نشرت جريدة الأخبار مقابلة مصورة مع السيد وليد شرارة الكاتب والمفكر والمناضل السياسي العربي اللبناني، قدم فيها تحليلاً تاريخياً ـ سياسياً لمغزى اكتشاف مختبرات أسلحة بيولوجية أميركية في أوكرانيا. ويرى السيد شرارة أن هذه المختبرات هي جزء من نهج استراتيجي تكنو ـ حربي اعتمدته الولايات المتحدة الأميركية منذ تأسيسها، ويقضي بإبادة الخصوم الذين يعارضون هيمنتها على النظام الدولي. هنا نص المقابلة ورابط مشاهدتها على موقع شركة يوتيوب :
المرة الأولى في التاريخ الحديث والمقصود بالحديث يعني الحداثة الرأسمالية بضعة اخر القرون. المرة الأولى بالتاريخ الحديث التي استخدمت فيها الجراثيم كسلاح كان بالولايات المتحدة. عندما قام قائد القوات البريطانية جيفري امهيرست بتوزيع بطانيات محملة بداء الجدري وداء الحصبة على السكان الأصليين [صارت الثقافة الغربية تسميهم الهنود الحمر] بهدف تسريع عملية إبادتهم.
طبعاً الإستعمار الإسيتطاني [الأوروبي] في الولايات المتحدة كان يهدف للاستيلاء على أراضي السكان الأصليين وعلى ثرواتهم. وهذه العملية [التاريخية، التي بدأت في عام 1498 تتابعت و] صارت تدريجياُ. وكان أسهل الطرق إلى تلك [الأهداف] هو ابادة [أولئك السكان]. بعد ذلك بتاريخ أقرب، خلال الحرب الكورية [1950 ـ 1953]، تم توثيق عملية استخدام الأسلحة البيولوجية [الأميركية، ضد المواطنين الكوريين الشماليين].
مؤرخ أميركي اسمه “ستيفن انديكوت Stephen Endicott ” ألف كتاب اسمه الولايات المتحدة والحرب البيولوجية، يستند فيه إلى الأرشيف العسكري الأميركي وإلى الأرشيف الصيني وإلى أرشيف كوريا الشمالية. وهو يثبت في الكتاب بأن الولايات المتحدة لم تتورع عن استخدام الأسلحة البيولوجية خلال تك الحرب. في كل الأحوال، من الواضح أنه إذ نستعرض تاريخ الولايات المتحدة في آخر مئتي سنة، [سنجد] أن الولايات المتحدة لا تتردد في استخدام أسلحة الدمار الشامل، إذا كان هذا الأمر يسهل تحقيق أهدافها [في الحرب].
طبعاً هناك قوى استعمارية أخرى غير الولايات المتحدة، لجأت لسياسات عاتية ولحروب إجرامية. لكن الولايات المتحدة تتميز عنها جميعاً، بأنها هي مثلاً، القوة الدولية الأولى التي استخدمت السلاح النووي في آخر حرب العالمية الثانية، من دون وجود مبررات عسكرية لذلك [من عدوها آنذاك، وهي اليابان، التي قصفت مدنها بالقنابل الذرية الأميركية].
هذا الأمر أصبح ثابتاً. [فالولايات المتحدة] هي [الدولة الوحيدة] التي استخدمت قواتها على نطاق واسع أسلحة كيمائية، مثل “العامل البرتقالي” خلال حرب فييتنام، أو مثل “القنابل الفوسفورية” أو “قنابل نابالم”. كما أنها شنت على العراق حربين عداونيتين استخدمت خلالهما على نطاق واسع أيضا “قنابل اليورانيوم المنضب”، مما أدى إلى ارتفاع معدلات السرطان بشكل فظيع في مجتمع العراق إبان الثلاثين عاماً الأخيرة.
لذلك، [نقول أن] الولايات المتحدة [دولة أو] قوة لا تتورع عن استخدام أسلحة الدمار الشامل لتحقيق أهدافها. لأن المنطق الذي يحكم سياساتها هو منطق إبادة الخصم أو تصفيته.
ويرد البعض ذلك للمسار التاريخي الذي تكونت فيه الدولة الأميركية، التي هي نتاج عملية استعمار استيطاني. إن أكبر مستعمرة استيطانية في التاريخ الحديث هي الولايات المتحدة. وبالتالي، فإن منطق الإبادة بمواجهة الخصوم [الذين يتحدون الهيمنة الأميركية] هو استخدام أكبر درجة، أكبر قدر من العنف [ضدهم] لكسر ارادتهم، والتخلص منهم إذا كان ذلك ضرورياً للانتصار [في الحرب عليهم].
شاهد المقابلة على موقع شركة يوتيوب
هذا الأمر يحكم منطق الولايات المتحدة، لذلك ما تكشف مؤخراً، عن وجود مختبرات أسلحة بيولوجية [أميركية] في أوكرانيا، بجوار روسيا، يضيف بعداً آخر للحرب الدائرة حالياً في أوكرانيا.
جميعنا، كنا نعلم أن السبب المباشر للتدخل الروسي في أوكرانيا كان عملية توسيع حلف شمال الأطلسي/ ناتو، تدريجياً، نحو أوكرانيا. وقد قامت الولايات المتحدة في العقود الماضية بما يشبه عملية الحصار لروسيا من خلال توسيع الناتو شرقاً وصولاً إلى حدودها. وكان بقي دولتين هما جورجيا وأوكرانيا، رفضت روسيا [ضمهما إلى الحلف]، وحاولت أن تمنع عملية التوسيع بسبل مختلفة. المهم، أننا وصلنا اليوم، إلى الحرب. إنكشاف وجود المختبرات البيولوجية [الأميركية] يضيف بعد آخر. ما هو هذا البعد.
إذا نحن نفهم ما هي غاية استراتيجية الاحتواء [التي تتبعها الولايات المتحدة، بتوسيع حلف شمال الأطلسي شرقاً، سنرى أنها استراتيجية] تفكيك روسيا. لان استراتيجية الاحتواء التي اعتمدت ضد الاتحاد السوفياتي [سابقاً]، أدت إلى تفكك الإتحاد السوفياتي. فهدف الولايات المتحدة الفعلي من خلال حصار روسيا والوصول إلى حدودها وحصارها والانتشار العسكري في جوارها وتأجيج التناقضات القومية والإجتماعية في داخلها، هو على المدى الطويل، تفكيك روسيا.
علينا ألا ننسى مثلاً، أن الولايات المتحدة قبل أن تشن حربها الثانية على العراق وتدمر الدولة العراقية، قامت بعملية حصار طويل الأمد للعراق، أدى إلى موت مليون ونصف أومليونين [مواطن] عراقي. لا توجد أرقام دقيقة. وكما قلنا استخدمت [الولايات المتحدة الأميركية] اليورانيوم المنضب أيضاً، ليتحول العراق إلى بلد منكوب. بهذا المعنى، [فإن الكشف عن] وجود مختبرات أسلحة بيولوجية، اليوم، بجوار روسيا، هو جزء من استراتيجية أشمل هدفها بعد استكمال حصار روسيا، نكب روسيا، تحويل روسيا إلى دولة ضعيفة ومنكوبة مما يسرع عملية تفككها.
هذا الكلام يعني أن كل ما قرأناه من بداية تسعينيات القرن الماضي، عن ان الولايات المتحدة لن تسمح بصعود قوة دولية منافسة [يتحقق الآن]. في بداية التسعينيات من القرن الماضي، صدر تقرير بول ولفوفيتز، الذي كان كان يعمل لحساب [إدارة الرئيس الأميركي جورج] بوش الأب. يقول هذا التقرير إنه لن تسمح الولايات المتحدة بصعود قوة دولية منافسة إلى الدرجة ذاتها، إلى نفس درجة الولايات المتحدة. اليوم، ما معنى هذا القول : لن تسمح. [في الواقع، لقد] أصبحنا نفهم كيف لا تسمح [الولايات المتحدة، لقوة دولية منافسة أن تصعد] من خلال حصار هذه الدولة [أو الدول] ومحاولة إضعافها وتحويلها إلى دول منكوبة. و[لذلك]، [فـ]الامر قد يحتمل أن تستخدم الولايات المتحدة ضد هذه الدول تقنيات [حربية] مثل [تقنيات] الحرب البيولوجية لمحاولة إضعافها وتفكيكها.
مركز الحقول للدراسات والنشر
السبت 23 نيسان / أبريل، 2022