يصر بعض المسؤولين على استعارة مفردات سياسية من قاموس لغة الحروب الطائفية. من هذه المفردات حقوق الطايفة، أو الميثاقية الطائفية، أو صعود طائفة على "جثة" طائفة أخرى. ولا يخفى بالطبع، على هؤلاء المسؤولين، أن مخاطبة "جمهورهم" بمفردات مشحونة بدلالات اجتماعية وسياسية طائفية، سيحقنه بالغضب الطائفي، ويستنفره ضد "اغتصاب حقوقه" من الطوائف الأخرى. فالهدف الحقيقي عندهم من وراء الإستعارة، هو تحريك مثل هذه النعرة الطائفية أو زيادة سرعتها. الوزير باسيل ليس الوحيد الذي يستعير من هذا القاموس. كل أقطاب النظام الطائفي يفعلون ذلك بنسب متفاوتة. يهشُّون بهذه المفردات على أنصارهم أو أزلامهم لكي يعيدوا الإصطفاف في تحت راية التنظيمات الطائفية، حتى يظل هؤلاء الأقطاب "الأقوياءً" في طوائفهم، فيقدروا على قطع الطريق أمام حركات المواطنين التي تطمح إلى تغيير النظام الطائفي…!
الأخبار
المستقبل ــ التيار: تعيينات أم توازنات جديدة؟
اشتباك الجيش والحكومة لا يزال في أوله
استعرت حرب التصريحات بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل في الأيام الماضية. وفيما يحاول الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل ترك السجال ضمن سقوف التسوية الرئاسية، يتهم تيار المستقبل باسيل بمحاولة الهيمنة على التعيينات المقبلة
أجّلت التسوية الرئاسية، وما تلاها من تقارب بين الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل، الصدام بين نهجين في الحكم: أول يحاول قدر الإمكان التمسّك بالحريرية السياسية، وثانٍ يسعى إلى استعادة صلاحياتٍ خسرها موقع الرئاسة في مرحلة ما بعد الطائف. ودُعمت التسوية بتفاهمات مصلحية في الكثير من المشاريع، وخاصة في الكهرباء والاتصالات.
غير أن مرحلة الانتخابات النيابية عكست توازنات جديدة في البلاد، مع ظهور تراجع واضح للحريري وتقدم أوضح للتيار الوطني الحرّ. وما هي إلّا مسألة وقت، حتى بدأت نتائج الانتخابات النيابية تعكس نفسها على الواقع الجديد، من التعيينات إلى مجلس الوزراء، وصولاً إلى السياسة الخارجية.
في الأيام القليلة الماضية، ارتفع منسوب التوتّر بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل. وإن كانت أسباب الخلاف المعلنة بين الطرفين سجالات إعلامية وردود على خطابات لباسيل ومن ثم ردودٍ مضادة، إلّا أن الثابت أن التحوّلات التي تطرأ على موازين القوى تفرض هذا الصراع، الذي لا يزال باسيل والحريري متمسّكين بضبطه. وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن الحريري اتصل بباسيل يوم أمس، وأبلغه تمسّكه بالتسوية الرئاسية وأن «الحريري لن يدخل شخصياً في حملة الردود التي يقودها صقور تيار المستقبل ووسائل إعلامه، طالباً من باسيل تهدئة الأجواء من جهته». في المقابل، أكّدت مصادر مطّلعة على موقف باسيل، أن «وزير الخارجية بدوره يؤكّد تمسّكه بالتسوية الرئاسية»، وأنه «يدرك أسباب الحملة ضدّه» وأن «من يقودها هم مجموعة من المتضررين من العلاقة مع الحريري ويحاولون إحراج رئيس الحكومة والمزايدة عليه».
ويفنّد المصدر «الجهات التي تقف وراء الحملة على باسيل، فهي أوّلاً المعترضون من داخل التيار، الوزير السابق نهاد المشنوق، الرئيس فؤاد السنيورة واللواء أشرف ريفي، وهؤلاء يستغلون أي فرصة للانقضاض على الحريري وتظهيره في موقع الضعف». المجموعة الثانية، يصفها المصدر بـ«الميليشيات التي لم تخرج من الحرب بعد، أي القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي». أمّا لماذا تكتّلوا؟ فالسبب بحسب المصدر أن «باسيل استطاع إحداث اختراق جدي في منظومة حماية هذه المجموعات عبر دخوله على خط الموازنة، ثمّ كان نشاطه لافتاً في شهر رمضان من البقاع الغربي حيث شارك في الإفطار الذي دعا إليه رئيس حزب الاتحاد عبد الرحيم مراد بحضور الوزير حسن مراد وآلاف المشاركين، ثم دعوة النائب فيصل كرامي إلى البترون وإقامة إفطار حضره جمع غفير في طرابلس». لكن ألم يكن كلام باسيل مستفزّاً في البقاع الغربي لناحية الحديث عن قيام السنية السياسية فوق جثة المارونية السياسية؟ يجيب المصدر: «كان موقف باسيل واضحاً، وهو انتقاد الطائفية السياسية واستخدم المثل ليقول إن أي طائفة لا تستطيع وحدها تأمين الاستقرار في البلاد». ويذكّر المصدر بأن «باسيل والحريري كلاهما متمسك بالتسوية، ولكي لا ننسى أن هذه التسوية حققت قانون الانتخاب وأدخلت بعض الإصلاحات في الموازنة والقضاء على الإرهاب وقتها وإطلاق حملة لمكافحة الفساد في القضاء». لكن المصدر يؤكّد أن «الانزعاج الأساسي هو عودة القرار إلى بعبدا، فيجب أن لا ينسى هؤلاء أن استعادة القرار في بعبدا منح الحريري على المستوى الشخصي غطاءً داخلياً شعبياً، وخارجياً أمام حلفائه وأخصامه، وأعطى هامشاً للموقف اللبناني الخارجي كي لا يكون مرتهناً».
في المقابل، تؤكّد مصادر في تيار المستقبل لـ«الأخبار» أن المشكلة الحالية هي بسبب سعي باسيل للهيمنة على التعيينات المرتقبة. وتقول المصادر إن «تيار المستقبل شعر بأن باسيل يقوم بحملة على التعيينات قبل حصولها تمهيداً لجلسة مجلس الوزراء بعد عيد الفطر». وتشير إلى أن «وزير الخارجية لا يخفي نيّته التدخل في تعيينات قوى الأمن الداخلي وسعيه مؤخراً إلى محاولة تغيير مدير عام قوى الأمن الداخلي، وهو يضع نصب عينيه موقع المدعي العام التمييزي، وهو أحد أبرز الموقع السنيّة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى نوّاب حاكم مصرف لبنان والميدل إيست». ويؤكّد المصدر أن «الاستياء كبير جداً في تيار المستقبل من الهجوم على عثمان وهذا الأمر يؤذي الرئيس الحريري في الشارع، وهناك خوف حقيقي من أن تتدحرج الأمور في الحكومة ونصل إلى الصدام». وختم المصدر بالقول إن الجميع ينتظر عودة الحريري من السفر.
اشتباك الجيش والحكومة لا يزال في أوله
في كل مرة دخل وزير جديد للدفاع إلى اليرزة، ثمة نصيحة تنتظره من مخضرم عايش المؤسسة العسكرية عقوداً: يكفي ان تلتقط صورة جوّية لمبنى وزير الدفاع واخرى لمبنى قيادة الجيش كي تنتبه الى حجم الفارق بين صاحب القرار السياسي وصاحب القرار العسكري في هذا الحرم (تقرير نقولا ناصيف).
العبارة كافية كي تقول ان اهل البيت ادرى بشؤونه من الداخلين اليه. الاهم فيها انها تضع حداً فاصلاً بين ما هو سياسي وما هو عسكري.
لم يكن كلام قائد الجيش العماد جوزف عون، السبت من متحف فؤاد شهاب، الا استعادة لذلك. دق ناقوس الخطر عندما كشف عن وطأة الخلاف بينه وبين حكومة الرئيس سعد الحريري اذ تدعوه الى تقاسم كلفة الدين والعجز في خزينة الدولة اللبنانية مع اللبنانيين والقطاع العام، تسبّبت فيهما الطبقة السياسية الواحدة طوال ثلاثة عقود من وجودها في السلطة ومدّ يدها الى المال العام، هي نفسها المقيمة اليوم في مجلس الوزراء. ابرز انموذج لهذا الاشتباك، السجال الذي احاط بالتدبير 3 في مشروع قانون موازنة 2019. مع انه أُخرج منه في الجلسة الـ20 لمجلس الوزراء، بيد ان المشكلة مع الجيش لا تزال في اولها. كذلك احتجاج قائد الجيش لا يزال في اوله.
ضمر مشروع الموازنة وضع الجيش بنداً اول في مسلسل الاقتطاعات، لم يكن الكثير الذي قيل عن التدبير 3 آخره، ما احيا في ذاكرة ضباط كبار وجهة نظر فاتح بها الرئيس الراحل رفيق الحريري، في اولى حكوماته عام 1992، القائد السابق للجيش العماد اميل لحود. لمّح امامه الى ان التعويل في المرحلة المقبلة هو على قوى الامن الداخلي اكثر منه على الجيش، والحاجة ستكون – مع اقتراب ربيع التسوية والسلام في المنطقة تبعاً لرهانه حينذاك – في الداخل الى الشرطة لا الى الجيش. اضف ان الموازنة الكبيرة التي أُعطيت الى الجيش في مرحلة بناء شرعية ما بعد اتفاق الطائف، قادت الحريري الاب الى القول للحود ان الجيش يقبض اكثر مما يُستفاد منه.
كان هذا المفهوم اول عهد المرحلة تلك في اكثر من صدام بين الجيش والحريري الاب ووزير الدولة للشؤون المالية فؤاد السنيورة، وزير المال الظل، سواء بمحاولة خفض موازنة وزارة الدفاع، او الاشتباك الذي حصل بعد سنتين في مبنى وزارة المال، مروراً بأول سلسلة رتب ورواتب للعسكريين وضعها السنيورة فصل فيها – خلافاً لسلسلة موظفي الادارة – اساس الراتب عن الملحقات به التي اضحت هدف الاقتطاعات. بيد ان لحود ربح المعركة تلك. ليس خافياً حجم الاضطراب حينذاك بين المؤسسة العسكرية والحكومات المتعاقبة للحريري. في جزء منها سعي الرئيس السابق للحكومة الى التدخّل في شؤونها، في مطلع صعوده في الحكم، على غرار مؤسسات اخرى في دولة ذلك الزمان.
مع ان الدافع المعلن اليوم للخلاف بين السلطة السياسية والجيش اقتصادي في ظاهره، بدعوة الحريري الابن وحكومته الجيش الى المشاركة في تسديد فواتير الفساد والاهدار السياسيين، غير ان في الامر ما يحمل الجيش على الاعتقاد بأن ثمة شيئاً ما في السياسة يستهدفه: عندما تُخفّض موازنة التغذية 8 مليارات ليرة بلا موافقته، ويُطلب منه تقنين شراء الذخائر وقطع الغيار ودورات ضباطه.
بعدما عُيّن اعضاؤه الجدد، ذهب المجلس العسكري برئاسة العماد عون الى مقابلة رئيس الحكومة، فسمع منه تأكيداً قاطعاً ان لا مسّ بتعويضات العسكريين العاملين والمتقاعدين ورواتبهم. قال الحريري مطمئناً ان امامه ابواباً كثيرة لخفض عجز الخرينة قبل التفكير في الوصول الى الجيش. لكن في الجلسة الاولى لمجلس الوزراء اضحت رواتب القطاع العام، بشقيه العسكري والمدني، في رأس اولويات الخيارات قبل أن يُرغمه الشارع على التراجع.
مراقباً مسار جلسات مجلس الوزراء، سجّل الجيش بضع ملاحظات:
1- رغم خفض موازنات عدد من الوزارات، الا ان حكومة الحريري حاذرت الاقتراب من المصادر الفعلية للانفاق والاهدار والفساد، المرتبطة مباشرة بمرجعيات سياسية هي المعنية بوضع اليد على المصادر تلك. وهو ما يصح على عدد لا يستهان به من الادارات والمنشآت «السود».
2 – فوجىء الجيش بتسليط الضوء على التدبير 3 كأنه احد مصادر الاهدار، فيما هو احد مصادر الاطمئنان، نظراً الى ان الفارق بين موظف مدني ومتطوع عسكري يكمن في الهامش الحيوي العريض: اخطار المهنة. منذ عام 1990 لا يزال التدبير 3 معمولاً به. ما لا يذكره كثيرون، على اثر اطاحة الجيش السوري العماد ميشال عون، اخترع ميشال المر وزير الدفاع في حكومة الرئيس عمر كرامي التدبير 4 الذي رفع تعويضات العسكريين الى 125% من اساس الراتب.
لم يرمِ التدبير 4 الذي استمر بضعة اشهر، سوى الى اجتذاب العسكريين المسيحيين الخارجين منهكين ومحبطين بعد 13 تشرين الاول 1990، ومحاولة اغرائهم بالولاء للقيادة الجديدة للجيش، وتالياً «شراء» عودتهم الى الجيش ولملمته في مرحلة اعادة بنائه. بعد ذلك استقرت المؤسسة العسكرية على التدبير 3، بتكليف الجيش حفظ الامن. الا ان البلاد عرفت التدبير 3 منذ النصف الاخير من الاربعينات الى النصف الاول من الخمسينات، ابان الصدامات والحملات العسكرية التي قادها الجيش في الهرمل ضد العشائر، وتحديداً آل دندش. آنذاك حمل التدبير 3 عنوان «الدنادشة». على مر ولاية لحود قائداً للجيش، تدنت نسبة التدبير 3 من 70% من اساس الراتب في مطلع التسعينات الى ان اضحت الآن 17%.
3 – رغم تقدير الجيش موقف رئيس الجمهورية في الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء، في 27 ايار، سحب التدبير 3 من السجال، ووضعه في عهدة المجلس الاعلى للدفاع كي يبته، الا ان مصير التدبير سيكون اولاً في قيادة الجيش، من ثم – لأنها المرجع المعني اساساً – تحمل اقتراحها الى المجلس الاعلى للدفاع كي يتبناه في توصية تحال الى مجلس الوزراء يقرّها. ما يبدو قاطعاً وجازماً لدى الجيش ـ وخلافاً لما ترومه السلطة السياسية ـ لا عودة ابداً الى التدبير 1.
المخرج الناضج لدى القيادة تقرّر في حصيلة اجتماع عقد الاثنين المنصرم 27 ايار، في مكتب العماد عون حضره قادة الاسلاك العسكرية الاربعة الاخرى: تدبير 3 للعسكريين على الارض بقطعهم وافواجهم اياً تكن يقعة انتشارهم من الداخل الى الاطراف، وتدبير رقم 2 لعسكريي الادارات والمكاتب ومؤسسات القيادة ووزارة الدفاع. اضف ان تطبيق التدبير 3 يلزم القيادة وضع 75% من العديد في الخدمة، بينما في حال الاستنفار – كما في الانتخابات – ترتفع نسبة الجهوز الى اكثر من 90%. من اجل ذلك فإن اقتراح الاسلاك العسكرية يضع جهوز العديد بنسبة 75% على الاقل. وهو واقع الجيش حالياً على كل الاراضي اللبنانية، اذ ينتشر بنسبة جهوز تصل الى 75%، ما يجعل القيادة عاجزة عن خفض النسبة في ظل المخاوف الامنية والتوترات الاقليمية. ما يقود ايضاً الى رفض ما تطالب بها السلطة السياسية: تدبير 3 على الارض بمخصصات تدبير 1.
4 – لا يزال الجيش يتحفظ عما ورد في مشروع الموازنة لجهة رفض التسريح قبل بلوغ السن القانونية ما لم يقترن بحسم 25% من التعويضات. في الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء سأل رئيس الجمهورية من غير ان يلقى جواباً: اجراء كهذا هل هو دستوري؟ الامر نفسه بالنسبة الى وقف التطويع في الاسلاك طوال ثلاث سنوات، من بينها الجيش بعديد هو الاكبر يبلغ نحو 82 الفاً. في كل سنة يتقاعد منه او يستقيل نحو الف عنصر، ما يجعل الرقم على مر السنوات الثلاث ذا تأثير بازاء المهمات الاستثنائية المنوطة به.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللواء
إستفزازات باسيل تسمِّم الشارع وتهدِّد بشلل الحكومة
الحَسَن تتّهم رئيس التيار العوني بالإفتراء.. وساترفيلد ينقل تحذيراً من أيّ عمل طائش
في الظاهر، لا مساعي أو اتصالات تبذل لاحتواء «الاشتباك الكلامي» الذي يُخفي وراءه «اشتباكاً سياسياً» طرفاه، في الظاهر أيضاً، التيار الوطني الحر وتيار «المستقبل»، ولكن في الباطن، قد يكون وراء الأكمة ما وراءها، بطرح سؤال مشروع: هل التسوية السياسية في خطر واستطراداً الحكومة، التي يُشكّل التياران المتساجلان قوة الثقل في السلطة الإجرائية، من خلال الرئيسين: الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، فضلاً عن الوزراء، الذين يقتربون من ثلثي عدد الوزارة، وفقاً لمرسوم تشكيلها..
وعليه تخوفت مصادر وزارية عبر «اللواء» من تداعيات هذا الوضع الناشئ عن الاشتباك بين التيارين البرتقالي والازرق، وقالت انه ما لم يعد الفريقان إلى ضبط هذا الوضع، فإن انعكاساته ستكون خطيرة، باعتبار ان «المستقبل» لن يقبل بما يشيعه «التيار الوطني الحر»، مؤكدة أن الكلام الذي يتحدث به التيار الأزرق عن المس بالتسوية يستحق التوقف عنده، والكلام الذي قيل مؤخراً بحق قياداته لن يمر مرور الكرام، داعية إلى انتظار تدخل ما لتهدئة الأمور منعاً للانزلاق نحو أمر غير سوي.
بالمقابل، لم تخفِ مصادر سياسية مطعة اعتقادها بأن ما يحصل لا يخدم تسريع عمل الحكومة. وقالت لـ «اللواء» ان الانطلاقة الحكومية بعد الموازنة اصيبت «بشلل نصفي» أو أقله تبطيء العمل، لا سيما في ما خصَّ إجراء تعيينات في المراكز الشاغرة، في ظل الخلاف المحتدم بين التيّار الوطني الحر وتيار «المستقبل».
واكد نائب كتلة «المستقبل» محمد الحجار في تصريح لـ«اللواء» ان ما يحصل اليوم من تعاطٍ للتيار الوطني الحر يزعزع اسس التسوية، وقال ان استمرار التصويب على رئيس الحكومة سعد الحريري وقيادات «المستقبل» هو افتراء لن نقبل به. وسأل عن الهدف من التعرض لمؤسسات ناجحة كقوى الأمن الداخلي وفرع المعلومات.
واوضح ان اللواء عثمان وفي تصرفه في موضوع الآبار قام بعمله بتوجيه من السلطات العليا وضمن الأصول التي يحترمها وقال: «ما تصرف من راسو».
واعتبر النائب الحجار ان المطلوب هو تدخل رئيس الجمهورية.
وقال مصدر مطلع ان الرئيس الحريري ما يزال خارج لبنان، لتمضية عطلة عيد الفطر السعيد مع عائلته، على ان يعود بعد ذلك إلى بيروت لاستئناف نشاطه، مستبعداً عقد جلسة لمجلس الوزراء في وقت قريب أو غداة العيد مباشرة.
بالتزامن مع هذا الاضطراب الداخلي كشف مصدر دبلوماسي لـ «اللواء» ان نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد ساترفيلد نقل إلى المسؤولين اللبنانيين كلاماً واضحاً: «ندعم استقرار وسيادة لبنان».
ولكن في الوقت نفسه، نقل تحذيراً من أي «عمل طائش» على الحدود اللبنانية- الإسرائيلية، أو ضد المصالح الأميركية سواء جاء من حزب الله أو من الفصائل الفلسطينية التي تدور في الفلك الإيراني.
تساؤلات مشروعة
لكن، يبقى السؤال مشروعاً: إلى أين ستؤدي هذه الخلافات والحروب الكلامية والتصعيد السياسي؟ وكيف سيكون تأثيرها على عمل الحكومة في معالجة الملفات العالقة، أو التي أصبحت قيد التنفيذ؟ وإلى أي مدى تبدو واقعية الدعوة إلى إعادة النظر بالتحالفات السياسية القائمة؟
مرد هذه التساؤلات، هو ان آخر ما في هذه الحروب التي اندلعت في الأيام القليلة الماضية، هو انها مست مواضيع حسّاسة مجدداً، مثل العودة إلى لغة سياسية سبقت الحرب الأهلية حول «المارونية السياسية» و«السنيَّة السياسية» التي تلت انتهاء الحرب بفترة قصيرة في التسعينات، فضلاً عن العودة إلى نغمة الصلاحيات الدستورية ومترتبات اتفاق الطائف، وبخاصة ما يمس منه بدور رئيس الحكومة وصلاحياته، وهو أمر يتم نبشه كل فترة تتوتر فيها الأجواء السياسية، ولا يوجد له مخرج جذري، ما يجعله عامل توتر وتفجير سياسي دائم، في ظل العوامل الهشة للتوازن السياسي القائم في البلاد.
بطبيعة الحال، كل الأجوبة التي يُمكن ان تقال عبارة عن تحليلات أو تكهنات حينما تكون الصورة ضبابية حتى الآن، خاصة وان رئيس الحكومة سعد الحريري، المعني الأوّل بكل هذه الخصومات لم يقل كلمته بصورة مباشرة في التطورات التي حصلت خلال وجوده في مكة المكرمة، وان ترك لأوساطه تسريب بعض المواقف لتوضيح الصورة، مثل اشارته إلى ان «سياسة ورقة التين لم تعد تنفع» في معرض ردّ الحملة على القاضي هاني الحجار، في ضوء ما جرى في المحكمة العسكرية من ضغوطات أدّت إلى تبرئة المقدم سوزان الحاج من تهمة فبركة ملف التعامل مع إسرائيل للفنان المسرحي زياد عيتاني.
غير ان الحريري في الملفات السياسية الأخرى التي أثارها رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، لم يصدر عنه أي تعليق أو ردة فعل، وان كان قد ألمح في مواقف خلال أكثر من مأدبة افطار ومناسبة عامة إلى ضرورة وقف المشاحنات والاستعراضات السياسية والانكباب على العمل لإنقاذ الاقتصاد والبلاد والعباد، كما ان الرئيسين ميشال عون ونبيه بري لم يتدخلا بصورة مباشرة لوقف المشاحنات وتبريد الأجواء، وان كانت هناك معلومات تفيد عن اتصالات بعيدة عن الأضواء من أجل وقف التصعيد السياسي الذي بات يؤثر على صورة لبنان الخارجية بحيث جرى تداول معلومات عن اتصالات يجريها سفراء معتمدون في لبنان لمعرفة المدى الذي ستبلغه الخلافات وانعكاساتها على الوضعين السياسي والمالي والاقتصادي.
«المستقبل»: تهدئة وتصعيد
وفي تقدير مصادر سياسية، ان تيّار «المستقبل» كان حاسماً في ما يتعلق بملف الحاج- غبش امام المحكمة العسكرية، وفي كل ما يتصل بتداعياته من سجالات مع وزيرالدفاع الياس بوصعب، لكنه تعامل مع مواقف الوزير باسيل بمزيج من التهدئة والتصعيد، لا سيما عندما اعتبرت مقدمة نشرة اخبار تلفزيون «المستقبل» أن باسيل صار «عبئاً على العهد»، في حين ان باسيل حرص عبر توضيحات مصادره على تبريد الأجواء مع «التيار الازرق»، من خلال تأكيده على الميثاقية وتحالف الاقوياء، ومن ثم في كلمته في منطقة الشياح- عين الرمانة، بأن التسوية الرئاسية تفاهم بسيط لا أساس له سوى الاعتراف بالآخر وحيثيته التمثيلية، لكن هجومه على المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان الذي يعتبره «المستقبل» خطاً أحمر، إلى جانب حديثه عن «العصفورية التي جنت» هو الذي دفع وزيرة الداخلية ريّا الحسن إلى الرد على باسيل بمزيج من الصلابة واللين في آن، وكأن القصد من بيانها عدم قطع شعرة معاوية مع باسيل، وفي الوقت عينه تصويب الكثير من الأخطاء التي وقع فيها، بحسب الوزيرة الحسن، مع العلم ان مصادر مقرّبة من رئيس التيار العوني أكدت لـ «اللواء» ان لا مشكل مع الرئيس الحريري، وان التيار مستمر بالتفاهمات مع كل الأطراف السياسية، ولا سيما مع رئيس الحكومة.
ولوحظ ان الحسن حصرت، ردها عن مواضيع تتعلق بوزارة الداخلية مباشرة، ولم تتطرق الى ما أثاره من انتقاد للحريرية السياسية، مع انها لاحظت ان الزميل باسيل نجح وبجدارة في اذكاء وإثارة المزيد من الانقسامات على أبسط الأمور التي لا تحتاج البلاد إليها على الاطلاق». وطلبت منه «بمودة واحترام ان يترك الأمور لأصحاب الشأن وان لا يعمد إلى التشويش على عمل باقي الوزارات والتي لا تدخل في اختصاصه».
ومن هذه الزاوية، دخلت الحسن إلى صلب الموضوع، فشدَّدت بداية على انها «لن تسمح بتناول وضرب هيبة المؤسسات الامنية». وسألت باسيل تفسيره للهجوم الشرس الذي تتعرض له شعبة المعلومات على «الفساد»، مؤكدة ان ما قامت به هذه الشعبة هو الاجراء العملي الوحيد لمكافحة الفساد في بحر المواقف الكلامي، مشيرة إلى ان الجميع يعلم أين ولماذا ومن يسعى إلى وقف هذه الحملة، لمجرد انها وصلت إلى من أصبح يعتبر نفسه خطاً أحمر (في إشارة إلى القاضي بيتر جرمانوس).
وفي موضوع المرامل والكسارات أكدت الحسن ان اللواء عثمان أوقف العمل فيها على الرغم من ورود تراخيص من وزير البيئة تسمح بالعمل بها، وان عمر مسألة موافقات البناء والآبار أكثر من عشر سنوات وقد استفادت منها كافة الأطراف السياسية في البلاد، من «التيار الوطني الحر» إلى باقي الأحزاب والتيارات السياسية وصولاً إلى تيّار «المستقبل»، وبالتالي لا حجة لأحد في الموضوع، مشيرة إلى ان الاستفاقة على الموضوع استعرت مع فتح ملفات الفساد القضائي وصولاً إلى الايحاء بالمعادلة الذهبية القائمة على قاعدة قاض مشبوه مقابل ضابط مشبوه».
«عصفورية» باسيل
وكان الوزير باسيل، أطلق أمس، مجموعة من المواقف النارية خلال جولته في قضاء بعبدا، مؤكدا عدم وجود تهادن أو تسوية في موضوع ضرب الفساد، مشيرا الى انه لا يقبل الا ان يكون الطرف الآخر في التسوية الرئاسية شريكاً قوياً، لأننا نقوى به وهو يقوى فينا، لافتا إلى ان التفاهم بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة هو من أجل كشف من يضعف البلد ومن يعمم الفساد، إلا انه لم يتطرق إلى ان أداءه هو الذي يضعف موقع رئيس الحكومة، الشريك الآخر في المعادلة، ولم ينف كلامه عن السنيَّة السياسية، وان كان اعتبر الضجة التي قامت بسبب ما وصفه بكلام افتراضي، كلام لم أقله في الإعلام، مشيرا إلى ان الكلام الذي قاله كان ايجابيا تجاه الطوائف الإسلامية، لكنهم اخترعوا جملاً عن السنيَّة السياسية واقالة المدير العام لقوى الأمن الداخلي والمس بكرامة الطائفة، وهذا أقله كلام افتراضي لم يحصل، معلناً ان الرئيس عون ليس ابن المارونية السياسية ليربينا عليها، مؤكدا ان المارونية السياسية لن تعود ومخطيء من يعتقد ان البلد يمشي وفقاً لمارونية سياسية، أو سنيَّة سياسية أو لشيعية سياسية.
وبالنسبة لمسألة اللواء عثمان، نفى باسيل ان يكون تحدث يوما مع الرئيس الحريري عن تغييره، لكنه قال انه «لا يحق للمدير العام لقوى الأمن ان يكون أعلى من رئيس الحكومة ويوقع رخص بناء وآبار ومرامل وكسارات، وانه لا يكون البناء على هذه الممارسات، خصوصاً وان لبنان أصبح في حال يرثى لها».
وإذ وصف باسيل ما يجري بـ«عصفورية» حيث «هدد بأنه لا يُمكن لأحد ان يبتزنا بهذه الحملات، ونقوم بمشكل مع كل من يحاول مد يده علينا وعلى البلد، وكلما تكاثروا سنكون أكثر، وكلما صاروا أقوياء سنكون اقوى».
فيديو مقابل فيديو
إلى ذلك، لوحظ ان السجال بين وزير الدفاع الياس بوصعب والأمين العام لتيار «المستقبل» أحمد الحريري، على خلفية حكم المحكمة العسكرية في قضية المقدم الحاج، قد توقف أمس بتغريدتين لكل من الوزير بوصعب والحريري، انهياها سوية بعبارة «منتهية»، بما يعني انها آخر تغريدات السجال، وبالفعل لم يسجل أي موقف للرجلين بعدهما.
واللافت ان التغريدتين ارفقتا بفيديو، الأوّل من بوصعب، وفيه فيديو مسرب لاحمد الحريري خلال زيارته الانتخابية لمفتي راشيا السابق الشيخ بسّام الطراس في البقاع، وهو المشتبه به في تفجير كسارة في زحلة، ويكشف الفيديو اتصالاً هاتفياً قام به الحريري بالقاضي هاني حلمي الحجار للتوسط لانهاء ملف الشيخ الطراس خلال جلسة محاكمته، وكتب بوصعب: «لسانك حصانك» (منتهية).
ردّ الحريري بنشر عبر «تويتر» فيديو آخر نقلاً عن شاشة الـ«OTV» يبرز توقيف الطراس في مبنى فرع المعلومات للتحقيق معه بناء لإشارة القاضي الحجار. وكتب الحريري رداً على بو صعب: «معالي وزير الدفاع .. ليت القضاة الذين تدافع عنهم يملكون جرأة القاضي هاني الحجار تجاهنا وتجاه غيرنا.. «إن هنته هانك» .. (منتهية)!
وفي اعتقاد مصادر متابعة لموضوع السجالات ان جميع الأطراف السياسية مضطرة لإعادة ضبط الخطاب السياسي والعودة إلى الحد الأدنى من التفاهمات ووقف تجييش شارعها وجمهورها حتى لا تنفلت الأمور ويصبح من الصعب ضبطها وتنعكس سلباً على عمل الحكومة وانتاجيتها ومشاريعها.
واستشهدت المصادر بما فعله رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط حينما نشر قبل يومين تغريدة على حساب «تويتر» هاجم فيها بعنف أداء العهد والتسوية الرئاسية ثم سارع إلى حذف التغريدة.
وفي اعتقادها أيضاً ان استمرار انفلات الكلامي سيؤدي تلقيائياً إلى فشل كل القوى السياسية في إدارة المرحلة السياسية الراهنة، بكل ما تحمله من تحديات ووعود، لا سيما في ظل الوضع الإقليمي المتوتر، والذي ينعكس أيضاً على لبنان، كما ظهر في المواقف التي واكبت انعقاد قمم مكة الثلاث والصراع الاميركي- الإيراني.
ولاحظت المصادر ان انتقاد الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله لموقف الوفد اللبناني إلى هذه القمم، واعتباره بأنه لا ينسجم مع البيان الوزاري ولا مع مبدأ النأي بالنفس، لم يكن له أي مفاعيل على الصعيد الرسمي، سواء من رئاسة الجمهورية ومن وزارة الخارجية، ما يؤشر إلى تفاهم رئاسي على هذا الموقف، باعتباره انه الوحيد الذي يخدم المصلحة اللبنانية، بأن يكون دائماً إلى جانب أشقائه العرب.
المطالب
جامعياً، دعا رئيس مجلس المندوبين في الجامعة اللبنانية د. علي رحال إلى اجتماع يعقد على هذا المستوى، للبحث في أوضاع الجامعة اللبنانية، والمخاطر التي تتعرض لها.
في وقت قال فيه قائد الجيش العماد جوزيف عون اننا «لن نستكين، ولن نرضى المس بحقوق ضباطنا وجنودنا، ولا بكرامتهم، ولن تثنينا محاولات إحقاق المؤسسة من الضغط باتجاه استمرار المطالبة بحقوقنا».
الموازنة
على صعيد آخر، تبدا لجنة المال والموازنة اليوم أولى اجتماعاتها لدرس مشروع موازنة العام 2019 والموازنات الملحقة، وخصص رئيس اللجنة النائب ابراهيم كنعان الإجتماع اليوم لمناقشة الفذلكة بعد تسلمه من وزير المال الذي سيطلع اللجنة على ابرز ما تضمنه مشروع الموازنة والأسباب الموجبة ، بالإضافة الى مناقشة مشروع قانون تمديد الصرف على القاعدة الاثنتي عشرية الى الثلاثين من حزيران المقبل، بعد اتفاق بين الرؤساء الثلاثة ومع افتتاح الدورة الإستثنائية، حيث انتهي مفعول الصرف الحالي نهاية ايار، بانتظار عقد جلسة عامة كما وعد الرئيس بري بالتزامن مع دراسة الموازنة، التي ستتابع جلساتها بعد العيد.
«واشارت مصادر رئيس اللجنة الى ان اللجنة تتحضّر لعقد جلستين في اليوم في سعي للإنتهاء من دراسة واقرار مشروع موازنة العام 2019 مطلع تموز»، بما يفسح في المجال امام النواب بالنقاش المعمق لسد الفراغ او النقص الذي حصل في المشروع خلال مناقشات الوزراء.
وقال كنعان لـ «للواء»: سنبدأ اليوم في لجنة المال والموازنة مناقشة مشروع موازنة ٢٠١٩ بالاستماع الى وزير المالية ومناقشته حول فذلكة الموازنة التي تتضمن محاورها الأساسيةكالنمو والعجز والدين العام والاصلاحات والميزان التجاري وميزان المدفوعات والمؤشرات الاقتصادية والمواضيع المتصلة.
وتمنى على الزملاء النواب من موالين ومعارضين ترك الخلافات السياسية وتداعياتها خارجا وتركيز النقاش حول تحسين وتحصين الموازنة بالتعديلات والاصلاحات والمطلوبة.
وبالتزامن مع عمل لجنة المال يعكف ديوان المحاسبة على التدقيق في تقرير قطع الحساب عن السنوات الماضية منذ 1993 والذي أرسلته وزارة المال الى الديوان، وقالت مصادر نيابية «تحفّظ ديوان المحاسبة على حسابات الأعوام ما قبل 2017 يعني أن لا إبراء ذمة ولا مطابقة في الحسابات»، وإن «مشروع الموازنة لن يمرّ هذه المرة بلا إرفاقه بقطع حساب على الاقل عن العام 2017».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البناء
قلق خليجي من تبدّل لهجة ترامب مع إيران وكلام بومبيو عن الإستعداد لمفاوضات دون شروط
سجال التيارين الأزرق والبرتقالي يتصاعد… ويحجب الردود على نصرالله
اليوم تفتتح «المال والموازنة» النقاشات النيابية… وبعد العيد يبدأ الجدّ
بينما كانت اليابان وسويسرا تعلنان رسمياً القيام بالوساطة بين واشنطن وطهران، كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يكرّر لغته الإيجابية تجاه القيادة الإيرانية، وتأكيد عدم وجود أيّ نية عدائية تجاه النظام في إيران، ولا النية بالذهاب إلى الحرب معتبراً قضايا الخلاف شؤوناً للتفاوض، مبدياً الاستعداد للحوار عندما ترغب إيران بذلك، وكان وزير خارجيته مايك بومبيو يعلن من سويسرا أنّ حكومته مستعدة للتفاوض مع إيران دون شروط مسبقة، وذلك بعدما كانت التصريحات الأميركية بما في ذلك تصريحات ترامب وبومبيو لوّحت بالحرب وبتغيير النظام والعداء للقيادة الإيرانية، ووضعت لائحة من إثني عشر شرطاً اعتبرت القبول بها شرطاً لأيّ حوار أو تفاوض، وجاء التعليق الإيراني على الكلام الأميركي على لسان الرئيس الشيخ حسن روحاني بالتشكيك بصدقية الدعوات الأميركية لأنّ من خرج من التفاوض هي واشنطن وليس طهران، ولأنّ من لا يتصرف كدولة تحترم المواثيق والتفاهمات والقانون الدولي والهيئات الدولية هي واشنطن وليس طهران.
مصادر إيرانية متابعة وصفت اللغة الأميركية الجديدة بمحاولة التهدئة سعياً لتجنيب سوق النفط المزيد من الإهتزازات بعدما تبيّنت محدودية القدرة الأميركية والخليجية في التعامل مع أحداث كالتي شهدتها المنشآت النفطية الخليجية في الأيام الماضية، وجاءت القمم التي شهدتها مكة خليجياً وعربياً وإسلامياً أقرب إلى المسرحية المدبّرة، بدأت الانسحابات من نتائجها المهرّبة بعيداً عن شراكة المدعوّين، وثبت انّ الحشود العسكرية الأميركية لا تستطيع التورّط في مواجهة قابلة للتطور تحت شعار تنفيذ وعودها وتهديداتها بإستهداف إيران إذا تعرّضت مصالح حلفاء واشنطن للإستهداف من قبل حلفاء إيران، وقالت المصادر انّ ما يجري هو توجيه رسائل لطمأنة زائفة كي تسترخي إيران فيما العقوبات مستمرة، ولذلك فإنّ الموقف الإيراني العلني والضمني الذي تبلغه الوسطاء هو عدم التعامل مع الأقوال بل مع الأفعال، والمقياس سيبقى بالنسبة لإيران في عودة واشنطن لمظلة القانون الدولي كحكم، وفي نيل إيران الحقوق التي قام على تثبيتها التفاهم النووي مقابل التزامات إيران النووية، وبخلاف ذلك فطهران تعتبر أن لا شيء يستحق التعليق.
في عواصم الخليج بدا القلق سيد الموقف من التصريحات الأميركية فحشدت الفضائيات الخليجية محللين وسياسيين لتفسير المواقف الأميركية وطمأنة الرأي العام الخليجي بأنّ واشنطن لم تتخلّ عن حلفائها الخليجيين ولن تذهب لصفقة من وراء ظهرهم مع إيران كما فعلت في التفاهم النووي في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.
لبنانياً طغى السجال بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، بمشاركة قادة التيارين ووزرائهما على المشهد السياسي الداخلي، على خلفية كلام الوزير جبران باسيل حول المارونية السياسية والسنية السياسية، واستمراراً لتداعيات حكم المحكمة العسكرية في قضية المقدم سوزان الحاج، وتولت قناة تلفزيون المستقبل تناول مواقف باسيل، وكذلك فعلت وزيرة الداخلية ريا الحسن، باتهامه بتوتير الأجواء، بينما تولى الأمين العام لتيار المستقبل الردّ على كلام وزير الدفاع الياس بوصعب في قضية المحكمة العسكرية، لكن البارز كان كلام باسيل عن مدير عام قوى الأمن الداخلي وترخيص الكسارات وردّ المستقبل بالتساؤل عن نصيب التيار الوطني الحر والوزير باسيل من هذه التراخيص، ورغم محاولات داخلية وخارجية لاستصراح شخصيات للتعليق على كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في يوم القدس العالمي بقي سجال التيارين الأزرق والبرتقالي طاغياً. في شأن الموازنة ومناقشاتها النيابية يرتقب افتتاح النقاش اليوم في لجنة المال والموازنة بكلمة لوزير المال يقدّم خلالها فذلكة الموازنة، فيما توقعت مصادر في اللجنة أن تبدأ المناقشات الفعلية بعد عطلة عيد الفطر.
لم يعلّق رئيس الحكومة سعد الحريري شخصياً على كلام وزير الخارجية جبران باسيل، وإذا كانت الردود قد أتت من بعض وزراء ونواب تيار المستقبل، فان الرئيس الحريري قرر أمس، الدخول على خط الردّ المركزي المنضبط من خلال منسق عام تيار المستقبل أحمد الحريري ومن خلال مقدمة قناة المستقبل التي فتحت هجوماً على الوزير باسيل، معتبرة أن اسلوبه في مخاطبة اللبنانيين قد يأتيه ببعض المصفّقين من الأنصار، لكنه بالتأكيد يستدعي حالات من التذمر لدى قطاعات واسعة من الناس ، وهناك مَن يعتبر أنه صار عبئاً على العهد، ويضع رئاسة الجمهورية في مواجهة العديد من المكونات السياسية .
وشدّدت مصادر نيابية في تيار المستقبل لـ«البناء» على أن ما قام به باسيل لا يعني سوى الخروج عن التسوية وقواعد الاستقرار، مشدّدة على أن تيار المستقبل لن يقف مكتوف الأيدي أمام ما يجري من تجاوزات وتخطٍّ للخطوط الحمر من قبل التيار الوطني الحر ورئيسه، وكان الأخير يريد أن ينسف الاستقرار وكل ما يقوم به الرئيس سعد الحريري. واعتبرت المصادر أن التعويل يبقى على الرئيس ميشال عون لوضع حد لتجاوزات الوزير باسيل التي من شأنها ان تضرب العهد قبل اي أحد آخر، لافتة الى ان الطموحات الشخصية لا بد أن تقف عند حدود المصلحة الوطنية.
في المقابل، حاول وزير الخارجية أمس، ومن الشياح تفسير مواقفه مؤكداً عدم رغبته بالعودة إلى المارونية السياسية، قائلاً: «البلد لن يقوم عليها ولا على السنية السياسية ولا على الشيعية السياسية». وقال خلال لقاء شعبي في مجمع الشياح: «نحنا نتحدث بالميثاقية ونجاهر بها وحققنا بها شراكة واستعدنا حقوقًا». وأضاف أمامنا «عصفورية» جنّت ولا يمكنهم أن يبتزونا بشيء وسنقوم بمشكلة مع كل من يحاول مد يده علينا وعلى البلد، وكلما تكاثروا سنكون أكثر وكلما صاروا أقوياء سنكون اقوى». ولفت رئيس التيار الوطني الحرّ إلى أنّه لم يتحدث يومًا عن تغيير المدير العام لقوى الأمن الداخلي، مؤكّدًا في الوقت عينه أنّه لا يحق لأحد أن يكون أعلى من رئيس الحكومة، ولا يقبل أن يُمارَس عليهم التهويل. وأوضح أنّ دور رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية هو كشف الفساد وليس تغطيته، مشدّدًا على أنّ التيار الوطني الحرّ سيُبرهن أنّه لن يغطي فاسدًا.
وفي السياق نفسه، شددت مصادر لبنان القوي لـ«البناء» أن التسوية السياسية مع الرئيس الحريري صامدة ولا أحد يريد القضاء عليها، فالتباينات والخلافات لا تفسد في الود قضية بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر، معتبرة أن الخلاف مع المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان، ليس شخصياً ولا يجوز وضعه في خانة الخلافات الطائفية. فالتيار الوطني الحر لديه علامات استفهام حول أداء اللواء عثمان وملف رخص الآبار الارتوازية. فهذا الامر يجب ان يكون في عهدة وزارة الطاقة والمياه. فهذا الملف يجب ان يوضع على طاولة البحث بعيداً عن تأويل من هنا وتأويل من هناك. واعتبر ان هناك حملة كبيرة تشن على الوزير باسيل من قبل المتضررين من حملة مكافحة ومحاربة الفساد الا ان ذلك لن يثنينا عن مواصلة طريق الاصلاح ومحاسبة الفاسدين من أي فريق كانوا.
وتعليقاً على خطوة القاضي هاني حجار، لفتت المصادر نفسها إلى ضرورة معرفة الأسباب الموجبة التي دفعت القاضي حجار لطلب نقله من النيابة العامة العسكرية وبناء على ذلك فإن المعنيين سيأخذون القرار المناسب، مشيرة في الوقت عينه الى أن الامور دستورياً وقضائياً كانت تفترض ان يلجأ القاضي المذكور الى وزارة العدل بدل اللجوء الى الرئيس سعد الحريري.
على الخط نفسه استمرت يومي السبت والاحد حملة الردود والردود المضادة بين وزير الدفاع الوطني الياس بو صعب والأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري. ونشر بوصعب، عبر «تويتر» فيديو للحريري مسرّب من زيارته الانتخابية لمفتي راشيا السابق الشيخ بسام الطراس في البقاع، وهو المشتبه به في تفجير معمل كسارة في زحلة، بحسب الفيديو. ويكشف الفيديو اتصالاً هاتفياً قام به الحريري برفقة معاون مفوض الحكومة القاضي هاني حلمي الحجار للتوسط لإنهاء ملف الشيخ الطراس خلال جلسة محاكمته. وكتب بوصعب: «لسانك حصانك منتهية». ليردّ الحريري من جهته، بنشر فيديو آخر عبر «تويتر» نقلاً عن شاشة الـOTV يبرز توقيف الطراس في مبنى فرع المعلومات للتحقيق معه بناء لإشارة القاضي الحجار. وكتب الحريري رداً على بوصعب: «معالي وزير الدفاع.. ليت القضاة الذين تدافع عنهم يملكون جرأة القاضي هاني الحجار تجاهنا وتجاه غيرنا.. «إن هنته هانك».. منتهية».
إلى ذلك، تبدأ اليوم لجنة المال والموازنة منُاقشة مشروع موازنة 2019 في جلسة تعقدها في المجلس النيابي، برئاسة النائب إبراهيم كنعان، وحضور وزير المال علي حسن خليل، تمهيداً لعرضه على الهيئة العامة لمجلس النواب. ورجحت مصادر نيابية لـ«البناء» أن تشهد جلسة اليوم شرحاً من وزير المال لسياسة الموازنة وفذلكتها على ان يبدأ العمل الجدي بعد الأعياد في جلسات ستكون يومية، معتبرة ان النقاشات ستكون جدية تمهيداً لجلسات الهيئة العامة، فهناك الكثير من البنود التي تفترض التعديل كضريبة الـ2 في المئة التي يفترض ان تلغى في الجلسة العامة خاصة أنها تحظى برفض من قوى سياسية اساسية لأنها تمسّ على وجه الخصوص الطبقة الفقيرة والمتوسطة بعيداً عن أي دراسة علمية.