضور رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري اجتماعاً خصص للبحث في الاوضاع المالية والاقتصادية في البلاد. وشارك في الاجتماع وزراء المال علي حسن خليل، وشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي، والاقتصاد منصور بطيش، ورئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ورئيس جمعية المصارف سليم صفير والمدير العام لرئاسة الجمهورية. ولفت الحريري إلى أنه «تم الاتفاق على جملة من الخطوات الأساسية التي سنعمل على تطبيقها في المرحلة المقبلة وتساهم في تفعيل الاقتصاد وتعزيز وضع المالية العامة. ولقد عبر المجتمعون خلال الاجتماع المالي عن ارتياحهم لجهة تنقية الأجواء السياسية والمصارحة والمصالحة».
ولفتت مصادر السراي لـ»البناء» الى ان اجتماع السراي المالي الذي جمع الرئيس الحريري ووزير المال وحاكم البنك المركزي هو اجتماع يُعقد بشكل دوري يناقش الأوضاع النقدية والمالية والاقتصادية، لافتة الى ان رئيس الحكومة يولي الوضع الاقتصادي والمالي الأهمية القصوى ويعمل على إجراء التحسينات والإصلاحات التي من شأنها أن تحسّن الوضع الاقتصادي، ويأخذ بعين الاعتبار التصنيفات الائتمانية للبنان، معتبرة ان الاولوية في مجلس الوزراء ستكون للبحث في مقررات سيدر وخطة ماكينزي، بعد عودة الرئيس الحريري من زيارته الولايات المتحدة.
وأشارت المصادر في هذا السياق، الى ان الحريري سيتوجه بعد انتهاء مجلس الوزراء الى السعودية لتمضية عطلة الأضحى حيث سيلتقي بعدد من المسؤولين السعوديين ثم ينتقل الى واشنطن للقاء نائب الرئيس الأميركي ووزير الخارجية مايك بومبيو وعدد من المسؤولين الاميركيين، وان الحريري سيشرح خلال زيارته الاميركية لمن سيلتقيهم الوضع في لبنان بشقيه السياسي والاقتصادي، مشددة ان الزيارة أكثر من مهمة. ورفضت المصادر ربط الزيارة بالبيان الذي صدر عن السفارة الاميركية مشددة على ان الزيارة كانت مقررة مسبقاً، معتبرة ان الاقتصاد يبقى أولوية المرحلة ويحتاج الى استقرار سياسي لأننا نواجه جملة تحديات.
وأبدى حاكم مصرف لبنان ارتياحه للوضع المالي، وقال ردًا على سؤال في هذا الشأن: «الوضع .»TOP
أكد وزير المال علي حسن خليل أن ليس هناك من استقرار اقتصادي بدون استقرار سياسي. وقال: «لاحظنا كيف ارتفعت أسعار السندات قبل الاجتماع وصدور البيان وقد يتأثر بذلك الائتمان». وعلّق وزير المال على اجتماع المصالحة بالقول: «مجرد انعقاد مثل هذا اللقاء هو بحد ذاته حدث إيجابي».
اما على خط حزب القوات الذي استثني من الاجتماع المالي، فقد استغرب نائب رئيس مجلس الوزراء غسان حاصباني عدم مشاركته في اجتماع بعبدا المالي، وقال: «في الحقيقة لم أجد مبرراً لاستبعاد نائب رئيس مجلس الوزراء عن اجتماع بعبدا المخصص لدراسة الاوضاع الاقتصادية والمالية برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون، خصوصاً أن لنا ولمن نمثل مقاربات واضحة بما يخدم الحكومة والمصلحة العليا للبنان». وقال: «أما اذا كان البعض يريد تهميش هذا الموقع الأرثوذكسي الأول في السلطة التنفيذية، وهو حالياً يمثل مكوناً سياسياً اساسياً في البلاد، فيكون بهذا التهميش يضرب المنطق المؤسساتي الذي يجب السعي لتكريسه، خصوصاً في هذه المرحلة الدقيقة التي تتطلب تعاوناً وجمعاً لكل القدرات المتاحة».
أما السفير البريطاني لدى لبنان كريس رامبلينغ فشدّد خلال لقائه وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي على أهمية الوضعين الاقتصادي والمالي في لبنان في الفترة الراهنة، وعلى وجوب إعطائهما الاولوية. واعتبر ان الاستقرار السياسي والأمني مهم، وهو ينعكس حتماً بشكل إيجابي على غيره من الاوضاع، الا ان الاهم يبقى في إيلاء الشأنين الاقتصادي والمالي كامل الاهتمام. ورحّب السفير البريطاني بالاجتماع المالي الذي عقد في بعبدا، لافتاً الى اهمية بحث كل السبل الآيلة الى تحسين وتعزيز الشقين الاقتصادي والمالي لما فيه من تحفيز لتنفيذ مقررات مؤتمر «سيدر».
وكانت ارتفعت السندات الدولارية اللبنانية امس، بعد تقارير عن اجتماع للقادة اللبنانيين في القصر الجمهوري بهدف حلّ الأزمة السياسية التي أصابت الحكومة بالشلل. وارتفع إصدار 2030 بما يزيد عن 1 سنت في الدولار ليصل إلى أعلى سعر في أسبوع، بينما صعد أيضاً إصدار 2032 أكثر من سنت، وفقاً لبيانات تريدويب، وبحسب ما نقلت رويترز.
وعشية سفره الى السعودية اليوم لمناسبة عيد الاضحى حيث يتوقع ان يعقد لقاءات سياسية مهمة في المملكة قبل انتقاله الى الولايات المتحدة الاميركية، استقبل الرئيس الحريري في السراي الحكومي السفيرة الأميركية في لبنان اليزابيث ريتشارد، بحضور الوزير السابق غطاس خوري، وعرض معها المستجدات والعلاقات بين البلدين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأخبار
مصالحة بعبدا: اللي استحوا ماتوا!
لقاء المصالحة: قليلٌ من الثلج على التورّم
كرّست القوى السياسية في لقاء المصالحة الذي انعقد يومَ أمس بين وليد جنبلاط وطلال أرسلان صورتها كقوى غير مؤتمنة على إدارة البلاد. بالتأكيد، ليس المطلوب منها الاستمرار في التقاتل وتعطيل الحكومة، لكن أضعف الإيمان هو إظهار بعض الخجل، والاعتذار عن إهدار المزيد من الوقت، رغم أنه لم يكن سيُستغل في تحسين حياة الناس. فالمتصالحون أمس تراجعوا عن سقوفهم وقبلوا بحلول كان يمكن السير بها منذ اللحظة الأولى. يمكن الجزم أن أحداً منهم لن يعتذر، لأن «اللي استحوا ماتوا».
بعدَ أكثر من شهر و10 أيام على حادثة «قبر شمون»، تصاعدَ الدخان الأبيض من المساعي الماراثونية التي وصَلت الليل بالنهار في اليومين الماضيين، وأسفرت عن فكّ أسر الحكومة التي ستجتمع قبل ظهر اليوم بعد تعطيل جلساتها بسبب الانقسام الحاد في الموقف حول وجهة السير القضائية التي يجب أن يسلكها التحقيق في الحادثة. برعاية الرؤساء الثلاثة، اجتمع النائب طلال أرسلان وغريمه النائب السابق وليد جنبلاط في قصر بعبدا أمس، ليتصالحا بعد الجريمة.
أمام هذا المشهد، ليسَ مُمكناً سوى السؤال عن السبب الذي دفع بالقوى السياسية الى تعطيل البلاد بعراضاتها الكلامية، ومن ثم الذهاب الى حلول لم تحقق مكسباً لأي طرف سوى التعادل السلبي والتأكيد على أن شركاء الائتلاف الحكومي مقتنعون بأن حكومتهم «لا تقدّم ولا تؤخر». ما الذي تحقق نتيجة التعطيل؟ من الرابح؟ هل ثمة من استغل جريمة قبر شمون لتحقيق بنود ما في برنامج عمل سياسي خاص به؟ حتى اللحظة، لم يظهر ما يبرر التعطيل سوى أن كلاً من طرفي النزاع رفع سقف مواقفه إلى درجة صار معها التراجع صعباً، واضطر حلفاء كل منهما إلى دعمه، من دون أي طائل سياسي. قوى سياسية بلا خجل، وبلا أي حس بالمسؤولية، قررت تعطيل البلد الذي تجاوز شفير الهاوية اقتصادياً، وبدأ فعلاً بالانهيار. الأصح، ربما، أنه في حالة انحدار دائمة، لكن ما تغير هو السرعة التي ينحدر بها. وعدا عن القوى السياسية، لم يجد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ما يحول دون أن يقول أمس إن الوضع المالي في البلاد «Top»!
بدا الجميع محكومين بالنزول عن الشجرة، وتحقق ما اعتبره رئيس مجلس النواب نبيه بري «إنجازاً»، وخصوصاً أن الأمور كادَت تعود إلى النقطة الصفر أول من أمس. لكن «صرخة» برّي خرجت بأن «الوضع لم يعُد يحتمِل، وأن البلاد مقبلة على تصنيفات سلبية تكاد تطيح بنا». لذا، لم يستسلم المفاوضون هذه المرة، بل كُثفت الاتصالات بين رئيس المجلس وحزب الله، ولا سيما بعدما رفض جنبلاط المسعى الأخير، وأبلغ بري عبر أحد وزراء الاشتراكي أنه ما «بين وجوده والوضع السيئ سيختار وجوده»، مؤكداً أنه سيطلب من وزراء الحزب الاشتراكي الاستقالة من الحكومة فيما لو انعقدت جلسة وطرح اقتراح إحالة جريمة قبر شمون على المجلس العدلي. في هذه الأثناء، أعاد برّي تعويم مبادرته التي سبق أن طرحها منذ بداية الأزمة وتتضمن لقاء المصالحة، وفعّل اتصالاته مع حزب الله للتنسيق مع رئيس الجمهورية ميشال عون وباسيل وأرسلان، فيما واصل هو التفاوض مع جنبلاط للقبول باللقاء والتلازم بإسقاط الحق الشخصي في حادثتَي «البساتين» و«الشويفات». لكن ذلك، لا يسجل انتصاراً كاملاً لجنبلاط، إذ إن البيان الذي تلا اللقاء كان واضحاَ لجهة أن «خيار العدلي لم يسقط بالكامل، وبالإمكان إعادة إحيائه على ضوء التحقيقات» وهو ما أصر عليه أرسلان وحلفاؤه.
موافقة الأطراف تأمنت صباح أمس، وعلى عجل تقرر لقاء المصالحة العشائري لتهدئة التوتر السياسي في البلاد، والذي سبقه لقاء مالي ـ اقتصادي بين الرؤساء الثلاثة، انضم إليه الوزراء: علي حسن خليل، منصور بطيش وسليم جريصاتي، بالإضافة الى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيس جمعية المصارف سليم صفير ورئيس لجنة المال النيابية ابراهيم كنعان، للبحث في كيفية الخروج من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، بسبب سوء الحال وبلوغه درجة عالية من الخطورة نتيجة التعطيل الحكومي، ما استدعى تحذيرات دولية من انعكاس ذلك على المساعدات التي ينتظرها لبنان.
رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي التقى السفيرة الأميركية قبل التوجه الى بعبدا، أشار بعدَ اللقاءين إلى أن «المجتمعين عبروا عن ارتياحهم للتطور الحاصل لجهة المصالحة والمصارحة بين جنبلاط وأرسلان، والتشديد على ضرورة الالتزام بالمحافظة على الاستقرار السياسي، وأكد المجتمعون التزامهم للحفاظ على سعر صرف الليرة، وتم الاتفاق على خطوات سياسية سيعمل على تطبيقها في المرحلة المقبلة، تساهم في تعزيز الاقتصاد والمباشرة في مناقصة ماكنزي».
وأضاف «من الخطوات الأساسية، إقرار موازنة 2020 وتطبيق موازنة 2019 ووضع خطة تفصيلية للمباشرة بإطلاق مشاريع استثمارية والبالغة 3.3 مليارات، إضافة الى مشاريع سيدر، تطبيق خطة الكهرباء كاملة، إقرار قوانين إصلاحية ولا سيما المناقصات العامة والتهرب الضريبي والجمركي، والتنسيق مع لجنة تحديث القوانين، تفعيل لجان العمل الوزراية، استكمال خطوات الإصلاح القضائي وتعزيز عمل أجهزة الرقابة، ضبط الهدر والفساد، إعادة النظر بالمؤسسات غير المجدية». أما بالنسبة إلى الاجتماع الخماسي، فقال إن «المجتمعين استنكروا خلاله حادثة قبر شمون ــــ البساتين والتي سقط نتيجتها ضحيتان وعدد من الجرحى، وهي باتت في عهدة القضاء العسكري استناداً الى القوانين المرعية الإجراء، وعلى ضوء التحقيقات تتخذ الحكومة القرارات المناسبة»، معلناً عن «عقد جلسة للحكومة غداً الساعة 11 صباح اليوم في قصر بعبدا».
بالنسبة الى الاجتماع المالي، فقد أشارت مصادر قصر بعبدا الى أنه وضع «خريطة طريق» للخطوات الإصلاحية التي تعتبر ركيزة الثقة عند الدول المانحة في مؤتمر «سيدر». وقالت المصادر إن «جرى التأكيد على ضرورة الصمود لمتابعة هذه الإجراءات، كما جرى عرض تفصيلي من قبل الحاضرين من أهل الاختصاص، فتحدث حاكم مصرف لبنان عن المصارف، فيما تناول كنعان عمل لجنة المال والموازنة». ولفتت المصادر الى أن «النقاش في موازنة عام 2020 أخذ حيّزاً في الجلسة وكان هناك تأكيد على ضرورة الانتهاء منها في الوقت المناسب»، بالإضافة إلى «موضوع التصنيفات التي وعد سلامة بمتابعتها والعمل على تأجيلها أو الحدّ من سلبيتها بالتواصل مع الجهات المعنية».
لقاء المصالحة: قليلٌ من الثلج على التورّم
اوحت الساعات القليلة التي سبقت لقاء قصر بعبدا في حضور الرؤساء الثلاثة وطرفي النزاع الدرزي وليد جنبلاط وطلال ارسلان، انه حاصل بتوقعات مخفوضة. هو اقرب الى وضع قليل من الثلج على التورم منه معالجة الورم (مقال نيقولا ناصيف).
عوّلت جهود ليل الخميس وقبل ظهر الجمعة على حصول مصالحة بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال ارسلان، فإذا الساعات الاخيرة الممهدة لها ركزت على الشق الشكلي فيها اولاً – وهو مهم في ذاته – المرتبط بلقاء الرجلين، على ان يصار الى إنجاح المضمون في اللقاء نفسه.
هذه الخلاصة كانت افضل ما يمكن توقعه حتى انعقاد الاجتماع: حضر جنبلاط بعد ايام قليلة على قوله انه لا يشارك في لقاء مصالحة مع ارسلان في قصر بعبدا، وبعد ساعات على قوله ايضاً ان رئيس الجمهورية وفريقه يريدان «الانتقام». كذلك حضر ارسلان قبل ان يتحقق اي من شروطه للمصالحة. لم يُرد رئيس مجلس النواب نبيه برّي، عرّاب هذه المصالحة، اساساً من مساعي الليلة السابقة وتواصله مع رئيس الحكومة سعد الحريري سوى الفصل الكامل ما بين حادثة قبرشمون واستعادة مجلس الوزراء اجتماعاته، آخذاً في الاعتبار ان المصالحة الجدية تحتاج الى وقت بعدما تسببت نزاعات جنبلاط وارسلان في اهدار دم درزي في الشارع مرتين على التوالي في سنة واحدة تقريباً، في الشويفات وقبرشمون. في المقابل كان القاسم المشترك الوحيد بين جنبلاط وارسلان ان وزراءهما لا يحضرون مجلس وزراء لا يأخذ بشروط كل منهما، بذلك التقيا وحلفاؤهما على تعطيل الجلسات.
صباح امس خابر بري ارسلان وطلب منه المشاركة في لقاء المصالحة في قصر بعبدا برعاية الرؤساء الثلاثة، بعدما كان تحدث مع عون والحريري وجنبلاط، فرد بالتحفظ، موافقاً فحسب على لقاء «مصارحة». من ثم اتصل ارسلان برئيس الجمهورية وكرر له الموقف نفسه، مفضلاً الاتفاق سلفاً على معالجة متكاملة لمشكلة قبرشمون. خابر ارسلان من ثم رئيس المجلس موافقاً على لقاء وفق مواصفاته هو، ارفقه باصدار بيان بذلك. جواب بري ان المطلوب في الاساس اللقاء، ثم يصار الى طرح كل المواضيع. عند هذا الحد اكتملت حلقة الحضور.
بيد ان بضعة معطيات احاطت بجهود الساعات الاخيرة، وتركت تأثيراً متفاوتاً على استعجال اللقاء:
اولها، بيان كتلة نواب حزب الله الذي دعا الى وقف السجالات والمماحكات، اعقبه تعميم داخلي من جنبلاط الى نواب حزبه بوقف السجالات ايضاً حيال كل من التيار الوطني الحر وارسلان. لم يخفِ حزب الله تضامنه مع ارسلان ووقوفه الى جانبه، الا انه حذر من التلاعب بأمن الجبل واهدار دم درزي – درزي فيه. كل ذلك لا يحجب خلاف حزب الله مع جنبلاط وانقطاع التواصل معه، والمحافظة على هدنة القطيعة، الا ان بعض المعلومات رجح، بالتزامن مع لقاء المصالحة، فتح قنوات حوار محددة مع الزعيم الدرزي مجدداً.
ثانيها، البيان غير المسبوق للسفارة الاميركية بتحدثه عن قضية ذات بعد امني محض، في الظاهر على الاقل، هي حادثة قبرشمون واقران الكلام عنها بالدعوة الى مراجعة قضائية شفافة، وتجنيب الحادثة مواقف سياسية ونعرات طائفية ومناطقية. ليس قليل الاهمية ان بيان السفارة التي غالباً ما تحاذر الخوض في مسائل حساسة كالقضاء، لم يصدر قبل تشاورها مع الادارة الاميركية. منذ وصول السفيرة مورا كونيللي الى لبنان عام 2011 الى السفيرة الحالية اليزابيت ريتشارد، احجمت السفارة عن الافراط في إظهار التدخل في شؤون محلية على غرار ما كان السفير جيفري فيلتمان، مكتفية بتبادل المعلومات والمواقف مع اصدقائها اللبنانيين بعيداً من الاعلام. لذا احتاج هذا البيان الحساس الى إذن من الخارجية الاميركية، ناهيك بأنه يبدو موجهاً فحسب الى رئيس الجمهورية وفريقه، باعتبار انهما متهمان بالتأثير على القضاء من جهة وامساكهما بمفاتيح هذه السلطة من الوزير صعوداً الى مجلس القضاء الاعلى نزولاً الى القضاة الكبار. بالتأكيد لم تعنِ السفارة، في الاشارات السلبية التي تناولها البيان، جنبلاط احد اقرب اصدقائها اللبنانيين الذي التقى باركانها قبل ايام، اضف انه يتحضر لتكريم فيلتمان مساعد الامين العام للامن المتحدة مع قرب احالته على التقاعد.
مع ان البيان تحدث عن نقاط مبدئية كنزاهة التحقيق، الا انه انطوى بالفعل على مضمون سياسي مضمر، هو لفت الافرقاء اللبنانيين، المنقسمين، الى ضرورة التنبه الى عدم الاخلال بخطوط التماس المنصوبة بينهم منذ عام 2005 بسبب حادثة قبرشمون، والحرص على ابقاء هذا التماس هادئاً ومستقراً، وإن بعيداً من اصطفاف 8 و14 آذار. ليس خافياً، تبعاً للمطلعين على دلالات بيان السفارة الاميركية، ان الاميركيين يأخذون في الاعتبار الانقسام الداخلي الحالي بين رئيس الجمهورية وحزب الله وحلفائهما، وبين جنبلاط وحزب القوات اللبنانية في مقلب مناوئ. بين الفريقين، يتقلّب الحريري من غير ان يفقد علاقته بكل منهما. اذ استقر رئيس الحكومة على المعادلة المعقدة التالية: لا يريد الاشتباك مع رئيس الجمهورية، ولا الخلاف مع حزب الله، ومتمسك بالتسوية مع الوزير جبران باسيل، ولا يسعه التخلي عن جنبلاط او التحرّك في معزل عن برّي. الاهم في ذلك كله ان يقطف من اليمين واليسار في آن.
ثالثها، لعل الايجابية الرئيسية المنبثقة من لقاء المصالحة انها اتاحت المصافحة، وتالياً رغبة جنبلاط وارسلان في الخروج من دوامة العنف الدرزي – الدرزي، ما قد يؤول الى طي صفحة ما حدث في الشويفات وقبرشمون على السواء. بيد ان قلب المشكلة واولها لم يُسوَّ بعد. قبل ايام تجاوز الحزب التقدمي الاشتراكي الخلاف الدرزي – الدرزي عندما اعاد، في مؤتمره الصحافي، النزاع الدموي الى اصله السياسي، وهو الخلاف مع باسيل والتيار الوطني الحر، واستطراداً توجيه سهام الى رئيس الجمهورية. بيد ان هذا الشق من المشكلة لا يزال عالقاً، وهو ما حمل جنبلاط، منذ 30 حزيران، على القول انه مستهدف ككيان وزعامة. بالتأكيد لم يعنِ ارسلان، بل كل ما ترتب على مرحلة ما بعد انتخابات 2018.