أحدث فوز قيس سعيّد برئاسة تونس حال ارتياح في المشرق العربي. فالرئيس الجديد القادم من مقاعد التعليم الجامعي، واظب خلال حملته الإنتخابية على التذكير بالقضية الفلسطينية، وإعلان التأييد للجمهورية العربية السورية وسيادتها واستقلالها. لكن هزيمة سعيّد لمنافسه نبيل القروي بفارق كبير، لا تعني أن مسارات السياسة الداخلية والخارجية ستكون مفتوحة امامه وواضحة.
وكانت هيئة الانتخابات قد أعلنت نتائج رسمية أولية، في بيان أذاعه التلفزيون الحكومي. وقالت فيه أن سعيّد قد فاز في انتخابات الرئاسة بنسبة 72.71 في المئة من الأصوات، وأن نسبة إقبال الناخبين بلغت 55 في المئة. وهذ نسبة مرتفعة في ظروف الأزمة الإجتماعية ـ السياسية التي تراوح تونس فيها، منذ تولي حركة النهضة "الإخوانية" الحكم، بعد "ثورة البوعزيزي عام 2011، وطرد الرئيس السابق زين العابدين بن علي من منصبه.
وكان تصدر سعيّد والقروي نتائج الدورة الأولى للانتخابات الرئاسيّة التونسية، قد فاجأ الكثيرين من السياسيين والمحللين. لا سيما وأنهما نافسا سياسيّين بارزين، منهم رئيس الحكومة الحاليّ ورئيسا حكومة سابقَان، وأيضاً وزير الدفاع الحاليّ ووزراء سابقون، إضافة إلى الرئيس المؤقت للبرلمان المدعوم من "حركة النهضة"، وكذلك قادة المعارضة السابقة. كانت النتائج التي حققها القروي في الدورة الأولى منطقية، بسبب ترؤسه حزباً سياسياً وكتلة برلمانية، وامتلاكه وسائل إعلامية. لكن نتائج سعيّد كانت مفاجأة حقاً، إذ اختار الناخبون أستاذ القانون الدستوريّ المتقاعد، الذي ترشح منفرداً، ولم يكن يملك إمكانيات ومزايا منافسيه.
لقد استفاد سعيّد من فشل حكم "النهضة". ويتضح، الآن، أنّه حصد في الدورة الثانية التي جرت يوم الأحد الماضي، أصوات 31 في المئة من الناخبين الذين لم يشاركوا في الانتخابات التشريعيّة. كما نال سعيّد نحو 90 في المئة من أصوات الناخبين الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 18 ـ 25 عاماً. لكنه أخفق في كسب غالبية أصوات الناخبين ممن تجاوزوا الستين.
وبعد إعلان النتائج النهائية للإستحقاق الرئاسي، فإن رئيس الجمهوريّة الجديد، سيواجه احتمال انفكاك القوى السياسية التي انتخبته عنه. فالقوى السياسية وخصوصاً "الإخوان"، الذين جيروا أصوات ناخبيهم له، سيحاولون الهيمنة عليه. وهم، أصلاً، اعتبروه رئيساً ضعيفاً، وأن المهم هو تولي رئاسة الحكومة، لأن الموقع الدستوري لرئيس الجمهورية في تونس لا يحظى بسلطات وصلاحيات هامة. وهذا يزيد من احتمال المواجهات بين الرئاسة والحكومة وكذلك البرلمان.
وذكرت تقارير سياسية أن الرئيس الفائز، ليس كما يتوقعون. وقالت أن لديه مشروعاً إصلاحياً لإعادة تأسيس النظام البرلماني ودمقرطته، على نحو يكون للناخبين حق عزل ممثليهم، إذا لم ينفذوا البرامج التي وعدوا بها. وهذه المقترحات يتوقع أن تلقى رفضاً من الأحزاب السياسية، في بلد لا تزال المصاعب المعيشية والإقتصادية تشتد على المواطنين وتضعفهم، رغم تحقق ما يسميه النيوليبراليون بـ"الإنتقال الديموقراطي" للسلطة.
كما إن النظرة الندية التي يطرحها الرئيس قيس سعيّد في علاقات تونس الإقتصادية مع الإتحاد الأوروبي، والتي تحظى بتأييد جزء كبير من الناخبين، قد تسبب له متاعب سياسية. وهذا الإحتمال يبدو راجحاً، مع المواقف السياسية الواضحة التي أعلنها سعيّد من الكيان الصهيوني والقضية الفلسطينية. كذلك فإن تأييده الصريح لحكومة الجمهورية العربية السورية، سيدفع حركة النهضة "الإخوانية" المؤيدة لتركيا، إلى فتح صراع مبكر مع الرئيس الجديد بشأن السياسة الخارجية للبلاد.
مركز الحقول للدراسات والنشر
الثلاثاء، 15 تشرين الأول/ أوكتوبر، 2019