أفردت "الأخبار" مانشيتاً رئيسياً وتقريراً افتتاحياً خاصاً شرح أهداف وشعارات التظاهرة المطلبية الشعبية الحاشدة التي سارت في شوارع العاصمة يوم أمس. أما بقية الصحف، فأشارت بسرعة إلى هذا الحدث السياسي ("البناء"، "اللواء") أو تجاهلته كلياً ("الجمهورية"، "الشرق"، "المستقبل"، "الديار") في مقالاتها الإفتتاجية. ويفترض أن تحث هذه الثغرة منظمي التظاهرة للإلتفات أكثر نحو "جبهة الإعلام". الخبر السار للمواطنين، كان قرار الرئيس المكلف سعد الحريري بإلغاء زيارته الى "قمة دافوس" في سويسرا، وهي منتدى أغنياء قوى العولمة الإمبريالية التي أفقرت الشعب اللبناني وغيره من الشعوب. يريد الحريري الإنصراف إلى معالجة الأزمة الحكومية، وهذا أنفع للبنان ومواطنيه وله شخصياً من الجلسات "الدافوسية". وقد تردد أنه سيلتقي بالرئيس العماد ميشال عون في الساعات المقبلة.
الأخبار
التظاهرات تتصاعد… وتتوسع
الحكومة: تصعيد ينتظر الحريري
التحركات التصاعدية التي بدأتها مجموعات الحراك الشعبي والأحزاب المعارضة للسلطة، تمكنت يوم أمس من استقطاب «وجع الناس» الى الشارع، لتكون تظاهرة «كلنا على الشارع» أكبر التظاهرات الشعبية منذ عام 2015. المنظّمون راضون عن النتيجة، ومتوافقون على المطالب، أما الخطوة المقبلة، «فمزيد من التصعيد» (تقرير رلى إبراهيم).
«الى الشارع»، نزل أمس آلاف المتظاهرين، للمطالبة بتغيير جذري للسياسات الاقتصادية. هي التظاهرة الأكبر منذ بدء التحركات المطلبية لمجموعات الحراك المدني (بيروت مدينتي، المرصد الشعبي لمحاربة الفساد، حراك المتن الأعلى، تيار المجتمع المدني…) والأحزاب المعارضة للسلطة (الحزب الشيوعي، التنظيم الشعبي الناصري، الحزب الديمقراطي الشعبي، حزب الطليعة…). المشاركون انطلقوا من البربير مروراً بالبسطة وصولاً الى بشارة الخوري، حيث مبنى الواردات التابع لوزارة المالية. تعددت المطالب التي سبق أن نٌصّت في بيان مشترك، لكن معظمها يركز على الإصلاح الاقتصادي عبر سياسة متكاملة تعتمد إعادة توزيع الثروة على قاعدة العدالة الاجتماعية والحق والحاجة، وليس على قاعدة الزبائنية والاستزلام والذل. لذلك حمل المتظاهرون لافتات ترفض الزيادة على القيمة المضافة أو زيادة الضرائب على محدودي الدخل والفقراء، مطالبين في المقابل بفرض ضريبة تصاعدية على الريوع العقارية والمصرفية تصل الى 30%، ولافتات أخرى تطالب بتحرير الملك العام، وعدم المس برواتب وأجور الموظفين والمتقاعدين، وتأمين تغطية صحية شاملة للمواطنين.
عكس المرات السابقة التي كان البيان يذاع من أحد ممثلي الأحزاب المعارضة للسلطة، عهدت المسألة الى مجموعات الحراك الشعبي. فانتُدبت دارين دندشلي، إحدى الناشطات في «بيروت مدينتي» لقراءته. وتقول دندشلي لـ«الأخبار» إن «الكلمة جاءت موحدة بين مختلف المجموعات والأحزاب والقوى، وكان من السهل جداً التوافق على محتواها، لأن مطالبنا مشتركة». وتؤكد دندشلي أن التحرك بدا مختلفاً، لا سيما مع مشاركة «وجع الناس» فيه، وهو ما ظهر جلياً من خلال حجم المشاركة والوجوه الجديدة التي نزلت الى الشارع. أما الخطوات التالية، «فلم تقرر بعد، بانتظار الاجتماع التقييمي لمختلف القوى»، علماً بأن المجموعات المدنية التي نظمت منذ نحو أسبوع مسيرة من وزارة العمل الى وزارة الصحة، تنظم مسيرة أخرى في الثاني من شهر شباط، تنطلق من داخل الأحياء الشعبية لتلتقي أمام مبنى الـTVA ـــ العدلية.
من جهته، يشير الأمين العام للحزب الشيوعي حنا غريب إلى أن «إيجابية يوم أمس تمثلت في حضور أشخاص غير حزبيين، وهو ما يتلاقى مع وجهتنا بأن يحمل الحراك الطابع الشعبي لكل المتضررين من السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تنتهجها السلطة». التركيز على المطالب نفسها «مقصود»، والرسالة واضحة: «على الدولة أن تتحمل وحدها نتائج الانهيار الاقتصادي، وما زالت مستمرة بالنهج عينه، أي القروض والفوائد. وباتت لا تخجل من الاعلان أن تدابيرها المقبلة ستكون غير شعبية وعلى حساب الناس، كرفع الضريبة وزيادة أسعار المحروقات وخفض الأجور وتحجيم القطاع العام». لذلك «آثرنا توجيه رسالة شديدة اللهجة الى هذه السلطة، خلاصتها أن اتخاذ أي إجراء ضد اللبنانيين وتحميلهم أعباء فشلها سيؤديان الى انفجار اجتماعي، والناس كما ترون لم تعد تخاف، بل أصبح عليهم هم أن يخافوا». يهمّ غريب أن يؤكد عدم رضوخ الشعب لأي ضغوط: «صار لازم تدفعوا لأنو نحن مش رح ندفع».
عدة أفكار تدور في رؤوس المنظمين، لا سيما أن المسؤولية باتت أكبر. ربما يكون التحرك المقبل «عبارة عن حملة إعلامية تثقيفية حتى يطّلع الشعب على المصيبة التي تنتظره. ما يسمونه إصلاح عبر «سيدر» وغيره، أثار موجة احتجاجات شعبية في فرنسا. سيترافق الأمر مع مجموعة تحركات على صعيد الأقضية والقرى والأرياف وعلى مستوى كل القطاعات، أكانت جامعية أم عمالية أم مهنية». على المقلب الآخر، كان لافتاً انضمام النائب بولا يعقوبيان الى التظاهرة، في حين لم تشارك في التحركات التي نظمتها المجموعات والأحزاب نفسها سابقاً. وتقول مصادر المنظمين إن اجتماعاً مطولاً عقد ليل أول من أمس بين النائبين بولا يعقوبيان وأسامة سعد، بحضور المجموعات المدنية: «مشاركة الاثنين جنباً الى جنب مهمة، ولو كانا من خلفيات مختلفة. وتمثيلنا في المجلس النيابي مهم أيضاً، لأننا نعتزم طرح الكثير من القوانين». من ناحية أخرى، انضمت «حركة الشعب» الى التظاهرة أيضاً، لأن «الدعوة بكل بساطة لم تكن موجهة من طرف أو حزب. وفي النتيجة هذا البلد للجميع»، يقول عمر واكيم. ويرى الأخير أن «المعركة طويلة. هناك نفس جديد من الناس يفترض أن ينالوا فرصتهم للتعبير أكثر. وهذا واجب على كل القوى الوطنية، ونحن من ضمنهم، أن تفتح المجال لهؤلاء الشباب كي يسهموا في العمل أكثر». لماذا لا تشاركون في الاجتماعات التحضيرية التي تعقد؟ «حركة الشعب واضحة في الاعلان التي أصدرته منذ 3 أسابيع، بأنها ستشارك في كل التحركات المطلبية، بغض النظر عن هوية الداعين اليها».
منذ عام 2015، لم يسبق لأي تظاهرة أن جمعت هذا العدد من الناس الذين حضروا أمس. فوفقاً للناشط في المرصد الشعبي لمحاربة الفساد، واصف الحركة، «اختلطت الوجوه ما بين حزبية وأخرى من الحراك الشعبي وثالثة ضمت المجتمع المدني، وغالبيتهم من الشباب. وهو أمر مميز ومفيد كثيراً». يرى الحركة أن «التطور واضح من خلال تحديد المواجهة مع السلطة، كل السلطة. والبيان قدم طروحات تستوعب كل المعارضين للسلطة والمتضررين في الشارع. والأهم أن الجميع متوافق حول قرار مواجهة أي مسعى لزيادة الضرائب وصولاً الى منع فرضها». لكن للحركة ملاحظة على «الأعلام الحزبية التي رفعت اليوم، رغم الاتفاق السابق على تفاديها، بغية إعطاء التحرك بعداً وطنياً أكبر. فمجموعات الحراك الشعبي التزمت عدم رفع شعارات موقّعة باسم كل منها، بعكس الأحزاب المعارضة للسلطة»، وذلك «يتطلب معالجة حتى لا يضرّ بالتحرك لاحقاً». ما الخطوات المقبلة؟ «سيجري تصاعد تدريجي للتحركات وفق مطالب ثابتة ورؤية واضحة، في ما عدا المسيرة التي ننظمها في 2 شباط المقبل، والتي تنطلق من الأحياء الشعبية لتصل الى العدلية حيث مبنى الـTVA».
مطالب المتظاهرين باختصار: لا للضرائب على الفقراء
انتهت تظاهرة «كلنا عالشارع» بكلمة ألقتها دارين دندشلي، باسم المتظاهرين، قالت فيها: «لن نقبل بعد اليوم بأن يدفع الشعب فاتورة المشاريع الفاشلة، فيما السلطة وشركاؤها المستفيدون، من القطاعين المصرفي والعقاري الريعيين، يتهربون من دفع الضرائب ويعيشون على حساب المنتجين. نحن هنا اليوم لنطالب بدولة القانون، دولة وطنية مدنية لا تميز بين مواطنيها، دولة قائمة على مبادئ حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية».
وأعلنت دندشلي مطالب المتظاهرين التي لخصت بـ :
«- رفض أي زيادة للضريبة على القيمة المضافة أو أي ضريبة تطاول الفقراء وأصحاب الدخل المحدود.
– تصحيح ضريبة الدخل لتصبح تصاعدية بشكل فعلي، وفرض ضريبة تصاعدية على فوائد الإيداعات المصرفية لحماية ادخارات الطبقة الوسطى، وضريبة غير قابلة للتهرب على الأرباح العقارية وتحويل الإيرادات لدعم الإسكان وحق السكن.
– تحرير الأملاك العامة وفرض ضريبة عالية على المعتدين عليها بدل «رسم الإشغال» الحالي المتدني (بما فيها الأملاك البحرية والنهرية وغيرها).
– رفض أي مساس بالتقديمات الاجتماعية أو بسلسلة الرتب والرواتب، واعتماد السلم المتحرك للأجور والتغطية الصحية الشاملة وحق التعليم وجودته».
الحكومة: تصعيد ينتظر الحريري
يلملم أهل الحكم بقايا القمة الاقتصادية العربية اليوم، قبل أن تنطلق غداً حملة المشاورات الجديدة في شأن ملف الحكومة، وسط مؤشرات على مناخات سلبية قد تفجر الأزمة السياسية في البلاد في حال رفض الرئيس سعد الحريري تقديم حل عملاني خلال هذا الأسبوع.
مصادر التيار الوطني الحر أكّدت لـ«الأخبار» أن العمل مستمر على الأفكار الخمس التي طرحها وزير الخارجية جبران باسيل على الرئيس المكلف سعد الحريري، وبينها حكومة الـ 32، «ويجب اعتماد إحداها حتماً، وإلا سنكون أمام مشكل مع كل من يعطّل تأليف الحكومة. الجميع أمام أسبوع حاسم، وقدّمنا كل التسهيلات الممكنة ولم يعد ممكناً الانتظار أكثر من ذلك».
وقالت مصادر متابعة لـ«الأخبار» إن الرئيس ميشال عون أبلغ وسطاء أنه لن يتحمّل كثيراً بعد انتهاء القمة، وسيطلب إلى الحريري اتخاذ قراره النهائي. «وهو أمامه اليوم حل عملي وفق صيغة الـ 32 وزيراً، مع تعهد بعدم تثبيت عرف توزير علوي في الحكومة. أما إذا ما قرر الرفض، فعليه تقديم حل مقابل، وإلا فإن الأمور قد تتجه الى طلب عون تدخّل المجلس النيابي».
وبحسب هذه المصادر، فإن سقف عون المرتفع إزاء احتمال أن يطلب من الحريري الاعتذار لم يُترجم بعد في الاتصالات التي يجريها وزير الخارجية، «ولكن يجب ممارسة الضغط الكافي لإقناعه السير بمشروع الـ 32 وزيراً»، بعدما تثبّت الحريري من أن التراجع عن طلب تمثيل مباشر وواضح لنواب «اللقاء التشاوري» أمر غير ممكن على الإطلاق، ومن أن باسيل، مدعوماً من رئيس الجمهورية، يرفض كل المحاولات للتنازل عن المقعد الـ 11 في كتلته الوزارية. لذلك، فإن الحل الوحيد المتبقّي هو حكومة من 32 وزيراً، ما يتيح لرئيس الجمهورية استبدال المقعد السني بوزير من الأقليات (المرشح عن السريان حبيب افرام) على أن يختار الحريري الوزير العلوي (المرشح علي درويش من كتلة الرئيس نجيب ميقاتي)، مقابل أن يختار «اللقاء التشاوري» شخصية «واضحة المواصفات السياسية تمثله في الحكومة ويكون وزيراً مستقلاً»، بحسب أحد أعضاء اللقاء.
وعُلم أن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم قد يعود إلى أداء دور الوسيط إذا جرى تثبيت موقف موحد من جانب فريق رئيس الجمهورية. إذ تبين أن أحد أسباب انزعاجه وإعلانه التوقف عن مسعاه، يعود إلى كونه كان يقود حواراً مع الحريري بناءً على تفاهم مع عون، لكن الحريري عاد وأبلغه أن باسيل يتحدث عن أمور أخرى.
بري يثني على موقف باسيل
من جهة أخرى، قد يفتح الملف الحكومي الباب أمام تهدئة الأجواء بين الرئيس عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، على أثر التوتر الناجم عن موقف بري من القمة العربية. رئيس المجلس نفى أن يكون قد قاطع جلسات القمة، أمس، مشيراً إلى امتناعه عن الحضور لأسباب بروتوكولية فقط. وأوضح أن ممثلين عنه من وزراء ونواب حضروا، سواء في الوفد الرسمي أو خلال جلسة الافتتاح. وأكد أنه لم يطلب من المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى عدم إيفاد ممثل عنه الى القمة، مشيراً إلى أنه لم يجد مبرراً لغياب رجال الدين الشيعة عن الافتتاح. وقال بري لزواره، أمس، إنه تابع أعمال القمة، واطلع على البيان الختامي قبل إعلانه، وأدخل عليه تعديلاً طفيفاً أرسله مع الوزير علي حسن خليل.
وتأكيداً على فتح صفحة جديدة بين الطرفين، أثنى بري على موقف باسيل في ختام القمة، وخاصة في ما يتعلق بمسألة تغييب الإمام موسى الصدر. وكان وزير الخارجية قد أشار إلى أن «الإمام موسى الصدر ليس أمام المسلمين الشيعة فقط في لبنان، بل هو نموذج للعيش المشترك، واللبنانيون حريصون على تشجيع القيادة الليبية للقيام بواجباتها». وتمنى بري «أن يستمر العمل السياسي بهذه الروحية لأننا هكذا نستطيع أن نبني بلدنا».
وإلى أن تتثبت التهدئة السياسية، كانت نهاية الأسبوع مليئة بـ«سقطت ورقة التين» و«غرقت سفينة بعبدا». وهي حرب افتراضية قادها مناصرون لكل من حركة أمل والتيار الوطني الحر، ورفعت مستوى التوتر بينهما، وخاصة بعد انتقالها من القواعد ودخول نواب على خطها، كزياد أسود الذي غرّد قائلاً: لا يقاس النجاح بقدرتك على التعطيل، وهذا ليس حنكة سياسية، بل يقاس بقدرتك على النجاح من دون أن تصاب بشظايا تقتل صورتك ومستواك وتأملات المواطنين منك… ما فعلته ورقة التين أهم من البارود والمدفع.
هذه حرب تصرّ مصادر في «أمل» على أنها لم تبدأها، «بل من بدأها هم العونيون، وإذا استمروا بها فنستمر»، وهو ما ينفيه العونيون المقتنعون بأن إطلاق النار على القمة العربية إنما يراد منه إصابة رئيس الجمهورية أيضاً. في المقابل، فإن نائباً في كتلة التنمية والتحرير يذهب إلى التأكيد أن لا مشكلة في السياسة بين الطرفين، «نحن كانت مشكلتنا مع ليبيا، لكن هم أدخلوا أنفسهم في المسألة، وأما وقد انتهت القمة، فغداً يوم آخر».
البناء
تفجير انتحاري وغارة «إسرائيلية» يستهدفان دمشق… والحكام العرب يقاطعون بيروت بانتظار وارسو
سورية الحاضر الأول في القمة… ولبنان يحضر فلسطينياً… والباقي حبر على ورق
تعادل محلي في المعركة العربية يدفع البحث الحكومي نحو التنازلات المتبادلة؟
في دمشق تبدو الأمور وجهاً آخر لما شهدته بيروت، فليس بعيداً عن مناقشات القمة العربية التي شكلت سورية الحاضر الأول فيها، رغم إنكار المكابرين الذين كانت سورية حاضرة في خلفية مواقفهم «من الحضور والغياب الى المواقف من عودة النازحين وإعادة الإعمار»، كانت دمشق تتلقى رسائل الإرهاب والعدوان الإسرائيلي معاً، لتكتمل الصورة بوضوح لا لبس فيه فيصير العدوان ثلاثياً من جهة، عدوان التفجير الانتحاري وعدوان الغارة الإسرائيلية وعدوان المنفّذين أوامر واشنطن بالابتعاد عن سورية ومن جهة موازية تكتمل صورة الضغوط على سورية طلباً لأمن «إسرائيل» بين الاستنزاف الذي يمثله ثنائي التفجير – الغارة الإسرائيلية لتتكامل معهما الضغوط العربية بقرار أميركي واضح.
دمشق التي حضرت في قمة بيروت بمواقف وزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل وتلميحات رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى أن سورية لا علاقة لها بالدعوات لمشاركتها، وقد تكون لها شروط للمشاركة، حضرت في مناقشات القمة حول إعلان بيروت الذي تناول قضية النازحين السوريين وعودتهم الى بلدهم وفشل لبنان في استصدار موقف عربي داعم لعودتهم بمعزل عن الحل السياسي. فبقي الإعلان دعوة لدعم بلدان الاستضافة، بينما نجح لبنان بتحقيق حضور فلسطيني مميّز بانتزاع موقف عربي داعم لحق العودة للاجئين الفلسطينيين وفقاً للقرار 194.
القرارات الاقتصادية في القمة لا توحي بجدية التنفيذ، خصوصاً مصرف إعادة الإعمار الذي تريد واشنطن ربطه بالقرار السياسي سواء ما يخصّ سورية أو اليمن باعتبار المال العربي رهينة أميركية واعتبار المال عندما يصير قراره أميركياً يصير آلة الحرب لا البناء.
انتهت القمة وعاد الملف الحكومي الى الواجهة وقد تعادلت الأرباح والخسائر بين الأطراف المحلية، ما يفتح الباب وفقاً لمصادر متابعة على تنازلات متبادلة ستظهر تباعاً.
طوى لبنان أمس، صفحة القمة العربية الاقتصادية التي انعقدت في بيروت وانتهت، ليعود هذا الاسبوع الى تحريك الملف الحكومي عبر سلسلة لقاءات ومشاورات ستنشط على خطي بعبدا وبيت الوسط.
وإذا كان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني قد كسر حصار بعض الدول الخليجية على قرار الدوحة وعلى القمة العربية بحضوره القمة الاقتصادية لساعات قليلة وبحثه على هامش القمة مع الرئيس عون ملفات بالغة الأهمية للبنان لن يكشف عن مضمونها حالياً، بمعزل عن تأكيده التويتري أن قراره المشاركة كان طبيعياً من منطلق الحرص على العمل العربي المشترك الذي بيّنت القمة الحاجة الماسة لتعزيزه في وجه الأزمات والتحديات التي تواجهنا، فإن غياب سورية عن القمة حضر في كلمتي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والوزير جبران باسيل. فالرئيس عون أكد بطريقة غير مباشرة انه بذل كل جهد من أجل إزالة الأسباب التي أدت الى هذا الشغور. وقال باسيل من جهته: «لمسنا تجاوباً مع فكرة عودة سورية الى الحضن العربي»، وأوضح ان لا تواصل مع سورية بشأن عودتها الى الجامعة العربية، قائلاً: «لا نعرف موقفها من هذا الموضوع بل نعبر عن رأي لبنان لأن عودة سورية الى الجامعة هو جزء من عودتها الى الحضن العربي».
وكان الرئيس عون افتتح القمة الاقتصادية المنعقدة في بيروت ودعا في خطابه أمام الوفود العربية المجتمع الدولي لبذل كل الجهود وتوفير الشروط لعودة آمنة للنازحين السوريين، خصوصاً للمناطق المستقرة التي يمكن الوصول اليها، مشدداً على ضرورة عدم ربط ذلك بالتوصل لحل سياسي. ولفت الى «أننا عملنا على اقتراح مشروع بيان ختامي يصدر عن القمّة حول أزمة النازحين واللاجئين نظراً لانعكاسات هذه الأزمة الخطيرة على اقتصاد دولنا ولما تشكّله من مخاطر وجودية على النسيج الاجتماعي القائم في المنطقة». وأعلن عون تقدّمه بمبادرة ترمي إلى اعتماد استراتيجية إعادة الإعمار في سبيل التنمية ووضع آليات فعالة وفي مقدمها تأسيس مصرف عربي لإعادة الإعمار والتنمية يتولّى مساعدة جميع الدول والشعوب العربية المتضرّرة على تجاوز محنها. وأكّد عون أن لبنان دفع الثمن الغالي جراء الحروب والإرهاب ويتحمل منذ سنوات العبء الاكبر لنزوح السوريين والفلسطينيين، مشيراً الى أن «الاحتلال الاسرائيلي مستمر بعدوانه وعدم احترامه القرارات الدولية».
وأعلن الرئيس عون مع انتهاء القمّة أن لبنان سيتابع خلال فترة رئاسته للقمّة، وبالتعاون مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، هذه القرارات، وسيسهر على تنفيذها واستثمارها، سعياً لتأمين ظروف اجتماعية واقتصادية أكثر إشراقاً لشعوبنا، والمضي قدماً في مسيرة النهوض والازدهار، فالازدهار هو أحد عوامل السلام.
وكانت القمة خصصت أزمة النازحين واللاجئين، ببيان تلاه وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، دعا خلاله المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته للحد من مأساة النزوح واللجوء، ووضع كل الإمكانيات المتاحة لإيجاد الحلول الجذرية والناجعة، ومضاعفة الجهود الدولية الجماعية لتعزيز الظروف المؤاتية لعودة النازحين واللاجئين إلى اوطانهم، بما ينسجم مع الشرعية الدولية ذات الصلة، ويكفل احترام سيادة الدول المضيفة وقوانينها النافذة، وناشد الدول المانحة الاضطلاع بدورها في تحمّل أعباء أزمة النزوح واللجوء والتحديات الإنمائية من خلال تنفيذ تعهداتها المالية، والعمل على تقديم التمويل المنشود للدول المضيفة لتلبية حاجات النازحين واللاجئين ودعم البنى التحتية، وكذلك تقديم المساعدات للنازحين واللاجئين في أوطانهم تحفيزاً لهم على العودة، ودعا المجتمع الدولي لدعم الدول العربية المستضيفة للنازحين واللاجئين السوريين، وإقامة المشاريع التنموية لديها للمساهمة في الحد من الآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على هذه الاستضافة، وكلف الأمانة العامة بالدعوة لعقد اجتماع يضمّ الجهات الدولية المانحة والمنظمات المتخصصة والصناديق العربية بمشاركة الدول العربية المستضيفة للنازحين واللاجئين السوريين للاتفاق على آلية واضحة ومحددة لتمويل هذه المشاريع.
ورأى وزير الخارجية جبران باسيل في مؤتمر صحافي مشترك مع الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط أن بيان النازحين السوريين هو انتصار للبنان ولفتة تضامن من الدول العربية تجاه الدول المضيفة والاعتراف بتضحياتها، قائلاً: «ندعو المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته للحدّ من مأساة النزوح واللجوء، ووضع كل الإمكانيات المتاحة لإيجاد الحلول الجذرية، ومضاعفة الجهود الدولية الجماعية لتعزيز الظروف المؤاتية لعودة النازحين واللاجئين إلى وطنهم».
وتلا الامين العام المساعد للجامعة العربية حسام زكي «إعلان بيروت» الصادر عن القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية. ودعا إلى ضرورة تكاتف كل الجهات الدولية المانحة والصناديق العربية للتخفيف من معاناة النازحين وتنفيذ مشاريع تنموية في الدول المُضيفة. وثمّن مبادرة أمير الكويت لإنشاء صندوق للاستثمار في مجالات التكنولوجيا بمشاركة القطاع الخاص، داعيًا الدول العربية لدعم هذه المبادرة. وأكّد زكي ضرورة دعم الشعب الفلسطيني في مواجهة التعديات الاسرائيلية، مؤكّدًا حق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين.
وبحسب مصادر بعبدا لـ«البناء» فإن «الآلية التي تمّ وضعها لتفعيل المبادرة ستعقبها ورش عمل ستنظمها بيروت للجهات العربية المعنية لا سيما في ما يتعلق بالبنك العربي للتنمية والإعمار، وستنجز خلال ثلاثة أشهر تقريباً، لافتة الى أن وفداً لبنانياً سيقوم بجولة عربية في الأسابيع المقبلة بهدف العمل على تعزيز المبادرة الرئاسية.
ورأت المصادر نفسها أن لا عودة الى الوراء عن الموقف اللبناني في ما خصّ ملف النزوح لا سيما بعد ان نجح لبنان عبر الوزير باسيل بانتزاع موقف عربي في هذا الشأن.
من ناحية أخرى، لفتت مصادر مطلعة لـ«البناء» الى ان الغياب العربي لا علاقة له بالقرار الليبي او بما جرى في الشارع اللبناني من تحركات قام بها أنصار حركة أمل ضد المشاركة الليبية، لافتة الى ان هناك قراراً أميركياً تبلغته العواصم العربية والخليجية التي زارها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مفاده ضرورة تخفيض سقف التمثيل في قمة بيروت انطلاقاً من زعم أميركي أن بيروت خاضعة لسيطرة إيران وتجب معاقبتها. وشددت المصادر على ان كلام وزير جبران باسيل عن الحصار السياسي لبيروت ليس من عبث، فواشنطن لن تقبل أن تكون بيروت نقطة جمع بين العرب في هذا التوقيت بالذات، وبالتالي فإن الغياب العربي ليس مرتبطاً على الإطلاق بالموقف من ليبيا.
في المقابل، دعت مصادر مطلعة لـ«البناء» إلى عدم التوقف ملياً عند العمل العربي المشترك من منطلق التباينات والخلافات العربية التي تنذر بالمزيد من الانقسامات، لافتة الى ان المشاريع العربية الاقتصادية التي خرجت بها القمم السابقة بقيت حبراً على ورق، فجسر التعاون الاقتصادي مقطوع بسبب تضارب المصالح بالمعنى السياسي الذي ينعكس اقتصادياً، فلا مسؤولية عربية حقيقية أمام الشعوب ولا محاسبة الامر الذي يؤدي الى تعثر تحقيق ما يجري التوصل اليه من مقررات.
في موازاة ذلك، شددت اوساط سياسية لـ«البناء» على ضرورة المحافظة على مفهوم التلاقي بين العرب وتطوير العمل العربي المشترك حول عناوين منتجة كالمشرقية والارتكاز عليها كأساس على أمل أن تأتي لحظة سياسية تسمح لقادة العالم العربي أن يعوا أن المصالح الاقتصادية يمكن أن تشكل جامعاً يبنى عليه للتعاون في المستقبل.
وأكدت مصادر نيابية في كتلة التحرير والتنمية لـ«البناء» أن لا علاقة لموقف الحركة الرافض مشاركة ليبيا بالتمثيل الهزيل، مشدّدة على أن الرئيس بري أكد أمام زواره أن ليبيا صحيح أنها شاركت في قمة بيروت 2002، لكنها تمثلت بمستوى سفير في حين أنها كانت ستشارك في القمة الاقتصادية بمستوى رفيع الأمر الذي رفضناه ولم نقبله، مشددة على ان ما أدلى به الرئيس بري لم يكن موجهاً ضد أحد، فكل ما طالب به هو تأجيل القمة شهرين لمعلوماته ان تونس ستدعو سورية الى القمة التي تستضيفها آذار المقبل.
ورأى رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، أن «وكيل وزير الخارجية الأميركية دايفيد هيل، قام بجولته على هؤلاء المحبطين حتى لا تسقط معنوياتهم بالكامل، فيريد أن يستنهض معنوياتهم وليقول لهم إن مشروعنا مستمر وسنبقى نحاصر إيران ونضغط على إيران، وإيران ليست بالقوة التي تتوهّمونها، إيران لا تتحكم بالقرار في سورية».
وأضاف رعد في احتفال تأبيني في بلدة يحمر الشقيف – النبطية: «هناك روسيا موجودة في سورية وإيران لا تتحكم بالقرار في العراق، ونحن أيضاً موجودون في العراق، بمثل هذه الوسائل يحاول أن يستنهض الذين قيل لهم أيام أول الفتنة السورية، إن نظام سورية سيسقط خلال أشهر، فإذا بهم الآن يرون المنطقة كلها سقطت وبقي هذا النظام الذي كان يراد إسقاطه خلال ثلاثة أشهر».
حكومياً، أشارت مصادر مطلعة على موقف رئيس الجمهورية لـ«البناء» إلى أن الرئيس عون يتجه في الساعات المقبلة إلى وضع النقاط على الحروف في ما يجري على صعيد التعطيل الحكومي، وعرقلة مسيرة العهد وبرنامجه الإصلاحي. وأشارت المصادر إلى أن الرئيس عون انتهى من وضع ملاحظات على ما كل ما رافق المرحلة الماضية من أداء بعض المكونات السياسية المحلية ليبنى على الشيء مقتضاه انطلاقاً من ان المصلحة الوطنية العليا فوق كل اعتبار.
الى ذلك، ألغى الرئيس المكلف سعد الحريري زيارته الى دافوس التي كانت مقرّرة غداً للانصراف الى إعادة تزخيم الاتصالات الحكومية، حيث سيلتقي في الساعات المقبلة الرئيس العماد ميشال عون لمناقشة ما آلت اليه الأمور، تمهيداً للتشاور مع القوى المعنية الاساسية في هذا الملف لبلورة حل سريع للازمة الحكومية.
ولفتت مصادر نيابية في كتلة التحرير والتنمية لـ«البناء» الى ان الحل الحكومي في توزير ممثل عن اللقاء التشاوري عند رئيس الجمهورية، مشيرة الى ان ما حصل في الساعات الماضية من المفترض ان يشكل حافزاً عند المعنيين الاساسيين بالتأليف للإسراع في تشكيل حكومة لمواجهة الوضع الاقتصادي الضاغط والتحركات المطلبية المعيشية المحقة.
وكان «الحزب الشيوعي اللبناني» نظم وعدداً من الأحزاب اليسارية والمجتمع المدني، مظاهرة شعبية في بيروت تحت شعار «كلنا عالشارع»، بالتزامن مع بدء أعمال القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية، وذلك «ضد سياسات الإفقار، ورفضاً للسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تمارسها السلطة السياسية، ومنعاً للانهيار، ودفاعاً عن حقوق الشعب اللبناني»، بحسب ما جاء في بيان الدعوة إلى المظاهرة.
اللواء
القمّة الرابعة: قرارات طموحة.. واستياء خليجي من تصريحات باسيل
عون يأسف لغياب القادة ويقترح مصرفاً للإعمار.. والحريري يبحث مع السنيورة وسلام مأزق التأليف
طويت صفحة القمة الاقتصادية الاجتماعية (التنموية) الرابعة التي عقدت في بيروت، بالحضور التمثيلي المعروف، لكن الرهان على الاقتراحات التي رست عليها التفاهمات بانتظار عقد القمة الخامسة في موريتانيا عام 2023، على الرغم من القرارات الطموحة التي اتخذتها.
وإذا كان التباين حول القمة، تبعه تباين عامودي وافقي، في تقييم نتائجها، فإن البيان الختامي تضمن دعوة مباشرة إلى «المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته للحد من مأساة النزوح واللجوء ووضع كل الإمكانيات المتاحة لإيجاد الحلول الجذرية والناجعة ومضاعفة الجهود الدولية الجماعية لتعزيز الظروف المؤاتية لعودة النازحين واللاجئين إلى اوطانهم بما ينسجم مع الشرعية الدولية ذات الصلة، ويكفل احترام سيادة الدول المضيفة وقوانينها النافذة».
ولم يكن انخفاض مستوى التمثيل خارج نطاق الأخذ والرد، بل تناوله الرئيس ميشال عون، رئيس القمة في كلمته عندما قال: «كنا نأمل ان تكون القمة مناسبة لملمّ شمل العرب من دون وجود مقاعد شاغرة»..
واستأثرت الزيارة الخاطفة التي استغرقت ساعتين، والتي قام بها إلى بيروت أمير قطر تميم بن حمد، الذي كان تلقى اتصالا قبل انعقاد القمة بيوم واحد من الرئيس عون دعاه فيه إلى المشاركة من باب الترحيب، باهتمام، وإشكالات، في ضوء ما تردّد بتسرع من معلومات عن قيام قطر بتغطية نفقات القمة (8 ملايين دولار)، فضلا عن وضع وديعة بقيمة مليار دولار في المصرف المركزي..
وكان الناطق الإعلامي باسم اللجنة المنظمة رفيق شلالا نفى ما قيل عن تغطية قطرية للتكلفة، فيما نفى السفير القطري والمصادر الرئاسية وضع الوديعة في المصرف المركزي.
على ان الثابت ان وصف الوزير جبران باسيل زيارة الأمير القطري «بخرق الحصار» اثار حفيظة دول مجلس التعاون الخليجي، وعلمت «اللواء» ان أعضاء في وفد عربي شارك في القمة اعرب عن استيائه امام مسؤولين لبنانيين من تصريحات باسيل.
على صعيد «الانعاش الحكومي»، وبعد اجتماع الرئيس المكلف سعد الحريري مع النائب السابق وليد جنبلاط، اجتمع على هامش المشاركة في القمة في البيال، مع الرئيسين فؤاد السنيورة وتمام سلام، وجرى التداول في الصيغة الممكنة للخروج من الجمود المحيط بموضوع تأليف الحكومة.
ولم يشأ مصدر نيابي الكشف عن الموقف الذي يُمكن ان تتخذه كتلة «المستقبل»، في اجتماعها الأسبوعي غداً، لكنه أكّد ان التداولات، ستتناول الوضع الحكومي حكماً، بالإضافة إلى مقررات القمة العربية التي أنهت أعمالها أمس.
قمّة الساعات السبع
وفي خلال أقل من سبع ساعات، كانت عبارة عن جلستين علنيتين وجلسة مغلقة لم تستغرق أكثر من 7 دقائق، أنهت القمة العربية الاقتصادية والاجتماعية أعمالها في بيروت، بسلسلة قرارات تضمنها «اعلان بيروت» وبيان ختامي في موضوع النازحين السوريين، وصفه وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، بأنه «انتصار للبنان، ولفتة تضامن من الدول العربية تجاه الدول المضيفة والاعتراف بتضحياتها».
ولئن اعتبر البيان الختامي، والمنفصل عن قرارات القمة، بمثابة تعويض للوفد اللبناني، بسبب الخلاف الذي نشأ في اجتماع وزراء الخارجية، حول عبارة «العودة الآمنة» أو «العودة الطوعية» للنازحين، فإن البيان، جاء بمثابة حث المجتمعات الدولية إلى تحمل مسؤولياتها للحد من مأساة النزوح واللجوء، وتحفيز الدول المانحة على الاضطلاع بدورها في تحمل أعباء النزوح ومساعدة النازحين على العودة، من دون أي إشارة إلى مبدأ العودة الآمنة، أو الطوعية، أو حتى ربط هذه العودة بالحل السياسي للأزمة في سوريا، الا ان البيان ربط موضوع النزوح السوري بقضية اللاجئين الفلسطينيين، من خلال ايراد فقرة تتضمن التأكيد على التفويض الأممي الممنوح لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الاونروا» وفق قرار إنشائها، وعدم المس بولايتها أو مسؤوليتها والعمل على ان تبقى وكالة «الاونروا» ومرجعيتها القانونية الأمم المتحدة.
وعزا البيان سبب إصرار الوفد اللبناني على صدوره، إلى انعكاسات أزمة النزوح السوري على اقتصاد الدول المضيفة، وانخفاض معدلات النمو فيها، وتأثيرها على المالية العامة عبر الخسائر التراكمية في الإيرادات الحكومية وزيادة النفقات العامة وازدياد العجز، وتداعياتها على مسار التنمية الإنسانية والاجتماعية من خلال ارتفاع معدلات الفقر وتصاعد حجم البطالة، وازدياد العبء على النظامين الصحي والتعليمي.
واستناداً إلى هذه المبررات، والتي أوضح في خلالها الوزير باسيل إلى انه يوجد 200 نازح في الكيلومتر الواحد من مساحة لبنان، وهي سابقة غير موجودة في كل مجتمعات العالم، دعا البيان المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته للحد من مأساة النزوح واللجوء ووضع كل الإمكانات المتاحة لإيجاد الحلول الجذرية والناجعة ومضاعفة الجهود الدولية الجماعية لتعزيز الظروف المؤاتية لعودة النازحين واللاجئين إلى اوطانهم، بما ينسجم مع الشرعية الدولية ذات الصلة، ويكفل احترام سيادة الدول المضيفة وقوانينها النافذة.
مؤتمر باسيل وأبو الغيط
وفي المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده باسيل مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، بعد انتهاء اعمال القمة، لاحظ وزير الخارجية ان المؤتمر تميز بمبادرة الرئيس ميشال عون بإنشاء مصرف عربي للاعمار واعتماد استراتيجية لاعادة الاعمار في سبيل التنمية ووضع اليات منها انشاء المصرف العربي ودعوة الصناديق المعنية للاجتماع في بيروت خلال ثلاثة اشهرلبحث هذه المواضيع، وكذلك مبادرة امير الكويت بانشاء صندوق للتكنولوجيا والاقتصاد الرقمي بمبلغ 200 مليون دولار، والشكر للكويت على مساهمتها الاولى بمبلغ 50 مليون دولار وكذلك الامر لقطر لمساهمتها بمبلغ 50 مليون دولار حيث تأمن نصف تمويل الصندوق والتعويل لاحقا على بقية الدول، لما لهذا الصندوق من اهمية في اقتصاد المعرفة وفي خلق فرص عمل ومكافحة البطالة للشباب العربي.
وإذ رأى انه «لمس تجاوباً مع فكرة عودة سوريا الى الحضن العربي». فانه أوضح ان «لا تواصل مع سوريا بشأن عودتها الى الجامعة العربية ولا نعرف موقفها من هذا الموضوع بل نعبر عن رأي لبنان لأن عودة سوريا الى الجامعة هي جزء من عودتها الى الحضن العربي».
بدوره وصف أبو الغيط «القمة بأنها قمة المواطن العربي لأنها تمكن المجتمعات والدول العربية، وتضع الجميع في مسار خدمة المواطن بشكل مباشر، وليس فيها مسائل سياسية او نقاط خلافية».
ونفى أبو الغيط، ما حكي عن ضغوط مورست على بعض الدول العربية للتقليل من مستوى حضور القمة، موضحاً انه لم يكن أميناً للجامعة عندما صدر قرار تعليق عضوية سوريا في مجلس الجامعة في العام 2012، وقال انه شخصياً لم يرضه هذا القرار، لافتاً إلى ان موضوع ليبيا لا علاقة له بالموضوع السوري، بل نتيجة ما حدث ما اثار القيادة الليبية فتصرفت بهذا الموقف، وهو مقاطعة القمة.
وعلق باسيل على عدم مشاركة ليبيا، مكرراً اسفه لما حدث وهو لا يعبر عن موافقتنا عليه، لكن هذا الأمر لا يمنع ان على القيادة الليبية مسؤولية، ولو لم تكن هي نفسها في وقت اختفاء الامام السيّد موسى الصدر، وانه كان عليها القيام بمسوولياتها وبكل واجباتها لجلاء الحقيقة وكشف مصير الامام، لأنه ليس امام المسلمين الشيعة بل امام كل اللبنانيين وكل العرب، وهو نموذج للعيش المشترك، أسفاً لأن يكون هناك جزء من اللبنانيين يريد لهذه القمة ان تنجح وجزء يريدها ان تفشل، لافتاً النظر إلى ما وصفه وجود «ماكينة اعلامية» كانت تروج لاعمال أمنية لمنع حضور القادة العرب، مؤكداً انه لم يقم بأي جهد لثني أو لاقناع أي قائد أو مسؤول عربي بالحضور، لأننا نحترم قراره ورغبته.
ورداً على سوال عمّا قيل عن وديعة قطرية كذبتها رئاسة الجمهورية، اعتبر باسيل ان هذا الخبر إشاعة طرحت من أجل خلق نوع من خيبة الأمل، وهي أطلقت قبل وصول الأمير، وكذلك نفى الناطق الإعلامي باسم القمة رفيق شلالا ما تردّد عن ان قطر تبرعت بتكاليف القمة، مؤكداً ان هذا الخبر غير صحيح.
حضور أمير قطر
وكان حضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني صبيحة القمة، لافتاً ووصف الوزير باسيل بأنه «كسر الحصار على القمة»، الا ان مشاركته اقتصرت فقط على ساعتين، حيث استقبله الرئيس عون على المطار ثم صحبه إلى قاعة المؤتمر، والتقط معه الصورة التذكارية للقمة، وبعد ان استمع إلى الكلمة التي ألقاها الرئيس عون لدى افتتاح أعمال المؤتمر، غادر بصحبة الرئيس سعد الحريري إلى المطار عائداً إلى الدوحة، ومن هناك غرد الشيخ تميم عبر «تويتر» قائلاً: «قراري المشاركة في القمة العربية الاقتصادية كان طبيعياً، من منطلق الحرص على العمل العربي المشترك الذي بينت القمة الحاجة الماسة لتعزيزه في وجه الأزمات والتحديات التي تواجهنا».
ومع سفر أمير قطر، بقي الرئيس الموريتاني هو الرئيس العربي الوحيد في القمة، حيث تقرر ان تستضيف بلاده القمة المقبلة في العام 2023.
هذا ما جناه لبنان من القمة
الى ذلك، اوضحت مصادر مطلعة لـ«اللواء» ان هدف لبنان في القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية كان حصول توافق مؤكده ان ما جناه منها سواء في مبادرة رئيس الجمهورية عن المصرف العربي او في النزوح او الاقتصاد الرقمي يشكل محور ارتياح خصوصا ان لبنان كان يجد صعوبة في ادراج بند الاقتصاد الرقمي.
وقالت المصادر ان مبادرة الرئيس عون تؤسس لإمر مهم كاشفة عن اجتماع يعقد الأسبوع المقبل في بيروت تطلق فيها خطة من اجل دعوة الصناديق المعنية من اجل وضع الاطر اللازمة في غضون 3 اشهر لمتابعة تنفيذ هذه المبادرة.
وقال وزير الاقتصاد والتجارة رائد خوري لـ«اللواء» ان ما من شيء يحول دون ان يكون لبنان هو مقر هذا المصرف.
واوضح ردا على سؤال عما اقر في هذه القمة ان المهم ان تكون العبرة في التنفيذ مؤكدا ان لبنان حريص على تنفيذ مقررات القمة. واقر بأن لبنان نجح في السير في تدوير الزوايا.
وكشفت المصادر هنا ان اجتماعات عقدت في الكواليس هدفت الى الوصول الى تنقية العبارات المتصلة بالنزوح السوري مشيرة الى ان بعض الدول العربية مثل المملكة العربية السعودية والاردن يستخدمان مصطلحات محددة كالعودة الطوعية وهي المستخدمة في الامم المتحدة ولا يريدان الخروج عنها ولبنان الذي لا يرغب في ان تفهم وكأنها تحريض على البقاء عمد الى اضافة عبارة داخل البيان الختامي دون ان تشكل استفزازا للمجتمع الدولي ولذلك كان التأكيد على عبارة تحت سقف الشرعية الدولية التي نوقشت شفهيا وتم لحظها في البيان.
واكدت مصادر مطلعة انه للمرة الاولى يتم وضع آلية في ملف النازحين السوريين بشان مساهمة الدول في هذا المجال في اماكن وجودهم، وهي الفقرة التي وردت البيان الختامي. كذلك توقفت المصادر عند اقرار بند الاقتصاد الرقمي مشيرة الى ان البيان السياسي تضمن مواقف تدعم الموقف اللبناني.
اما في موضوع الاقتصاد الرقمي فإن المصادر تحدثت عن ان الإمارات تعد اكبر رأس حربة فيه وان مبلغ الـ 200 مليون دولار اقر للاستثمار في المجال التكنولوجيا ولبنان سيلعب دورا في وضع خارطة من اجل التجارة الذي سيتم جزء منه عبر الانترنت والامر سيعود بالفائدة على التجار اللبنانيين والمستهلكين.
وقالت المصادر ان مبادرة الرئيس عون لتأسيس مصرف لاعادة الاعمار في دول المنطقة ليس مجرد اقتراح لفظي، وربما يكون فاتحة لانضمام دول عربية اخرى اليه حتى ولو كانت مشاركة في المؤتمر اليوم، كما يشكل هذا الطرح احتلال لبنان المركز القيادي في عملية اطلاق مرحلة اعادة الاعمار في المنطقة التي عانت من تداعيات ما يسمى الربيع العربي».
واشارت الى ان المصرف الذي اقترحه الرئيس عون سيكون مشابها للمصرف الاستثماري الذي تولى اعادة اعمار اوروبا، وهذه خطوة مهمة بغض النظر عن توقيت انطلاقه اما اقتراح الجانب السعودي خلال القمة لضم قمة بيروت الى قمة تونس السياسية فهذا يعني انه سيجري تبني لمقررات قمة تونس وهذا امر مهم.
وورد هذا الأمر في كلمة وزير المال السعودي محمّد بن عبدا لله الجدعان في الجلسة الافتتاحية، حيث اقترح دمج القمة الاقتصادية مع القمة العربية العادية، حتى تكون القضايا التنموية والاقتصادية بنداً دائماً ومستقلاً على أجندة القمة العربية الدورية السنوية، عازياً هذا الطرح إلى ان آلية الانعقاد الدوري للقمة التنموية كل أربع سنوات لا تتناسب مع التطورات المتسارعة في ما يتعلق بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية العربية.
عون
اما الرئيس عون، فقد تعهد بعد إعلانه عن اختتام أعمال القمة، بأن لبنان سيتابع في خلال فترة رئاسته للقمة وبالتعاون مع الأمانة العامة للجامعة، القرارات وسيسهر على تنفيذها واستثمارها سعياً لتأمين ظروف اجتماعية واقتصادية أكثر اشراقاً لشعوبنا، معتبراً ان هذه القرارات سوف تساهم في تعزيز العمل العربي المشترك، وهي خطوة متقدمة على طريق تأمين اقتصاد عربي متكامل»..
وكان الرئيس عون، تقدّم في كلمته في افتتاح أعمال القمة بمبادرة ترمي «إلى اعتماد استراتيجية إعادة الإعمار في سبيل التنمية» داعياً إلى «وضع آليات فعالة تتماشى مع هذه التحديات، ومع متطلبات إعادة الإعمار وفي مقدمها تأسيس مصرف عربي لإعادة الإعمار والتنمية يتولّى مساعدة جميع الدول والشعوب العربية المتضرّرة على تجاوز محنها، ويسهم في نموها الاقتصادي».
واعتبر «أن انعقاد هذه القمة في بيروت في هذه المرحلة الدقيقة التي تعيشها المنطقة هو تأكيد على دور لبنان ورسالته في محيطه والعالم»، متمنيا لو كانت «مناسبة لجمع كل العرب، فلا تكون هناك مقاعد شاغرة»، أسفا «لعدم حضور الإخوة الملوك والرؤساء ولهم ما لهم من عذرٍ لغيابهم».
ودعا رئيس الجمهورية «المجتمع الدولي الى بذل كل الجهود الممكنة وتوفير الشروط الملائمة لعودة آمنة للنازحين السوريين الى بلدهم، ولا سيّما إلى المناطق المستقرّة التي يمكن الوصول اليها، أو تلك المنخفضة التوتر، من دون أن يتم ربط ذلك بالتوصل الى الحل السياسي».
إعلان بيروت
اما القرارات التي تضمنها «اعلان بيروت» والذي تلاه الأمين العام المساعد للجامعة السفير حسام زكي فقد أكد على ضرورة تكاتف جميع الجهات الدولية المانحة والمنظمات المتخصصة والصناديق العربية من أجل التخفيف من معاناة اللاجئين والنازحين وتأمين تمويل تنفيذ مشاريع تنموية في الدول العربية المستضيفة لهم، كما أكّد على ضرورة دعم صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتزايدة وما اعقبها من تدمير للاقتصاد الفلسطيني وبنيته التحتية، ودعا جميع الجهات المعنية لاستحداث وسائل لحشد الدعم الشعبي، مؤكدا على حق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين وذريتهم وفقا لقرارات الشرعية الدولية، كما دعا جميع الدول إلى الالتزام بالقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالمكانة القانونية الخاصة بمدينة القدس، وعدم الاعتراف بها عاصمة الاحتلال الإسرائيلي أو نقل السفارات إليها.
وفي مجال التطور التكنولوجي والمعلوماتي، أكّد المؤتمر على أهمية وضع رؤية عربية مشتركة في مجال الاقتصاد الرقمي، مثمناً بمبادرة أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح لإنشاء صندوق للاستثمار في مجال التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي برأسمال قدره مائتين مليون دولار بمشاركة القطاع الخاص، ومساهمة الكويت بمبلغ 50 مليون دولار وكذلك مساهمة دولة قطر بمبلغ مماثل، على ان يوكل إلى الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي مسؤولية إدارة هذه المبادرة.
وأكّد المؤتمر كذلك على ضرورة متابعة التقدم المحرز في إطار منطقة التجارة الحرة ومتطلبات الاتحاد الجمركي العربي آملاً في الوصول إلى سوق عربية مشتركة، معلناً اعتماده الاستراتيجية العربية الطاقة المستدامة في العام 2030، وكذلك اعتماد استراتيجية للقضاء على الفقر متعدد الأبعاد، إضافة إلى ما وصفه «بالمحفظة الوردية» كمبادرة إقليمية لصحة المرأة في المنطقة العربية من ضمن أهداف التنمية المستدامة 2030 التي تشمل ايضا اعداد أجيال عربية واعدة وقادرة سواء للمرأة أو للطفل وحمايته من كافة أنواع الاستقلال الخ..
تظاهرة
بالتزامن، سارت في شوارع العاصمة، تظاهرة احتجاجية على الوضع المعيشي والاقتصادي من البربير إلى شارع بشارة الخوري، وتفرقت قرب وزارة المال، وتعهدت القوى اليسارية التي نظمت التظاهرة بتكرار التحرّك الاحتجاجي.