الرأسمال الخاص والتنمية : بين الدولة ورجال الأعمال في مصر الاستثمار المخطط أولاً !

الموقف من محكمة العدل الدولية
?Wikipedia: A Disinformation Operation
Did Saudi Arabia Just Try To Give the West Bank to Israel?

خاص ـ الحقول / كيف يسهم رجال الأعمال فى التنمية ؟ بل كيف تنتظم العلاقة بين جهاز الدولة ورجال الأعمال من أجل المساهمة في حل المشكلة الاقتصادية المصرية؟ هذا سؤال الوقت.
تتجلى أبرز مظاهر هذه المشكلة في محدودية الخيارات المتاحة لتمويل عملية التنمية طويلة الأمد ، وتمويل الاحتياجات الملحة فى المدى المتوسط والقصير وخاصة فى القطاعين الصحى والتعليمى ، وتطوير البنى الأساسية، سيّما الطرق والنقل ، وتنمية المناطق المسماة العشوائية، وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية. أما «جوهر» المشكلة الاقتصادية فيتمثل فى ضيق القاعدة الإنتاجية واختلالات الهيكل البنائى للناتج المحلى من حيث «تورم» بعض القطاعات وتقلص أخرى، بمعايير «تعظيم الأرباح الخاصة».وتتعدد الخيارات المطروحة لمواجهة المشكلة، ومن أهم هذه الخيارات: العمل على توفير مخصصات مالية ضخمة للقيام بمشروعات عملاقة موجهة للمدى الطويل، مثل «تنمية منطقة قناة السويس» و«استصلاح واستزراع الأراضى» مع مزجه بخيار موجّه للمدى المتوسط والقصير، من خلال القيام بأعمال كبرى منتظرة فى قطاعات التعليم والصحة والحماية الاجتماعية، وفي شبكة النقل والطرق و«العشوائيات». وهذا ما يمكن تسميته «المدخل الفنى» لقضية التنمية. وهناك خيار آخر تطرحه تيارات سياسية وفكرية متنوعة من مدخل قضية العدالة الاجتماعية ، بالتركيز على إعادة هيكلة النظام الضريبى بطريقة جذرية بغرض المساهمة فى إعادة توزيع الدخل والثروة ، وإعادة هيكلة الإنفاق العام . .
يمكن القول إن مدخل التنمية «الفنى» يتسم بالطابع الجزئى، إذ لا يضع اهتماما موازيا مستحقا لقطاع الصناعة التحويلية وتطوير التكنولوجيا ، كما أنه لا يحدد الآليات المناسبة لتوفير التمويل اللازم ، وإن كان يعوّل على الاستثمار العربى والأجنبى وعلى مساهمات أو «تبرعات» رجال الأعمال من خلال صناديق خاصة تصمّم لهذا الغرض (مثل حساب رقم 037037)، حيث يُأمل فى أن يتجاوز رصيدها المجمّع حاجز المليارات العشرية، إلى نحو المائة مليار. والرأى عندنا أنه لا غنى عن مساهمة كبار رجال المال والأعمال في عملية التنمية في المرحلة المقبلة ، ولكن المهم تحديد الطريقة الأكثر ملاءمة إلى ذلك .
ويمكن القول إن بعضا من «رجال الأعمال» يمثلون شريحة ذات إمكان تنموية محتملة، يستطيعون، وقد يرغبون حقا، فى المساهمة فى مشروعات تنموية كبرى، شريطة أن تتوافر «البيئة الاستثمارية الملائمة» سعياً من جانبهم إلى تحقيق أكبر ربح ممكن. وأول شروط هذه البيئة الاستثمارية: الاستقرار السياسي والأمني، والوضوح والتكامل التشريعى، والنظام القضائى المناسب فى الميدان الاقتصادى: والأهم من كل ذلك أن تتأكد (الشريحة المنتجة من رجال الأعمال) من جدية وجدوى «الفرص الاستثمارية» التى تعرضها عليهم الدولة . وأما من جانب الدولة فإن عليها أن تحدد مسبقا المجالات والفرص الاستثمارية المحققة للأغراض المتوخاة من عملية التنمية، وأن تقدم التسهيلات المناسبة لذلك، وفقا لرؤية استراتيجية محددة، وعملية خططية متكاملة. وليس من الصحيح هنا أن فئة رجال الأعمال (الجادّين-المنتجين) يتهافتون جميعهم بالضرورة على الاعفاءات الضريبية ذات المدد الزمنية المتفاوتة لبعض القطاعات والمشروعات، أو ذات معدلات الضريبة المنخفضة نسبيا، مما درجت عليه التشريعات المصرية المنظمة للاستثمار وحوافزه، ابتداء من عام 1974 حتى الآن، أى على مدى أربعين عاما. بل ربما تكون السياسة الضريبية المنضبطة بمعنى ما متوافقة عموما مع تفضيلات بعض «رجال الأعمال» ـ فى إطار بيئة استثمارية متوائمة مع تلك التفضيلات ـ هى الخيار الأفضل لدي الفئة المذكورة .
من الصحيح أن المجموع العام لرجال الأعمال فى مصر أكثر ميلاً للانخراط فى أنشطة سريعة العائد، وربما أن وجود «الدولة الضعيفة» اقتصاديا واجتماعيا، أكثر ملاءمة لهم ، نظرا لغياب الضوابط المانعة لممارسة الفساد بمختلف تنويعاته وانعدام الأثر الفعال لمنظومة الثواب والعقاب، بما يكفل نزح «الأرباح» دون معقب، ولو من الاستفادة من فارق أسعار الأراضي الممنوحة للمستثمرين، من خلال الظاهرة المعروفة بإعادة بيع الأراضى وما يسمى (التسقيع). وقد حققت هذه «اللعبة» مكاسب رأسمالية صافية بالغة الارتفاع للمستثمرين «الطفيليين» الكُثْر خلال الأربعين عاما الماضية ، وخلال العشرية السابقة على ثورة يناير 2011 بالذات، من خلال صفقات «الخصخصة» والمضاربات في «سوق الأوراق المالية» وعقود التخصيص فى مناطق بعينها كشمال غرب خليج السويس، و«المناطق الاقتصادية الخاصة» وغيرها. وفي المقابل، لم تفلح المحاولات الرامية إلى حمل المستثمرين على المشاركة فى أنشطة استثمارية ذات أهمية ملحوظة في المدى الطويل، مثل مشروع وادى التكنولوجيا/شرق الاسماعيلية أو فى تطوير منطقة توشكى على نطاق واسع (برغم النواقص)، وخاصة فى ضوء عدم توافر رؤية استراتيجية للدولة المصرية، ناجعة وقابلة للتنفيذ، وجاهزة للتطبيق، ومترجمة إلى خطط عشرية وخمسية وسنوية ذات مصداقية.من الجهة الأخرى، وإذا انتقلنا إلى «مدخل العدالة» فإننا نجده أكثر ميلاً للتركيز على السياسات المالية فى جانبىْ الدعم والضريبة ، دون تقديم رؤية تنموية شاملة، تضع قيمة العدل فى موقعها الصحيح من عملية التطور المجتمعى بعيدة الأمد. لا بل قد توضع بعض السياسات المستهدفة للعدالة فى موضع التعارض المحتمل مع متطلبات التنمية ، كأن يتم تفعيل سياسات الضريبة دون ربطها بتطوير القاعدة الانتاجية ، فتتحول ، كما حدث بالفعل ، إلى مجرد سياسات للجباية الضريبية
ولهذا كله، نرى أن مجرد توجيه الأنظار إلى سياسات الدعم والضريبة من منظور العدالة، أو إلى السياسات و الإجراءات الرامية إلى حمل رجال المال والأعمال على التبرع والمساندة المالية ، من المنظور الفنى للتنمية، ليس هذا أو ذاك كفيلاً بتحقيق الغرض المرتجى لمصر فى المرحلة المقبلة، اقتصاديا واجتماعيا. والأجدى هو اتباع منهجية «التخطيط القومى الشامل» فى إطار تعميق الوظيفة الاقتصادية والاجتماعية للدولة، بحيث تعرض على المستثمرين الخواص فرصاً استثمارية حقيقية في القطاعات ذات الأولوية من وجهة النظر التنموية المخططة في إطار ما يمكن تسميته «الاقتصاد التنموي الموجّه» بديلا لدعاوى «الاقتصاد الحر» وما يشابهها.
هذا ما يجب التركيز عليه اليوم، تبيانا لما تريده الدولة من رجال الأعمال: إنها المشاركة الفعالة في المشروعات الاستثمارية ذات الأولوية المنتقاة وفق خطة تنموية حقيقية، شاملة للاقتصاد الوطني ككل، وذات طابع إلزامي و«تأشيري» مرن، وليس مجرد السعي من طرف الدولة إلى جباية المزيد من الضرائب أو تحصيل التبرعات المالية والعينية، حقيقية كانت أو «وهمية».

Please follow and like us:

COMMENTS