يدرك أنصار فلسطين في العرب والعالم، أن الولايات المتحدة الأميركية و"حلفائها" يريدون تصفية القضية الفلسطينية. يعملون في كل يوم لإنجاز هذا الهدف. يبذلون ما استطاعوا لإزالة فلسطين من خرائط الجغرافيا والديموغرافيا والسياسة والثقافة البشرية المعاصرة. إخراج فلسطين من التاريخ العالمي هو هدف أميركي ـ "إسرائيلي" مُشهَرٌ ومعلن. فمن قبل "صفقة القرن"، تمحورت كل مشاريع "الأقلمة الشرق أوسطية" التي طرحها الأميركيون، منذ سبعين سنة ونيِّف، حول هذا الهدف الإمبريالي / الصهيوني الممتاز. ابتداءً من "حلف بغداد" أو "حلف السنتو" فـ"مبدأ أيزنهاور"، حتى "الشرق الأوسط الجديد". ثم "مشروع الشرق الأوسط الكبير"، ومن بعده، أو من ضمنه "مشروع الربيع العربي".
لقد نُفِّذَت بعض "البنود" من مشروع "صفقة القرن" : الإعتراف بالقدس المحتلة عاصمة للكيان الصهيوني. ضم هضبة الجولان السورية إلى الكيان الصهيوني. عقد مؤتمر الرياض لتشكيل "الناتو العربي". جمع "ورشة المنامة الإقتصادية" في البحرين. لكن ما أعلن وما خفي من "صفقة القرن" يبين أنها تتكامل مع المشاريع الإمبريالية / الصهيونية السابقة. بـ"استثناء" أنها مشروع القوميين الإمبرياليين بقيادة الرئيس دونالد ترامب، لتدمير قضية فلسطين. فمن خلال مشاريع "الأقلمة الشرق أوسطية"، وآخرها "صفقة القرن"، يسعى الأميركيون ـ "الإسرائيليون" إلى إعادة ترميم "مستقبل" الهيمنة الأميركية في النظام الدولي، على جماجم العرب ودمائهم وخرابهم.
وقفت المقاومة العربية للمشاريع الأميركية ـ "الإسرائيلية"، وفي قلبها المقاومة الفلسطينية، عقبة كأداء تعثرت بها وما زالت تتعثر بها تلك المشاريع. لأن المقاومة تشق، بدورها، طريق المستقبل العربي المتحرر من نظام الهيمنة الإمبريالية / الصهيونية والمستقل عنه. في هذه المواجهة المصيرية المستمرة منذ عشرات السنين، حققت المقاومة ثلاثة إنجازات قومية كبرى :
ـ الأول، أن المقاومة منعت اكتمال المشروع الكولونيالي الصهيوني في فلسطين. لأنها لا تزال تنازع الصهيونية الإستيطانية في وجودها الكياني المادي، بالذات، على أرض فلسطين. كما أنها تحمي حقوق الشعب العربي الفلسطيني ومستقبله من الضياع والإندثار.
ـ الثاني، أن المقاومة حافظت على قضية فلسطين حية في الوجدان العربي باعتبارها أعلى الأهداف القومية للأمة العربية. فلا هدفاً مركزياً عربياً يعلو على تحرير فلسطين من الإحتلال الصهيوني. وهذا الإنجاز، يعزز الوعي القومي والهوية القومية والوجود القومي.
ـ ثالثاً، إن المقاومة تؤلف جبهة متقدمة على خطوط الصراع الطبقي العالمي. وهذا الدور العالمي للكفاح العربي ضد المشاريع الإمبريالية / الصهيونية، حفز ويحفز الشعوب والأمم المضطهدة على كسر نظام الهيمنة الإمبريالي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة.
نقترح أن يتم إغناء التحليل الإجتماعي ـ السياسي لقضايا التحرر الوطني والقومي من النظام الإمبريالي، بمسألة "موت الغرب". يجب أن يتلازم تحليل مشروع "صفقة القرن" والتخطيط لمواجهته، مع النقاش المتجدد، في الوقت الراهن، بين النخب الفكرية ـ السياسية الإمبريالية / الصهيونية لهذه "المسألة".
لا نريد أن نكرر أو نستعير أوهام "نهاية التاريخ" التي طرحها الإمبرياليون النيوليبراليون قبل ثلاثة عقود. لأن "موت الغرب" الذي تكثر الكتابات بشأنه في المجال الفكري الأورو ـ أطلسي، حالياً، يعني لنا، تراجع هيمنة الدول الرأسمالية المركزية على الدول الرأسمالية الطرفية، ولا سيما هيمنة الولايات المتحدة. وهذا التراجع هو مظهر من مظاهر الأزمة العامة الشاملة للنظام الرأسمالي، كما هو متغير جيوبوليتيكي في النظام الرأسمالي الدولي، ذو أبعاد تكنو اقتصادية وعسكرية وديموغرافية وثقافية. ولذلك، في تحليل مشروع إدارة ترامب لـ"الأقلمة الشرق أوسطية" المسمى "صفقة القرن"، يجب أن نهتم بـ"موت الغرب" لسببين مركزيين :
ـ الأول، أن "موت الغرب" يعني تراجع القوة المادية الأميركية. والمقصود أن الولايات المتحدة لم تعد تنفرد بالقدرات الإنتاجية الهائلة التي تميزت بها بعد الحرب العالمية الثانية. وهي باتت عرضة للمنافسة من دول أوراسيا، حتى إن الصين باتت تتفوق عليها في مجال الذكاء الإصطناعي. وهو ما ينعكس على فاعلية القوة "الإسرائيلية".
ـ الثاني، أن "موت الغرب" يشكل ظرفاً موضوعياً يضاعف من قوة المقاومة العربية على ردع الهيمنة الإمبريالية / الصهيونية. وهو ظرف تاريخي يجعل المقاومة فاعلاً إقليمياً ـ عالمياً، يؤثر بشدة ملموسة، في تفاعلات النظام العالمي الإنتقالي من الأحادية القطبية إلى التعددية القطبية. ما يرسي مشاريع التنمية المستقلة على قواعد أصلب وأرسخ.
يكره أكاديميو وكتَّاب وإعلاميو الزُّور والبهتان والإستسلام والخيانة، الحديث عن "موت الغرب" وتراجع الولايات المتحدة. ما زالوا يعرضون مشروع "صفقة القرن" كأنه قَدَرٌ إلهيٌ، أتت به إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وما علينا سوى تلقفه. لكن الشعب العربي، مع كل أنصار فلسطين في العالم، الذين انصرفوا لدحر مشروع "صفقة القرن"، يساهمون بأيديهم في "موت الغرب"، وفي "موت اتباع الغرب". العالم يتغيَّر.
هيئة تحرير موقع الحقول
الأربعاء، 15 ذو القعدة، 1440، الموافق 17 تموز/يوليو، 2019