السعودية : قمم مكة الثلاث ومأزق “انفصام القوة”؟

الحراك الشعبي الوطني وأخطار المناورة الأميركية حول بيروت وجبل لبنان
“معركة بين حربين” في الجولان : صواريخ محور المقاومة تصلي مجمعات عسكرية “إسرائيلية”
هل أرادت واشنطن، حقاً، أن تُخْضِعَ تل أبيب للقانون الأميركي؟

استقبلت مدينة مكة المكرمة ثلاث "قمم" سياسية : الأولى، قمة "التعاون الخليجي"، وقد جمعت ملوك وأمراء وشيوخ دول الخليج العربي. الثانية، القمة العربية الإستثنائية، وتضم قادة الدول العربية. ما عدا سوريا. الثالثة، قمة قادة دول رابطة التعاون الإسلامي. كل هذه كانت القمم طارئة. إستثنائية. وقد دعت السعودية إلى انعقادها بسرعة، كأن الوفود القادمة إلى هذه القمم، ستنزل بجيوشها لنصب كمائن القتال وأشْرَاك الموت، على خطوط المواجهة مع إيران، فوراً، دونما إبطاء. إلا أن حقائق الواقع المعاش تبقى بعيدة عن خَدَرِ الوهم … الخادع!.   

الوهم، لأن القمة "الخليجية" عرجاء. أصلاً، "مجلس التعاون الخليجي" لم يعد متعاوناً. في ظروف تدهور مركز الولايات المتحدة الدولي، "الزعل البدوي" أَزَم "المجلس" إلى حد التفكك بين "جبهتين". جبهة قطر وجبهة السعودية ـ الإمارات، والبحرين. الجبهة الأولى ذات العمق التركي ـ "الإخواني"، تدير علاقة نفعية مع إيران. والجبهة الثانية تتشبث بـ مصر كجناح توازن عربي ـ إقليمي، رغم أن الحسابات المصرية الدقيقة حيال إيران لا تتطابق مع الحاجات السعودية. وكلا "الجبهتين" تتصارعان على تزعم "التعاون الخليجي" وترسيم مستقبله. كما تبعثان بكُتُبِ المصالحة إلى سوريا. فيما هما تتنافسان على التطبيع الشامل مع الكيان الصهيوني.

الوهم، لأن جلب "القمة العربية" إلى مكة، ليس مؤشراً على إعادة تشغيل نظام "جامعة الدول العربية" الإقليمي ضد إيران. فانتقال النظام الدولي من مرحلة الأحادية القطبية إلى مرحلة تعدد القطبية، ولّد تحولات داخلية وخارجية عصفت بـ"الدول العربية" وقَسَمَتْها. والآن، هناك محور المقاومة والإستقلال العربي، الذي تتصدره سوريا. يقابله محور التبعية العربي لنظام الأحادية القطبية الذي تتصدره السعودية. ومأزق محور التبعية، أنه عجز عن التشكل في "ناتو سني" عربي، بمقتضى خطة الولايات المتحدة ـ "إسرائيل"، لأن مصر رفضتها.

الوهم، لأن فشل "القمة الإسلامية" في مكة المكرمة بدعم السعودية ضد إيران كان أمراً متوقعاً. العامل الرئيسي في فشل "مؤتمر التعاون الإسلامي" ليس الأوضاع "الخليجية" أو "العربية" وحسب. وإنما، أولاً، وأساساً، تأثير النظام الدولي الإنتقالي على السياسات الخارجية للدول "الإسلامية" الكبرى. إندونيسيا بين خياري "الحزام والطريق" الصيني و"الناتو الآسيوي" الأميركي. باكستان اختارت التموضع تحت الجناح الصيني. إيران قوة إقليمية مستقلة صاعدة في الكتلة الأوراسية. تركيا تكاد تنشق بين البناء الجيوسياسي الأورو ـ أطلسي والتكامل الجيوسياسي الأوراسي. مصر تُبلور الملامح المستقلة في السياسة الخارجية، خصوصاً على المحور الأوراسي.       

هذه أوهام "القيادة" لدى المملكة العربية السعودية. كانت القمم الثلاث في مكة المكرمة زاخرة بالحفاوة والصور والكلمات. لكن تقارير اليوم التالي، كشفت عن أنها قمم فارغة. اجتماعات فارغة. فليس من إنجاز سياسي عملي، حققته هذه القمم ضد إيران و"أدواتها" أو "أذرعها"، سوى البيانات السياسية. سوى الحكي. هذه النتائج البعيدة عن طموح السعودية بحشد "الخليجيين" والعرب، والمسلمين، لكي يسعوا بين يديها إلى قتال إيران، كشفت مبلغ الضعف البنيوي في الوزن الجيوسياسي للمملكة العربية السعودية. فقد انتظرت المملكة أن يؤدي جمع هذه "القمم" في مهد الإسلام، إلى تحسن شعورها بثقل الوزن الجيوسياسي الذاتي، فتتضاعف الثقة الداخلية والخارجية بـ"شكل" القوة السعودية، ويتناقص التشكيك بـ"مضمون" القوة السعودية!.

لكن ما حدث هو العكس. فقد تأكد الإنفصام بين "شكل" و"مضمون" القوة السعودية، من بعد القمم "الخليجية" والعربية و"الإسلامية" في مكة المكرمة، وصار أكبر وأوضح. في "الشكل"، تبدو السعودية قوية، لما عندها من موازنات عسكرية هائلة. ترسانة حربية هائلة. موارد نفطية هائلة. موارد مالية هائلة. موارد "روحية" هائلة. في "المضمون" تبدو السعودية ضعيفة أمام الصراعات الجيوسياسية التي تخوض أو ستخوض فيها. وكأن هذه الموارد "قليلة" لكي تقدر السعودية على حسم هذه الصراعات لصالحها. طبعاً، هذا الضعف لا يصدر عن "قلة موارد"، بل عن "تبديد موارد" في خدمة محور التبعية. وعن "تسخير موارد" في ركاب الولايات المتحدة ـ "إسرائيل" وخططهم التدميرية.

انفصام القوة السعودية في ظل النظام الدولي الإنتقالي، ما بين "الشكل" القوي و"المضمون" الهزيل، مؤشر على المأزق الوجودي الذي تعيشه السعودية. دليل على "حدود القوة" السعودية رغم كل الموارد الهائلة التي تتوفر لها. فلا أميركا ـ "إسرائيل" سارعت إلى شن الحرب على إيران "كرمى لعيون" السعودية. ولا "الخليجيين" والعرب والمسلمين، قدموا للسعودية أكثر من البيانات السياسية. ولذلك، نرى أن القمم الثلاث كانت حشداً في "الشكل" لم تؤثر بتاتاً في "المضمون". قوة "الشكل" وهزال "المضمون" هو ما يعبر عن طبيعة "القوة الشاملة" للدولة السعودية المعاصرة.

لقد أرادت السعودية أن تعالج مأزق "انفصام القوة" لديها، بعقد القمم الثلاث. لكنها معالجة بأدوية الوهم الخادعة. معالجة تشبه وصف "المكملات الغذائية" لمرضى سوء التغذية.

هيئة تحرير موقع الحقول
‏الإثنين‏، 30‏ رمضان‏، 1440، الموافق في ‏03‏ حزيران‏، 2019

Please follow and like us: