ترتسم مؤشرات الديموغرافيا اليهودية في فلسطين المحتلة في مسار متدهور، لا ينفصل عن التراجع الكلي في ديناميات المشروع الصهيوني وقتامة مستقبله. وقد عرضت الباحثة الفلسطينية بيروت حمود دراسة صادرة عن "مركز طاوب لبحوث السياسات الاجتماعية في إسرائيل"، تبين أن عدد المسنين في الكيان الصهيوني، سيتضاعف بحلول العقدين المقبلين ليصبح 1.4 مليون مسن من مجمل عدد "سكان إسرائيل"، إضافة إلى زيادة بنسبة 43 بالمئة في عديد الممرضين العاملين في مراكز رعاية الشيخوخة.
وتكشف معطيات هذه الدراسة التي نشرتها صحيفة "يديعوت أحرنوت" يوم أول آذار/مارس الجاري، أن عدد "المواطنين" القدامى سيتضاعف بحلول عام 2035، ويترافق ذلك مع ازدياد نسبة العاملين في قطاع التمريض والرعاية الاجتماعية للمسنين بـ43 في المئة. وقد أوصت الدراسة بضرورة الاستعداد للاحتياجات الصحية الهائلة التي ستمثل تحدياً كبيراً للكيان الصهيوني على المستويين الاجتماعي والاقتصادي.
ويظهر المشروع الصهيوني، بحسب نتائج هذه الدراسة، تمييزاً اجتماعياً سافراً بين المسنين والمرضى (اليهود وغير اليهود، طبعاً). إذ عبرت الدراسة عن القلق من تخلف العلاج التمريضي والرعاية للمسنين في الكيان الصهيوني، ووصفته بأنه "غير متساو، وغير فعّال"، بالمقارنة عمَّا هو عليه في دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD). مع أن تمويل قطاع التمريض في "إسرائيل" يزيد بثلاثة أضعاف عن مثيله في الدول المذكورة.
وعرضت الصحيفة الصهيونية مقابلات مع خبراء صهاينة في علم الاجتماع والاقتصاد، من الذين أعدوا الدراسة، ومن بينهم مدير عام وزارة الشؤون الاجتماعية أفيغدور كبلان. وقال هذا الأخير أن "المجتمع الإسرائيلي يتجه نحو الشيخوخة"، إذ أظهرت البيانات أن عدد الإسرائيليين في جيل 70 ـ 75 سيتضاعف بحلول العقدين المقبلين من 610 آلاف إلى 1.24 مليون نسمة، في حين سيزيد نمو السكان بنسبة 31 في المئة.
وتتوقع الدراسة أنّ ترفع "شيخوخة إسرائيل" وتيرة الاضطراب الوظيفي بين المسنين "الإسرائيليين" بنسبة 43 في المئة، وبمعدل أسرع بنسبة 16 في المئة من النمو السكاني، بحيث سيحتاج هؤلاء المسنون إلى رعاية صحية واجتماعية مضاعفة داخل منازلهم أو في دور الرعاية. وتشير معطيات الدراسة، إلى أنّ نصف مخصصات تأمين الرعاية الطويلة الأمد مصدره من "السكان"، في حين تتوزع المسؤوليات المرتبطة بهذا المجال على الوزارات المختلفة. وذلك في إشارة إلى الأعباء الإقتصادية التي سترزح الأسر الصهيونية تحتها.
وترتبط التحديات أمام الرعاية التمريضية وفق نتائج هذه الدراسة بالشحّ في المصادر الاقتصادية الكافية لتغطية احتياجات جميع السكان، وتمويل علاجهم مستقبلاً، إضافة إلى تعدد وتنوع السلطات المسؤولة في الكيان الصهيوني عن إدارة وتمويل هذا المجال، وعدم استعدادها لمواجهة تحديات المستقبل.
تلفت الدراسة أيضاً إلى أن إجمالي النفقات "الإسرائيلية" على العلاج التمريضي، ويشمل الرعاية الاجتماعية، والرعاية المؤسساتية والتأمين التمريضي، قدرت بنحو 15.3 مليار شيقل، في عام 2014. ومن بين هذه النفقات هناك 8.3 مليار شيقل مصدرها الضرائب التي يدفعها "سكان إسرائيل" لمؤسسة "التأمين القومي". وهذه المؤسسة تمول خدمات التمريض المنزلية وتوفر رعاية 160 ألف مُسن بنفقات تتجاوز الـ5.31 مليار شيقل، أي ما نسبته 64 في المئة من النفقات التي يعد السكان مصدرها الأساسي. مع العلم بأن الرقم الذي قدر في عام 2014، هو أكثر بكثير من النتائج التي توصلت إليها السلطة الإسرائيلية المركزية للإحصاء.
أمّا مصادر التمويل من وزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية في الكيان الصهيوني، فإنها توفر الرعاية لـ14 ألف مُسن بنفقة إجمالية تقدر بـ2.1 مليار شيقل، وهي تمثل ما نسبته 26 في المئة من التمويل الذي يدفعه السكان من خلال الضرائب. إضافة إلى التمويل الذي يأتي مباشرة من الدولة عبر "صندوق المرضى"، والذي يكفل تمويل العلاج التمريضي المركّب (للمسنين الذين يعانون من مشاكل صحية وأمراض متعددة)، ويبلغ عددهم 1600 مسن بنفقة إجمالية تصل إلى 891 مليون شيقل، أي 10 في المئة من التمويل الذي مصدره السكان أيضا.
تقترح دراسة "مركز طاوب لبحوث السياسات الاجتماعية في إسرائيل"، أن تطوير نظام الرعاية الاجتماعية والتمريضية للمسنين المعمول به في الكيان الصهيوني ليصبح مماثلاً للنظام العالمي، أي غير مرتبط بشكل أساسي بالدخل الاقتصادي للمواطن والضرائب المترتبة عليه. ومن خلال المقارنة مع دول الـ"OECD"، توصل الباحثون الصهاينة إلى أن درجة الإنفاق على العلاج التمريضي بالنسبة إلى الناتج الإجمالي المحلي "إسرائيل"، تعتبر قريبة جداً من درجات غالبية الدول الاسكندنافية، إلا أن هذه الدول الأخيرة تعمل بنظام تأمين تمريضي مختلف. أمّا بالمقارنة مع ألمانيا وأوستراليا اللتين تعملان بنظام تأمين تمريضي يشابه نظام "إسرائيل"، فقد وجد الباحثون أن الكيان الصهيوني ينفق ثلاثة أضعاف عما تنفقه كلا الدولتان، بالرغم من أن عدد السكان في "إسرائيل" من فئة 65 سنة وما فوق، هم أقل من نظرائهم في ألمانيا وأوستراليا.
وقد اكتفت الدراسة بناء على هذه النتائج، وحجم الإنفاق في "إسرائيل" على نظام العلاج التمريضي للمسنين، باعتبار هذا النظام، مقارنة مع دول منظمة التعاون، "غير فعال، وغير متساوٍ"، لكن لم تذهب أبعد من ذلك. لأن انقلاب الهرم الديموغرافي في الكيان الصهيوني، وهو جزء من ظاهرة عالمية تشمل كل مراكز النظام الرأسمالي الدولي، يؤشر على عمق أزمة الديموغرافيا اليهودية. كما يبين أن الحل الصهيوني لـ"المسألة اليهودية" يجعل من فلسطين المحتلة جحيماً اجتماعياً للمستوطنين الصهاينة، لا سيما العجائز منهم.
مركز الحقول للدراسات والنشر
الخميس 2 آذار/ مارس، 2017