اللواء
باسيل على خط إختيار الوزراء السُنّة.. وإصرار عون ورفض برّي يؤجِّلان المراسيم!
مخاوف إقتصادية دولية من زعزعة إستقرار المنطقة.. وطربيه يطمئن: لا خوف على الودائع
تقدّم الوضع المالي على ما عداه، في ظل الانهيارات المالية المتتالية، التي تجاوزت الجهد القائم في سبيل تأليف الحكومة، ضمن حدّين لا يقبلان الخلل: حدّ الحاجة السريعة لحكومة تتخذ الإجراءات المالية والعقابية في ما خص الأموال السائبة أو المهدورة أو المنهوبة، أو المحولة إلى المصارف في سويسرا وغيرها، وحد التأني في انتقاء الأسماء تجنباً لحسابات خاطئة، تنعكس سلباً على عملية التأليف والتكليف أيضاً..
في غمرة تذاكي «الطبقة السياسية» المتهمة والمأزومة، كانت التداعيات الدولية للأزمة المالية آخذة في الاتساع، من جانب التأثيرات المباشرة لتعثر لبنان عن سداد ديونه، على الاستقرار في المنطقة.
وفي السياق نبهت وكالة بلومبيرغ الأميركية من ان الأنظار تتجه إلى 9 آذار المقبل، حين يُفترض سداد سندات خزينة بقيمة 1.3 مليار دولار؛ علماً أنّ لبنان الذي لم يتخلّف مرة عن الوفاء بالتزاماته خلال الحرب والصراعات السياسية، سدّد الشهر الفائت استحقاق سندات يوروبوند بقيمة 1.5 مليار دولار، وحذرت من زعزعة استقرار المنطقة إذا تعثر لبنان عن سداد ديونه.
وأوضحت الوكالة أنّ المسألة تتعلق اليوم بأي مدى يمكن للبنان الاستفادة من احتياطات العملة الأجنبية، تزامناً مع عمله على احتواء أسوأ أزمة عملة منذ ربط الليرة بالدولار قبل عقديْن من الزمن.
في هذا السياق، علّق مدير الأموال في شركة «Eaton Vance» التي تتخذ بوسطن مقراً لها، مايكل سيرامي، قائلاً: «مع تقلّص الاحتياطي، يصبح احتمال مواجهة المستثمرين بعض أشكال التخلف عن السداد، مثل «قص الشعر» (اقتطاع نسبة من الودائع) أو تمديد فترة استحقاق السندات أكثر ترجيحاً».
الدخان الأبيض والرفض السني
حكومياً، لم يصعد الدخان الأبيض من قصر بعبدا، على الرغم من لقاء الساعتين وثلث بين الرئيسين ميشال عون والمكلف حسان دياب.
المعلومات كشفت الوقائع التالية:
1- الرئيسان اعادا جوجلة الأسماء المسرّب بعضها، والمطروح بعضها الآن.
2- الرئيس عون متمسك بالمهندس شادي مسعد وزيراً للدفاع، ونائباً لرئيس مجلس الوزراء كونه ينتمي إلى الارثوذكس، كما يتمسك الرئيس عون بالوزير الحالي سليم جريصاتي وزير دولة لرئاسة الجمهورية.
وهذا الإصرار على جريصاتي، يخلق مشكلة لجهة مطالبة الأطراف الأخرى بالتمثل سياسياً في الحكومة العتيدة، وهذا يسحب عنها صفة الاخصائيين.
3 – الرئيس نبيه برّي سجل اعتراضاً على اقتراح الرئيس المكلف نشأت منصور لوزارة التربية والتعليم العالي، (وهو كان يعمل مستشاراً له عندما كان وزيراً للتربية).
4 – المعلومات تكشف ان الوزير السابق طارق متري رفض ان يكون وزيراً للخارجية في الحكومة العتيدة..
5 – سنياً، أكدت المصادر المطلعة، ان عدداً من الشخصيات السنية رفضت عروضاً بالتوزير، ومن هؤلاء: اللواء إبراهيم بصبوص، والوزيرين السابقين حسن منيمنة وخالد قباني، والدكتور ناصر ياسين من الجامعة الأميركية، فضلا عن ثلاثة دكاترة آخرين يعملون مع الرئيس المكلف.
6 – لكن المصادر استدركت ان الوزير جبران باسيل اقترح اسم العميد المتقاعد باسم خالد لوزارة الداخلية، وهو من بلدة مشتى حسن في محافظة عكار.
إلى ذلك علمت «اللواء» ان الرئيسين عون ودياب حريصان على ولادة الحكومة قبل نهاية السنة، باعتبار ان الصعوبات يُمكن تجاوزها، وبالتالي هناك حرص على احداث صدمة إيجابية مع بداية العام الجديد.
ونسبت وكالة الأناضول إلى مصدر مقرّب من الرئيس عون انه والرئيس دياب تباحثا حول الحقائب الوزارية وتوزيعها ودمج بعضها والقائمة الاسمية للوزراء غير جاهزة لغاية الآن، ولا ولادة للحكومة خلال اليومين المقبلين ويرجح ان تكون بعد عيد رأس السنة.
لكن مصدراً وزارياً متابعاً استبعد ولادة الحكومة قبل حلول العام الجديد.
بدء العد العكسي
إلى ذلك، اشارت مصادر سياسية مطلعة لـ اللواء» ان مدة اللقاء المفاجىء بين الرئيسين عون ودياب توحي أنهما جالا في الكثير من التفاصيل المتصلة بالاسماء والحقائب والتداول بطروحات في ماخصها مع العلم ان لا شيء نهائيا بعد .
واوضحت المصادر انه يمكن القول أن مرحلة العد العكسي للملف الحكومي بدأت، وما ناقشة الرئيسان امس بعد زيارة الرئيس المكلف الثانية الى قصر بعبدا في غضون ثلاثة ايام يعطي دلالة أن هناك جوجلة تتم ولن تكون الأخيرة، فالمشاورات ستتواصل كما ان هناك اسماء قد تتبدل واخرى قد تبقى ثابتة على انه لم يصر الى تحديد موعد لولادة الحكومة، مؤكدة ان هناك جهدا يبذل لولادة سريعة للحكومة.
وقالت ان الثابت حتى الان هو خيار حكومة من 18 وزيراً على ان الوزراء سيكونون وزراء اختصاص ولفتت الى أن هذا الخيار في عدد الحكومة يعني حكما دمج بعض الوزارات اي ان هناك دمج لأربع وزارات، إضافة إلى ان الوزير قد يتسلم أكثر من حقيبة.
واوضحت أن العقدة السنية ليست الوحيدة، فهناك بعض العراقيل يؤمل حلها في وقت قريب فيما فهم ان ولادة الحكومة لن تكون عيدية قبل رأس السنة الا اذا حصل امر ما، وهذا يعني ان الولادة على الارجح ستكون بعد عيد رأس السنة.
وافادت المصادر ان الوزراء لن يأتوا من القمر وبعضهم سيسمى كما سمي الوزير جميل جبق اي يحظى بتأييد حزب ما أو جهة معينة وقالت ان هناك اسماء كثيرة ستسرب في الايام القليلة المقبلة، لكن التشكيلة النهائية تعود الى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.
لقاءات الرئيس المكلف
وسبق زيارة الرئيس المكلف لقصر بعبدا، لقاء عقده في دارته في تلة الخياط مع أعضاء «اللقاء التشاوري للنواب السنّة المستقلين» كما أجرى اتصالات بعدد من القوى السياسية الممثلة في المجلس النيابي للوقوف على رأيها، وسيواصلها في الأيام القليلة مع الكتل النيابية والقوى السياسية والحراك الشعبي.
وتردد ان الرئيس المكلف طلب مواعيد للقاءات يريد عقدها مع الوزير جبران باسيل ومع ممثلين في الحزب الاشتراكي، علماً ان معلومات ذكرت ان الوزير باسيل كان في قصر بعبدا أمس، ولم يحضر لقاء رئيس الجمهورية بالرئيس المكلف.
وشكل اللقاء الليلي بين دياب والخليلين عنصراً فاعلاً في تذليل عقبات ولادة الحكومة العتيدة، بالنسبة لتسمية الوزراء الشيعة، فيما علم ان الرئيس المكلف سمع التطمينات المطلوبة في الاتصال الذي اجراه برئيس تيّار «المردة» سليمان فرنجية، على خلفية اعتراض الأخير على تسمية السفير قبلان سايد فرنجية من قِبل الوزير باسيل.
وقال عضو «اللقاء التشاوري» النائب فيصل كرامي لـ«اللواء»: ان اللقاء مع الرئيس دياب كان ايجابيا وودياً، وهو ثابت على موقفه بتشكيل حكومة اختصاصيين من 18 وزيراً بعيدة عن الأحزاب، لكنها تحظى برضى القوى السياسية حتى تنال ثقة المجلس النيابي.
وحول ما يُقال عن عقدة في التمثيل السني؟ قال كرامي: من قال ان هناك عقدة اوإشكالية في التمثيل السني؟ البعض يُطلق الكذبة ويصدقها.الرئيس دياب مرتاح لهذه الناحية.
وعما طرحه اللقاء التشاوري على الرئيس المكلف؟ قال: «نحن لم نطرح شيئا خاصاً، ما يهمنا هي وحدة المعايير في اختيار الوزراء الاختصاصيين وتحظى برضى القوى السياسية التي سمّته لرئاسة الحكومة وبرضى الشريحة الواسعة من الشارع».
وتوقع كرامي تشكيل الحكومة مطلع السنة المقبلة.
وكان دياب قد التقى أو اتصل امس الاول، بعدد من القوى السياسية، ومنها رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال ارسلان والحزب السوري القومي الاجتماعي ورئيس «القوات اللبنانية» سميرجعجع، و تيار «المردة»، وهو سيتواصل مع كل القوى السياسية.
وقالت مصادر من التقاهم دياب: انه يتمتع بإيجابية برغم كل العقبات المفتعلة التي توضع امامه. وهو مصرعلى تشكيل الحكومة برغم الاعتراض المبرمج سياسياً وفي الشارع، وسيختار شخصيات سنية ذات مصداقية وتُرضي معظم الشارع السني لا سيما البيروتي التقليدي.
واوضحت المصادران دياب يعمل بتروٍ من اجل الخروج بحكومة تضم اسماء مقبولة من الداخل والخارج وقادرة على الانتاج ومعالجة الازمة القائمة.
وفي هذا الصدد سمع دياب خلال اتصاله برئيس المجلس الاعلى للحزب السوري القومي الاجتماعي النائب اسعد حردان، توصيفاً للحكومة المطلوبة ولم يسمع مقترحات بأسماء للتوزير، وسمع منه «ان المطلوب معالجة كل المشكلات المطروحة من اجل تخفيف معاناة الناس، لا تصفية حسابات سياسية تكون نتيجتها على حساب الناس كما يحصل الان».
اما اللقاء مع النائب ارسلان فقالت اوساطه، انه تطرق للامور العامة المتعلقة بتشكيل الحكومة وسبل الخروج من الازمة الحالية. ولم يتم التطرق الى تفاصيل محددة حول تشكيل الحكومة.
ولم يعرف ما إذا كان دياب طلب موعداً من المستقبل، لكن موقف المستقبل على حاله كما حدده الرئيس سعد الحريري، لا مشاركة ولا ثقة.
ملابسات ترقية العقداء
في هذا الوقت، بقي مرسوم ترقية ضباط الجيش، من رتبة عقيد إلى عميد، موضع ملابسات، بسبب الخلل الطائفي الذي يتضمنه المرسوم لمصلحة الضباط المسيحيين ورفض رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري توقيعه لهذا السبب ومعه وزير المال علي حسن خليل، ما دفع وزير الدفاع الياس بو صعب إلى إرسال المرسوم والجدول الملحق كما هو إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء لحفظ حقوق هؤلاء الضباط، مقترناً بتوقيعه.
وكان الوزير بو صعب، شرح في ندوة صحافية عقدها في قصر بعبدا، بعد وضع الرئيس عون في تفاصيل وخلفيات المرسوم، اعترف فيها بوجود خلل في التوازن الطائفي، لكنه برره بإشكالية متعلقة بتخفيض عدد العمداء في الجيش، على اعتبار ان هذا التخفيض يكون عند الترقية سنوياً الى رتبة عميد مقارنة بهرمية الجيش لا بحرمان من يستحق الترقية، من دون ان يعني ذلك انه إذا لم تتم ترقية أحد هذا العام فلن تتم الترقية العام المقبل.
وقال انه على هذا الأساس حصل تواصل مع الرئيس الحريري لابلاغه بإمكان تخفيض عدد الترقيات لهذا العام إلى 126 عقيداً من أصل 181، مع حفظ حق من لا تتم ترقيته إلى العام المقبل أو العام الذي يليه.
وأوضح بوصعب انه ما زال لديه ثلاثة أيام قبل نهاية العام وإذا انتهى دون توقيع جدول القيد للترقيات سيخسرها الضباط الذين يستحقون الترقية جميعاً كي يصبحوا عمداء، لافتاً النظر إلى انه بقي لديه خياران اما توقيع جدول القيد كما هو أو ان نحقق تسوية لم نتمكن من التفاهم عليها، مشيراً إلى انه لن يقبل بأن يظلم ضباطاً في الجيش بمنع ترقيتهم إلى رتبة عميد عبر عدم توقيع الجدول، علماً ان الترقيات العالقة، وفق صعب تشمل ضابطاً في قوى الأمن الدخلي والأمن العام وأمن الدولة.
وما لم يذكره الوزير بوصعب، كشفته معلومات خاصة بـ«اللواء» بأن موضوع الترقيات أخذ نقاشاً مستفيضاً داخل المجلس العسكري، بسبب الخلل الطائفي الذي يبلغ أكثر من حدود النصف بالنسبة لعدد الضباط المسيحيين، وكان الرأي داخل المجلس العسكري يميل لصالح تحقيق التوازن بقدر الإمكان وانه لا يجوز تجاوز رأي رئيس الحكومة، لأن حكومته مستقيلة، لكنه الظاهر ان هذا الرأي لم يؤخذ به.
تزامناً، أفاد المكتب الإعلامي لرئيس حكومة تصريف الأعمال، ان الرئيس الحريري وقع جميع مراسيم ترقية الضباط التي اعدتها قيادة الجيش، كما وردت إليه، لكن هذا البيان اثار لغطاً، لأن الوزير بوصعب كان أعلن ان الحريري يمتنع عن توقيع مرسوم ترقية العمداء بسبب الخلل الطائفي، لأن عدد الضباط المسيحيين المنوي ترقيتهم يوفق عدد الضباط المسلمين، متكفياً بتوقيع مرسوم ترقية العقداء وما دون.
وكشفت معلومات، انه بالإضافة إلى الحريري، فقد امتنع وزير المال أيضاً عن توقيع المرسوم، ورفض مكتبه استلامه أمس بحجة ان الوزير غير متواجد في المكتب، وبالتالي فإن مرسوم ترقية العقداء، لم يصل اساساً إلى مكتب الحريري من أجل توقيعه، وهذا ما يُبرّر إشارة المكتب الإعلامي بأن الحريري وقع المراسيم كما وردت إليه.
تقرير بلومبيرغ
مالياً، وفيما أعاد الرئيس عون الأزمة الاقتصادية والمالية التي يعيشها لبنان إلى انها ليست وليدة الحاضر، بل عمرها 30 سنة، بدأت منذ ان تحول الاقتصاد إلى اقتصاد سياحة وخدمات، وتراكمت عليه الديون دون ان تعمد الدولة إلى تسديدها فوقعت في عجز كبير، نشرت وكالة «بلومبيرغ» الأميركية تقريراً رصدت فيه المخاطر التي ينبغي للمستثمرين الالتفات إليها في الشرق الأوسط في العام 2020، محذرةً من أنّ لبنان ليس بمنأى عن تداعياتها.
ونبّهت الوكالة من قدرة تعثّر لبنان عن سداد ديونه على زعزعة استقرار المنطقة، مشيرةً إلى أنّ الأنظار تتجه إلى 9 آذار المقبل، حين يُفترض سداد سندات خزينة بقيمة 1.3 مليار دولار؛ علماً أنّ لبنان الذي لم يتخلّف مرة عن الوفاء بالتزاماته خلال الحرب والصراعات السياسية، سدّد الشهر الفائت استحقاق سندات يوروبوند بقيمة 1.5 مليار دولار.
وأوضحت الوكالة أنّ المسألة تتعلق اليوم بأي مدى يمكن للبنان الاستفادة من احتياطات العملة الأجنبية، تزامناً مع عمله على احتواء أسوأ أزمة عملة منذ ربط الليرة بالدولار قبل عقديْن من الزمن.
وكان لرئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب جوزيف طربيه موقف من بكركي اذ طمأن أن ودائع المواطنين وغيرهم في أمان، والقطاع المصرفي اتخذ اجراءات تتيح حماية هذه الودائع، والدولة تضع تشريعات لرفع قيمة ضمان معظم الودائع في لبنان، فلا خوف على المودعين ولا على ودائعهم، كما قال.
وأشار إلى أن مصرف لبنان قادر على الحفاظ على سعر صرف الليرة إذا ما التزمت الدولة موازنة شفافة، صادقة ومتوازنة تضمن عصرا جديا للنفقات يتيح ايجاد التوازن بين الواردات والنفقات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البناء
المناورات الروسية الصينية الإيرانية في الخليج ترسم توازنات الأمن الدولي والإقليمي للمنطقة
مخاض الحكومتين العراقية واللبنانية مترابط… ومصادر دبلوماسية تدعو للتريّث
الحريري بين تصعيد لن يؤدي لاعتذار دياب… وتهدئة قد تحفظ المواقع وتخفّف الخسائر
خلافاً للمتداول في المشهد الإعلامي عن قرب صدور التشكيلة الحكومية الجديدة في لبنان، دعت مصادر دبلوماسية مطلعة للتريث بانتظار جلاء بعض الغموض في المشهد الإقليمي، خصوصاً في ظل الترابط بين مخاض الحكومتين اللبنانية والعراقية، حيث التعامل الأميركي الإيجابي مع الحكومة الجديدة في لبنان، الذي حملته زيارة المبعوث الأميركي معاون وزير الخارجية ديفيد هيل إلى بيروت، لا يزال مطلوباً لنجاح الحكومة في مخاطبة مصادر التمويل الدولي، لكنه ينظر بعين واحدة للمشهدين اللبناني والعراقي من خلال قراءته لمستقبل قوى المقاومة في أي تركيبة سياسية جديدة فيهما. وعلى المستوى الغربي لا تبدو المواقف التي كانت تضغط على لبنان بتسريع ولادة الحكومة بالحرارة ذاتها، حيث صار الحديث عن أول شباط كموعد مقبول لولادة الحكومة، ما يعني منح الفرصة لتفاوض يجري خلف الكواليس لترتيب تفاهمات تطال المأزق الحكومي العراقي في ظل تجاذب بلغ ذروته مع نصف الاستقالة التي تقدّم بها الرئيس العراقي والتي عطلت تسمية رئيس جديد للحكومة وتلويح رئيس مجلس النواب بالتعامل معها كاستقالة كاملة، وتولّيه مهام رئاسة الجمهورية وقيامه لتسمية مرشح كتلة البناء التي تضم قوى المقاومة ليتولى تشكيل الحكومة الجديدة.
الشهر العراقي يشكّل مناسبة لبنانية لترتيب الأوراق الحكومية، التي ليست كما تقول التسريبات للتشكيلات المتداولة، ولم تتجاوز بعد نصف الطريق في النظر لبعض الأسماء والحقائب، فيما تقول مصادر متابعة إن ترتيبات واسعة في المنطقة تبدو في الأفق خلال الشهور المقبلة، سواء في الملف اليمنيّ، أو مستقبل سورية الذي بات واضحاً يستعد لخروج القوات الأميركية والتركية، أو الانتقال التركي نحو ليبيا ومشروع مواجهة مصرية تركية تجعل الوساطة الروسيّة ضرورة حيوية تدخل من خلالها موسكو على خط التموضع في ساحل أفريقيا الشمالي الذي أخرجت منه عنوة بالتدخل العسكري لحلف الناتو في ليبيا، وتأتي المناورات الروسية الصينية الإيرانية في مياه الخليج لترسم وضعية محور عسكري دولي إقليمي حاضر في أمن الخليج، بالتوازي مع المحور المقابل الذي تقوده واشنطن ويضمّ السعودية والإمارات. وهذا يعني تشكيل خريطة طريق لمؤتمر الأمن الخليجي الذي يجري الحديث عن انعقاده في ربيع العام المقبل تحت علم الأمم المتحدة، ويفترض أن يكون أول منصة دولية إقليمية مباشرة تجمع طهران وواشنطن، في استعادة لمؤتمر دول جوار العراق الذي ضمّ إيران والسعودية وسورية وتركيا والأردن والكويت إضافة للدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وشهد أول حوارات إيرانيّة أميركيّة.
خلط الأوراق في المنطقة الذاهبة لترسيم توازنات التسويات، يفرض الهدوء على اللاعبين المحليين وعدم التسرّع في خطواتهم، كما قالت مصادر متابعة تنفي أن تكون الحكومة الجديدة قد انتقلت من النار الهادئة إلى النار الحامية، وتقول إن اجتماعات ستشهدها الأيام والأسابيع المقبلة بين الرئيس المكلف والكتل النيابية، سيتمّ خلالها تداول الكثير من الأسماء والصيغ المقترحة لتوزيع الحقائب وتليها اجتماعات تشاورية بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف قبل أن ينعقد اللقاء الحاسم بينهما الذي تخرج منه التركيبة الحكومية الجديدة. ومن المنظار ذاته الداعي للتروي قالت المصادر المتابعة إن رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري الذي قاد تحركات تصعيدية في الشارع بوجه الرئيس المكلف وأوصل رسالته لجهة مكانته الشعبية ومحورية دوره في تمثيل طائفته، ليس مضطراً لمواصلة تصعيد لن يؤدي إلى اعتذار الرئيس المكلف وقد تؤدي إلى فتح الأبواب على مواجهة تستمر بعد ولادة الحكومة، لن يتركه خصومه خلالها ليستخدم مؤسسات ومواقع حكومية لتوفير حمايات ومقدّرات لمن يستهدف الحكومة. وهو لذلك مدعوّ لتحكيم العقل والمصلحة السياسية لتياره وترك الفرص والخطوط مفتوحة لعودته اللاحقة لرئاسة الحكومة، طالما أن المصلحة الوطنية واضحة أيضاً في ترجيح الحاجة لخيار التهدئة.
وبعد أسبوع على تكليفه زار الرئيس المكلف حسان دياب بعبدا والتقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على مدى ساعتين، حيث وضع الرئيس دياب الرئيس في جو الاتصالات التي أجراها مع مختلف الفرقاء. وتطرّق البحث إلى مسألة توزيع الحقائب بحسب المعلومات التي أشارت الى أن «دياب اتفق مع عون على لقاء يُعقد بينهما بداية الأسبوع المقبل بعد جوجلة مشاورات سيُجريها دياب مع المعنيين بالتأليف»، وتشير معلومات «البناء» الى أنه «تم الاتفاق بين جميع القوى السياسية على أن تكون الحكومة من 18 وزيراً مع دمج بعض الوزارات وأنها ستكون من الوزراء الاختصاصيين ولن يكون فيها سياسيون ولا حزبيون ولا نواب حاليون». وفيما سرت إشاعات بأن رئيس التيار الوطني الحر حضر الاجتماع بين عون ودياب، نفت قناة أو تي في الخبر مؤكدة بأن باسيل لم يحضر اللقاء والهدف من تسريبه التشويش على عملية التأليف. وبات من المحسوم أن الحكومة الجديدة لن تولد قبيل رأس السنة الحالية، بل مؤجلة الى مطلع العام المقبل، كما تؤكد مصادر القصر الجمهوري.
وسبق لقاء عون دياب، مشاورات مكثفة أجراها الأخير مع مختلف القوى السياسية لا سيما رئيس المجلس النيابي نبيه بري وتيار المردة والنائب طلال ارسلان واللقاء التشاوري للسنة المستقلين الذين زاروا منزل دياب، وأكدوا بعد اللقاء أن الأجواء إيجابية.
وبحسب مصادر «البناء» فإن «الرئيس المكلف قدم لائحة بأسماء وزراء للأطراف السياسية، لكنها قوبلت بالرفض لا سيما بما خصّ حصة الثنائي الشيعي»، كما قدّم الوزير باسيل لدياب لائحة بأسماء وزراء للتيار الوطني الحر، كما علمت أن الرئيس المكلف يحاول اختيار وزراء من الطائفة السنية يكونون مقربين من تيار المستقبل لإرضائه، لكنه يجد صعوبة بذلك، حيث رفضت أكثر من شخصية عرض التوزير بعدما تلقوا اتصالات من جهات سياسية وروحية حذّرتهم من القبول». وفي السياق عرض الرئيس المكلف على مدير عام قوى الأمن الداخلي السابق اللواء إبراهيم بصبوص تولي وزارة الداخلية، لكنه رفض». وقالت مصادر الحزب الاشتراكي لـ»البناء» إن الرئيس المكلف لم يتواصل مع قيادة الحزب حتى الساعة ولم يبحث أحد معنا المشاركة في الحكومة، مشيرة الى أن الحزب اتخذ قراره بعدم المشاركة في الحكومة واختيار الوزير الدرزي في حكومة الـ 18 وزيراً من مسؤولية الرئيس المكلف ولن نتدخل في الأمر».
أما تيار المستقبل فلم يعلن موقفاً جديداً من عملية التأليف، لكن دلت تصريحات مسؤوليه ونوابه على أن التيار سينتقل الى صفوف المعارضة مع القوات اللبنانية والاشتراكي والكتائب، اضافة الى التصعيد ضد الرئيس دياب في السياسة وفي الشارع وإثارة مسألة الميثاقية مجدداً في وجهه لعرقلة التأليف لدفعه الى الاعتذار.
وعلمت «البناء» في هذا السياق، أن روابط وقادة في تيار المستقبل في مناطق بيروت والبقاع والشمال وطريق بيروت – صيدا الساحلي يعدّون العدة للبدء بمسلسل جديد لقطع الطرقات في بداية العام المقبل، احتجاجاً على إقصاء الرئيس سعد الحريري عن رئاسة الحكومة، كما سيحاولون استدراج شارع مقابل شارع للضغط على الرئيس المكلف»، لكن مصادر سياسية تشير لـ «البناء» الى أن «الحريري لم يعد يستطيع عبر تحريك الشارع إزاحة دياب والعودة الى السرايا الحكومية، وهو يدرك ذلك، بل التصعيد في الشارع أبعد من المعادلة الحكومية الجديدة التي ارتضاها الحريري بملء إرادته، لكنه يحاول القيام بضربات استباقية للدفاع عن مواقع تيار المستقبل في الدولة والمؤسسات ورموزه في القضاء والإدارة والمؤسسات المالية والأمنية والعسكرية وغيرها. وتحرّكاته وتصريحه أشبه برسائل نارية من بيت الوسط باتجاه تلة الخياط لعدم مسّ الرئيس دياب بأي من هذه المواقع تحت طائلة المسؤولية»، وكان الرئيس بري حذّر الرئيس الحريري بعدم اللعب بالنار في الشارع.
وقالت مصادر إحدى المجموعات الفاعلة في الحراك الشعبي لـ»البناء» إن عدداً من مجموعات الحراك في ساحة رياض الصلح ومناطق أخرى لا يهمهم تركيبة الحكومة ووزراءها بقدر ما يركزون على برنامج عملها وسياساتها وبيانها الوزاري لا سيما على الصعد الاقتصادية والمالية وقراراتها تجاه الفئات الشعبية الفقيرة، مشيرة الى أننا ضد الحكم المسبق على شخص الرئيس دياب وعلى أي وزير آخر في الحكومة العتيدة بل الحكم يكون على البيان الوزاري وبرنامج العمل والقرارات التنفيذية». ولفتت الى أن «التباين بين مجموعات الحراك موجود منذ الأسابيع الاولى للثورة ولا يزال موجوداً حتى الآن وكل مجموعة تعبر عن تطلعاتها، لكن تعمل المجموعات على التنسيق فيما بينها والاتفاق على قرار موحّد»، لكن المصادر تكشف أن «هناك مجموعات مشبوهة تسللت الى داخل الحراك وتعمل على سرقته او ركوبه لتحقيق غايات سياسية، إضافة الى تسريب قيادات للحراك بعيدة كل البعد عن الحراك الحقيقي ويجري إظهار هذه القيادات عبر وسائل اعلام محلية وفضائية حيث يجري تسليم قنوات لبنانية لائحة بأسماء قيادات للتحدث باسم الحراك في الساحات ومن على منابر واستديوات القنوات»، كما تكشف أن «مجموعات تيار المستقبل التي جاءت الى ساحات الحراك أكدت أن قيادة المستقبل هي من طلبت منهم الحشد في الشارع».في غضون ذلك، لاحظت مصادر سياسية أن المواقف الدولية من تكليف دياب حتى الآن، أظهرت أن أي دولة لم تعترض على تكليفه بما فيها الولايات المتحدة وفرنسا ودول الخليج، ما يوحي بإيجابية على صعيد الدعم المالي الدولي للبنان من جهة وعدم ربط المساعدات المالية بوجود الحريري على رأس الحكومة، وأعلنت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان أمس، أن «مجموعة الدعم الدولي مستعدة لمساندة لبنان ومرافقته على هذا الطريق»، مشيرةً الى انه «ليس لها أن تقرر تكوين الحكومة اللبنانية المستقبلية، وانما الأمر متروك الى اللبنانيين»، متمنيةً «تشكيل حكومة فعّالة تساعد على اتخاذ القرارات بسرعة كبيرة، وتلبي هذه القرارات مطالب الشعب اللبناني«.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأخبار
هل تأخير التأليف مقصود لعودة الحريري؟ حكومة دياب إلى العام الجديد
لا يبدو أن حكومة الرئيس المكلّف حسان دياب ستُبصر النور قبل نهاية العام. الولادة لا تزال عالقة في التفاصيل، سواء في شكل الحكومة أو طبيعة الوزراء وأسمائهم.
على مشارِف نهاية العام، حالت التباينات بين تحالف رئيس الجمهورية ــــ التيار الوطني الحر ــــ حزب الله وحركة أمل من جهة، والرئيس المُكلف حسان دياب من جهة أخرى، دون ولادة حكومته قبل السنة الجديدة. إذ لا تزال بعض التعقيدات تعترض مسارها، ما يؤشّر الى أن التسلّم والتسليم بينه وبين رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري سيؤجّل الى ما بعد رأس السنة، وربما لن يكون قريباً!
حتى الآن، ثمة قطبة مخفية تدفع في اتجاه التساؤل ما إذا كان البعض لا يزال يعوّل على الحريري، ويتعمّد تأجيل التأليف، إفساحاً في المجال أمام عودة الأخير الى الحكومة. إذ لا شيء يُبرّر ترك البلد للفراغ، وهو يحترق فوق جمر الأزمة السياسية ــــ المالية ــــ النقدية ــــ الاقتصادية التي تتفاعل منذ أشهر، ومن المرجّح أن تزداد حدة مع مرور الوقت، علماً بأن التأليف لن يكون بداية حلّ، بل مقدمة لأزمات أخرى تنتظر الحكومة العتيدة، بدءاً من ثقة الشارع الملتهِب منذُ ١٧ تشرين الأول الماضي، أُضيف إليه «ميني انتفاضة سنيّة» على ما اعتُبِر «تعييناً لدياب من الطوائف الأخرى ومن دون أي غطاء سنّي».
ومع دخول دياب أسبوعه الثاني رئيساً مُكلفاً، يبدو التأليف بعيداً عن المهلة الزمنية التي سبق أن حددها لنفسه، وهي شهر كحدّ أقصى. فاللقاءات التي يعقدها في العلن أو بعيداً عن الأضواء، والتي شملت في الساعات الماضية رئيس الجمهورية، والنائب طلال أرسلان والوزير يوسف فنيانوس واللقاء التشاوري، لم تؤدّ الى إتفاق كامل، سواء في شكل الحكومة أو طبيعتها أو عددها. ذلك أن المعلومات التي توافرت عن الصيغة الحكومية التي يعمل عليها دياب، تشير الى أنها ستكون مُصغرة من ١٨ وزيراً. لكن الوزير جبران باسيل وثنائي حركة أمل وحزب الله يفضلون أن تكون من ٢٤ وزيراً. أما بالنسبة إلى خلفيات الوزراء، فيُصرّ دياب على اختصاصيين، فيما فريق ٨ آذار يتمسّك بوزراء اختصاصيين ببدلات سياسية، وبطبيعة الحال «وجوه غير نافرة». وإذ أشارت معلومات الى أن كل الأسماء التي انتشرت بوصفها مطروحة للتوزير «ليست جديّة»، بحسب مصادر مطلعة، علمت «الأخبار» أن دياب «اقترح ضابطاً متقاعداً من الشمال لوزارة الداخلية، لكن عون تحفّظ، كما رُفض اقتراحه توزير شادي مسعد في الدفاع، بينما لم يحسم بعد الموقف من تفضيله وسيم منصوري في المالية، وغسان العريضي من الحصة الدرزية». ولا تزال بعض الأسماء متداولة كحسن اللقيس للزراعة، دميانوس قطار للخارجية، زياد بارود للعدل وجميل جبق للصحة. فيما يُعاني دياب من مشكلة التمثيل السني حيث يصطدم بتراجع معظم الذين يتحدث إليهم لتوزيرهم. وهذه النقطة كانت مسار بحث بين دياب واللقاء التشاوري، في اجتماع طالب فيه اللقاء بتمثيل وزاري للمناطق التي يمثلها أعضاؤه. من جهة أخرى، علمت «الأخبار» أن دياب التقى مساء أمس الوزير علي حسن خليل والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين الخليل. وشهد الاجتماع نقاشاً في الحقائب الشيعية. وبحسب المصادر «هناك بعض القواسم المشتركة، وبعض النقاط التي لا تزال عالقة، لكن الأكيد أن وزارتَي الصحة والمال ستعودان للثنائي». كذلك التقى دياب كلاً من: النائب طلال أرسلان، النائب أسعد حردان والوزير يوسف فنيانوس ممثلاً رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.
دياب التقى «الخليلين» مساء أمس لنقاش الحصة الشيعية في الحكومة
وبينما لا تزال عملية التأليف تصطدم بعقبة التمثيل السني، فإنها تفتقد أي غطاء سياسي وديني من داخل الطائفة، إذ تكرر شخصيات سنية رفضها لهذا التكليف في موازاة الفيتو الموضوع من دار الفتوى على خيار دياب والتجييش الذي يديره تيار المستقبل ورئيسه سعد الحريري الذي سبق أن أشار الى عدم مشاركته في الحكومة، وأكد أنه «لن يُعطي دياب الغطاء ولا الثقة». وفي هذا الإطار، قالت أوساط سياسية إن «الإجماع على رفض دياب لا يعكس حقيقة الموقف السني، بحيث إن الكلام في الكواليس يحمّل الرئيس الحريري مسؤولية ما آلت إليه الأمور». فهو من رفض التكليف، ولم يلتزم بكل ما كان قد وعد به خلال التفاوض. وهو من انتظر أسبوعاً بعد تكليف دياب لإعلان موقف واضح». وأشارت المصادر الى أن «رفض دار الفتوى استقبال دياب لا يلغي حقيقة أنها غير راضية عن أداء الحريري، لكنها لن تخرج بموقف نافر في مثل هذا الظرف».
إسرائيل ولبنان: سباق تعاظم القدرات… ومحاولات صدّها
يمكن إسرائيل أن تتحدث ما تشاء حول التهديدات التي تحيط بها، سواء في الدائرة الأقرب او الأبعد. ويمكن، أيضاً، أن «تخطف» ضربة معلنة هنا وأخرى مستترة هناك، معتقدة أنها قادرة على تشويش التهديدات ومنابعها وتعاظمها. لكن، في الواقع، فقد خرجت الأمور عن قدرتها الذاتية في مواجهة القدرات الحالية (المستقبلية القريبة) لأعدائها، رغم كل «الفذلكات» الكلامية التي تصدر عن تل ابيب.
في الصفحة الأولى من التوصيف الكلي الواقعي لمبنى القوة والمنعة الإسرائيليتين يتأكّد، يوماً بعد يوم، ان المبنى أكبر بكثير من مكوّناته الحقيقية. لا يعني ذلك ان لا قدرة إسرائيلية معتدّ بها، لا بل إنها ــــ في مجالات كثيرة ــــ متقدمة الى حد تتعذر مجاراته. لكن، في المشهد الكلي للمعادلة، تبقى إسرائيل الكيان الذي لا يمكن ان يهدد وجودياً محور أعدائه ومنابع قدرتهم، وتحديداً ما يتعلق بـ«المركبات الأعظم» لهذا المحور. كما انها لم تعد الكيان الوظيفي الذي يُهدّد الآخرون به أعداءهم وخصومهم.
القدرة على تحليق الطائرات، قريباً او بعيداً، وتوجيه حمولتها نحو هذا الهدف او ذاك، لا يغير كثيراً من المعادلات. والأمر نفسه ينطبق على كثرة الكلام ووفرة المواقف والتهديدات. هذا الواقع، تحديداً، هو اهم التهديدات الماثلة امام إسرائيل: كيف نقنع الأعداء، وأنفسنا، بأن إسرائيل قادرة على اجتثاث تهديد اعدائها رغم انه يتعذر عليها ذلك؟
وينسحب ذلك على لبنان ربطاً بتموضعه الدفاعي في وجه إسرائيل. اذ بات مصدر تهديد رئيسي متعاظم، قريب ودقيق وحازم، يمنع إسرائيل في حال تعاظمه أكثر، إمكانات فرض ارادتها بما يتجاوز الساحة اللبنانية نحو الدائرة الأوسع إقليمياً، الأمر الذي يعد أكثر من تهديد استراتيجي، ويفتح شهية عدد من المسؤولين الاسرائيليين على المطالبة بخيارات متطرفة، مع رهان على تحقيق «نتائج طيبة»، من دون التسبب بحرب واسعة هي، للمفارقة، جزء لا يتجزأ من هذا الخيار.
من على منبر «هرتسيليا» الشهير، تحدث رئيس اركان الجيش الإسرائيلي افيف كوخافي، الأربعاء الماضي، موصفاً تهديدات «محور الأعداء» من ايران، مروراً بالساحتين العراقية والسورية، وصولاً الى حزب الله في لبنان وقطاع غزة في فلسطين المحتلة، مع التشديد على تنامي هذه التهديدات وإصرار هذا المحور على تعظيمها. وهو استفاض في شرح التهديد وما آل اليه، وما تقدر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية انها ستؤول اليه اكثر في المستقبل، واعداً بالعمل على منعه.
لا يقاس ما ورد على لسان كوخافي ربطاً بعباراته المباشرة، بل بالعبارات التي ظهّرت تراجعاً نسبياً في الحزم، وإن أريد لها ان تكون مشبعة بروح الإصرار على مواصلة مواجهة «تهديد» إيراني وحزب الله وحلفائهما، والذي لم يعد مرتبطاً بساحة واحدة، بل بساحات متعددة من شأنها ان تزيد تعقيدات المواجهة على إسرائيل، إن كان لديها استراتيجية فعالة قادرة على تحقيق النتائج الكلية للصد ومنع التهديدات.
برز في الكلمة التشديد على وجود «سباق» بين تعاظم تهديد ايران وتمركزه في ساحات المواجهة، وبين عمل إسرائيل على منعه وصده؛ محاولة تبرئة إسرائيل من تعاظم التهديد، وتحديداً تطور الأعداء في مجال الصناعات الصاروخية الدقيقة، بالإشارة الى ان تقنيات التطور الصاروخي باتت متاحة للجميع، دولاً وجهات؛ وكذلك الإشارة الى تطور القدرة لدى الأعداء، ومن بينهم حزب الله، في «المجال الطيفي»، في إشارة الى القدرة على التوجيه الصاروخي والتشويش على مساراته، ما يمكنها من تجاوز المنظومة الدفاعية الإسرائيلية على اختلافها؛ وفي الأساس، تشديد كوخافي على ان إسرائيل كانت تتمنى ان لا تكون وحيدة في مواجهة ايران، بل ان تكون شريكة للآخرين ممن لم تعد تراعي (ايران) تهديداتهم وقدرتهم الردعية، في إشارة الى الولايات المتحدة وحلفائها الخليجيين الممتنعين عن المواجهة مع اسرائيل.
تحت عنوان «الجيش الإسرائيلي ــــ التحديات والردود»، جاء في كلمة كوخافي:
«دولة إسرائيل هي نجاح هائل. مهمة الجيش الإسرائيلي هي حماية هذا النجاح. لكن ليس بالمعنى الضيق للكلمة، بل عبر توفير الأمن من دون حروب. ولكي ندفع الشعب الإسرائيلي للبقاء هنا، علينا تحقيق فترات امن واستقرار، مصحوباً بخلق حالة من اليأس لدى الأعداء، بأن ليس لديهم القدرة على تحقيق أهدافهم ضد اسرائيل.
هناك تغيير وارتفاع حدة في التهديدات، اذ تنشط ضدنا كل الساحات المحيطة بنا في الدائرة الأولى. في الأشهر الأخيرة، لم يكن هناك ساحة دون إنذارين على الأقل. الأسلحة من العراق تنقل بشكل حر، ولا يمكننا البقاء دون معالجة هذا التهديد.
يوجد في سوريا قوات القدس وحزب الله، وفي غزة وكلاء عن ايران. هناك تضخم هائل في الأنشطة الإسرائيلية السرية في هذه المعركة، وسنواصل هذه العمليات التي تستهدف منع تعاظم قوات القدس في سوريا، ومنع تهديد الصواريخ الدقيقة (في لبنان). وسنستمر بالعمل في كل الدوائر والدول.
التكنولوجيا العسكرية للتصنيع باتت متوفرة، وموجودة لدى متطرفين وأعداء مريرين، وهم ليسوا بحاجة الى صناعات عسكرية مساندة على مستوى دولة، الأمر الذي يسمح لهم بتحويل الصواريخ الى صواريخ نوعية دقيقة بشكل سهل جداً. من جهتنا، نسعى بشكل كبير جداً إلى منع أعدائنا من امتلاك هذه القدرات، وفي حالات، قد نصل الى حافة المواجهة، والى المواجهة نفسها.
إيران تواصل انتاج صواريخ دقيقة تصل الى إسرائيل، ومئات منها باتت موجودة، بشكل خفي دون دراية حولها. الصناعات العسكرية الإيرانية اكبر بكثير من الصناعات العسكرية في إسرائيل، ولدى قوات القدس في سوريا، ولدى حزب الله، قدرة تشويش على الطيف الالكتروني واستخداماته، إضافة الى منظومات الدفاع الجوي ضد أسلحة الجو وصواريخه.
هناك احتمال لا يمكن استبعاده بالمطلق، في ان نصل الى مواجهة مع إيران، ونحن نستعد لذلك، وإن كنا لا نحبذه. علينا مواصلة اقتلاع الأسلحة الإيرانية في سوريا، علماً انه كان من الأفضل لو لم نكن وحدنا نعمل ضد الإيرانيين. الايرانيون هم العدو الفوري والآني ضد إسرائيل. وإن كانت الحرب ليست أبداً هي المخرج الأخير، لكن أحياناً هي أيضاً الحل في الحالات التي تستنفد فيها كل الوسائل الدبلوماسية والخيارات البديلة».
في كلمة كوخافي «خلطة» من الحزم المعلن والحذر والتأني، إضافة الى التحفظ غير المباشر عن إخفاقات ماضية ومستقبلية. مع ذلك، الكلام الذي يحمل الحزم، والحديث وإن المستبعد عن الحروب والأيام القتالية، يثير أكثر من علامة استفهام حول الآتي، وحول إن كانت إسرائيل فعلاً امام قرارات متطرفة قد تفضي الى ما قال كوخافي، انها قد تتسبب بملامسة المواجهة او المواجهة نفسها.
السؤال الافتراضي التقليدي الذي لا يتزحزح من امام الجانبين، هو: هل تنشب المواجهة أم لا؟ الإجابة تبقى على حالها، مع كثير من التعقيدات: «لا» كبيرة مصحوبة بـ«لكن» كبيرة. اذ لا علاقة بما لدى إسرائيل من قدرة على إيذاء لبنان، وهي قدرة واسعة جداً، بالنتيجة التي تريدها: اجتثاث التهديد ومنع تعاظمه. إن كانت قادرة على اجتثاث التهديد، فلا يصعب التقدير انها ستبادر، او ستعمل على موازنة النتيجة، مع الكلفة. لكن ان لا تكون النتيجة محققة (اجتثاث التهديد)، وفي الوقت نفسه تلقي الإيذاء من حزب الله، فيصعب التقدير ان إسرائيل ستبادر في هذه الحالة الى المواجهة او تتسبب بها.
مع ذلك، في الإجابة عن التهديدات الإسرائيلية المتواصلة، التي تحمل الكثير من الفن الكلامي في موازاة مستويات مرتفعة جداً من رفض الإقرار بالواقع، يقال الآتي: إن كانت تل ابيب تملك خيار اجتثاث التهديد ومنع تعاظمه النوعي عبر القتال المباشر، فلتتفضل. اذ لا داعي لانتظار اخفاق «الوسائل الدبلوماسية والخيارات البديلة». وإلا، فلتلائم وضعها وتوقعاتها، مع إمكاناتها الفعلية، ولتتصارح مع جمهورها وذاتها: الوافدون الى «قوس أعداء اسرائيل»، وتعاظم قدراتهم النوعية العسكرية، أكبر بكثير مما كانوا عليه قبل «عمليات الصد» والحزم الإسرائيليين، في السنوات الماضية.