اللواء
«الزلزال» يزلزل «قيصر».. ووفد وزاري الى دمشق للتضامن
هلع «عوني» من فرنجية وعتب قواتي على جنبلاط.. ولا مؤشـرات باريسية مشجعة
تجاوز لبنان الرسمي، وبعضه السياسي «عقوبات قيصر» على سوريا، والذي حرمه لتاريخه، زيادة التغذية بالكهرباء عبر الغاز المصري والكهرباء الأردنية، وقرر إرسال وفد وزاري للتباحث في المساعدات، يصلها اليوم، وقوامه الوزراء في حكومة تصريف الأعمال: عبد الله بو حبيب (الخارجية)، علي حمية (الأشغال)، هكتور حجار (الشؤون الاجتماعية) عباس الحاج حسن (الزراعة)، والأمين العام للهيئة العليا للاغاثة اللواء محمد خير.
ويضفي الوفد الوزاري صبغة رسمية وسياسية على عمليات الاغاثة التي بدأتها المؤسسات الانسانية الرسمية والاهلية في سوريا، وبالتزامن مع قرار حمية فتح المرافق الجوية والبحرية اللبنانية أمام الشركات والهيئات التي تنقل المساعدات الى سوريا.
وسمح الانشغال اللبناني بنكبة الزلزال المروع في تهدئة الصخب الداخلي، مع انحباس البيان المتوقع، أو حتى المعلومات ذات الطابع الرسمي عن الاجتماع الخماسي في باريس حول لبنان، والانصراف بالتالي الى ملاحقة بعض قرارات مجلس الوزراء الاثنين الماضي لإعادة الروح الى التعليم الرسمي، وعدم دفع اساتذة الجامعة الى اي تحرك يؤثر سلباً على انتظام العام الجامعي، فضلاً عن معالجة اضراب المصارف، الذي من شأنه أن يؤثر سلباً على حركة استيراد السلع، وحتى التحاويل المالية الى لبنان في ضوء ضغوطعات لمعاودة الحصار المالي على البلد.
ولئن كان فريق 8 اذار، الأكثر استعجالاً لكسر الحصار على سوريا، مستفيداً من المناخات الانسانية التي فرضتها اهوال نكبة الزلزال في سوريا وتركيا، فان بعض القوى السياسية المسيحية انهمكت في تدارس الفراغ الرئاسي من زاوية رغبة بكركي في جمع النواب المسيحيين، لاتخاذ موقف لمصلحة استعجال ملء الفراغ.
وعلى هذا الصعيد، لا تزال المواقف قيد التدارس، والبلورة قبل ان يوجه البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي الدعوة الى الاجتماع، بعد استمزاج آراء الكتل المسيحية، الاكثر عدداً.
وتحدثت المصادر عن حماس «عوني» للقاء، وهو فكرة سعى اليها رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، وعدم حماس «قواتي» وفقاً لما رشح من الموقف الذي ابلغته النائب ستريدا جعجع للبطريرط، على رأس وفد من نواب الجمهورية القوية لجهة آلية للاجتماع لا تنتهي بتحميل النواب المسيحيين مسؤولية عدم الاتفاق على انتخاب رئيس.
واستبعد نائب مسيحي ناشط ان يتمكن الفرقاء المسيحيون من الاتفاق حتى على فكرة اللقاء في ضوء تضارب المصالح، واتهام التيار الوطني الحر لرئيس حزب «القوات» بالرغبة في اعلان ترشيحه في نهاية المطاف، مع رفض فكرة التصويت، وخضوع الاقلية لخيار الاكثرية، مما يعني ان كتلة «المردة» ومرشحها النائب السابق سليمان فرنجية ليسا في وارد المشاركة في طرح من هذا النوع، مسجلة عتباً على النائب وليد جنبلاط الذي لم ينسق مع «القوات» في ما خص مبادرته الاخيرة، بالتخلي عن دعم المرشح ميشال معوض، وطرح اسماء ثلاثة هم: العماد جوزاف عون، والنائب السابق صلاح حنين والوزير السابق جهاد ازعور.
هذا في حين يتوجس التيار الوطني الحر من جلسة يجري الاعداد لها، حسب اوساطه، وتقضي بالانتخاب بـ65 نائباً، بتغطية مسيحية لا تزيد عن عشرة نواب مسيحيين، مع مشاركة لتأمين النصاب.
ولم تلحظ مصادر سياسية اي تحرك داخلي واعد للخروج من مأزق تعطيل الانتخابات الرئاسية، مع استمرار وتيرة تمسك حزب الله وحلفائه بمقولة الحوار والتوافق المسبق على شخصية رئيس الجمهورية العتيد، مع إبقاء مسألة دعم الحزب لترشيح سليمان فرنجية قيد التداول،والتي تقابل بتمسك كتل ونواب المعارضة،بترشيح النائب ميشال معوض،بالرغم من وصول هذا المنحى التصادمي الى الحائط المسدود، وعدم نجاح مساعي التفاهم على مرشح توافقي مقبول من معظم الاطراف حتى اليوم، ما يؤشر إلى ازمة مفتوحة بانتخابات رئاسة الجمهورية، مع غياب اي مؤشرات مشجعة عن نتائج لقاء باريس الخماسي الذي ضم الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر، الذي لم يصدر عنه اي بيان يحدد ما خلص إليه من نتائج بخصوص مساعدة لبنان ودعم مساعي حل الأزمة القائمة فيه، فيما لوحظ التزام المشاركين باللقاء الصمت المطبق، وتجنب الحديث عما دار فيه من نقاشات وما توصل اليه من توصيات او نتائج.
وبينما تواتر الحديث عن تباينات سادت النقاش داخل المؤتمر من الدور الايراني المعطل لانتخابات رئاسة الجمهورية بواسطة حزب الله، وباطالة امد حل الأزمة الضاغطة في لبنان، لحسابات ومصالح ايرانية خاصة على حساب مصلحة اللبنانيين، توقعت المصادر ان تتولى الديبلوماسية العائدة لكل من الدول المشاركة باللقاء، الاتصال بالدول المعنية، كل من موقعه، لاطلاعها على مضمون نقاشات اللقاء الخماسي، والخلاصات التي توصل اليها،لمساعدة ودعم الشعب اللبناني.
ضحايا ومفقودون لبنانيون
على الصعيد اللبناني، ارتفع عدد المفقودين اللبنانيين في تركيا جراء الزلزال المدمر ليتخطى الـ 10 اشخاص، وذلك بحسب الجالية اللبنانية. وأشارت المعلومات من أضنة – تركيا الى ان حوالي الـ15 عائلة لبنانية فقد التواصل معهم. فيما ذكرت معلومات اخرى ان سبعة لبنانيين تأكد مقتلهم في الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا فيما لا يزال أكثر من 30 لبنانيا في عداد المفقودين.
وغابت التطورات السياسية البارزة امس بإستثناء زيارة وفد كتلة القوات اللبنانية الى البطريرك الماروني بشارة الراعي، فيما طغت على الساحة إجراءات الحكومة لدعم سوريا وشعبها بمواجهة الزلزال المدمر الذي اصابها.
وقد شكل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وفدا وزاريا يتوجه اليوم، الى سوريا لعقد سلسلة لقاءات مع المسؤولين السوريين تتناول الشؤون الانسانية وتداعيات الزلزال المدمّر الذي وقع في عدة مناطق في سوريا، والامكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الاغاثة.
وكان قد جرى التواصل امس بين رئيس الحكومة ووزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب ووزير الاشغال العامة والنقل علي حميه، وتم الاتفاق على تشكيل وفد وزاري يتوجه الى دمشق «تعبيرا عن الوقوف الى جانب سوريا في ظل الظروف العصيبة التي تمر بها، كخطوة تكاملية مع البعثة اللبنانية التي تقرر إيفادها للمساعدة في عمليات الاغاثة الانسانية ، وكذلك مع قرار وزارة الاشغال العامة والنقل بفتح المرافق الجوية والبحرية اللبنانية أمام الشركات والهيئات التي تنقل المساعدات الى سوريا».
وكان الوزير حميه قد عقد صباح امس، اجتماعاً في مبنى فوج الإطفاء في الكرنتينا، مع البعثة اللبنانية قبل توجهها الى سوريا، في حضور ضباط وعناصر من الجيش والدفاع المدني وفوج إطفاء بيروت ولجنة إدارة الكوارث في رئاسة مجلس الوزراء – الأمانة العامة للمجلس الأعلى للدفاع والصليب الأحمر اللبناني، حيث تم تزويدها بالتوجيهات والمعلومات اللازمة، والاطلاع على التجهيزات اللوجستية كافة استعدداً لمشاركتها بتنفيذ عمليات البحث والإنقاذ والمسح الميداني الشامل في موقع الزلزال.
بعد الاجتماع اكد حميه انه من الواجب الوقوف الى جانب سوريا برغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي نمر بها. على كل الصعد، معلناً انه وبالتشاور مع الرئيس نجيب ميقاتي اتخذ القرار بفتح المرافق الجوية والبحرية امام شركات النقل المحملة بالمساعدات الانسانية الى سوريا من الدول والمؤسسات والمنظمات الدولية، وإعفائها من رسوم المطارات والمرافئ خصوصاً تلك المتعلقة بمواجهة تدعيات الزلزال الذي حصل.
واوضح ان هذا القرار جاء نتيجة تمنّع بعض الشركات عن الرسو والهبوط في المرافئ والمطارات السورية نتيجة العقوبات المفروضة عليها.
وكشف حميه انه اجرى اتصالات مع عدد من شركات القطاع الخاص والتي ابدت استعدادها للمساهمة في عمليات رفع الانقاض من خلال اليات توفرها لهذه الغاية، وسيتم التواصل بينها وبين المجلس الاعلى للدفاع والسفارة السورية لتنسيق الاعمال.
لا جلسة لمجلس القضاء
على صعيد آخر، كان من المقرر ان يعقد مجلس القضاء جلسة امس للبحث في تطورات التحقيقات في انفجار المرفأ، إلّا ان رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي سهيل عبّود والقاضي عفيف الحكيم والقاضي داني شبلي لم يحضروا الاجتماع، وحضر 4 قضاة فقط، لذلك لم يكتمل النصاب ولم يعقد المجلس جلسته.
وقال مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات تعقيبا: اقرأ تطيير نصاب جلسة مجلس القضاء الأعلى بايجابية «لأنو ما بدي الحل يطلع الا عن الرئيس الأول سهيل عبود».
الى ذلك، تقدّم وكلاء الإدعاء عن بعض أهالي ضحايا ومتضرري إنفجار المرفأ، بسلسلة دعاوى ومراجعات تباعاً، تصدّياً للمخالفات القانونية الجسيمة التي يرتكبها النائب العام التمييزي غسان عويدات المتنحي في هذه القضية؛ ومن تلك الدعاوى والمراجعات:
– دعوى مداعاة الدولة بشأن المسؤولية الناجمة عن أعمال القضاة العدليين أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز لابطال القرارات الصادرة عن النائب العام التمييزي المتنحي لعلة الخطأ الجسيم.
– كتاب موجه الى وزير العدل لإحالة النائب العام التمييزي المتنحي إلى هيئة التفتيش القضائي لإتخاذ القرارات المناسبة بحقه.
– شكاوى جزائية بحق النائب العام التمييزي المتنحي بجرائم اغتصاب سلطة وتدخل في تحقيق جنائي وتهريب موقوفين وتجاوز حد السلطة وغيرها من الجرائم الخطيرة.
بالإضافة الى دعاوى ومراجعات أُخرى سيُعلن عنها في حينه.
اضراب المصارف والدولار
اقتصاديا، وعلى وقع اعلان المصارف امس اضرابا عاما، إستقبل الرئيس ميقاتي وفدا من جمعية المصارف عرض له الاسباب التي دعت المصارف الى اعلان الاضراب.
لكن في هذه الاثناء عاود الدولار ارتفاعه وسجل سعر 64300 ليرة عند الخامسة عصراً، بينما سجلت المحروقات قبل الظهر انخفاضا طفيفا في الاسعار ثم عادت وارتفعت بعد الظهر بين بين 20 و21 الف ليرة للبنزين والمازوت و13 الفاً لقارورة الغاز.
ضحايا لبنانيون جدد
وفي جديد الوفيات، أُفيد عن وفاة رنا الترسيسي وابنتيها من آل إبراهيم في مدينة اللاذقية. أما مايا يحيى السمر، وهي من منطقة جبل محسن، فقد أفاد أقرباؤها بأنها انتشلت حيّة من تحت الأنقاض.
أما في تركيا، فقد أفيد عن ان عائلة طرابلسية من منطقة الزّاهرية مقيمة في مدينة أنطاكيا التركية، مكوّنة من الأب محمد سرحان شمّا وزوجته سوزان أسعد وطفلهما سرحان شمّا، قد انقطع التواصل معهم عقب الزلزال، لكن لاحقاً، عُثر على نجل شما تحت الأنقاض وهو بخير وبصحة جيّدة .كما تمّ العثور في وقتٍ لاحقٍ على والده محمد وقد تحدث مع أقاربه، فيما يبقى مصير زوجته مجهولاً وعمليّات البحث عنها مستمرّة.
كما تأكدت وفاة الطبيب وسام محمد خير الأسعد وابنته ندوة في الزلزال، أما زوجته وابنه فيخضعان للعلاج في أحد مستشفيات تركيا.
وفُقد التواصل مع عائلة منى عجاج وأولادها الأربعة في مدينة انطاكيا، ولكن أفيد ان زوجها محمد مصطفى عجاج ونجله هما على قيد الحياة كونهما كانا يعملان خارج المنطقة التي وقع فيها الزلزال.
وأعلنت عائلة باسل حبقوق من بلدة مغدوشة فقدان التواصل معه منذ وقوع الزلزال في تركيا، وهو كان موجودا في مدينة انطاكيا. بحسب المعلومات، إلى أنّ حبقوق، وهو من بلدة مغدوشة (شرق صيدا)، كان يقيم في فندق «OZCHIAN» في أنطاكيا (هاتاي) – تركيا».
واعلنت سفارة لبنان في سوريا عن وفاة 3 لبنانيين جراء الزلزال وانقاذ عائلة لبنانية من آل بسط في حلب.
وذكرت المعلومات لاحقاً ظهر امس، ان أربعة لبنانيين لا يزالون تحت الأنقاض في انطاكيا بعد انهيار الفندق الذي كانوا فيه وفرق الانقاذ وصلت اليهم وبدأت العمل لانتشالهم.
وافادت عائلة المفقود الياس الحداد انه عند الساعة الخامسة فجراً رنّ هاتفه بعد عدة محاولات فاشلة، والأهل بانتظار أمل كونهم يحاولون الاتصال بإبنهم في تركيا دون جدوى. وناشد شقيق الياس الحداد الدولة اللبنانية التحرك من أجل انقاذ اللبنانيين العالقين في تركيا.
وأعلنت السفارة اللبنانية في تركيا، أنها تبلغت عن وجود حوالي 18 إلى 20 لبنانياً معظمهم في حالة جيدة وهم في محافظة غازي عنتاب، وإدارة الكوارث والطوارئ التركية تعمل على تأمين الاسعافات والحاجات الاولية لهم.
وكشفت السفارة ان هناك حوالي 30 شخصاً فقد التواصل معهم، وثلاثة لبنانيين لا يزالون تحت الأنقاض في انطاكيا، بعد انهيار الفندق الذي كانوا فيه، وها ان فرق الانقاذ تعمل على انتشالهم.
كما تمكّنت فرق الانقاذ من انتشال شخص رابع كان عالقا في مكان آخر في انطاكية، ويُعمل على نقله إلى احدى المستشفيات.
وأكد السفير اللبناني في أنقرة غسان المعلّم أنهم يتابعون وضع خمسة لبنانيين تحت الأنقاض مع السلطات التركية وهيئة الإغاثة «آفاد» ووزارتي الداخلية والخارجية.
ونقل عن المعلم أن «فرق الإنقاذ لم تصل إلى المنطقة التي يوجد فيها اللبنانيون المفقودون نظراً للمساحة الشاسعة التي ضربها الزلزال وتقطّع طرقات الإمداد والمواصلات.
الأخبار
اجتماع باريس: لا قرارات ولا توصيات!
قنبلة التيّار الصوتيّة في وجه التطبيع الحكومي
فشِل لقاء باريس الخماسي، أول من أمس، في إرساء «خريطة طريق» للأزمة اللبنانية. أربع ساعات من النقاشات «الحادة»، أثبتَت أن ما تختلِف حوله الدول المُشاركة، الولايات المتحدة وفرنسا ومصر والسعودية وقطر، أكثر ممّا تجتمِع عليه. حال ذلك دون صدور بيان ختامي «يُمكن أن يُستعاض عنه ببيان لوزارة الخارجية الفرنسية في الساعات المقبلة» وفق مصادر ديبلوماسية فرنسية، مشيرة إلى «أننا منذ البداية دعونا إلى عدم رفع سقف التوقعات»، فيما رجّحت مصادر ديبلوماسية عربية أن عدم صدور البيان الموعود «إشارة واضحة إلى حجم الخلافات» (تقرير ميسم رزق).
مسؤول لبناني رفيع، كان على اتصال بالأطراف المعنية، أكّد أن الأميركيين والفرنسيين باتوا على قناعة بصعوبة فرض حل، لذلك يتفق الجانبان على لازمة واحدة ستتكرر من الآن وصاعداً، ومفادها: «أيها اللبنانيون، اختاروا أنتم رئيساً لبلادكم، وشكلوا حكومة جديدة، ونفذوا الإصلاحات التي تعرفون كيف يجب أن تكون كي يقف العالم إلى جانبكم». وأكد أن هذا الموقف «لا يعني أن الخارج لن يتدخل، لكنه يعرف مسبقاً أن أي رئيس جديد للبنان لا يمكن أن يكون معادياً لأميركا وفرنسا وحتى للسعودية».
على أية حال، جاءت نتائج اللقاء مخيّبة لآمال البعض في لبنان بـ «مفاجأة» تقلب الموازين السياسية من خلال إعلان اللقاء موقفاً متشدداً يضع رسماً تشبيهياً لرئيس الجمهورية لا ينطبِق على أي من حلفاء حزب الله، والتلويح بعقوبات.
المعلومات التي وصلت إلى بيروت حول اجتماعات ثنائية عقدت قبل اللقاء أشارت إلى حال من التخبط، قبل أن ينعقد اللقاء الأساسي الذي ضم مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف والسفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، مستشار الديوان الملكي السعودي نزار العلولا، مساعد وزير الخارجية القطري محمد الخليفي، المستشار في الرئاسة الفرنسية للشرق الأوسط باتريك دوريل ومديرة قسم الشرق الأوسط في الخارجية الفرنسية آن غيغن والسفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو، السفير المصري في باريس علاء يوسف.
وكشفت مصادر لـ «الأخبار» أن «التباين في وجهات النظر كان كبيراً»، تحديداً بينَ باريس والرياض التي بدت «كثيرة التشدّد» في شروطها بشكل يعكس عدم وجود رغبة فعلية بتقديم طوق نجاة للبنان. ورغم أن ارتدادات زلزال سوريا وتركيا جعلت من هذا الاجتماع على هامش الاهتمامات، إلا أن فيه ما يجدر التوقف عنده.
بشكل عام، تطرّق الاجتماع إلى انتخاب رئيس للجمهورية ورئيس الحكومة وآلية تشكيلها وبرنامج عملها الذي يجب أن يحظى بثقة المجتمع الدولي، إلى جانب الإصلاحات. لكن ذلِك بقي في إطار العموميات، إذ لم يتم التطرق إلى أسماء. وبينما شدّد الفرنسيون على «ضرورة تقديم المساعدة للبنان، ذكّر الوفد السعودي بموقف بلاده المُعبّر عنه في بيان نيويورك الثلاثي والمبادرة الكويتية». وبحسب المعطيات فإن «من بين الأمور التي كانت مثار خلاف إصرار السعودية على الإشارة في البيان الذي سيصدر عن الاجتماع إلى حزب الله وتحميله مسؤولية الأزمة وتأكيد رفض أي مرشح رئاسي محسوب على الحزب، فيما رأى الفرنسيون ضرورة إجراء مزيد من التشاور أكثر». فيما نقلت مصادر ديبلوماسية أن الموقف المصري كان معارضاً لأي تهديد أو تلويح بالتهديد في ما يتعلق بالملف اللبناني.
وكان لافتاً ما نقل عن مسؤولين سعوديين بأن «الملف اللبناني ليس على قائمة الأولويات السعودية وأننا شاركنا بسبب الإلحاح الفرنسي، لكن حتى الآن لا تصوّر واضحاً لمعالجة الأزمة اللبنانية». وبحسب المصادر فإن من أسباب التشدد السعودي «الاعتراض على محاولات فرنسا إشراك الإمارات في الاجتماع أو أن يكون لها دور في الملف اللبناني، وانزعاجها من الحضور القطري والمصري»، وهي تتعامل وفقَ مبدأ أن «الجميع يحتاج إلى موافقتها ومباركتها باعتبارها خزنة التمويل المالي الأكبر وما تستطيع هي أن تقدمه لا يقدِر عليه الآخرون». باختصار، عطّلت «الإملاءات السعودية» التحرك الفرنسي الذي يعكس استعجال باريس للحل، بعدما نقلت إلى بيروت «رغبة الإليزيه في انتخاب رئيس للجمهورية في شهر آذار على أبعد تقدير، وأنها لن تفرض رئيساً بعينه إلا بالتوافق بين مختلف القوى».
قنبلة التيّار الصوتيّة في وجه التطبيع الحكومي
اجتماع الحكومة الدوري أصبح سمة المشهد السياسي، والتسليم به صار واقعياً، في ظلّ استمرار الشغور الرئاسي. أما اعتراض التيار الوطني الحر فكأنّه لم يحصل، ومجرّد قنبلة صوتيّة لا أكثر (تقرير هيام القصيفي).
في غمرة التطلّع نحو لقاء باريس الخماسي، وفي وقت تحرّك الملف الرئاسي في بعض المحافل، التأمت حكومة تصريف الأعمال في جلسة عادية تحت مسمّيات استثنائية، وكأنّ ثمّة تسليماً بتطبيع الوضع الحكومي، من دون أن يكون لأفرقاء الحكومة أيّ حرج في تخطّي كلّ القوى التي ترفض اجتماعها.
منذ اللحظة الأولى للشغور الرئاسي، تؤكد القوى المسيحية رفضها اجتماع الحكومة إلا لضرورات استثنائية تَوافقَ على تحديدها النواب في جلسة نيابية. لكن، في مقابل بعض الملامح الخجولة لإظهار شيء من «التعاطف» مع القوى المسيحية في عدم تكريس الأمر الواقع في اجتماعات مجلس الوزراء، ظلّ الشك يحكم هذه القوى من التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والكتائب (ما خلا المردة بطبيعة الحال)، ومعها بكركي. وتحوّل الشك يقيناً بعد جلسات متتالية أصبحت روتينية، حتى إن وتيرتها تخطّت وتيرة الحكومة القائمة أصلاً. ومع الجلسة الأخيرة، تأكد لهذه القوى أن أفرقاء الحكومة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي، وبتغطية كاملة من الرئيس نبيه بري وحزب الله ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، لا يتعاطون مع الرفض المسيحي على أنه معبّر أو أنه قادر على وقف المسار السياسي. وثمّة أسباب مختلفة لهذا الاقتناع:
أولاً، هناك ميل فطري لدى هذه المكوّنات لتخطّي الرفض المسيحي، سواء كان معارضة أو موالاة، رغم أنه بدا في جزئه الأساسي كأنّه موجّه حصراً ضد التيار الوطني الحر، الشريك في الحكومة والذي ساهم في تشكيلها مهما كانت تبريراته آنذاك. هذا الميل عبّر عن نفسه أكثر من مرة في التعاطي مع القوى المسيحية، وهو ليس ابن ساعته. لكنه في كل مرحلة من مراحل الشغور يأخذ أشكالاً مختلفة وأكثر حدّة. وتكمن المفارقة في أن جنبلاط الذي يحرص على ابتداع حلول وطرح أسماء لانتخابات رئاسة الجمهورية ولا يريد استفزاز المسيحيين، ويقول إنه ينصح بعدم عقد جلسة حكومية، هو نفسه الذي يغطّيها في كل مرة. والأمر نفسه ينسحب على حزب الله. فإذا كان مفهوماً استمرار سعي ميقاتي الى الإمساك بصلاحيات رئيس الحكومة في وجه التيار الوطني الحر، لم يعد مبرراً ولا مفهوماً، ولا سيّما من جهة التيار، سبب تغطية حزب الله المتكررة لعقد الجلسات الحكومية.
ثانياً، يؤخذ على بكركي أن لهجتها تجاه جلسات الحكومة تحمل التباسات، وتُتّهم بأنّ تأثيرات سياسية تجعلها تراعي استمرار عمل الحكومة. لكن موقف بكركي المعبّر عنه هو أنها مع استمرار عمل الحكومة لتسيير شؤون الناس الحياتية من خلال اجتماعات وزارية، وليست مع تكريس اجتماعات مجلس الوزراء إلا للحالات القصوى. غير ذلك يُعَدّ اجتهاداً في غير محلّه وتأويلاً لموقف بكركي. وبقدر ما تعطي اجتماعات البطريرك بشارة الراعي في شأن رئاسة الجمهورية لملف الرئاسة زخماً ما، تصبح المطالبة بتأكيد رفض اجتماعات مجلس الوزراء موازية في الأهمية. بغضّ النظر عن مواقف بعض المطارنة المؤيدين للتيار الوطني الحر، ولعدم انعقاد الجلسات في شكل دوري، هناك ضرورة لإظهار متكرّر لموقف مبدئي تعوّل عليه بكركي.
ثالثاً، ترفض قوى المعارضة اجتماعات مجلس الوزراء في صورة دورية. لكن مشكلة هذه القوى هي أنها، عدا عن العلاقة الجيدة التي تربطها برئيس الحكومة، تتصرف مع هذا الرفض وكأنّ ما يحصل يستهدف التيار الوطني الحر وحده، علماً أن موقفها هو العكس تماماً. فهي، غير الممثّلة في الحكومة، تنظر الى الاجتماعات من خلال تغييب دور رئيس الجمهورية. لكنها في إطار الكباش الحالي بينها وبين التيار في ملف رئاسة الجمهورية، وتحت عنوان إعطاء الأولوية لانتخاب رئيس الجمهورية، تغضّ النظر عن اجتماعات مجلس الوزراء. وهذا الأمر يزيد من حماسة الفريق السياسي المؤيّد لانعقاد مجلس الوزراء في عدم قيام جبهة معارضة حقيقية ضد انعقاد مجلس الوزراء.
رابعاً، لم يعد صراخ التيار الوطني الحر مجدياً، مع استمرار اجتماعات الحكومة، ليبدو أكثر فأكثر أقرب الى قنبلة صوتية. فالبيانات الأسبوعية للتيار والتصريحات حول مجلس الوزراء لا تترك أيّ تأثير سلبي على مشهد الحكومة المجتمعة. ثمّة أمران: واحد يتعلّق بأداء التيار، وآخر يتعلّق بالوزراء الذين وافق عليهم رغم اعتراض قيادات من داخل التيار على توزيرهم. لكنّ الأهم هو الأداء العام الذي بات، كما في حال الخلاف بين التيار وحزب الله، خطاباً مستهلكاً داخل التيار نفسه. كلام نواب في التيار عن المأزق الحالي يعادل كلامهم عن العلاقة المتوترة مع حزب الله، لكن تمرير جلسات مجلس الوزراء يشكّل خطراً أكبر يتعدّى أيّ علاقة بين فريقين. والمشكلة تتحوّل هنا إلى ترجمةٍ لأداء التيار المتعثّر في عدم تشكيل حكومة قبل نهاية العهد، رغم أن الجميع كان مدركاً مخاطر ما قد يجري. وهذا الأمر يعيد بعض من في التيار التذكير به، لأنه هو الذي أوصل الى الحالة الراهنة. لكنّ سوء التدبير الأساسي لا يلغي أنّ التيار أصبح مكبّل اليدين في التصرّف حيال حكومة تصريف أعمال تجتمع دورياً. ولا يظهر الى الآن أنه قادر على منعها مهما بلغت اتّهاماته للمشاركين فيها بتخطّي القوى المسيحية ودور رئيس الجمهورية.
COMMENTS