تواصل الولايات المتحدة نشر ميليشيات مسلحة في سوريا تحت لافتة “المعارضة المعتدلة”. أعلن الأميركيون عن قيام “جيش سوريا الجديد” في شرق سوريا في شهر تشرين الثاني الماضي. بالمقارنة مع المحاولات الفاشلة السابقة، لوحظ سرعة واشنطن في لَمِّ التجمع الميليشياوي “الجديد”، وتظهير دوره على المسرح السياسي ـ العسكري.
تُعَرِّفْ إدارة الرئيس باراك أوباما مهمة هذه الميليشيا المحلية بأنها قوة برية “تعمل” مع قيادة الحرب الجوية، التي يشنها التحالف الأميركي ـ الدولي في أراضي “الدولة الإسلامية”. وهذا تبرير هزيل. لأن الحكومة الأميركية ما زالت ترفض التعاون مع الجيش العربي السوري ضد هذا الكيان الإرهابي، ولا تعترف بقدراته الحاسمة ضد “داعش” وقوى الإرهاب.
أنشأت واشنطن التحالف العسكري المذكور في قمة ويلز الأطلسي (أيلول 014). انطلقت الحرب الجوية منذ ذلك الحين. بعض الدول مثل الأردن والإمارات أوقفت مشاركتها باكراً. السعودية أوقفتها بعد غرقها في مستنقع اليمن. طوال عام تقريباً، كشفت نتائج هذه الحرب أن الهدف الفعلي للأميركيين هو “احتواء” وليس تصفية الكيان الإرهابي : الدولة الإسلامية.
سيبرر وجود “جيش سوريا الجديد” المنطق التضليلي في الإستراتيجية الأميركية، الذي يزعم أن مكافحة الإرهاب تكون بالوقوف ضد “داعش” وضد … دمشق. القوة الأساسية في هذا التشكيل الإرهابي هي “جبهة الأصالة والتنمية”. وقد كان “قائده” خزعل السرحان، قائد “كتائب الله أكبر” في نفس “الجبهة”. بعد سيطرة الدولة الإسلامية على مدينة دير الزور في تموز 014، انسحب خزعل المحسوب على “جبهة النصرة” إلى البادية.
يضم “جيش خزعل”، محازبي “جبهة النصرة” من “الإخوانيين” الفارين من مدينة الرقة، المعروفين باسم “لواء ثوار الرقة”. كما يضم فصائل بايعت “داعش” ثم تراجعت لأسباب قبلية ومالية. لكن أكثر ما يلفت في هذا “الجيش” هو قوات “فجر الحرية” التي ارتكبت جرائم موصوفة في عدد من مدن وأرياف الشرق السوري.
لقد سبق أن شكلت واشنطن “جيوشاً” مماثلة في سوريا. نذكر مثلاً، “الفرقة 30”. “حركة حزم”. “جبهة ثوار سوريا”. في تلك كل التجارب كان الأميركيون يرومون إلى بناء ميليشيات عسكرية خاصة بهم. ومساعدتها على بناء مناطق سيطرتها الخاصة. ما يعزز نفوذ الولايات المتحدة الميداني، إزاء تنظيمات الإرهاب التابعة للسعودية وقطر وتركيا.
يوجد اختلاف في حالة “جيش سوريا الجديد” عما سبق. بادرت الولايات المتحدة إلى بناء هذا “الجيش” على عجل. وتم الإعلان عنه بعد نحو أربعين يوماً من بدء المشاركة الجوية الروسية في سوريا. فالضربات الجوية الكثيفة والهجمات البرية الساحقة التي شنها الجيش العربي السوري وحلفاؤه ضد الدولة الإسلامية وتنظيمات الإرهاب، عَرَّتْ استراتيجية واشنطن بشأن محاربة الإرهاب.
تعتبر مشاركة الجيش الروسي في ميدان الحرب على الإرهاب في سوريا، أهم تطور سياسي ـ استراتيجي في الموقف الدولي من المسألة السورية. وهذه المشاركة، بالذات، وما نتج عنها ميدانياً، تفسر مسارعة الأميركيين إلى اتخاذ خطوات متعددة، منها الإعلان عن “جيش سوريا الجديد”. لقد سمحت هذه المشاركة للرأي العام العربي والأجنبي بأن يفهم أن “مواعيد” أوباما للقضاء على الدولة الإسلامية لم تكن صادقة ولا صحيحة. وأن بلوغ هذا الهدف ممكن في موعد أقرب بكثير من “المواعيد” التي حددها الرئيس الأميركي.
إن إدارة الرئيس أوباما لم تكن جادة في القضاء على الدولة الإسلامية. وهي تواصل استخدام سلاح الإرهاب كأداة للسياسة الخارجية، حتى الآن. إن جيش خزعل “الجديد” هو بالمقاييس العسكرية قوة برية تافهة. والولايات المتحدة تدرك ذلك. لكن الخداع الأميركي لضحايا الإرهاب يقتضي وجود مثل هذه “القوة”. فلو ان واشنطن تريد، حقاً، استئصال جذور الإرهاب من سوريا، لوجب عليها أن تغير الإستراتيجية السياسية والعسكرية التي تعتمدها فيها.
بيد أن أميركا ـ “إسرائيل”، كما هو واضح، ما زالت منتفعة من الإرهاب. لقد صرح خزعل السرحان قائد “جيش سوريا الجديد”، في لحظة الإعلان عن إنشائه، أن “تنظيم داعش ونظام الأسد وجهان لعملة واحدة”. وليس من تعبير عن “أمانة” هذه الميليشيا الإرهابية لسياسة واشنطن أقوى من هذا التصريح.
إن الإصرار الأميركي على “تصنيف” الجمهورية العربية السورية في معسكر واحد مع الدولة الإسلامية، يعني أن استراتيجية واشنطن في سوريا، هي الدينامية المركزية لقوى الإرهاب بكل تنظيماته المحلية وامتداداتها الإقليمية والدولية. إن تحبيذ واشنطن لسلاح الإرهاب، يجعلها ضالعة في قتل ضحاياه في سوريا والعراق، وكذلك ضحايا الإرهاب الذين سقطوا، مؤخراً، في لبنان، وباريس وبروكسل.
COMMENTS